أهالي حلب متفائلون بفك الحصار.. والمعركة أملهم للبقاء في المدينة

بالونات الهيدروجين والإطارات المشتعلة وسيلة مقاومة تشوش على قصف الطيران

أهالي حي في القسم الشرقي من مدينة حلب خرجوا في مظاهرة تحت المطر تعبيرًا عن تفاؤلهم بقرب فك الحصار عنهم («الشرق الأوسط»)
أهالي حي في القسم الشرقي من مدينة حلب خرجوا في مظاهرة تحت المطر تعبيرًا عن تفاؤلهم بقرب فك الحصار عنهم («الشرق الأوسط»)
TT

أهالي حلب متفائلون بفك الحصار.. والمعركة أملهم للبقاء في المدينة

أهالي حي في القسم الشرقي من مدينة حلب خرجوا في مظاهرة تحت المطر تعبيرًا عن تفاؤلهم بقرب فك الحصار عنهم («الشرق الأوسط»)
أهالي حي في القسم الشرقي من مدينة حلب خرجوا في مظاهرة تحت المطر تعبيرًا عن تفاؤلهم بقرب فك الحصار عنهم («الشرق الأوسط»)

مستبشرين بوعود فصائل المعارضة بفك الحصار عنهم، يتفاعل أهالي الأحياء الشرقية في حلب مع أحداث المعركة التي تدور رحاها على أطراف مدينتهم. ورغم أن معركة الاستنزاف مع الحصار الذي دخل شهره الثالث لم تترك لهم الكثير ليقدموه، فإنهم يدركون جيدًا مفصلية هذه المعركة وتداعياتها عليهم.
وقد أصبح حرق الإطارات في أحياء حلب الشرقية المظهر الأبرز لتفاعل الأهالي مع المعارك التي تدور غير بعيد عن أحيائهم، حيث يتسبب الدخان المنبعث من حرق الإطارات في تشكيل سحابة سوداء تغطي سماء المدينة، فتحجب رؤية الطيران الحربي الذي لا يغادر السماء. ورغم أن هذه العملية تتم لأهداف عسكرية، فإنها أصبحت تأخذ شكل الاحتفالية في معظم أحياء المدينة، فيجتمع الأهالي في الساحات لإضرام النار في أكوام الإطارات وما جمعوه من منازلهم، ويتبادلون بحماس وتفاؤل آخر الأخبار عن المعركة، وغالبًا ما تتحول هذه التجمعات إلى مظاهرات تردد هتافات تطالب بالحرية وكسر الحصار.
يشعل أبو محمود كومة من الإطارات على مقربة من منزله في حي الميسر، وسط تجمهر بعض أهالي الحي، ويتحدث لـ«لشرق الأوسط» متفائلاً بنتائج المعركة: «الثوار وضعوا كل إمكاناتهم لفك الحصار عنّا، ونحن سنضع كل إمكاناتنا لمساعدتهم»، متابعًا: «هذه معركتنا الفاصلة، وسننتصر بإذن الله».
ولا تغيب عن المشهد مجموعات الأطفال الذين أصبح يطلق عليه محليًا «كتائب الدفاع الجوي»؛ تجوب أحياء المدينة بحثًا عن الإطارات المستعملة وكل ما يمكن إحراقه، لجلبها وإلقائها في النار بهدف إبقائها مشتعلة أطول فترة ممكنة. وخلال هذه العملية، يجد الأطفال متسعًا للعب والركض في شوارع المدينة غير مبالين بصوت المدافع وهدير الطائرات المحلقة فوقهم.
يتشارك الطفل أيمن (7 سنوات) وبعض أقرانه في دحرجة إطار وإلقائه في كومة من الإطارات المشتعلة، ويشرح سبب إشعال تلك الإطارات بقوله: «نشعل هذه الدواليب كي نمنع الطائرات من رؤيتنا»، مستطردا: «نحن نتدفّأ عليها أيضًا لأن الطقس بات باردًا».
بالونات الهيدروجين أيضًا كانت إحدى الطرق الجديدة التي ابتكرها أهالي الأحياء الشرقية لدعم فصائل المعارضة، وعرقلة حركة الطائرات في الجو.
وتقوم الفكرة على ملء بالونات مطاطية بغاز الهيدروجين، وربط قطعة معدنية بها، ثم إطلاقها في الجو. ويعتقد الأهالي أن هذه العملية قد تؤدي إلى تعطيل محرك الطائرة، إذا تم سحب هذه البالونات عبر محركات الطائرات النفاثة التي تحلق في سماء المدينة.
غير أن إبراهيم، فني الإشارة في قوات المعارضة، علق لـ«الشرق الأوسط» على فاعلية هذه الفكرة بقوله: «لم نسجل أي حالة تسببت فيها هذه البالونات بأضرار في الطائرات التي تنفذ طلعاتها الجوية فوق المدينة، لكننا رصدنا بالأمس مكالمة لاسلكية بين أحد الطيارين وبرج المراقبة في المطار (مطار النيرب)، ينبههم إلى وجود أجسام غريبة في الجو، مما تسبب بمنع الطائرة من الانخفاض وقصف أهدافها».
ومع اشتداد المعارك، وتتابع أخبار التقدم الذي تحرزه فصائل المعارضة على الجبهات الغربية لليوم الثالث على التوالي، يتناسى أهالي الأحياء الشرقية في حلب حصارهم، ليغلب عليهم الأمل والتفاؤل بانتهاء قريب لمحنتهم، فهذه المعركة أصبحت تمثل أملهم الوحيد والأخير للبقاء في مدينتهم، بعد إحكام الحصار عليها من قبل قوات النظام وحلفائه منذ أكثر من شهرين، ووضع أكثر من 300 ألف شخص بين خيار الموت أو التهجير القسري، وسط فشل الجهود الدبلوماسية الدولية في التوصل إلى حل لأكبر أزمة عرفتها سوريا منذ بدء الحرب.



الأمم المتحدة تطالب بإغاثة 10 ملايين يمني

الاستجابة الأممية في 2025 تركز على إغاثة قرابة 4 ملايين نازح يمني (الأمم المتحدة)
الاستجابة الأممية في 2025 تركز على إغاثة قرابة 4 ملايين نازح يمني (الأمم المتحدة)
TT

الأمم المتحدة تطالب بإغاثة 10 ملايين يمني

الاستجابة الأممية في 2025 تركز على إغاثة قرابة 4 ملايين نازح يمني (الأمم المتحدة)
الاستجابة الأممية في 2025 تركز على إغاثة قرابة 4 ملايين نازح يمني (الأمم المتحدة)

بالتزامن مع تحذيرها من تفاقم الأزمة الإنسانية، ووصول أعداد المحتاجين للمساعدات العاجلة إلى أكثر من 19 مليون شخص، أطلقت الأمم المتحدة وشركاؤها خطة الاستجابة للاحتياجات الإنسانية في اليمن للعام الحالي لمساعدة أكثر من 10 ملايين محتاج.

ويأتي ذلك في ظل تراجع حاد للعملة اليمنية، إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، بعد تجاوز سعر الدولار 2160 ريالاً في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، التي عجزت عن سداد رواتب الموظفين منذ 4 أشهر، بعد أكثر من عامين من تسبب الجماعة الحوثية في توقف تصدير النفط، واشتداد أزمات الخدمات العامة، وانقطاع الكهرباء في عدن حيث العاصمة المؤقتة للبلاد لأكثر من نصف اليوم.

ودعت الأمم المتحدة المجتمع الدولي والمانحين إلى توفير مبلغ 2.47 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية لليمن للعام الحالي، لتلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة لأكثر من 19.5 مليون شخص.

وجاءت الدعوة على لسان جوليان هارنيس، منسق الشؤون الإنسانية في اليمن، الذي طالب بتقديم الدعم اللازم لضمان الوصول إلى الفئات الأكثر ضعفاً وتقديم المساعدات المنقذة للحياة لـ10.5 مليون شخص، مشيراً إلى أن الجهود السابقة خلال العام الماضي، شملت أكثر من 8 ملايين شخص بدعم تجاوز 1.4 مليار دولار.

نصف الأطفال اليمنيين يعانون من سوء تغذية وتعدّ النساء والفتيات من الفئات الأكثر ضعفاً (الأمم المتحدة)

وشدَّد هاريس على أن الاحتياجات خلال العام الحالي تتطلب استجابة أوسع وأكثر شمولية لتحقيق الاستقرار وبناء قدرة المجتمعات على الصمود، منوهاً بأن تدهور الأوضاع الاقتصادية، والظروف المناخية القاسية، والتطورات العسكرية الإقليمية أسهمت في مضاعفة الاحتياجات الإنسانية.

ويواجه نصف السكان تقريباً انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، ويعيش أكثر من 13 مليون شخص في ظل نقص حاد في مياه الشرب النظيفة، بينما تعمل 40 في المائة من المرافق الصحية بشكل جزئي أو لا تعمل.

وكانت الأمم المتحدة طالبت العام الماضي بـ2.7 مليار دولار لخطة الاستجابة الإنسانية، لكنها لم تحصل سوى على تعهدات ضئيلة، ما تسبب في عجز كبير في تلبية احتياجات المستهدفين.

تناقض الاحتياجات والمطالب

ويؤكد جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أرقام الاحتياجات الإنسانية التي تعلن عنها الأمم المتحدة ووكالاتها والمنظمات الدولية، لكنه يشير إلى التناقض بين ما تعلن عنه من احتياجات ومساعيها للحصول على تمويل لتلبية تلك الاحتياجات، إلى جانب عدم قدرتها على الوصول إلى المستهدفين بسبب نقص المعلومات والبيانات، بالإضافة إلى التغيرات الديموغرافية الحاصلة بفعل النزوح.

استمرار الصراع ترك اليمنيين في حالة احتياج دائم للمساعدات (الأمم المتحدة)

وفي تصريحه لـ«الشرق الأوسط» أعرب بلفقيه عن مخاوفه من عدم إمكانية الحصول على المبالغ المطلوبة لصالح الاستجابة الإنسانية بسبب سوء الترويج للأزمة الإنسانية في اليمن لدى المانحين، لافتاً إلى أن طرق تعامل المنظمات الدولية والأممية في الإغاثة لم تتغير منذ عام 2015، رغم فشلها في تلبية احتياجات اليمنيين، وإنهاء الأزمة الإنسانية أو الحد منها.

وقبيل إطلاقها خطة الاستجابة الإنسانية للعام الحالي، حذّرت الأمم المتحدة، من اشتداد الأزمة الإنسانية في اليمن، بعد تجاوز أعداد المحتاجين إلى مساعدات إنسانية هذا العام 19.5 مليون شخص، بزيادة قدرها 1.3 مليون شخص مقارنة بالعام الماضي، مبدية قلقها على الأطفال الذين يعانون من سوء تغذية، وعلى الفئات الأكثر تهميشاً من بينهم، مثل النساء والفتيات والنازحين البالغ عددهم 4.8 مليون شخص.

وقالت نائبة رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، جويس مسويا، أمام مجلس الأمن الدولي إنّ اليمنيين ما زالوا يواجهون أزمة خطرة على الصعيدين الإنساني وحماية المدنيين، مشيرة إلى أن تقديرات النداء الإنساني للعام الحالي الذي يجري إعداده، كشفت عن تفاقم الأزمة.

وباء الكوليرا عاد للتفشي في اليمن بالتزامن مع ضعف القطاع الصحي (رويترز)

ووفق حديث مسويا، فإنّ نحو 17 مليون يمني، أي ما يقدر بنصف سكان البلاد، لا يستطيعون تلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية، وما يقرب من نصف الأطفال دون سنّ الخامسة يعانون من تأخر خَطرٍ في النمو بسبب سوء التغذية، مع انتشار مروّع لوباء الكوليرا، بينما يعاني النظام الصحي من ضغوط شديدة.

انهيار العملة

وواصلت العملة اليمنية تراجعها إلى أدنى المستويات، وتجاوز سعر العملات الأجنبية المتداولة في البلاد 2160 ريالاً للدولار الواحد، و565 ريالاً أمام الريال السعودي، بعد أن ظلت تتراجع منذ منتصف العام الماضي، وهي الفترة التي شهدت تراجع الحكومة اليمنية عن قراراتها بفرض حصار على البنوك التجارية المتواطئة مع الجماعة الحوثية.

ويرجع الخبراء الاقتصاديون اليمنيون هذا الانهيار المتواصل للعملة إلى الممارسات الحوثية ضد الأنشطة الاقتصادية الحكومية، مثل الاعتداء على مواني تصدير النفط الخام ومنع تصديره، وإجبار الشركات التجارية على الاستيراد عبر ميناء الحديدة الخاضع للجماعة، إلى جانب المضاربة غير المشروعة بالعملة، وسياسات الإنفاق الحكومية غير المضبوطة وتفشي الفساد.

العملة اليمنية واصلت تدهورها الحاد خلال الأشهر الستة الماضية (رويترز)

ويقدر الباحث الاقتصادي اليمني فارس النجار الفجوة التمويلية لأعمال الإغاثة والاستجابة الإنسانية، بأكثر من 3 مليارات دولار، ويقول إن تراكمات هذا العجز خلال السنوات الماضية أوصل نسبة تغطية الاحتياجات الإنسانية في البلاد إلى 52 في المائة.

ولمح النجار في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى تضرر الاقتصاد اليمني بفعل أزمة البحر الأحمر وما سببته من تحول طرق التجارة العالمية أو ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين، مع عدم بروز إمكانية لتحسن اقتصادي دون توقف الجماعة الحوثية عن ممارساتها أو إلزامها بالكف عنها، بالتوازي مع إجراءات داخلية لتحسين الإيرادات.

استهداف الحوثيين للسفن التجارية في البحر الأحمر ضاعف من تدهور الاقتصاد اليمني (أ.ف.ب)

وحثّ النجار الحكومة اليمنية على اتباع سياسات تزيد من كفاءة تحصيل الإيرادات المحلية، وتخفيف فاتورة الاستيراد، ومن ذلك تشجيع الأنشطة الزراعية والسمكية وتوفير فرص عمل جديدة في هذين القطاعين اللذين يشكلان ما نسبته 30 في المائة من حجم القوى العاملة في الريف، وتشجيع زراعة عدد من المحاصيل الضرورية.

يشار إلى أن انهيار العملة المحلية وعجز الحكومة عن توفير الموارد تسبب في توقف رواتب الموظفين العموميين منذ 4 أشهر، إلى جانب توقف كثير من الخدمات العامة الضرورية، ومن ذلك انقطاع الكهرباء في العاصمة المؤقتة عدن لمدد متفاوتة تصل إلى 14 ساعة يومياً.