* بعدما عرض المخرج الإيطالي جيانفرانكو روزي فيلمه الجديد «نار في البحر» Fire at Sea في مسابقة برلين السينمائي الدولي حيث نال الجائزة الأولى في فبراير الماضي، جلست، بحكم ترأسي لجوائز اتحاد نقاد وصحافيي السينما الفيدرالي (فيبريسكي) في تلك الدورة، مع المخرج الذي لا يمت بصلة للسينمائي الإيطالي الراحل فرنشسكو روزي، ولو أن جيانفرانكو يعترف بأنه يلتقي مع فرنشسكو في رغبته تحقيق أفلام سياسية المنوال.
يصوّر «نار في البحر» حال هؤلاء اللاجئين الذين أبحروا سرًا من شواطئ عربية حاملين معهم السعي للبقاء أحياء. بعضهم غرق قبل تحقيق هذه الرغبة والبعض وصل، ومن وصل صوّرهم المخرج في عمله الذي استحق الجائزة ولو من حيث رغبته في تغطية جانب من هذا الموضوع الذي يخز الخاصرة الطرية لأوروبا.
لكن القول إنه فيلم تسجيلي يصوّر وصول اللاجئين إلى الجزيرة وكيف يتم تعامل السلطات الأمنية والطبية معهم وعن معاناة الوافدين وقد أمضوا أيامًا من الخطر الداهم هو قول سهل. نعم، الفيلم في هذا الإطار هو عمل غير روائي. يصوّر المخرج غرفة العمليات العسكرية التي تشرف على إنقاذ المراكب، وينتقل إلى كيفية استقبالهم والكشف الطبي عليهم وتسجيل بياناتهم، لكنه في الوقت ذاته يتبع حكاية هناك صبي في الثانية عشر من عمره اسمه صامويل نتعرف عليه في البرية وهو يحاول اصطياد العصافير بمنجنيق يد صغير بصحبة صديق له. لا نراهما ينجحان في صيد العصافير لكنهما يرميان بأحجارهما أوراق شجر الصبير السميكة ويؤذيانها. لاحقًا ما يتخيلان أنهما مسلّحان ببنادق ويبدآن تمثيلاً يدويًا وصوتيًا لعملية قنص وصامويل يؤكد أنه سيدمّرها.
هذا الجانب مبرمج ومكتوب كخط روائي في مواجهة الجزء الآخر ذي العناصر التسجيلية المحضة. وهو ما يجعل الفيلم مختلفًا ومنتميًا إلى نوع ثالث من الأفلام التي تجمع بين الناحيتين التسجيلية والروائية وهذه بدورها باتت تنقسم إلى أكثر من فئة.
يقول المخرج عن هذا المنهج الذي اختاره: «كل أفلامي تعني بالبحث عن صلة بين الإنسان ووضعه الاجتماعي والسينما التسجيلية هي الملاذ الفعلي لأن يأتي هذا البحث ناجحًا وبعيدًا عن التأويل الذي تطرحه السينما الروائية. رغم ذلك إذا ما وجدت وسيلة لسرد حكاية بسيطة العوامل وبلا أحداث وعلى نحو تسجيلي، كما في هذا الفيلم، لا أتأخر».
* أصوات استغاثة
وُلد هذا المخرج في مدينة أسمره في إريتريا وعندما وقعت حرب الاستقلال في مطلع السبعينات ترك المدينة إلى إيطاليا. حسب بعض المصادر كان الصبي الوحيد في تلك الطائرة العسكرية الإيطالية التي أجلت رعايا أوروبيين؛ فوالداه قررا البقاء في إريتريا. يتذكر: «كان الوضع صعبًا وأي شيء قد يحدث. في البداية سمعت والديّ يتحدثان عن ضرورة العودة إلى إيطاليا واعتقدت أنهما يتحدّثان عنا جميعًا، أنا وهما، لكني اكتشفت أنهما يخططان للبقاء وإرسالي وحيدًا».
ربما، يضيف المخرج، بعض رواسب تلك الأحداث السياسية التي عاشها تفاعلت لاحقًا بحيث شكلت الاهتمام الأول بالنسبة لما يحب طرحه من مواضيع. لكن مهما يكن، فإن الشاب أنجز من العام 1993 إلى اليوم ستة أفلام فقط. حين سؤاله عما إذا ما كان يعتبر العدد قليلاً يجيب: «هو قليل بالطبع، لكني لا أعمل على دفع المشاريع بسرعة أكبر. إذا نظرت إلى قائمة أفلامي من عام 2007، وإلى اليوم تجد أن هناك ثلاث سنوات بين كل فيلم وآخر هي المدّة التي احتاجها بحثًا عن الموضوع ثم بحثًا في الموضوع وفي مراحل تحقيقه. هذا بالنسبة لي أمر طبيعي».
مطلع الفيلم يُظهر سفينة بحث تحاول التواصل مع قارب يطلب الإغاثة. المستغيثون هم لاجئون يطلبون العون قبل غرق مركبهم، ولا يجيدون وصف مكانهم. هذا قبل أن يفقد الاتصال وبذلك يضعنا الفيلم في مواجهة صعبة مع واقع مأسوي لكن في سريرة هذا المشهد غرض آخر: «نسمع أصوات الاستغاثة ضعيفة وفي ضعفها إيذانًا بأن إنقاذ هؤلاء لن يتم بسهولة، هذا إذا ما تم أساسًا. لكن هناك قوّة في صوت أناس يطلبون من ينقذهم لأنهم يريدون البقاء على قيد الحياة».
والجديد في فيلمه هذا، كما يقول، أنه لم يصوّر الموت من قبل: «هذا هو الجديد هنا لكنه جديد مروع. بعدما انتهيت من التصوير كان صعبًا علي مواصلة مراحل العمل الأخرى. الفيلم بأسره رحلة مجهدة وطويلة وصولاً إلى تجسيد الفيلم ومآسيه على الشاشة الكبيرة».
«نار في البحر».. نوع يجمع الروائي والتسجيلي
الفيلم الذي يمثل إيطاليا في سباق الأوسكار
«نار في البحر».. نوع يجمع الروائي والتسجيلي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة