الإعلام الروسي يتحدث عن توريط واشنطن لموسكو في النزاع السوري

بعد نفي وتأكيدات أنها لن تكون تكرارًا للتجربة المأساوية في أفغانستان

القوات السوفياتية انسحبت من أفغانستان بعد تكبدها خسائر فادحة.. هل تعيد روسيا القصة في سوريا؟ («الشرق الأوسط»)
القوات السوفياتية انسحبت من أفغانستان بعد تكبدها خسائر فادحة.. هل تعيد روسيا القصة في سوريا؟ («الشرق الأوسط»)
TT

الإعلام الروسي يتحدث عن توريط واشنطن لموسكو في النزاع السوري

القوات السوفياتية انسحبت من أفغانستان بعد تكبدها خسائر فادحة.. هل تعيد روسيا القصة في سوريا؟ («الشرق الأوسط»)
القوات السوفياتية انسحبت من أفغانستان بعد تكبدها خسائر فادحة.. هل تعيد روسيا القصة في سوريا؟ («الشرق الأوسط»)

منذ أن أعلنت روسيا خريف العام الماضي عن إرسال قوات جوية إلى سوريا للمشاركة في القتال إلى جانب النظام السوري، حذر كثيرون من تداعيات تلك العملية، واحتمال أن تتحول سوريا إلى «أفغانستان» ثانية للقوات الروسية. وإذا كان الإعلام الروسي قد سخر جهوده في العام الأول للتأكيد أن هذا الأمر لن يحدث، فإن بعض ذلك الإعلام أخذ يتوقف أخيرًا عن زيادة الانخراط الروسي في القتال على الأراضي السورية، وإرسال مزيد من القوات إلى هناك، ويشيرون إلى أن سوريا قد تتحول إلى مصيدة للروس يعمل الأميركيون على تجهيزها للقوات الروسية، كما سبق وفعلوا في أفغانستان، حين وجدت القوات السوفياتية بكل ما تميزت به حينه من قوة نفسها أمام مواجهة مع خصم كبدها خسائر فادحة ودفعها في نهاية المطاف للانسحاب، ناهيك بتأثير التورط في أفغانستان على الاقتصاد السوفياتي وعلى مزاجية الرأي العام المحلي.
تحت عنوان «المتلازمة الفيتنام - أفغانية. الولايات المتحدة تعد في روسيا خطة ضد روسيا»، كتب المحلل السياسي فلاديمير بيتشكوف مقالاً على موقع وكالة «ريا نوفوستي» ينطلق فيه من مقارنة للنتائج التي خلفها تزويد الولايات المتحدة للمجاهدين الأفغان بصواريخ محمولة على الكتف، واحتمال قيامهم بهذا الأمر في سوريا، ويقول إن «إدارة الرئيس أوباما تنظر بجدية في إمكانية تزويد المعارضة السورية بأسلحة للتصدي للقوات الجوية الروسية»، إلا أن الأمر بقي معلقًا في نهاية المطاف، لأن إدارة أوباما لا تشاطر قادة البنتاغون والاستخبارات المركزية تفاؤلهم بشأن إرسال أسلحة جدية إلى سوريا، حسبما كتب بيتشكوف ليحذر بعد ذلك من أن «الولايات المتحدة لديها سابق تجربة، وكانوا يزودون (المجاهدين) في أفغانستان بصواريخ ستينغر لمجابهة القوات السوفياتية»، لكنه يرى أن تلك المساعدات الأميركية انقلبت في النهاية ضد الولايات المتحدة، حين شن إرهابيو «القاعدة» هجمات ضد برجي التجارة في نيويورك.
انطلاقًا من هذه الرؤية في نقاشه لاحتمال سعي الأميركان توريط الروس في سوريا، يحذر المحلل بيتشكوف من أن تزويد المعارضة السورية بصواريخ محمولة على الكتف قد لا يقتصر ضرره على القوات الجوية الروسية، وأن هناك مقاتلات من دول أخرى تحلق في الأجواء السورية، بما في ذلك الأميركية. إلا أن بيتشكوف لم يقصد بكلامه هذا التحذير من وصول الصواريخ المحمولة على الكتف إلى أيدي قوى تقوم بضرب المقاتلات الأميركية أيضًا، بل يذهب إلى التحذير من رد روسي مماثل، ويقول: «هل يريد آشتون وبرينان أن يلعب الطيارون الأميركيون في سوريا والعراق بلعبة (الروليت الروسي)، كما جرى في فيتنام»؟، في إشارة منه إلى تزويد السوفيات للمقاتلين الأفغان بدفاعات صاروخية أدت إلى إلحاق خسائر كبيرة بالقوات الأميركية حينها.
وإذا كان بيتشكوف من وكالة «ريا نوفوستي» ينظر إلى توريط الأميركان للروس من زاوية تزويد واشنطن المعارضة السورية بصواريخ محمولة على الكتف، وأن مثل هذه الخطوة قد تضر بالمصالح الأميركية أيضًا، فإن صحيفة «نيزافيسمايا غازيتا» كانت واضحة للغاية، وكتبت ضمن «عامود إدارة التحرير» تقريرًا بعنوان «الأميركيون نفذوا مهمتهم في سوريا.. روسيا تنجر إلى حرب مجهولة»، جاء في مستهله أن «الولايات المتحدة لن تكون خاسرة في سوريا بكل الأحوال، وحتى لو تمكنت قوات بشار الأسد بدعم جوي روسي من استعادة السيطرة على مدينة حلب، وفشلت قوات التحالف بزعامة الولايات المتحدة في استعادة الموصل قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية». وتضيف الصحيفة أن «الأميركيين نفذوا مهمة الحد الأدنى: روسيا تتورط في حرب في الشرق الأوسط أغلب الظن أنها ستكون طويلة الأمد، ناهيك بأنه من غير الواضح كيف ستكون نهايتها».
وترى صحيفة «نيزافيسمايا غازيتا» أنه «من الجيد لو أن يكون (ما تورط به الروس في سوريا) شبيه بفيتنام، والوضع سيكون أسوأ لو كان شبيهًا بأفغانستان، عندها ستضطر القوات الروسية إلى الهرب من سوريا مع خسائر بالسمعة والهيبة وخسائر مادية كبيرة»، حسب الصحيفة التي تؤكد أن «العملية العسكرية الروسية في سوريا تشكل منذ الآن عبئًا على الكرملين، وهذا يجري في ظل مواجهة سياسية عالمية بين روسيا وكل الغرب». إلا أن الحرب في سوريا لم تكن خيارًا روسيًا، وفق ما تقول «نيزافيسمايا غازيتا» في محاولة لتبرير التورط الروسي في الأزمة السورية، وتشير في هذا السياق إلى أنه «لو لم يبدِ الكرملين أي رد فعل على (داعش)، فإن الربيع العربي كان ليصل حتى القوقاز وآسيا الوسطى».
وفي توضيحها لما ترى أنه توريط أميركي لروسيا في النزاع السوري، تقول الصحيفة الروسية إن الولايات المتحدة تقوم الآن بقصف الموصل، «ولا يهم الأميركيين بالمطلق من سيدخل المدينة، قوات عراقية أم البيشمركة الكردية؟ هم يقصفون حتى دون مراعاة وجود مدنيين في الموصل، ويفعلون ذلك بصورة خاصة كي يخرج المقاتلون من المدينة ويتجهون إلى حلب»، حسبما جاء في «نيزافيسمايا غازيتا»، التي تواصل زاعمة أنه «لهذا الغرض تم ترك (ممر إنساني) بالاتجاه المطلوب»، وتقصد أن الولايات المتحدة أمنت ممرًا لإرهابيي «داعش» كي ينتقلوا من الموصل إلى الأراضي السورية، ليقارعوا القوات الروسية هناك، وبهذا تكون واشنطن قد أكملت «توريط روسيا في سوريا». أما القلق الغربي من إرسال روسيا قطعًا بحرية إلى سوريا، فإنه لا يعني أن الغرب شعر بالخوف، ولديه قطع بحرية في المتوسط تفوق بعشرات المرات القطع البحرية الروسية هناك، حسبما تقول الصحيفة، وتضيف أن القلق مصدره إدراك الغرب لنية روسيا أن تحارب بكل جدية في سوريا. وتختم بالقول إن «الولايات المتحدة تشعر بالفرح على الأرجح لمثل ذلك التطور (نية روسيا القتال بجدية في سوريا وإرسالها مزيدًا من القوات)، وذلك لأن إدارة أوباما تمكنت أخيرًا، خلال الفترة المتبقية لها، من توريط موسكو في حرب مع كل الجماعات الإرهابية، كما جرى في أفغانستان».
ومع تزايد المخاوف في أوساط المحللين والخبراء الروس من تكرار الورطة «الأفغانية» في سوريا تطل صحيفة «كومسومولسكايا برافدا» في تقرير تؤكد فيه استحالة تكرار تلك الورطة، وتبني رؤيتها هذه على عنصر الجغرافيا بالدرجة الأولى، وتقول إن «أفغانستان بلد جبلي منعزل، بطرقات جبلية نادرة ووعرة ووديان خطيرة. وعلى تلك الطرقات كانت الأرواح الشريرة تنتظر قوافل القوات السوفياتية وتوجه ضربات لها من كمائن. ومع نهاية الحرب أصبحت قدرات المروحيات السوفياتية محدودة جدًا بسبب حصول المجاهدين على صواريخ ستينغر من الولايات المتحدة»، أما سوريا حسب الصحيفة، فهي «بلد نصف مساحتها صحراء ولا توجد عمليًا جبال هناك باستثناء السلسلة الساحلية، ناهيك بأن كل المرتفعات الهامة تحت سيطرة قوات الحكومة، وممرات تزويد القوات الروسية بالعتاد لا تكون عبر البر بل عبر البحر والجو، مما يعني عدم قدرة (داعش) وقوات المعارضة على استهداف تلك الطرق».
رغم تلك الرؤية «الجغرافية»، فإن صحيفة «كومسومولسكايا برافدا» تقر بطريقة غير مباشرة باحتمال تورط القوات الروسية في سوريا، كما تورطت القوات السوفياتية في أفغانستان، إذ تحذر الصحيفة من مغبة إرسال قوات «احتلال روسية إلى سوريا» وفق تعبيرها، وتقول إن تلك القوات «قد تتحول إلى ضحية رئيسية لحرب عصابات»، ولذلك تصر على إبقاء المهام البرية لتنفذها قوات الأسد، بينما تقوم القوات الروسية فقط بتأمين الحماية الجوية وقصف مواقع الجماعات الإرهابية، حسب «كومسومولسكايا برافدا».



«أبل» و«ميتا»... صراع متجدد يثير تساؤلات بشأن «خصوصية البيانات»

شعار ميتا (رويترز)
شعار ميتا (رويترز)
TT

«أبل» و«ميتا»... صراع متجدد يثير تساؤلات بشأن «خصوصية البيانات»

شعار ميتا (رويترز)
شعار ميتا (رويترز)

مرة أخرى يتجدَّد الصراع بين عملاقَي التكنولوجيا «أبل»، و«ميتا»، مثيراً تساؤلات بشأن مدى «حماية خصوصية بيانات المستخدمين». وبينما رأى خبراء التقتهم «الشرق الأوسط» أن المعركة الأخيرة جزء من نزاع مستمر بين «أبل»، و«ميتا» يتيح لهما البقاء على عرش التكنولوجيا الرقمية، فإنهم أشاروا إلى أن تأثير الصراع بشأن الخصوصية قد يمتد إلى مواقع الأخبار.

المعركة الأخيرة بدأت منتصف الشهر الحالي، مع تحذير وجَّهته شركة «أبل» بشأن تقديم منافستها «ميتا» مالكة «فيسبوك» و«إنستغرام» نحو «15 طلباً للوصول العميق إلى البيانات، في إطار قانون الأسواق الرقمية الجديد بالاتحاد الأوروبي، وهو ما قد يضعف حماية بيانات المستخدمين».

ووفق «أبل»، فإنه «إذا حصلت طلبات (ميتا) على الموافقة، فسيكون باستطاعتها من خلال تطبيقاتها: (فيسبوك)، و(إنستغرام)، و(واتساب)، رؤية كل الرسائل القصيرة ورسائل البريد الإلكتروني والصور والمواعيد، وكل بيانات مكالمات المستخدمين». ونبَّهت «أبل»، في بيانها، إلى أن «مجموعة من الشركات تستخدم قانون الأسواق الرقمية الأوروبي؛ للوصول إلى بيانات المستخدمين». ولكن في المقابل، نفت «ميتا» هذه الاتهامات، وعدَّتها «حججاً تستخدمها (أبل) في إطار ممارساتها المضادة لحرية المنافسة». وقالت، في بيان لها، إن «(أبل) لا تعتقد بالتوافق بين الأجهزة الأخرى».

تعليقاً على ما هو حاصل، قال أنس بنضريف، الصحافي المغربي المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، إن «الصراع الأخير بين (أبل) و(ميتا) هو امتداد لمعارك سابقة متكررة ومتجددة بين عملاقَي التكنولوجيا». وأردف: «هناك قانونان يحكمان السوق الرقمية في أوروبا: الأول هو قانون الخدمات الرقمية الذي يستهدف منع الاحتكار وحماية بيانات المستخدمين. والثاني هو قانون الأسواق الرقمية الذي يجبر الشركات على إتاحة معلوماتها للمطوّرين».

وأوضح بنضريف أن «الصراع الأخير بين (أبل) و(ميتا) مرتبط بقانون التسويق الرقمي، إذ تعدّ (ميتا) من المطوّرين المتاحة تطبيقاتهم، مثل (إنستغرام) و(فيسبوك) على هواتف (أبل)». وتوقّع أن تنتهي المعركة لصالح «ميتا»، مبرراً ذلك بأن «حجة (أبل) ضعيفة وغير كافية، وخصوصية بيانات المستخدمين محمية قانوناً في أوروبا، إلا أن مخالفة (ميتا) لقوانين حماية الخصوصية تُعرِّضها لغرامات كبيرة... وفي أي حال الصراع هو جزء من معركة تستهدف الضغط على (أبل) لفتح خدماتها وإتاحتها على منتجات تابعة لشركات أخرى».

للعلم، حسب قانون الأسواق الرقمية الأوروبي، لا يسمح للشركات المشغّلة للمنصّات الحصول على امتيازات خاصة. وتطالب المفوضية الأوروبية شركة «أبل» بأن تغدو أجهزتها متوافقة مع التكنولوجيا التي تنتجها شركات أخرى.

وبموجب إجراءات المفوضية الأوروبية يتوجب على «أبل» تقديم وصف واضح للمراحل والمواعيد النهائية المختلفة والمعايير والاعتبارات التي ستطبقها أو تأخذها في الاعتبار عند تقييم طلبات التشغيل البيني من مطوري التطبيقات، مع تزويد المطورين بتحديثات منتظمة، وتقديم التعليقات وتلقيها فيما يتعلق بفاعلية حل التشغيل البيني المقترح. ومن المتوقع صدور قرار من المفوضية بشأن ما إذا كانت «أبل» تلتزم بشرط قابلية التشغيل البيني، بحلول مارس (آذار) المقبل، وفق ما نقلته «رويترز».

من جهة ثانية، صرَّح محمد الصاوي، الصحافي المصري المتخصص في الرصد والتحليل الإعلامي، لـ«الشرق الأوسط» شارحاً أن «التوترات المستمرة بين (أبل) و(ميتا)، إلى جانب قانون الأسواق الرقمية في الاتحاد الأوروبي، تسلط الضوء على الأهمية المتزايدة لتنظيم شركات التكنولوجيا الكبرى، خصوصاً فيما يتعلق بالخصوصية والمنافسة». وأضاف أن «التحذير الذي أطلقته (أبل) بشأن (ميتا) أثار ذلك جدلاً حول ما إذا كانت مثل هذه الممارسات قد تضعف حماية البيانات للمستخدمين، والتركيز المتجدد على قانون الأسواق الرقمية يعد جزءاً من جهود الاتحاد الأوروبي لمنع شركات التكنولوجيا الكبرى من استغلال هيمنتها، حيث يهدف القانون إلى ضمان المنافسة العادلة عن طريق تقييد الشركات من منح نفسها مزايا خاصة، أو الوصول إلى بيانات المستخدمين بشكل مفرط دون موافقة».

وأشار الصاوي إلى أن «تأثير قانون الأسواق الرقمية يمتد إلى ما هو أبعد من شركات التكنولوجيا الكبرى، حيث قد يؤثر أيضاً على المواقع الإخبارية، لا سيما تلك التي تعتمد على منصات مثل (فيسبوك) في توزيع منتجاتها». وأوضح أن «القانون قد يجبر المنصات على معاملة أكثر عدلاً، ما يضمن ألا تتضرر المواقع الإخبارية من الخوارزميات أو ممارسات البيانات المتحيزة، كما يفرض إعادة التفكير في كيفية جمع البيانات الشخصية ومشاركتها وحمايتها عبر المنصات، مما يشير إلى تحول نحو أنظمة رقمية أكثر شفافية».

وعدّ الصاوي «قانون الأسواق الرقمية محاولةً لإعادة التوازن في ديناميكيات القوة في السوق الرقمية، ما قد يؤثر بشكل كبير على المبدعين في مجال المحتوى، بما في ذلك المواقع الإخبارية، في كيفية تفاعلهم مع المنصات... في حين يضمن استمرار الصراع بين (أبل) و(ميتا) بقاءهما متربعتين على عرش المنافسة الرقمية».

وحقاً، يأتي الصراع الأخير بين «أبل» و«ميتا» في وقت قرَّرت فيه هيئة حماية البيانات الآيرلندية فرض غرامة قيمتها 251 مليون يورو على شركة «ميتا»؛ بسبب عملية اختراق واسعة لبيانات نحو 29 مليون مستخدم على مستوى العالم في عام 2018.