هل تنحاز الصحافيات نحو كلينتون؟

بعد مواجهة كيلي وغينغريتش الساخنة

ميغين كيلي مذيعة تلفزيون «فوكس».. وفي الإطار المرشح الجمهوري دونالد ترامب  («الشرق الأوسط})
ميغين كيلي مذيعة تلفزيون «فوكس».. وفي الإطار المرشح الجمهوري دونالد ترامب («الشرق الأوسط})
TT

هل تنحاز الصحافيات نحو كلينتون؟

ميغين كيلي مذيعة تلفزيون «فوكس».. وفي الإطار المرشح الجمهوري دونالد ترامب  («الشرق الأوسط})
ميغين كيلي مذيعة تلفزيون «فوكس».. وفي الإطار المرشح الجمهوري دونالد ترامب («الشرق الأوسط})

عندما افتتح المرشح الجمهوري دونالد ترامب فندق «ترامب إنترناشونال» في واشنطن، الأربعاء الماضي، كان نيوت غينغريتش، من قادة الحزب الجمهوري (كان رئيسًا لمجلس النواب، وكاد ترامب أن يختاره نائبًا له في الانتخابات) حاضرًا. وقد صاح ترامب أمام الناس: «خيرًا فعلت معها الليلة الماضية؛ أعطيتها درسًا قاسيًا.. نحن لا نلعب (مع النساء)».
كان ترامب يقصد ميغين كيلي، مذيعة تلفزيون «فوكس»، التي اشتبكت في الماضي معه بعد أن أساء إليها، عندما وصف عادتها الشهرية وصفًا قبيحًا، والتي اشتبكت، الثلاثاء، مع غينغريتش الذي لا يقل خشونة نحو النساء ربما عن ترامب.
وقد تطور الاشتباك هذه المرة إلى هجوم على كيلي بوصفها صحافية، وإلى هجوم عام على الصحافيات، فقد قال غينغريتش، في أثناء الاشتباك في تلفزيون «فوكس»:
أولاً: تنحاز كيلي (مثل صحافيات غيرها) نحو المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، ضد المرشح الجمهوري ترامب.
ثانيًا: تركز كيلي (مثل صحافيات غيرها) على علاقات ترامب مع النساء (زوجاته وعشيقاته ومن تحرش بهن جنسيًا).
ثالثًا: تقدم كيلي (مثل صحافيات غيرها) نوعًا من العمل الصحافي يختلف عن صحافة الرجال.
وأضاف غينغريتش موجهًا حديثه لكيلي: تهتمين بالمواضيع الجنسية أكثر من اهتمامك بالمواضيع السياسية، فردت عليه: لا أهتم بالمواضيع الجنسية، بل اهتم بحماية النساء (من الرجال).
وقالت صحيفة «نيويورك تايمز»، الأربعاء: «سريعًا، انتقل النقاش من منافسات الحملة الانتخابية إلى منافسات بين رجل وامرأة».
وقالت مذيع في تلفزيون «فوكس» (ربما فرحًا بالإثارة التي سببتها المواجهة، أكثر من تأييده لزميلته أو عدم تأييده لها): «لم يحدث هذا في الماضي؛ تسبب نقاش كيلي وغينغريتش في عاصفة هوجاء على مواقع التواصل الاجتماعي».
وقد شملت «العاصفة الهوجاء» هجمات وهجمات مضادة بين مؤيدي غينغريتش (وأكثرهم من الرجال) ومؤيدي كيلي (وأكثرهم من النساء)، وتحولت الهجمات والهجمات المضادة إلى نقاش حول «غزو الصحافيات» للإعلام الأميركي.
فقالت واحدة: «تملك هذه المرأة الجرأة لمواجهة هذا الرجل الذي تزوج وطلق 3 مرات».
وقالت ثانية: «كيلي صحافية من الدرجة الأولى، ما كان صحافي يقدر على إحراج رجل آخر بسبب إساءته للنساء.. أنا معك (ضد الرجال) يا أختي».
وقالت ثالثة: «هل لاحظتم نظرة الاستعلاء من جانب هذا السياسي العجوز؟! لم يكن يتناقش مع كيلي، كان يأمرها ويسخر منها».
وفي الجانب الآخر، قال رجل: «أفهم لماذا تنحاز الصحافيات ضد ترامب؛ يقفن مع هيلاري كلينتون لتكون أول رئيسة لأميركا». وقال ثانٍ: «يجب أن تكون الصحافيات نزيهات. إننا نرى كل يوم صحافيين يقدمون أخبارًا محايدة عن كلينتون وعن ترامب، عن سياسيين وعن سياسيات، لكن الصحافيات ينحزن نحو بنات جنسهن».
وقال ثالث: «هل تتذكرون كتاب (الرجال من المريخ والنساء من الزهرة)؟ أقول أنا: الصحافيون من المريخ والصحافيات من الزهرة».
فهل تنحاز الصحافيات حقيقة نحو كلينتون؟
في الشهر الماضي، كتبت عن هذا الموضوع دورية «كولمبيا جورناليزم ريفيو» (تصدرها كلية الصحافة في جامعة كولمبيا، في نيويورك). وقد نقلت قول راخيل لاريس، مديرة الاتصالات في مركز «وومان إن ميديا» (النساء في الإعلام)، في واشنطن: «ليس سرا أن الإعلام يركز على مظهر المرأة أكثر من مظهر الرجل، وليس غريبا أن ينتقل هذا إلى تغطية السياسيات، بالمقارنة مع السياسيين»، مضيفة: «لسبب ما عندما يركز الإعلام على مظهر سياسية، ينخفض الاحترام لها. وفي الجانب الآخر، لا يركز الإعلام على مظهر سياسي. وحتى إذا ركز، لا يؤثر ذلك كثيرا».
وعن هذا، تندرت الدورية: «ما عدا كريس كرستي»، حاكم ولاية نيوجيرسي البدين جدا. (حقيقة، لم تؤثر بدانته على أسهمه السياسية).
ويقدم مركز «وومان إن ميديا»، في موقعه على الإنترنت «الخطوط الحمراء» عند تغطية السياسيات:
أولاً: لا تسكتوا على كلام، أو إشارات فيها احتقار للسياسية.
ثانيًا: لا تميلوا نحو سياسي، ولا تملن نحو سياسية.
ثالثًا: لا تلوموا السياسية، إذا قالت إنها تعرضت لإساءات من رجل.
في الأسبوع الماضي، عقد المركز نقاشًا عن الموضوع، اشتركت فيه صحافيات وسياسيات تحدثن عن النقاط السابقة نفسها، لكنهن ترددن حول نقطة واحدة: هل يحق للإعلام أن يقول إن سياسية انشغلت بالعمل السياسي عن تربية أطفالها؟ يشير هذا إلى ضجة حول وندي ديفز التي ترشحت لتكون حاكمة لولاية تكساس، وواجهت عاصفة (خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي).
حتى السياسيات والصحافيات اللائي اشتركن في هذا النقاش لم يقدرن على حسم هذه النقطة؛ فقالت السياسية جيفر بويسكو (عضو كونغرس ولاية فرجينيا): «يقولون للسياسية التي ليست عندها أطفال: أنت امرأة قاسية. ويقولون للسياسية التي عندها أطفال: أين أطفالك الآن وأنت تتحدثين هنا وكاد الليل أن ينتصف؟!». وقالت الصحافية سابرينا صديقي (صحيفة «هنفنغتون بوست»): «يجب ألا يتجاهل الصحافيون موضوع الأطفال والمرأة السياسية، ويجب أن تقدر المرأة السياسية على تقديم إجابة مقنعة».



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.