نازحو الرمادي العائدون يواجهون المجهول

بين ارتهان بيوتهم لـ«داعش» و«مطلوب عشائريا»

نازحو الرمادي العائدون يواجهون المجهول
TT

نازحو الرمادي العائدون يواجهون المجهول

نازحو الرمادي العائدون يواجهون المجهول

شهدت مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار وأكبر مدنها، عودة أكثر من 600 ألف من سكانها من رحلة النزوح بعد تحريرها من قبضة تنظيم داعش، الذي سيطر عليها لمدة سبعة أشهر، وما إن عادت العائلات إلى مناطقها المحررة في المدينة ظهرت الكثير من المشاكل والصعوبات التي واجهت السكان والمتمثلة بهدم أحياء سكنية بكاملها نتيجة سطوة التنظيم المتطرف على المدينة والعمليات العسكرية التي رافقت تحرير المدينة.
ولم يجد الآلاف من تلك العائلات أي أثر لمنازلهم التي باتت عبارة عن ركام وأنقاض؛ الأمر الذي دعا المئات من أبناء تلك العائلات المطالبة بالانتقام لذويهم الذين قتلوا على أيدي مسلحي تنظيم داعش المتطرف، ومنازلهم التي هدمت من قبل جماعات أعلنت انضمامها للتنظيم من أهل المدينة نفسها.
وشهد عدد من الأحياء السكنية في الرمادي ردود فعل من قبل بعض الأهالي الذين قرروا الانتقام من العائلات التي انتمى أحد أفرادها للتنظيم المتطرف، بالقيام بهدم بيوتهم وتهجير جميع أفراد العائلة، وأصبحت الكثير من الدور السكنية في المدينة مغلقة ومكتوبا عليها عبارات (مطلوب عشائريًا)؛ وتعني أن هذه الدار يجب أن تصادرها العشائر أو يتم تهديمها لأنها مملوكة لأسرة دعمت المسلحين، فيما توعدت بعض عشائر الأنبار بالاقتصاص من الذين انتموا لـ«داعش» وتهجير عائلاتهم إلى خارج المحافظة.
وقال الشيخ رافع عبد الكريم الفهداوي رئيس مجلس العشائر المنتفضة ضد تنظيم داعش في الأنبار لـ«الشرق الأوسط» إن «الآلاف من منازل المدنيين تم تدميرها من قبل عناصر تابعة لتنظيم داعش الإرهابي، ومن بين تلك العناصر مسلحون من أهالي مدينة الرمادي ومن باقي مدن المحافظة، وهؤلاء لا بد من الاقتصاص منهم بالقانون الحكومي والقانون العشائري أيضا، فمن غير الممكن أن تندمج عائلة الإرهابي مع عائلات الضحايا في مكان واحد، وقد اجتمعت جميع عشائر الأنبار على إقرار وثيقة تنص على اتخاذ إجراءات بحق أسر المجرمين الذين انتموا للتنظيم الإرهابي وقاموا بمحاربتنا».
وأضاف الفهداوي «كما نصت الوثيقة العشائرية على اعتبار كل من بقي في المدينة تحت سيطرة التنظيم وتعايش معهم في فترة احتلالهم لمدن الأنبار ينتمي إلى فئة من ثلاث فئات؛ الأولى من ساند التنظيم الإرهابي وقاتل معه ضد القوات الأمنية؛ وهذا نعتبره مطلوب دم، والفئة الثانية هم من ساند التنظيم الإرهابي بالمعلومات وأيده في مسعاه وهذا له جانب آخر من الإجراءات التي اتخذناها بحق أصحاب هذه الفئة، أما الفئة الثالثة فهم المدنيون الذين لم يستطيعوا الخروج من المدينة لمختلف الأسباب ومنها الظرف المادي والإنساني».
من جانب آخر، قرر أصحاب بعض المساكن المهدمة والتي تم نسفها بفعل عناصر تنظيم داعش، الانتقام عن طريق استخدام القوة بعد استنفاد الطرق القانونية حسب ادعائهم.
وقال أبو عمر، يعمل شرطيا وهو من أهالي مدينة الرمادي في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن «تنظيم داعش الإرهابي قام بهدم بيوتنا عن طريق أشخاص نعرفهم من أهالي الرمادي انتموا للتنظيم الإرهابي وقاموا بنسف بيوتنا انتقامًا منا لكوننا ننتمي للأجهزة الأمنية، والغريب في الأمر أن بيوت بعض المسؤولين ما زالت قائمة ولم تفجر بينما بيوت الفقراء تم هدمها، واليوم هل أرضى لنفسي أن أرى بيتي مهدما وعائلتي مشردة بينما تقف بيوت من انتمى لتنظيم داعش شاخصة لحد الآن».
وأضاف أبو عمر «لقد كتبت على جدران بيت أحد المنتمين لتنظيم داعش (مطلوب عشائريًا) وإن لم تقم العشيرة بأخذ حقي فسأقوم بهدمها بنفسي، لأننا فقدنا ثقتنا بالكامل بالحكومة في أخذ حقوقنا من المجرمين، بل على العكس نخشى منها أن تخرجهم من سجونها لينتقموا منا مرة أخرى».
أبو مصطفى (65 عاما) قال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «أنا قلق جدًا على حياة صهري وعائلته لكون أحد أفراد أسرته انتمى للتنظيم الإرهابي، واليوم أنا أسعى لبيع بيتي من أجل أن أجتمع بابنتي وأطفالها الذين لم يتمكنوا من العودة إلى مدينة الرمادي بسبب عبارة كتبت على باب بيتهم المجاور لبيتي تهددهم في حال الوصول إلى الدار. صدمت وأنا أشاهد منزل صهري الملاصق لمنزلي وقد خطت عليه عبارة مطلوب عشائريا، اتصلت بعدد من المسؤولين واستنفرت الجهود الممكنة من خلال القانون والقوات الأمنية، فضلا عن تدخل شخصيات اجتماعية وعشائرية، إلا أنها كانت دون جدوى، لم أجرؤ على دخول المنزل أو الوصول إليه، لأننا نعرف أن من يكتب هذه العبارات يراقب البيت جيدا، وغالبا ما تكون القوات الأمنية القريبة، هي العين التي ترصد كل من يقترب من تلك المنازل، التي أصبحت بعد تلك الكتابات منطقة محظورة».



مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
TT

مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)

أكدت مصر خلال زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي للكويت، على دعم القاهرة الكامل للأمن الخليجي بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، وسط لقاءات ومباحثات تناولت مجالات التعاون، لا سيما الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة.

تلك الزيارة، بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، تأتي تأكيداً على مساعي مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي بوتيرة أكبر ونشاط أوسع، خصوصاً في ضوء علاقات البلدين التاريخية، وكذلك حجم الاستثمارات بين البلدين الكبيرة، مشددين على أهمية التنسيق بين بلدين مهمين في المنطقة.

واستهل عبد العاطي زيارته إلى الكويت بلقاء ولي العهد الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح، الأحد، مؤكداً «عمق العلاقات التاريخية والروابط الأخوية التي تجمع البلدين الشقيقين، وتوافر الإرادة السياسية لدى قيادتي البلدين من أجل تطوير العلاقات لآفاق أرحب»، مبدياً «الحرص على تعزيز التعاون والتنسيق مع دولة الكويت وزيادة وتيرته»، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية».

وأبدى الوزير المصري «تطلُّع مصر لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين البلدين، أخذاً في الحسبان ما اتخذته الحكومة المصرية من خطوات طموحة لجذب الاستثمارات، وتنفيذ خطة الإصلاح الاقتصادي»، مشدداً على «دعم مصر الكامل للأمن الخليجي، بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري».

وفي مايو (أيار) الماضي، قال سفير الكويت بالقاهرة، غانم صقر الغانم، في مقابلة مع «القاهرة الإخبارية» إن الاستثمارات الكويتية في مصر متشعبة بعدة مجالات، وتبلغ أكثر من 15 مليار دولار، بينها 10 مليارات دولار للقطاع الخاص.

كما اجتمع عبد العاطي مع الشيخ فهد يوسف سعود الصباح، رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي، مؤكداً «الحرص على الارتقاء بعلاقات التعاون إلى آفاق أرحب، بما يحقق طموحات ومصالح الشعبين الشقيقين»، وفق بيان ثانٍ لـ«الخارجية المصرية».

وزير الخارجية المصري يجتمع مع رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي الشيخ فهد يوسف سعود الصباح (الخارجية المصرية)

فرص استثمارية

عرض الوزير المصري «الفرص الاستثمارية العديدة التي تذخر بها مصر في شتى القطاعات، والتي يمكن للشركات الكويتية الاستفادة منها، فضلاً عن الاتفاق على تبادل الوفود الاقتصادية، وتشجيع زيادة الاستثمارات الكويتية في مصر»، مبدياً «ترحيب مصر ببحث مجالات التعاون الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة».

كما بحث الوزير المصري في لقاء مع وزيرة المالية ووزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار، نوره الفصام، الفرص الاستثمارية المتاحة في مصر بشتى القطاعات، وسط تأكيد على حرص الجانب المصري على تعزيز الاستثمارات الكويتية في مصر وإمكانية تعزيز نشاط الشركات المصرية لدعم عملية التنمية في الكويت.

ووفق خبير شؤون الخليج في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» بالقاهرة، الدكتور محمد عز العرب، فإن الزيارة تحمل أبعاداً عديدة، أبرزها الحرص المصري على تطوير العلاقات المصرية العربية، ومنها العلاقات مع الكويت لأسباب ترتبط بالتوافقات المشتركة بين البلدين والتعاون ليس على المستوى السياسي فحسب، بل على المستوى الأمني أيضاً.

التنسيق المشترك

البعد الثاني في الزيارة مرتبط بالاستثمارات الكويتية التي تستحوذ على مكانة متميزة وسط استثمارات خليجية في مصر، وفق عز العرب، الذي لفت إلى أن الزيارة تحمل بعداً ثالثاً هاماً مرتبطاً بالتنسيق المشترك في القضايا الإقليمية والدولية خاصة وهناك إدراك مشترك على أولوية خفض التصعيد والتعاون الثنائي بوصفه صمام أمان للمنطقة.

تحديات المنطقة

يرى الكاتب والمحلل السياسي الكويتي، طارق بروسلي، أن زيارة عبد العاطي «خطوة مهمة في إطار العلاقات التاريخية الوطيدة بين البلدين، وتعكس عمق التفاهم والاحترام المتبادل بين قيادتي البلدين والشعبين الشقيقين».

وتحمل الزيارة قدراً كبيراً من الأهمية، وفق المحلل السياسي الكويتي ورئيس «المنتدى الخليجي للأمن والسلام» فهد الشليمي، خصوصاً وهي تأتي قبيل أيام من القمة الخليجية بالكويت، مطلع الشهر المقبل، وما سيتلوها من ترأس الكويت مجلس التعاون الخليجي على مدار عام، فضلاً عن تحديات كبيرة تشهدها المنطقة، لا سيما في قطاع غزة وحربها المستمرة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وأفادت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية، الأحد، بأن أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح تلقى رسالة شفهية من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تتعلق بالعلاقات الأخوية المتميزة بين البلدين والشعبين الشقيقين وآخر المستجدات الإقليمية والدولية، خلال استقبال ولي العهد لوزير الخارجية المصري.

كما نوهت بأن عبد العاطي التقى رئيس الوزراء بالإنابة، و«جرى خلال اللقاء استعراض العلاقات الثنائية وسبل تعزيز التعاون بين البلدين إضافة إلى بحث آخر المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية».

تطوير العمل الدبلوماسي

وتهدف الزيارة، وفق بروسلي، إلى «تعميق التعاون في عدة مجالات والتنسيق المشترك في المواقف على الصعيدين الإقليمي والدولي، لا سيما في قضايا فلسطين وسوريا ولبنان واليمن»، مرجحاً أن تسهم المباحثات المصرية الكويتية في «زيادة فرص التعاون الاقتصادي والتجاري وتعزيز الاستثمارات وزيادة التنسيق الأمني ومواجهة التحديات الأمنية المشتركة».

ويعتقد بروسلي أن الزيارة «ستكون فرصة لبحث تطوير العمل الدبلوماسي، ودعم البرامج التعليمية المتبادلة بين البلدين والخروج بمذكرات تفاهم تكون سبباً في تحقيق التكامل الإقليمي، وتعزيز التعاون في ظل التحديات المشتركة بالمنطقة».

بينما يؤكد الشليمي أن الزيارة لها أهمية أيضاً على مستوى التعاون الاقتصادي والتجاري، خصوصاً على مستوى تعزيز الاستثمارات، إضافة إلى أهمية التنسيق بين وقت وآخر بين البلدين، في ظل حجم المصالح المشتركة الكبيرة التي تستدعي التعاون المستمر.