البشير: خطة لتقسيم المنطقة العربية عبر مشروع «إسرائيل الكبرى» مقابل مشروع «الدولة الصفوية»

الرئيس السوداني قال لـ «الشرق الأوسط» إن العلاقة مع مصر أزلية وتاريخية ومصيرية ولكن تبقى حلايب العقدة التي تنتظر حلاً

الرئيس البشير خلال حديثه لصحيفة العرب الدولية «الشرق الأوسط»  ( تصوير: بشير صالح)
الرئيس البشير خلال حديثه لصحيفة العرب الدولية «الشرق الأوسط» ( تصوير: بشير صالح)
TT

البشير: خطة لتقسيم المنطقة العربية عبر مشروع «إسرائيل الكبرى» مقابل مشروع «الدولة الصفوية»

الرئيس البشير خلال حديثه لصحيفة العرب الدولية «الشرق الأوسط»  ( تصوير: بشير صالح)
الرئيس البشير خلال حديثه لصحيفة العرب الدولية «الشرق الأوسط» ( تصوير: بشير صالح)

للمرة الثالثة كان لقاء «الشرق الأوسط»، مع الرئيس السوداني عمر حسن أحمد البشير حيث الزمان والمكان في طيبة الطيبة، المدينة المنورة، أول عاصمة في التاريخ الإسلامي، والروحانيات التي تشعّ من جنباتها، تجعل من الصبر على الأسئلة القاسية شيئا من العبادة والتبتل، فبدأ حوارنا معه بعد أن أدى صلاة العشاء في المسجد النبوي وصلى في الروضة الشريفة، فحالا نوّه بخطورة مشروع التشيّع الإيراني واستهداف طهران لأهل السنة في سوريا وفي العراق، تمهيدا لدولتها الصفوية الممتدة إلى أدغال أفريقيا.
قال البشير إنه لن يندم على مقاطعته إيران ولا يأبه بتقنيتها الحربية التي كانت هي فقط الفاعل المستتر في جملة العلاقات، والتي وضع حدّا لنهايتها، مؤكدا أن إيران تقود حلفا صليبيا صهيونيا توطئة لمشروعها الفارسي بين المنطقتين العربية والأفريقية، ضمن خطة تقسيم المنطقة العربية عبر مشروعي «إسرائيل الكبرى» مقابل مشروع «الدولة الصفوية»، مرورا بدعمها المكشوف للحوثيين في اليمن. ولكن على صعيد العلاقات السودانية ـ المصرية، أكد البشير أنه ليس من مداراة لعقدة «حلايب» الموضع الخلافي الذي لا يتأخّر عن أي مائدة يتفاوض حولها البشير مع نظيره عبد الفتاح السيسي، غير أن الأوضاع المريرة التي يمرّ بها الوطن العربي والاستهداف الذي يترصد الوحدة والوجود العربي إقليما ودوليا، لا تجعل برأيه من مشكلة حلايب النقطة الفاصلة في أي مباحثات يتواضع إليها الجانبان.
الرئيس البشير، كشف من جانب آخر عن مساع سودانية جارية في سبيل إيجاد سبيل لجمع الصف الليبي لدرء المهددات الأمنية والمحاذير الإرهابية لما لها من أثر مباشر على كل جيرانها من المنطقة العربية والأفريقية وفي مقدمتها مصر والسودان وتشاد، والتي يؤجج لهيبها وفق رأيه القرار الأميركي «جاستا» كونه ينتهك سيادة الدول وينشر الفوضى ويزعزع الأمن والسلام الدوليين، مؤكدا أن «جاستا» قانون الغابة والكاوبوي ومرفوض سودانيا، مشددا على ضرورة وقف نزيف الدم في سوريا، متطلعا لتعزيز العمل الاستراتيجي المشترك مع الرياض. فإلى تفاصيل الحوار:
* بماذا حفلت زيارتكم الأخيرة للسعودية؟
- أتى اللقاء الأخير مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، في إطار التشاور والتنسيق المستمر والذي يعتبر ديدن العلاقة بين السودان والسعودية، فالآن المنطقة العربية تمر بظروف صعبة وهناك الكثير من المشاكل، والتآمر على المنطقة، الأمر الذي يتطلب تعزيز التقارب والتشاور وقطعا كل من راقب الفترة الأخيرة، يشهد هجمة شرسة مرتبة ومنسقة، موجهة ضد السعودية، والمملكة بالنسبة لنا هي قلب العالم الإسلامي النابض، وأرض الحرمين، فضلا عن العلاقة الثنائية بين البلدين، حيث إن هناك البعد الإسلامي والأماكن المقدسة، والتي نحن على قناعة أنها تجد الرعاية والاهتمام الكبير جدا من السلطات السعودية، فالمملكة مسخرة كل إمكانياتها لخدمة الحرمين والحجاج والمعتمرين والزوار، وما حدث في موسم الحج الأخير، من ترتيب شهد به الجميع، ونحن كنا من المتابعين لتلك الجهود، ولذلك الظرف يتطلب أن نكون في حالة تشاور وتنسيق مستمر، ولقاءات مستمرة، لأن الأحداث متحركة، بسرعة، والمخاطر المحدقة بالمنطقة كبيرة، والمملكة اهتمامها تجاوز شأنها الداخلي وامتد لكل المنطقة العربية، والعالم الإسلامي.
* ما تقييمكم لما أنجزته قوات التحالف في اليمن حتى الآن في ظل خروقات الانقلابيين المستمرة على الهدنة؟
- قطعا، القضية اليمنية تهم الجميع، وتؤثر على الكل، حيث إنه قبل إعلان عاصفة الحزم، كان لدينا اتصال وتشاور مستمر مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز عندما كان وليا للعهد ومع مساعديه، حول الأوضاع في اليمن، حيث وقتها كان الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية والأمير خالد بن بندر كان رئيس جهاز المخابرات، حيث إننا كنا على اتصالات مباشرة حول التطورات في اليمن لأنها تهمنا، لما لها تأثير كبير جدا على المنطقة العربية، خاصة أنها مجاورة لعدد من الدول العربية، فهي تقع في موقع استراتيجي مهم جدا، في باب المندب وهو مدخل البحر الأحمر، والذي يشكل أهم ممر مائي موجود الآن في العالم، ويعتبر شريان الحياة لكثير من دول العالم، فهو يمثل الممر التجاري الرئيسي لكل صادرات وواردات دول المنطقة، وظل التشاور مستمرا، وحقيقة العمليات في اليمن ليست بالسهلة، وهناك الكثير من المحاذير، حيث إن طبيعة اليمن وتضاريسه، تجعل صعوبة في إدارة العمليات، وأيضا هناك البعد الشعبي، فالناس حريصة على أن تكون هذه العمليات ليس لها تأثير مباشر، ولا خسائر في أرواح المدنيين، فهذا الحرص على سلامة المدنيين أيضا، داخل اليمن يجعل إدارة العمليات محتاجة للكثير من الصبر والحنكة، ولكن نحن مطمئنون في النهاية، بأنه سيتم النصر وتعود الشرعية لأهلها ويستتب الأمن ويعود الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي، وقطعا بأن تكون هناك هدنة وتكون هناك مفاوضات وحل سلمي لأننا نؤمن بأن الحل الذي يأتي عبر التفاوض والترتيبات السلمية أقل تكلفة في الإمكانات وفي الأرواح، والأخيرة هي الأهم، ودائما توجهنا البحث عن حلول سلمية عن طريق التفاوض، وفي هذا المقام أشيد بالجهود التي تبذلها دولة الكويت، وهي محتاجة لمدّ حبل الصبر، ولكن الانقلابيين يتبعون طريقة رفع سقف التفاوض، ويتبعونها بالإجراءات التي تنتهي بإجهاض كل محاولات الحل السلمي، كإعلان مجلس حكم ومجلس وزراء تنبئ عن أن الطرف الآخر في تعنت من جانبه، وهذا يحتاج إلى قليل من الضغط في الميدان، لأنه إجراء اضطراري لمواجهة ذلك لإجبارهم على الجلوس إلى مائدة المفاوضات، وهمنا الوصول لحلول للقضية الأمنية وليس الانتصار على الآخرين.
* ما زالت إيران تؤجج الصراع في كل من اليمن وسوريا وتمارس التشيّع في أفريقيا.. ما حجم المخاطر التي تشكلها من خلال هذا المسعى؟
- قناعتنا راسخة بأن هناك حلفا الآن ثلاثيا، صهيونيا صليبيا فارسيا، وهو الذي يدير كل العمليات في المنطقة العربية، وما يحدث في سوريا وفي اليمن قطعا، قضية واضحة جدا، وما يحدث في العراق قضية واضحة جدا، وحتى في لبنان وبكل أسف حتى داخل ليبيا كل هذه القضايا واضحة جدا، إنها تدمير للمنطقة العربية، وإبادة للمسلمين السنة، حيث إن أهل السنة في العراق والمدن السنية في العراق تتعرض إلى استهداف وجرائم كبيرة جدا، نعم وجود «داعش» كان عنصرا مغذيا للتبرير لاستهداف المدن السنية في العراق، والمحاولة المستمرة لإيقاف الدعم من أجل الإجراءات الإنسانية وإيصال الإغاثة في بعض المناطق في سوريا عامة وفي حلب تحديدا، كنموذج، لذلك في ذهننا مخطط لتقسيم المنطقة ما بين إسرائيل وللأخيرة مشروع «إسرائيل الكبرى» ممتد من الفرات إلى النيل وأيضا هناك مشروع «الدولة الصفوية» التي تحاول ألا تكتفي بخريطة فارس القديمة بل تحاول التمدد حتى في المناطق العربية داخل الجزيرة العربية، وفي الهلال الخصيب في سوريا ولبنان وفي جنوب الجزيرة في اليمن، طبعا نحن متابعون الاختراق الكبير في أفريقيا وفي عملية تشيّع تقوم بها إيران بصورة كبيرة جدا، حيث أنشئت الآن الكثير من الجامعات وهناك الكثير من الفرص التي تكون في شكل منح دراسية للدراسات العليا، لأبناء المسلمين في أفريقيا، علما بأن غالبية المسلمين في أفريقيا، في الدول الأفريقية التي كانت ترزح تحت نيران الاستعمار كانوا محرومين من التعليم لأن التعليم كان في الكنائس، حيث أتيحت فرص التعليم لأبناء غير المسلمين، أو حتى أبناء المسلمين الذين دخلوا تلك المدارس حيث تعرضوا لعمليات تنصير، رغم أن أفريقيا كانت قارة مسلمة قبل دخول الاستعمار، ولكن الاستعمار اخترقها بالكنائس، وبقي التعليم وسط المسلمين ضعيفا، ولذلك نقول إيران استغلت هذا الضعف وبدأت تعطي منحا دراسية لعدد كبير جدا من الطلاب في أفريقيا وعبر ذلك يتم تشييعهم، وإرسالهم ليصبحوا هم بدورهم عناصر لنشر المذهب الإثني عشري الرافضي، بل بدأت تطلق مدارس وجامعات داخل أفريقيا ولذلك فإن تقسيم مسلمي أفريقيا إلى سنة وشيعة رغم ضعف المسلمين في أفريقيا بسبب قلة التعليم، يشكل خطرا كبيرا جدا وهي تعمل بشدة لمحاصرة كافة المنطقة العربية من كل الاتجاهات والهدف هو أنه عندما يضعف العالم العربي يفسح المجال بكل سهولة لإقامة كيان دولة إسرائيل الكبرى والدولة الصفوية التي يخطط لها من جديد.
* ما الأثر السلبي أو الضرر الذي وقع على السودان جرّاء القطيعة بين الخرطوم وطهران سياسيا واقتصاديا؟
- قطعا العلاقة مع إيران كانت في بعدها السياسي إلى حد ما يبرز في المحافل الدولية، ولكن في المجال الاقتصادي لم يكن هناك تعاون يذكر بين البلدين، لأنه دائما كنا نصطدم في أي محاولة لتطوير علاقاتنا الاقتصادية مع إيران بموضوع الديون، حيث كانت هناك ديون محدودة لها على السودان منذ أيام شاه إيران، في عهد الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري، ولكن الفوائد الربوية على هذه الديون أدت إلى تضخمها وكنا دائما نصطدم بصعوبة في إجراء أي تطور في علاقات اقتصادية أو تجارية، ما لم تحلّ قضية الديون، وفي فترة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، حاول أن يتجاوز هذه المرحلة ولكنه اصطدم هو الآخر بنفوذ سلطات البنك المركزي وتبادل مواقف، فكانت هي العقبة الأساسية، صحيح كان هناك تعاون في مجال التصنيع الحربي في مجال محدود جدا، وكان الدفع هنا بمقابل، ولكن بالنسبة لنا كنا نجد فيها بعض التقنيات التي حرمنا من التزوّد بها من عدد كبير من بلاد العالم المتقدمة بسبب العقوبات التي فرضت على السودان، فكانت ملاذا اضطراريا ملحّا، ولكن بالتأكيد ما فقدناه في قطيعة علاقتنا مع إيران، هو فقد التعاون في مجال التصنيع الحربي من بوابة الجزيئية التقنية المطلوبة، ولكن على الصعيد الاقتصادي ليس هناك علاقات أو تعاون يذكر في المجال الاقتصادي، وبالتالي هناك ما خسرناه اقتصاديا، جراء هذه القطيعة.
* كان للسودان دور بارز في تحريك الملف الليبي في بدايته.. هل تراجعت عزيمتكم فابتعدتم عنه؟
- أكثر منطقة كنّا قد استبشرنا بها كانت ليبيا، لأنه كنّا نعتبر معمر القذافي كان يشكل عنصر زعزعة لأمن المنطقة عامة وللسودان خاصة، حيث إنه كان يشكل الداعم الأساسي لكل حركات التمرّد سواء في كل السودان في جنوبه وفي غرب السودان، في دارفور، إذ كان يتولى أمر التمويل كاملا، فالشعب الليبي الذي لا يتجاوز تعداده الثلاثة ملايين نسمة، عاش في عهده فقرا مدقعا رغم أن ليبيا تنتج نحو ثلاثة ملايين برميل بترول، وأن البترول الأقل تكلفة من حيث الاستخراج لأن الشركات كانت قد استعادت تكلفة استخراجه بالكامل، وعملية النقل من الساحل الليبي مباشرة إلى الساحل الإيطالي لا تكلف، ولكن رغم كل ذلك كان الشعب الليبي يعيش فقرا مدقعا، لأن القذافي كان مسيطرا على كل البترول وثرواته وكلها كانت تحت تصرّف أفراد من حاشيته، بالإضافة إلى الضغوط والإرهاب الذي كان يمارسه ضد شعبه، ولذلك عندما انتفضت ليبيا كلنا استبشرنا خيرا بذلك، ودعمنا التغيير الذي قاده المنتفضون في ذلك الوقت في ليبيا، وكنا قريبين من مجلس الحكم الانتقالي الليبي وكنا نقدم له النصائح، ولكن للأسف نظام القذافي لم يورث ليبيا أي مؤسسات دولة، فهذه العقبة الأساسية التي واجهت المسؤولين في العهد الجديد، وكانت جهودنا المساهمة في بناء مؤسسات الدولة في ليبيا واعتقدنا أن همّ المؤسسات الرئيسي، بناء جيش وطني وبناء الأجهزة الشرطية والأمنية وبناء خدمة مدنية قادرة على تقديم الخدمات بشكل جيد وتدير الأمور في ليبيا، غير أن الإخوة في ليبيا تباطأوا في إنشاء هذه المؤسسات الأمر الذي جعل الثوّار يكونون محتفظين بسلاحهم حيث كان لديهم الشعور بأنهم قادة هذا التغيير وبالتالي لا بد أن يكون لهم دور كبير في إدارة ليبيا، فعدم توحيد الثوّار وعدم قيام جيش وطني، جعل كل ثوّار في منطقتهم المسيطرين على مواقعهم باستقلالية تامة جدا، إذ لا يوجد ما يجمع بين هؤلاء الثوّار. ففي فترة القذافي أحيا القبلية والنعرات العنصرية ولذلك الكثير من هذه الميليشيات كانت لها انتماءات قبلية، فعدم قيام مؤسسات الدولة بالسرعة المطلوبة، أفرز الخلافات والانشقاقات داخل المجتمع الليبي، وكان جهدنا مع دول الجوار الليبي أن جمعينا نجتهد مع بعض وكل منا يستغل علاقاته داخل المكون الليبي في أن نجمع المكون الليبي مع بعض ونوحد كلمتهم وأهدافهم، ولكن بكل أسف بدأت المسافات تتباعد ووجدنا فجأة أن هناك حكومتين هما حكومة المؤتمر الوطني، في طرابلس وحكومة البرلمان موجودة في طبرق، حيث بدأ صراع عناصر مسلح بين الطرفين، وهذا ترك فراغا كبيرا جدا في ليبيا فاستغل تنظيم داعش هذا الفراغ لضم عناصر من بقايا نظام القذافي واستطاعوا أن يسيطروا على منطقة سرت بكل مقدراتها ومكوناتها ومصارفها، فأصبحت هناك ثلاث قوى تتقاتل في ليبيا، قوة في شرق ليبيا في طبرق وقوة في غرب ليبيا في طرابلس، وأصبحت هناك قوة ثالثة في سرت، والآن نجد بعد محاولات ومحاورات كثيرة، أن أهل الشأن كأنما اتفقوا على حكومة وطنية بقيادة السراج، فاستبشرنا خيرا بهذه الحكومة، لأنها وجدت تأييدا إقليميا ودوليا فرأينا فيها النواة التي يمكن أن تسنح فرصة لجمع شمل الكيانات الليبية المختلفة لتحقيق الاستقرار في ليبيا ولكن للأسف الشديد الحكومة في طرابلس انقسمت قسمين وفي الشرق انقسمت إلى قسمين إضافة إلى «داعش»، أصبحت اليوم هناك نحو خمس مجموعات من «داعش»، تتقاتل منها مجموعتان في شرق ليبيا ومجموعتان في غرب ليبيا، بالإضافة إلى بعض القبائل المتمترسة في مواقعها وبالسلاح فالوضع في ليبيا قاتم جدا، وليبيا توجد بها إمكانات عالية جدا وموارد بترولية هائلة، جعلت أي عنصر غير ملتزم وغير مسؤول يسعى للسيطرة على هذه الموارد ووقتها ستسخّر إلى أعمال تخريبية خطيرة والسودان كجار لليبيا أصبح متخوفا جدا وذلك لدينا عناصر متمردة وجدت فرصة هناك ودعما سخيا من بعض القوى المقاتلة لأنها تدعمها والقتال في بلد مثل ليبيا بمساحتها الكبيرة، سيترك فراغا كبيرا جدا وحجم السلاح الموجود في ليبيا أيام القذافي يشكل خطرا على كل المنطقة ودول الجوار جميعها بما في ذلك مصر وتشاد والسودان والنيجر والجزائر وتونس وغيرها، وكلها معرضة لتلك المهددات الأمنية التي أفرزها الوضع الحالي في ليبيا وأصبحت مرتعا خصبا للقوات الإرهابية والمتفلتة، فهذه العناصر التخريبية والإرهابية تجد حاليا فرصة كبيرة جدا وموقع قدم داخل ليبيا في ظل الفراغ الكبير فيها.
* أليس لديكم نيّة لطرح مشروع لمحاولة إيجاد مخرج للمأزق الليبي؟
- بكل تأكيد مساعينا للملمة الجراح في ليبيا لن تتوقف، لأكثر من سبب، أولا لأننا نعتقد أنه تقع علينا مسؤولية العمل لصون وحفظ حق الجوار والعروبة والإسلام والأخوة في ليبيا، ثانيا أن الوضع الحالي في ليبيا ليس فقط غير مطمئن، بل مهدد لأمن كل المنطقة والجيران، فالسودان أكثر البلاد تأثرا بالوضع الداخلي لليبيا ولذلك سنظل نتواصل ونتصل على كل مكونات الشعب الليبي، لأنه لدينا علاقات داخل ليبيا، إذ إن الفترة التي أعقبت انهيار عهد القذافي نشأت علاقاتنا مع عدد من المجموعات الموجودة حاليا داخل ليبيا، في شرق ليبيا مثلا أن رئيس الوزراء عبد الله الثني، من القريبين جدا لنا، والعلاقة به ممتازة فهو رئيس الحكومة رغم أن هناك انقساما حدث، كما أنه لدينا علاقات مع المجموعات في طرابلس حيث كانت لنا جهود بذلناها لدعمهم ضد ثورته على القذافي، وبالتالي فإن جهودنا ستستمر في كل الاتجاهات باعتبار أننا أكثر من يتأثر سلبا بالوضع الليبي.
* لفت الانتباه أنكم عقدتم قبل أيام قمة ثنائية مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لرئاسة اللجنة الحكومية المشتركة بين البلدين بدلا من رئاسة كل من النائب الأول السوداني ورئيس الوزراء المصري.. ما جعل البعض يعتقد بأن مشكلة حلايب أصبحت في مرمى جديد؟
- طبعا أن أكثر مشكلة معقدة مع مصر هي مشكلة حلايب، وهذه مشكلة أساسية ولذلك نطرحها على الدوام في كل اجتماعاتنا المشتركة، ونطالب بضرورة إيجاد حل لهذه المشكلة، حيث إننا طرحنا خيارين إما عبر التفاوض مباشرة بيننا وبين إخوتنا المصريين أو الذهاب إلى التحكيم الدولي، كما أنه لدينا مشكلة أخرى مع مصر وهي إيواؤها لعدد من المعارضين للحكومة، ولكننا عندما ننظر إلى أوضاع العالم العربي المرير، والاستهداف الكبير الذي تواجهه منطقتنا العربية بكاملها يجعل من قضايانا الداخلية والبينية مهما كبرت تتقزم أمام هذا السيل الجارف من الاستهداف الذي يسعى لابتلاعنا جميعا، فالآن نواجه عدوا يستهدفنا جميعا، في وجودنا: «ولذلك ينطبق علينا المثل: أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب»، ولذلك نقرّ بأنه لدينا قضية محورية مع مصر، ولكن هناك خطر أكبر يشكل خطا أحمر تصغر أمامه أي مشكلة بين الخرطوم والقاهرة بما في ذلك مشكلة حلايب، فهم إخوتنا، وعليه فإن اللجنة السودانية المشتركة كانت برئاسة النائب الأول من قبل السودان ورئيس الوزراء من قبل مصر، اتفقنا على ترفيعها للجنة رئاسية لأننا وجدنا قضايا كثيرة جدا بيننا تواجهها تحديات وتصطدم بعدم القدرة على التنفيذ، في ظل اللجنة برئاستها القديمة، ولذلك لمزيد من الاطمئنان رأينا أن ما نتفق عليه يحتم تنفيذه، ولذا لزم أن يكون اللقاء برئاسة رئيسي البلدين، وعليه نقرّ ونؤكد أن علاقتنا مع مصر مهمة جدا، حيث هناك علاقة الجوار والقرابة والدم والدين والثقافة والتاريخ، مما يجعل من المشاكل الحدودية لا تتقدم على مواجهة الاستهداف الخارجي على المنطقة العربية برمتها، لقناعتنا أن الانشغال بها دون ذلك، سيدعم الاستهداف الخارجي.
* فيما يتعلّق بسدّ النهضة.. هل القاهرة تفهّمت موقف الخرطوم من اتفاقها مع أديس أبابا بشأن ذلك؟
- من المؤكد أننا في السودان درسنا مشروع سدّ النهضة عندما كان فكرة، ووجدنا هناك آثارا سالبة وأخرى موجبة فقارنا بينهما فوجدنا أن إيجابيات السدّ بالنسبة للسودان أضعاف سلبياته بالنسبة لنا، وبالتالي كان لدينا موقف واضح جدا من تقييم قيام هذا السدّ، أولا إخوتنا في مصر لديهم حساسية شديدة جدا ضد أي مشروع يقام على النيل حتى لو لم يجدوا عليه أثرا سلبيا عليهم، فأصبحت ثقافة شعبية، ثانيا، إخوتنا المصريون معتمدون على اتفاقية أبرمتها بريطانيا عام 1929. تلزم أي دولة من دول حوض النيل لا تقيم أي مشروع على النيل إلا بموافقة مصر، وقتها كانت كل هذه الدول مستعمرة، ولكن بعد استقلالها كان التوجه العام هو الخروج من هذه الاتفاقية الدولية، نحن نتحدث مع إخوتنا المصريين بأن هناك مشروعات لا تؤثر على حصة المياه لأن دول منبع حوض النيل، في المثلث الجنوبي تتمتع بموسم أمطار يمتد على مدار العام، وفي حده الأدنى 9 شهور وبالتالي ليس لديها حاجة لإقامة مشروعات ري كبرى تستهلك من مياه النيل، والمشروعات التي تقام على النيل أو روافده، في الغالب تكون مشروعات لتوليد الطاقة الكهربائية وهذه لا تؤثر على حصة المياه حتى إذا كانت لديهم مشروعات ري تكميلي إذ ليس لديهم مشروعات زراعية كبرى تستهلك كميات كبيرة من المياه، فمساهمة النيل الأبيض في مياه النيل نحو 15 في المائة، مما يعني تأثيره ليس بالحجم الكبير، أما المياه القادمة من إثيوبيا عبر النيل الأزرق، فهي المورد الأساسي للمياه بنسبة 85 في المائة، فالنيل الأزرق نفسه يمرّ داخل إثيوبيا بمنطقة جبلية صخرية، ومجرى النيل فيها عميق جدا، ولذلك نجد من الصعوبة بمكان إن لم نقل مستحيلا أن الاستفادة من مياه النيل الأزرق في عمليات الري، فإن سدّ النهضة من ناحية الأثر، كنا قد حددنا ثلاثة عوامل رئيسية لإقامة السدّ، أولا ضرورة ضمان سلامة السد، لأنه يحجز نحو 75 مليار متر مكعب من المياه فإذا حدث أي انهيار للسّد ستترتب عليه آثار مدمرة على السودان بشكل خاص، لأن مصر لديها السّد العالي الذي ربما يكون حاجزا ساترا يوفر الحماية ويقلل من الأضرار التي تقع على المصريين، ثانيا أن عملية برنامج ملء البحيرة، لا بد أن يكون متقنا بحيث لا يؤثر على منشآت ومشروعات الري في السودان ومصر لأنها بحيرة كبيرة جدا، ثالثا لا بد من إتقان برنامج تشغيل السدّ لأنه بناء عليه يتم برنامج تشغيل السدود ومشروعات الري في البلدين.
* ولكن هناك من يعتقد أن اتفاقية مياه النيل مع مصر لم تكن منصفة.. ما تعليقكم؟
- بصراحة لدينا اتفاقية مياه النيل مع مصر عام 1959. والتي قسمت مياه النيل الواصلة إلى السّد العالي، بين السودان ومصر، فكان نصيب القاهرة 52 مليار متر مكعب بينما نصيب الخرطوم 18 مليار متر مكعب، والكثيرون يعتقدون أن هذه القسمة ظالمة بالنسبة للسودان، ولكن وقتها العوامل التي تأسست عليها هذه القسمة، أولا حجم السكان في مصر كان كبيرا مقارنة بحجم السكان في السودان فنظر إليها من هذه الزاوية، خاصة أن أغلب أراضي السودان خارجة عن أرض النيل فضلا عن أن الأمطار كانت تسقي أراضيه بنسب كبيرة جدا مغطية لكل مساحات السودان البعيدة عن النيل في مجال الزراعة والمراعي وغيرها، فكانت هذه العوامل التي أدت إلى القسمة بهذا الشكل، فالسودان بإمكانياته التخزينية في ظل تدفق مياه فيضانات خلال ثلاثة أشهر، ومن أجل التخزين في خزان الروصيرص على النيل الأزرق في السودان، زدنا التعلية والتخزين كان في مروي وفي ستيت ونهر عطبرة، وقدرة السودان على تخزين المياه في فترة ثلاثة شهور، لا تمكنه من الاستفادة حتى فيما يتعلق باستهلاك الـ18 مليار متر مكعب من حصته، ولذلك هناك جزء كبير جدا يذهب لمصر رغم أنها تعتبرها سلفة ولكنها غير مستردة في الواقع، قيام سدّ النهضة، بدلا من أن تأتي المياه في خلال 12 شهرا فالخزانات السودانية سواء في الرصيرص ومروي ستجد أن هذه البحيرة تمكننا دائما من تخزين هذه المياه للحد الأقصى لمدة 12 شهرا، وبالتالي ستمكن السودان من أن يستفيد من نصيبه من المياه بشكل كامل، وهذا حقنّا المشروع ولا يمكنه أن يلومنا على أننا أخذنا نصيبنا من المياه، ولكن كان ذلك يذهب لمصر ويستفيدون منه في الطاقة الكهربائية في السد العالي، للاستفادة منه في الري في مشروع توشكى، فكان هذا الأثر السالب الذي يحصل على إخوتنا في مصر، بأننا في السودان سنتمكن من أخذ حصتنا كاملة غير منقوصة، والقضية واضحة جدا بالنسبة، ولكن لا بد من الرجوع إلى أن الحملة الإعلامية التي وجهت ضد الإثيوبيين في عهد الرئيس مرسي، ضد السّد والفهم بأن الإثيوبيين سيتحكمون في المياه وتحويلها ويمكن أن تحرم مصر منها كان إعلاما سالبا ترتب عليه تعبئة الشعب الإثيوبي ووقوفهم صفا واحدا خلف رئيسهم برغم الاختلافات والخلافات التي كانت سائدة بينهم حينذاك.
* بعض المراقبين يعتقدون أن الخطأ الجسيم الذي وقعت فيه كل من الخرطوم والقاهرة بشأن القبول باتفاقية سدّ النهضة ليس من الناحية الفنية بقدر ما هو من الناحية القانونية التي تضمن حصول الشركاء على حقوقهم كاملة والحيلولة دون انحرافها من قبل أديس أبابا.. ما تعليقكم؟
- كنت قد سمعت آراء القانونيين الذين انبروا للحديث عن الخطأ القانوني في اتفاقية سدّ النهضة، ولكن أقول بكل ثقة أصلا ليست هناك أخطاء قانونية، كان مجرد آراء غير صحيحة ولا أود أن أخوض في السرّ من وراء مثل هذه الأقوال التي أطلقت بالتزامن مع الحركة المصرية السودانية الإثيوبية للوصول إلى نقطة التقاء يحصل فيها ثلاثتهم على المنافع المرجوة من السدّ. وعلى صعيد السودان ليس لدينا أي مشكلة وكان حديثا مع الإثيوبيين، التأكيد على أهمية الاتفاق على برنامج ملء البحيرة لأنه يؤثر بشكل مباشر على السودان، وهو برنامج سيتفق عليه الأطراف الثلاثة وبرنامج تشغيل السدّ وهذه هي الجوانب القانونية التي تهمّنا.
* قانون «جاستا» أحدث ضجة كبيرة وقوبل برفض دولي.. ما موقف السودان منه؟
قانون «جاستا» هو لغة «الكاوبوي»، وبالأحرى قانون الغابة، لأنه يعني نزع ما لا تملك، فإذا كان لدى أميركا عدد من المواطنين تأثروا سلبا بالتفجيرات خاصة تلك التي تعرض له برج التجارة العالمية حيث أرواح وممتلكات فقدت ومؤسسات دمرت، أيضا لا بد أن نذكر أن أميركا ارتكبت جرائم كبيرة جدا في أنحاء مختلفة من العالم، بدءا من القنابل الذرية التي رمتها في اليابان وما زال أثره قائما، إلى الحرب في فيتنام واستخدام كل الأسلحة المحرّمة فيها، والعمليات الأميركية المستمرة حتى الآن في أفغانستان، وقصف المدنيين في عدد من دول العالم بذرائع مختلفة، ولذلك إذا كنا نتحدّث عن أن قانون «جاستا»، كان قانونا عادلا سيكون بما لا يدع مجالا للشك وبالا وشرّا مستطيرا على أميركا، لأن البشر الذين تأثروا سلبا وفقدوا أرواحا وممتلكات ومأوى وغيرها من أساسيات الحياة والكرامة جراء السلوك الأميركي خارج حدودها، أضعاف أضعاف أولئك الذين تضرروا من التفجيرات التي تعرضت لها المصالح الأميركية في برج التجارة بغض النظر عن مصدرها وأسبابها، فضلا عن ذلك لا بد من النظر إلى البشر الذين يتعاملون بالدولار كعملة رئيسية في العالم، علما بأن مقاص الدولار موجودة في الأساس في أميركا، مما يعني أن كل المعاملات تمرّ على أميركا، وفي ذلك مجال لمصادرة الكثير من هذه المعاملات، أضف إلى ذلك هناك الكثير جدا من الأموال المستثمرة، في أميركا في أي شكل كانت، فهي ضخمة جدا، وحينها إذا استهدفوا مثل هذه الأموال سيقع فيها ظلم كبير جدا، وبالتالي سيترتب عليه آثار سالبة ليس فقط على سيادة الدول الأجنبية وزعزعة الأمن والاستقرار الدوليين، بل حتى على أميركا نفسها لأنه بموجب هذا القانون سترفع قضايا من العيار الثقيل ضد أميركا، بجانب أن أي دولة ستحجم عن الاستثمار أو وضع أموال داخل أميركا، لأنها عرضة للمصادرة تحت أي وقت بموجب هذا القانون الأميركي «جاستا»، فهو قانون جائر بالمعنى، ويعزز سياسة النهب الأميركية، ولذلك على المستوى السودان فهو مرفوض تماما.
* ماذا أنجزتم فيما يتعلق بمشروع محاربة الفساد؟
- لدينا من الأجهزة والآليات لمكافحة الفساد لا توجد في أي دولة في العالم، فمثلا لدينا ما يسمى قانون المراجع العام وهو يتمتع بقوة استقلالية غير مسبوقة لا في السودان ولا في غيره من بلاد العالم، حيث إنه عندما تسلمنا الحكم في عام 1989. كانت حسابات السودان على مدى خمسة أعوام قبل هذا التاريخ، لم تقفل ولم تراجع، ولم يكن في تاريخ السودان أن المراجع العام يرفع تقريره للبرلمان، الآن يرفع تقريره مباشرة للبرلمان والأخير بعد مراجعته له وإبداء ما عليه من ملاحظات عليه المتابعة ما تم فيها لأنه نحو 80 إلى 90 في المائة منها تقع بسبب مشكلات إدارية وغياب للوثيقة وتجاوز الإجراءات، في النهاية أخطاء إدارية يتم المحاسبة عليها إداريا، وهناك أخطاء تذهب للنيابة والأخيرة ترفع للقضاء ويخبر البرلمان بما تم في كل التجاوزات التي مثلا ظهرت في تقرير المراجع العام، والناس تعتمد على هذا التقرير كونه يعكس مظاهر الفساد، ولكن الحكومة اعتمدت عنصر الشفافية لأنها واثقة من أن ذلك يمكّن المراجع العام من أن يرفع تقريره النهائي للبرلمان وبالتالي لتعود للرأي العام، ولدينا أيضا نيابة المال العام، وهنا أي قضية تخصّ المال العام والاعتداء عليه، أو أي مخالفات سواء اختلاسات أو رشاوى أو تجاوزات، فإن نيابة المال العام هي المسؤولة مباشرة عن ذلك، كما لدينا كذلك قانون لا يوجد في أي بلاد في العالم وهو قانون «الثراء العام»، فإدارته تتلقى الشكاوى فمثلا أيا كان جاء إلى موقع ما فبدت عليه علامات الثراء الحرام في سكنه أو في بيته أو في صرفه، وهنا من حق أي مواطن رفع هذا الأمر لإدارة الثراء والقاعدة القانونية أن «المتهم بريء حتى تثبت إدانته»، أما في قانون «الثراء الحرام» المتهم مدان حتى تثبت إدانته، الآن أجزنا قانون «مكافحة الفساد والشفافية»، وهي متاحة لأي مواطن أنه يتصل بهذه الإدارة إذا لاحظ أو تملك أي معلومة عن قضية فساد ارتكبت، كذلك لدينا «ديوان المظالم العامة»، الغرض منه أنه إذا كان أحدهم مظلوما من الرئيس أو من وزير أو معتمد حتى لو شعر أن المحكمة لم تستطع أن تمنحه حقه، أو وقع عليه ظلم، فإنه لا يلغي الحكم ولا يمنع الشخص المستفيد من الحكم ولكنه سيجبر الضرر لمن وقع عليه الظلم، أيضا لو أن هناك أي خبر أو معلومة عن قضية فساد في أي مؤسسة من المؤسسات ولو كانت داخل ديوان المراجع العام، من حق «ديوان رفع المظالم»، التحقيق في هذه القضية ويرفع تقريره مباشرة للبرلمان، وبالتالي وضعنا من الأجهزة والآليات ما فيها الكفاية من أن تحمي المال وتمنع الفساد.
* ولكن هناك شكوك في أن الكثير من أموال التحصيل تذهب إلى جيوب أخرى..
- .. مقاطعا.. مع التقنيات الجديدة، أصبح التحصيل إلكترونيا فأصبح إمكانية الاعتداء على المال العام من الصعوبة بمكان، وفي كثير من المجالات التي تشمّ فيها رائحة فساد، سواء في الضرائب أو تقديرها، الآن أيضا أطلقنا بشأنه برنامج حوسبة كاملة للعمل في الضرائب، وبالتالي فإن الانتقال إلى الحكومة الإلكترونية سيغلق الكثير من منافذ الفساد والاعتداء على المال العام.
* ماذا عن الشخصيات الحكومية النافذة التي وجهت إليها اتهامات بالفساد؟
- أتعهد بأن أيا كان قدّم بينة ضد أي مسؤول، ليس هناك ما يمنعنا من اتخاذ الإجراء القضائي ضده، ومثال لذلك أن أحد وزرائنا اتهم وهو أزهري التيجاني الوزير السابق للشؤون الإسلامية والأوقاف، وتهمته بأنه حصل تجاوز في مال الأوقاف وتم تقديمه للمحكمة، وكان هناك عدد كبير يتوقع أن الحكومة تتدخل في هذه القضية لتناصر وزيرها، وتعطل الإجراءات، وبالفعل حصلت اتصالات بنا من قبل الذين يعرفون أزهري ونزاهته، طالبونا بأن نوقف الإجراءات ولكن رفضنا الطلب تماما، وقلنا هذا الوزير في أحد أمرين، إما هو بالفعل ارتكب هذا الجرم ويستحق للمحكمة ويحاكم باعتباره خان الأمانة، أو هو بريء والأفضل أن تبرئه المحكمة من أن نبرّؤه نحن، فهذا نموذج، ونؤكد أن أي أحد لديه متهم بهذا المستوى ويمتلك المعلومة فإن أبواب العدالة تفتح أبوابها على مصراعيها ولا أحد فوق القانون بتاتا، ولن نتدخل لنحمي أو نوقف أي إجراءات قضائية، كذلك، لدينا قضية أخرى تتصل بنائب رئيس البرلمان بولاية الخرطوم محمد حاتم، حيث وجه له اتهام والآن القضاء يجري في مساره فلم يمنعه موقعه الحكومي أن يحاكم، إذ إنه لم يحدث أي تدخل من جانبنا أو من جانب الحكومة لإيقاف إجراءات محاكمته، ونؤكد أننا لن نتدخل في عمل القضاء على الإطلاق مهما كان وزن الشخصية المتهمة.
* ماذا بذل فيما يتعلق ببرنامج تحسين المعيشة؟
- بكل صراحة ندير اقتصادنا في ظروف صعبة للغاية، حيث إن الاقتصاد السوداني تعرض لهزات عنيفة جدا، ففي عام 2005 تاريخ توقيع اتفاقية السلام، فقدنا أكثر من نصف إيراداتنا من البترول من أجل قضية السلام، وفي عام 2008 حيث الأزمة المالية الاقتصادية العالمية، تلته مرحلة انفصال جنوب السودان ومعه فقدنا بترول الجنوب، والذي كان يمثل أكثر من 90 في المائة من إيرادات العملة الأجنبية، لأن البترول كان من صادراتنا الأساسية، ما يعادل أكثر من 50 في المائة من الموازنة، فكانت كل الحسابات والتقديرات من الكثير من الكيانات والمؤسسات الدولية بما في ذلك صندوق النقد الدولي، تتوقع أن عام 2012 أنه ستنهار الدولة السودانية، وستفشل في أن توفر الأساسيات للمواطنين بما فيها المرتبات، حيث إن تقديرات الصندوق الدولي أن نمو الاقتصاد السوداني سيكون – 11. ولكن بفضل الجهود التي بذلت بهذا الشأن لم يحصل الانهيار المتوقع، مع أن الأمور لم تكن سهلة والتضخم زاد فزادت بموجبه الأسعار، عموما لا ندعي أننا سنحقق كل التطلعات في لحظة واحدة في دفعة واحدة، لأنه ما زال هناك حصار وعقوبات على السودان، ولكن هناك برنامج ممرحل يعمل بالتدريج لتحقيق ذلك، حيث إن البرنامج الاقتصادي الثلاثي حققت نجاحات كبيرة جدا، وأبطأ سرعة التدهور في الاقتصاد السوداني، لأنه كان بالإمكان الفشل في توفير السلع الأساسية عدم القدرة على دفع مرتبات العاملين، غير أنه الآن السلع الأساسية متوفرة والدولة لم تفشل في صرف المرتبات، فضلا عن أن عملية التنمية والنمو لم تتوقف والجهود ما زالت مستمرة، الأمر الذي حافظ على التضخم في نسب متدنية جدا حيث هبط إلى رقمين وصل حتى 13 في المائة مع أنه ارتفع قليلا في الشهر الماضي فالجهود المبذولة لتخفيف وطأة وأعباء المعيشة امتدت إلى أن الدولة تدعم المزارعين من خلال شراء طن القمح من المزارع بـ4 آلاف جنيه سوداني، ونبيعه للمطاحن بـ1.95 ألف جنيه سوداني، ففي ذلك دعم للمزارع حتى يزيد إنتاجه، وإحلال الواردات وزيادة الصادرات، أيضا ندعم المواد البترولية والأدوية وهناك العلاج المجاني لخمس فئات من المواطنين في حالات علاج السرطان وغسيل الكلى وعلاج الأطفال دون الخامسة، والعمليات القيصرية وحالات الطوارئ، أيضا وصلنا إلى 50 في المائة من التأمين الصحي، إذ إننا الدولة الوحيدة التي تؤمن تأمينا صحيا للفقراء، هناك أكثر من 200 ألف من الطلاب الفقراء يمنحون دعما من صندوق دعم الطلاب هناك فئات تدعمها الزكاة وجهود أخرى لتخفيف المعيشة، لكن مع ذلك المستوى المعيشي في السودان ارتفع، وعموما لا ننكر أن هناك فقرا عاما في السودان ولكن بالمقابل التطلعات زادت، فهناك هناك شكاوى من كثافة العمالة الأجنبية المتواجدة حاليا في السودان، بسبب الحاجة لعمالة في مجالات البناء والزراعة والنظافة، كما أنه تترخص سنويا أكثر من 450 ألف سيارة خاصة، وأكثر من 50 في المائة من طلاب الخرطوم يدرسون في المدارس الخاصة.
* ما زالت الصحافة السودانية بين نارين ضيق ذات اليد ومصادرة بعضها بسبب تقييد للحريات.. ما مشروع معالجة وضعها؟
- هناك اتفاق على ميثاق شرف المهنة، ولكن نحن في بلد كانت وما زالت متأثرة بظروف غير طبيعية مثل الحروب والحصار القوي والتآمر الشرس المضروب عليها، ولكن مع ذلك الدولة لا تتدخل في عمل الصحافة إلا إذا شعرت بأن هناك خطورة ونتيجة سالبة من ذلك على أمن وسلامة ووحدة واقتصاد السودان، غير أن بعض الصحافيين يعتقدون أن إثارة بعض القضايا ولو جانبها تجاوز أمني أو دفاعي أو أخلاقي تساعد على توزيع الجرائد، وعليه فإن مشكلة بعض الصحافة في السودان الترهل الكبير في عدد الصحف اليومية مع أنه يمكن فقط ثلاث منها يمكن أن تغطي في ظل الإعلام الجديد، وهناك حاجة ماسة لتجويد العمل الصحافي، والاعتماد على الإعلان الحكومي أيضا يمثل مشكلة في ظل تدني نسبة التوزيع، ولذلك أصدرنا قانونا بأن تتحول هذه الصحف في شركات ضخمة مدمجة لتكون صاحبة إمكانات ضخمة تتحمل المشكلات المتعلقة بزيادة ارتفاع تكاليف مدخلات إنتاجها.
* أخير وصل الحوار الوطني إلى مرحلة رفع التوصيات.. ثم ماذا بعد ذلك؟
- الناس كانوا مشفقين جدا على الحوار الوطني ومآلاته، وكانت الأطروحات متباينة جدا اشتمل على تجاوزات كبيرة، جدا ولكن ذلك بمثابة بداية مخاض لتجربة مهمة جدا سمحت من خلال خروج كل الهواء الساخن، وبعد ذلك بدأت الأطروحات بموضوعية، خاصة أن المشاركين جاءوا إليه بخلفيات مختلفة، ومن مواقع مختلفة، وهنا لا أتكلم عن الحوار والوثيقة ولكن وفر فرصة مدرسة كادر لتدفق فيها من كم هائل من حوارات ومعلومات رفعت مستوى الناس على مدى عام كامل، فأهلت بذلك كوادر جديدة حزبية بفهم وطني وفاقي كبير جدا، وفتح فرصة للتعارف للمكون السوداني المختلف، والنتيجة، خلصت إلى اتفاق على حوار حرّ شفاف بنسبة 100 في المائة لم يتدخل فيه حزب المؤتمر الوطني أو الحكومة بأي نوع من الإملاءات وانتهى الأمر إلى حلول توافقية للخلافات الصغيرة بنسبة 100 في المائة، وتأسيس وثيقة لقيادة السودان في المستقبل والآن نحن في مرحلة تنفيذ التوصيات، حيث إنه هناك بعض الإجراءات العاجلة في بداية تنفيذ مخرجات الحوار وستشكل لجنة قومية وسيكون المستند الموجود هو الوثيقة الموقع عليها نحو 116 حزبا وحركة حتى الآن علما بأن الوثيقة مفتوحة للآخرين للتوقيع عليها، ولكن لن يكون بعد ذلك أي نوع من الحوار ولا مكان لأي جهة خارجية للتحاور معها، فقط يذهب إلى سكرتارية الحوار ليطلع على الوثيقة والتوقيع عليها، وهذه الوثيقة ستشكل لها لجنة قومية لتضع مسودة للدستور بمشاركة واسعة من الشعب السوداني بما فيهم من كان خارج السودان، وستكون الأساس للدستور الدائم وستكون تعديلات عاجلة مثل استحداث منصب رئيس الوزراء وإضافة للبرلمان أو الهيئة التشريعية لأولئك الذين لم يشاركوا في الانتخابات لإدارة الفترة حتى عام 2020. ففي هذا العام سيكون هناك انتخابات عامة إلكترونية مبنية على الرقم الوطني، حتى لا يكون هناك مجال للحديث عن كشوفات وهمية أو تزوير، فالأساس الرقم الوطني كأساس المواطنة للمشارك والسجل المدني في توزيع الدوائر، والتصويت سيكون إلكترونيا، لينتهي بمجلس تأسيسي من أجل النظر في الوثيقة التي ستعد من قبل اللجنة القومية لأنه في نهاية الأمر لا بد من هيئة لإجازة الدستور.



«الرئاسي اليمني» يقيّم تقدم الإصلاحات ويشدّد على العمل المشترك

جانب من اجتماع مجلس القيادة الرئاسي اليمني (سبأ)
جانب من اجتماع مجلس القيادة الرئاسي اليمني (سبأ)
TT

«الرئاسي اليمني» يقيّم تقدم الإصلاحات ويشدّد على العمل المشترك

جانب من اجتماع مجلس القيادة الرئاسي اليمني (سبأ)
جانب من اجتماع مجلس القيادة الرئاسي اليمني (سبأ)

جدد مجلس القيادة الرئاسي اليمني خلال اجتماعه، الأحد، التزامه بالمضي في مسار الإصلاحات الاقتصادية والمالية، وتعزيز الشفافية واستعادة مؤسسات الدولة، بالتوازي مع إشادته بالدعمين الإقليمي والدولي المتواصل، ولا سيما الموقف الحازم لمجلس الأمن تجاه الانتهاكات الحوثية.

وركّز الاجتماع، الذي عقد في الرياض برئاسة رشاد العليمي وغاب عنه ثلاثة من أعضاء المجلس «بعذر» - بحسب الإعلام الرسمي - على أبرز التحديات الاقتصادية والخدمية، ومستوى تنفيذ خريطة الإصلاحات الحكومية، وسط تأكيدات على أهمية العمل المشترك، وتكامل الجهود لتخفيف معاناة المواطنين، وتحقيق استقرار اقتصادي وخدمي أوسع في المحافظات المحررة.

وذكرت وكالة «سبأ» أن المجلس استعرض، بحضور رئيس الوزراء سالم بن بريك، آخر التطورات على المستويات الاقتصادية والخدمية والأمنية، مع تقييم مستوى التقدّم في تنفيذ قرار المجلس رقم (11) لعام 2025، المتعلق بأولويات الإصلاحات والإجراءات اللازمة لمعالجة الاختلالات في تحصيل الموارد العامة مركزياً ومحلياً.

وقدم رئيس الوزراء - وفق الوكالة - إحاطة شاملة حول ما أنجزته الحكومة في مجال ضبط الإيرادات، وتفعيل أدوات الرقابة، وتحسين الأداء المالي والإداري، مشدداً على التزام الحكومة بتوجيهات مجلس القيادة، والسعي إلى معالجة التحديات التي تواجه المؤسسات العامة ورفع كفاءتها.

طلاب يمنيون يمشون في ممر مدرسة بتمويل سعودي في مدينة عدن (أ.ف.ب)

وأكد مجلس القيادة دعمه الكامل لإجراءات الحكومة والبنك المركزي في تنفيذ الإصلاحات الشاملة، والحفاظ على الاستقرار المالي والنقدي، والعمل بمعايير الشفافية والمساءلة. وعدّ المجلس أن هذه المنهجية تمثل أساساً لتعزيز الثقة مع المانحين والشركاء الدوليين، وضمان قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها تجاه المواطنين ورواتبهم وخدماتهم الأساسية.

كما شدّد المجلس على ضرورة تعزيز العمل المؤسسي بروح الفريق الواحد، والالتزام بتنفيذ المصفوفة الكاملة للإصلاحات الاقتصادية والمالية، بوصفها المسار الأكثر فاعلية لإحداث تغيير ملموس في المحافظات المحررة، وتمكين الدولة من الاضطلاع بدورها في استعادة مؤسساتها وإنهاء معاناة اليمنيين.

إشادة بالإنجازات والدعم الدولي

أبدى مجلس القيادة ارتياحه للتقدم المحرز في مسار الإصلاحات، موجهاً الحكومة بالمضي قدماً في تنفيذ الخطوات الواردة في القرار رقم (11)، وضمان وصول الدولة إلى كامل إيراداتها السيادية بما يمكّنها من الاستمرار في تقديم الخدمات وصرف الرواتب.

كما ثمّن المجلس الدعم السعودي والإماراتي لخطة التعافي وبرنامج الإصلاحات، مشيداً خصوصاً بإجراءات الحكومة السعودية المتعلقة بتسريع إيداع الدفعتين الأولى والثانية من منحتها المخصصة لدعم الموازنة العامة، الأمر الذي أسهم مباشرة في تسريع صرف رواتب الموظفين المدنيين والعسكريين، مع إعطاء الأولوية لأسر الشهداء والجرحى.

مسلحون حوثيون يستعرضون قوتهم في منطقة خاضعة للجماعة شمال صنعاء (أ.ف.ب)

وفي السياق السياسي، رحّب مجلس القيادة بقرار مجلس الأمن بتجديد ولاية فريق الخبراء التابع للجنة العقوبات، مؤكداً أهمية هذه الخطوة في ردع الممارسات الحوثية التي تهدد استقرار اليمن والمنطقة. كما أشاد المجلس بما تضمنه تقرير فريق الخبراء من «دلائل حاسمة» حول الطبيعة الإرهابية للجماعة الحوثية، وارتباطها بالأنشطة العابرة للحدود ودعم النظام الإيراني.

وأشاد مجلس الرئاسة اليمني أيضاً بما ورد في إحاطات الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن من انتقادات واضحة للممارسات الحوثية، بما في ذلك احتجاز موظفي الأمم المتحدة وتصاعد الهجمات الإرهابية على الملاحة الدولية. وأكد أهمية استمرار الموقف الدولي الموحد إلى جانب الحكومة الشرعية لدعم جهود إحلال السلام وحماية الأمن الإقليمي والدولي.


برد قارس يضرب اليمن... واحتياجات عاجلة للنازحين

أطفال في مخيم للنازحين في مأرب (رويترز)
أطفال في مخيم للنازحين في مأرب (رويترز)
TT

برد قارس يضرب اليمن... واحتياجات عاجلة للنازحين

أطفال في مخيم للنازحين في مأرب (رويترز)
أطفال في مخيم للنازحين في مأرب (رويترز)

يشهد اليمن طقساً بارداً أكثر من المعتاد في منتصف الخريف وقبل قدوم الشتاء، بالتزامن مع زيادة في أعداد المحتاجين إلى المساعدة، وسط تحذيرات من انخفاض أشد في درجات الحرارة خلال الأسابيع المقبلة، وتفاقم معاناة النازحين، وطلب تمويل بـ7 ملايين دولار لتأمين احتياجات مئات الآلاف منهم.

ويتوقع خبراء الأرصاد أن تعيش البلاد خلال الأيام المقبلة موجة برد شديدة في مناطق المرتفعات، ما يؤثر على صحة السكان من الأطفال وكبار السن، إلى جانب تأثيرها على المحاصيل الزراعية، وتزداد قسوتها خلال ساعات الليل والصباح الباكر، خصوصاً في محافظات شمال البلاد، وتقل حدتها نسبياً باتجاه الجنوب والجنوب الغربي والشمال الشرقي.

ورجّح عدد من الخبراء أن تكون محافظات صعدة وعمران وصنعاء شمالاً، وذمار والبيضاء جنوب وجنوب شرقي العاصمة صنعاء، هي الأكثر عرضة لهذه الموجة، تليها المناطق المرتفعة في محافظات إبّ وتعز ولحج والضالع، في الجنوب والجنوب الغربي للبلاد، بالإضافة إلى الأجزاء الغربية من محافظة الجوف (شمال شرقي).

ولا تُستثنى المحافظات الشرقية مثل حضرموت وشبوة وأبين ومأرب، والغربية والشمالية الغربية مثل ريمة وحجة والمحويت، من تلك الموجة، لكن بدرجة أقل، ما يدعو إلى اتخاذ احتياطات لحماية الأطفال وكبار السن من تأثيراتها، واتخاذ تدابير لحماية المزروعات من التلف.

لا تختلف أزمة المأوى بالنسبة للنازحين بين الصيف والشتاء بسبب قسوة الظروف المناخية المتبدلة (رويترز)

وحذرت الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في مأرب، خلال الأيام الماضية، من زيادة معاناة النازحين وأشد الفئات ضعفاً مع اقتراب فصل الشتاء، ووجهت دعوة لشركاء العمل الإنساني والجهات المانحة للتحرك العاجل وتقديم المساعدات الشتوية الضرورية.

فجوة تمويلية

ذكرت الوحدة التنفيذية المعنية بالنازحين، وهي هيئة رسمية، أن تقاريرها الميدانية كشفت عن أوضاع مؤلمة للأطفال والنساء وكبار السن الذين يعيشون في خيام مهترئة بلا أغطية كافية أو وسائل تدفئة، مما يضاعف من خطر البرد القارس عليهم، منبهة إلى أن تأخير الاستجابة يهدد حياة الفئات الهشة ويضاعف معاناتها.

وذكّرت بحوادث وفاة عدد من الأطفال وكبار السن خلال الأعوام الماضية بسبب مضاعفات البرد الشديد ونقص الدعم الإنساني، وطالبت ببذل الجهود لعدم تكرار المأساة هذا العام، من خلال توفير الملابس الشتوية والبطانيات وأدوات التدفئة والعوازل والفرش الأرضية بشكل عاجل، والاهتمام بأكثر العائلات تضرراً.

وكانت «كتلة المأوى» وجهت نداءً عاجلاً للحصول على تمويل بقيمة 7 ملايين دولار لتأمين احتياجات الشتاء لنحو 217 ألف شخص من النازحين والعائدين والمجتمعات المضيفة في اليمن.

نازحة يمنية تنتظر حصولها على مساعدات شتوية من المنظمة الدولية للهجرة العام الماضي (الأمم المتحدة)

وأشارت «الكتلة» إلى أن ضعف الاستجابة الإنسانية سيعرض عشرات الآلاف لمخاطر البرد القارس، خاصة في 45 موقعاً موزعة على 12 محافظة يواجه سكانها ظروفاً معيشية صعبة تحدّ من قدرتهم على شراء المستلزمات الشتوية الأساسية.

وبحسب تحليل حديث أجرته «الكتلة»، وهي آلية أممية تعمل على تنسيق جهود المنظمات الإنسانية والجهات الفاعلة الأخرى لتقديم الدعم في مجال المأوى للأشخاص المتضررين من الكوارث والنزاعات؛ فإن نحو 642 ألف نازح، يعيشون في 45 مديرية موزعة على عدد من المحافظات، يحتاجون لمساعدة شتوية، من بينهم 563 ألفاً تقريباً معرضون لدرجات التجمد.

ولا يُغطّى من التمويل المطلوب سوى 5 في المائة فقط، ما يترك فجوة تمويلية خطيرة بنسبة 95 في المائة.

وحددت الكتلة الأممية استراتيجيتها لمواجهة هذه الأزمة بإصلاح المأوى أو استبدال الخيام والمساكن التالفة وعزلها بدرجة كافية، وتوزيع «حزمة شتوية» من بطانيات عالية العزل لكل فرد، وملابس شتوية متنوعة، وفق عدد أفراد كل عائلة، إلى جانب إمكانية تقديم المساعدة النقدية، بحسب تقييم الأسواق المحلية والقدرة الشرائية.

مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع الشتاء الماضي (إكس)

وأعادت التحذير من أن يشهد الشتاء المقبل ظروفاً مشابهة لسابقه، ما يجعل توفير التمويل ضرورة ملحة لضمان سلامة نحو 31 ألف عائلة تعيش في بيئات شديدة البرودة، ومنحهم الحد الأدنى من الأمان والدفء.

موسم التدهور المعيشي

توقعت مبادرة تصنيف المراحل المتكاملة للأمن الغذائي (IPC) أن يرتفع عدد اليمنيين الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمان الغذائي إلى 18.1 مليون شخص، خلال الفترة من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وحتى فبراير (شباط) المقبل، بنحو 52 في المائة من السكان الذين قامت بدراسة أوضاعهم المعيشية.

وطبقاً للمبادرة، فإن من المحتمل أن يدخل نحو 41 ألف شخص في المرحلة الخامسة المصنفة بالكارثة في بعض المديريات، وأكثر من 5.5 مليون شخص في المرحلة الرابعة، وهي مرحلة الطوارئ، في حين سيقع نحو 12.574 مليون شخص في المرحلة الثالثة، وهي مرحلة الأزمة، مع ترجيح أن يرتفع عدد المديريات التي قد تقع في فئة الطوارئ من 143 إلى 166 مديرية خلال نفس الفترة.

الحاجة إلى المأوى تتزاحم إلى جانب احتياجات الغذاء لدى النازحين طوال فصول العام

ومن دون حدوث تدخل سريع، فإن المبادرة، وهي تجمع متعدد الأطراف من وكالات أممية ومنظمات تقنية وإنسانية يهدف إلى تحسين تحليل الأمن الغذائي والتغذية واتخاذ القرارات الإنسانية، تبدي مخاوفها من انهيار كامل لسبل المعيشة.

وحددت المبادرة العوامل المحرّكة للأزمة الإنسانية بالصراع المستمر الذي يعوق الوصول إلى الأسواق، والضائقة الاقتصادية المتمثلة في ضعف العملة وانخفاض الدخل وتراجع فرص العمل، والصدمات المناخية، وانخفاض المساعدات الإنسانية وآليات التكيّف المنهكة.

وتتفاقم معاناة اليمنيين في فصل الشتاء، الذي يعد موسماً للجفاف، بسبب توقف الأمطار التي تعتمد عليها غالبية الأنشطة الزراعية، في حين تواجه المحاصيل الموسمية مخاطر التلف بسبب الصقيع.


صنعانيون مخنوقون بالديون... والمعاناة يفاقمها غياب الرواتب

بائع متجول في صنعاء يبحث عن زبائن حيث يعرض قبعات شتوية وحقائب كتف وإكسسوارات (إ.ب.أ)
بائع متجول في صنعاء يبحث عن زبائن حيث يعرض قبعات شتوية وحقائب كتف وإكسسوارات (إ.ب.أ)
TT

صنعانيون مخنوقون بالديون... والمعاناة يفاقمها غياب الرواتب

بائع متجول في صنعاء يبحث عن زبائن حيث يعرض قبعات شتوية وحقائب كتف وإكسسوارات (إ.ب.أ)
بائع متجول في صنعاء يبحث عن زبائن حيث يعرض قبعات شتوية وحقائب كتف وإكسسوارات (إ.ب.أ)

تزداد المخاوف في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء من انهيار الوضع الإنساني بصورة غير مسبوقة، في ظل استمرار الحرب، وتعطل مؤسسات الدولة، وانقطاع رواتب معظم الموظفين منذ سنوات.

وفي حين ترتفع أسعار السلع الأساسية بوتيرة لا تتيح لغالبية السكان اللحاق بها، يغرق آلاف الأسر بدوامة الديون اليومية التي باتت الوسيلة الوحيدة للبقاء على قيد الحياة.

يقول «عادل»، وهو اسم مستعار لمعلم حكومي في صنعاء، إن حياته تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى سباق مرير مع متطلبات أسرته، بعدما اضطر إلى ترك مهنته في التعليم قبل عامين والعمل في متجر صغير للمواد الغذائية داخل مديرية معين.

لكن دفع تراجع القوة الشرائية للسكان وممارسات الحوثيين التي يخضع لها التجار صاحب المتجر إلى الإغلاق وتسريح العمال، ليجد عادل نفسه من دون مصدر رزق يعيل به زوجته وخمسة أطفال.

الملايين في اليمن فقدوا مصادر عيشهم تحت وطأة الانقلاب الحوثي (الأمم المتحدة)

يؤكد عادل لـ«الشرق الأوسط» أنه يلجأ كل شهر إلى الاقتراض لتوفير الحد الأدنى من الاحتياجات، بدءاً من المواد الغذائية وحتى العلاج. ويوضح: «كان الدين بسيطاً ويمكن السيطرة عليه، لكنه تضاعف اليوم مرات كثيرة... لم أعد قادراً على السداد ولا على التوقف». ويضيف أنه بدأ بالاستدانة من بقالة الحي، ثم من الأقارب والجيران، إلا أنه يخشى اليوم أن يأتي الوقت الذي لن يجد فيه من يقبل بمنحه ديناً جديداً.

هذه القصة لا تبدو حالة فردية، بل تعكس واقع شريحة واسعة من سكان مناطق سيطرة الحوثيين، بينهم موظفون حكوميون وعمال بأجر يومي، باتوا عاجزين عن الوفاء بالتزاماتهم المالية بسبب انقطاع الرواتب وتراجع فرص العمل.

وتشير تقديرات محلية إلى أنّ نحو 75 في المائة من الأسر في تلك المناطق الخاضعة للحوثيين تعتمد على الديون لتأمين ضرورياتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء والدواء والإيجار.

ديون تتحول إلى نمط حياة

يرى اقتصاديون في صنعاء أن الدين لم يعد مجرد وسيلة لتجاوز أزمة طارئة، بل أصبح نمط حياة مفروضاً على آلاف الأسر التي تعيش تحت سلطة الحوثيين. ويقول خبراء إن تدهور الدخل، مقابل ارتفاع الأسعار وغياب الرقابة، خلق فجوة معيشية تستحيل السيطرة عليها دون اللجوء إلى الاقتراض المتكرر.

«أم عماد»، أم لثلاثة أطفال، تؤكد أنها تعيش بالكامل على الديون منذ فقدان زوجها عمله قبل أكثر من عام. تقول لـ«الشرق الأوسط»: «كل يوم آخذ ما أحتاجه بالدَّين... لا يمكنني ترك أطفالي دون طعام، لكنني لا أعرف متى سأستطيع السداد». وتوضح أن البقالة القريبة من منزلها تمتلك سجلاً كبيراً يحتوي على ديونها إلى جانب عشرات الأسر الأخرى في الحي ذاته.

يمنيون في صنعاء يتناولون وجبة «السلتة» الشعبية بأحد المطاعم (رويترز)

ويعاني التجار بدورهم من تراكم الديون عليهم، ما يهدد قدرتهم على الاستمرار في العمل. وبحسب أحد ملاك المتاجر في صنعاء، فإن 60 في المائة من بضاعته تُصرف يومياً بالدين، موضحاً أنه لم يعد قادراً على شراء شحنات جديدة من السلع بسبب نقص السيولة. ويشير إلى سجل ضخم يحتفظ به لمعاملات مؤجلة لأسر متعددة، تبدأ من شراء الخبز والأرز مروراً بالأدوية واحتياجات الأطفال.

ويحذر اقتصاديون من أنّ هذه الدائرة المغلقة من الديون ستقود إلى انهيار اجتماعي واقتصادي واسع إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه. ويؤكدون أن استمرار الانقلاب، وتعدد الجبايات، وتراجع النشاط التجاري، وانقطاع الرواتب منذ سنوات، إضافة إلى عدم وجود آليات رقابية فاعلة في الأسواق، كلها عوامل تدفع المواطنين إلى مزيد من الفقر والاعتماد الكامل على الديون.

مجاعة على الأبواب

في خضم هذا التدهور، أصدرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) وبرنامج الأغذية العالمي تقريراً مشتركاً حذّرا فيه من خطر وشيك بوقوع مجاعة كارثية في ست دول، من بينها اليمن.

التقرير أوضح أن تفاقم الصراعات والعنف وسوء الأوضاع الاقتصادية يدفع الملايين في اليمن نحو حافة الجوع الحاد، مشيراً إلى أن الوضع الإنساني مرشح للتدهور خلال الأشهر المقبلة إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة.

وأكد التقرير أن المجاعة «ليست مفاجئة، بل متوقعة»، ويمكن تفاديها من خلال إعادة تركيز الجهود الدولية على توفير التمويل الكافي لبرامج الإغاثة، وزيادة الاستثمارات في الأمن الغذائي، وتعزيز صمود الأسر المتضررة في مواجهة الأزمات الممتدة. وشدّد على أن منع وقوع المجاعة يتطلب تحركاً سريعاً قبل «فوات الأوان».

يمنيات أمام بوابة أحد المطاعم في صنعاء للحصول على وجبة مجانية (الشرق الأوسط)

في ظل هذه التحذيرات، تبقى معاناة السكان في مناطق سيطرة الحوثيين مرآة لحجم الانهيار المعيشي، وسط غياب أي حلول ملموسة أو سياسات تُعيد الحد الأدنى من القدرة الشرائية للأسر.

وبينما يواصل الأهالي الغرق في الديون اليومية لتأمين رغيف الخبز وأبسط الاحتياجات، يلوح شبح الجوع في الأفق أكثر من أي وقت مضى، ما يجعل اليمن أمام تحدٍّ إنساني خطير قد يتفاقم سريعاً ما لم تتكاتف الجهود المحلية والدولية لاحتوائه.