التعاون الإقليمي بين قادة تل أبيب وطهران «المتنافستين» معقول ومُجزٍ

ثمّة تحوّل جديد يكشف كم تقدّم التقارب بين إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما والحكم الإيراني في المرحلة الثانية من تفاهمهما عن المرحلة الأولى من الانفتاح. ويبدو أن طهران وواشنطن، الشريكتين غير المحتملتين، وجدتا هدفا استراتيجيا وجيوبوليتيكا مشتركا يتمثل بمكافحة الجماعات الجهادية في الشرق الأوسط، وتفكيك الحركة الجهادية، وشنّ عمليات هجومية واسعة النطاق على هذه الجماعات بهدف إنهاكها وتقزيمها على امتداد دول المنطقة.
التعاون الأميركي هذا مع إيران، تحت ما يسميه الجانبان «جهود مكافحة الإرهاب» بلغ المرحلة الجديدة منذ تولّي حسن روحاني - الموصوف بـ«المعتدل» - منصب الرئاسة في طهران.

الحرب الأميركية - الإيرانية المشتركة على الجماعات الجهادية في المنطقة، كـ«القاعدة» وملحقاتها وأشباهها، التي يعدّها المحلّلون السياسيون أكبر خطّة مشتركة يشهدها الشرق الأوسط خلال السنوات الخمس الأخيرة، تأتي تتويجا للتعاون بين القوات الأميركية و«فيلق بدر» (وهو وحدة قوات خاصة في الحرس الثوري الإيراني) بهدف شن حملة مشتركة كبرى ضد الجهاديين و«القاعديين». والحقيقة أن بين أسباب دفع إدارة أوباما باتجاه تعزيز التعاون مع إيران حرص واشنطن على تمويل وبناء مقاربة فعّالة للتصدّي لتنامي ظاهرة الجهاديين و«القاعدة»، التي تهدّد مكانتهما (واشنطن وطهران) القوية في المنطقة.

وبالإضافة إلى الاستراتيجيات التقليدية الخاصة بمكافحة الإرهاب، فإن التعاون المتنامي اليوم بين الأميركيين والإيرانيين ضد الجهاديين و«القاعديين» وأشباههم ينصبّ بصورة رئيسة على العمليات العسكرية المباشرة الكفيلة بالتعامل مع أي خطر داهم، والاستهداف بالقتل، والقصف المحدّد الأهداف بغية إضعاف الهياكل والكوادر القيادية، ومعها أيضا العناصر العادية في النسق السفلي. وفي المقابل، فإن تقدم الجماعات الجهادية نحو أقطار في المنطقة يلفها الاضطراب وتعصف بها القلاقل - كحال سوريا والعراق - والتجمّع فيها، كان عنصرا استراتيجيا وجيوبوليتيكيا حاسما في قرار واشنطن الاقتراب من إيران لبناء جبهة مشتركة مضادة لهذه الجماعات، لا سيما في ظل نفوذ طهران الكبير - سياسيا واجتماعيا واقتصاديا - في كل من دمشق وبغداد.

ومع أن ارتفاع مستويات الاضطراب والتفكك وانعدام الأمن، وتفاقم النزاعات في أنحاء كثيرة من سوريا والعراق، وفرا للجهاديين و«القاعديين» مسارح عمليات مناسبة.. لا بد من القول إن الإجراءات السياسية والاقتصادية - الاجتماعية والأمنية المشتركة التي اتخذتها واشنطن وطهران نجحت حتى الآن في كبح أهداف تلك الجماعات ونجاحاتها.

وفي الواقع أحد أهم أوجه التحوّل في العلاقات الأميركية - الإيرانية في عهد أوباما يتمثل في الأهداف الاستراتيجية والجيوبوليتيكية والاقتصادية المشتركة، وهذا على الرغم من إخفاق الجانبين حتى الآن في التوصل إلى اختراقات مهمة على طريق إنجاز صفقة نهائية وشاملة حول ملف إيران النووي. وهنا يغدو نشوء تحالف أميركي - إسرائيلي - إيراني لمواجهة خطر الجهاديين و«القاعديين» أمرا في متناول اليد، ومشروعا وقابلا للتصديق. ذلك أن التعاون الإقليمي بين القيادتين الإسرائيلية والإيرانية، المتنافستين، معقول ومجزٍ نظرا إلى مصالح الجانبين الاستراتيجية والجيوبوليتيكية في وجه ذلك العدو المشترك.

ومع أنه توجد حقا عداوة عميقة بين إسرائيل والجمهورية الإسلامية في إيران، لا بد من القول إن المحاولات الحثيثة التي تبذلها القيادة في طهران لتحقيق هيمنتها الإقليمية كفيلة بتغليب اعتبارات طهران القومية والاستراتيجية على تلك العداوة.. أو قل التنافس الآيديولوجي والجيوبوليتيكي للهيمنة على الشرق الأوسط. بكلام آخر، من الضروري الإشارة إلى أن من أهم الأولويات القومية لقادة كل من إسرائيل وإيران تحييد قوة الجماعات الجهادية وأشباهها في المنطقة.

من جهة أخرى، من الأهمية بمكان القول إنه لا يصح تحليل الحرب الأميركية - الإيرانية على الجهاديين أو التفاهم الأميركي - الإيراني بصورة بسيطة أو تبسيطية أو ثنائية الأطراف. إن هذا التفاهم ظاهرة دقيقة ومعقّدة، وفي بعض ملامحها لا ينتج عنها بالضرورة إهمال واشنطن المطلق لتوق طهران إلى الهيمنة الإقليمية. وهنا لا بد من القول إن طموحات الهيمنة الإيرانية الظاهرة في تدخلها في الشؤون الداخلية للأقطار العربية، وتحريكها أدوات تخوض حروبها بالوكالة كحزب الله، أضرّت فعلا بالسياسة الخارجية الأميركية وعطلّت مصالحها الاستراتيجية في الشرق الأوسط. وحتى اليوم يشكل سعي طهران إلى الهيمنة الإقليمية تهديدا لمصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ناهيك بمصالح اللاعبين الإقليميين.

* باحث وأكاديمي إيراني - أميركي، ورئيس المجلس الدولي الأميركي، وعضو مجلس «هارفارد إنترناشونال ريفيو» بجامعة هارفارد

تاريخ النشر - Publish Date
Issue Number
12920