الـ«يونيسكو» تدرج القدس القديمة وأسوارها على لائحة «التراث الإنساني المهدد»

إسرائيل تستدعي سفيرها لدى المنظمة وتتوعد «باتخاذ إجراءات مضادة»

المندوب الفلسطيني لدى اليونيسكو إلياس صنبر ونظيره الأردني مكرم مصطفى كيوسي أثناء الإجابة عن أسئلة بعض الصحافيين إثر إدراج القدس القديمة على لائحة {التراث الإنساني المهدد} في مقر اليونيسكو أمس (أ.ب)
المندوب الفلسطيني لدى اليونيسكو إلياس صنبر ونظيره الأردني مكرم مصطفى كيوسي أثناء الإجابة عن أسئلة بعض الصحافيين إثر إدراج القدس القديمة على لائحة {التراث الإنساني المهدد} في مقر اليونيسكو أمس (أ.ب)
TT

الـ«يونيسكو» تدرج القدس القديمة وأسوارها على لائحة «التراث الإنساني المهدد»

المندوب الفلسطيني لدى اليونيسكو إلياس صنبر ونظيره الأردني مكرم مصطفى كيوسي أثناء الإجابة عن أسئلة بعض الصحافيين إثر إدراج القدس القديمة على لائحة {التراث الإنساني المهدد} في مقر اليونيسكو أمس (أ.ب)
المندوب الفلسطيني لدى اليونيسكو إلياس صنبر ونظيره الأردني مكرم مصطفى كيوسي أثناء الإجابة عن أسئلة بعض الصحافيين إثر إدراج القدس القديمة على لائحة {التراث الإنساني المهدد} في مقر اليونيسكو أمس (أ.ب)

لم تنجح حملة الضغوطات والابتزازات الإسرائيلية في إجهاض المساعي العربية بلجنة التراث العالمي لاستصدار قرار يدين ممارسات «سلطات الاحتلال» الإسرائيلية التي تقوم بحفريات تحت المسجد الأقصى وفي أماكن أخرى من القدس القديمة. فرغم حملة شرسة لدى الدول الأعضاء في لجنة التراث، جرت الموافقة على مشروع القرار العربي الذي قدمه لبنان والكويت وتونس يوم أمس بحصوله على عشرة أصوات من أصل 21 صوتا من اللجنة. فيما عارضته دولتان وامتنعت ست دول أخرى عن التصويت. وبما أن التصويت جاء سريا، فمن الصعب تحديد وجهة تصويت كل دولة من أعضاء اللجنة.
إلى ذلك، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أمس، استدعاء السفير الإسرائيلي لدى اليونيسكو «للتشاور» إثر القرار.
وقال مكتب نتنياهو في بيان: «قررت استدعاء سفيرنا لدى اليونيسكو لإجراء مشاورات، وسنقرر الإجراءات التي سنتخذها ضد هذه المنظمة». كما هاجم نتنياهو المنظمة، متهما إياها باتخاذ قرارات معادية لإسرائيل، حسبما نقلت عنه الإذاعة الإسرائيلية.
يذكر أن البعثة اللبنانية لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو) لعبت دورا مهما في المحافظة على «أكثرية الصوت الواحد» بفضل العلاقات الجيدة التي كونتها مع كثير من الأعضاء. ويتمثل العرب في لجنة التراث بالبلدان الثلاثة المذكورة التي قدمت نص مشروع القرار بالتفاهم مع فلسطين والأردن وبدعم باقي الدول العربية.
ويأتي القرار الجديد - إلى حد كبير - استكمالا للقرار الذي صدر عن المجلس التنفيذي لـ«يونيسكو» المكون من 51 عضوا والذي شنت عليه إسرائيل حملة «هستيرية» بحجة أنه ينفي «العلاقة التاريخية» بين الشعب اليهودي والقدس وجبل الهيكل لأنه يستخدم التسميات العربية الإسلامية، بحسب زعمها.
إلى ذلك، قالت مصادر عربية في الـ«يونيسكو» لـ«الشرق الأوسط»، «إن منظمة التربية والثقافة والعلوم (ملزمة) باستخدام المصطلحات الحالية في الأمم المتحدة. لكن إسرائيل ركزت عليها (لحجب النقاش الحقيقي) الذي يتناول سياستها في القدس ومحاولاتها (تهويد) تاريخها ومحو التاريخ الإسلامي العربي». وأضافت موضحة: «يستخدم القرار تسميات (المسجد الأقصى) و(الحرم الشريف) والتسميات العربية لأبواب القدس القديمة. ويشكل البند الأخير من القرار الجديد نقطة الثقل، إذ ينص على وضع مدينة القدس القديمة وأسوارها على لائحة التراث الإنساني المهدد». وبهذا تكون المنظمة الأممية قد اعتبرت أن ما تقوم به إسرائيل يمثل تهديدا للتراث الإنساني بغض النظر عن دعايتها السياسية والحملات التي تقوم بها.
ويتألف القرار الجديد الذي حصلت «الشرق الأوسط» على نصه بالإنجليزية من ثلاث صفحات تشمل 26 مادة. وإذ يعيد التذكير بالمعاهدات الدولية وأولها معاهدة جنيف لعام 1949 حول حماية التراث الثقافي، فإنه يعرب عن «قلقه العميق» إزاء «الحفريات الأركيولوجية» التي تقوم بها سلطات الاحتلال ومجموعات المستوطنين في المدينة القديمة. كما يطلب من إسرائيل أن توقف هذه النشاطات كافة عملا بالتزاماتها تجاه الـ«يونيسكو» واتفاقياتها وتوصياتها.
ويتطرق القرار كذلك إلى الأضرار التي أحدثتها قوات الأمن الإسرائيلية نهاية أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2014 في منافذ المسجد القبلي وعلى المضايقات الإسرائيلية الخاصة بالأشغال على مدخل «باب الرحمن»، كما يدعوها لتسهيل عمليات الترميم الـ19 التي يريد الأردن القيام بها في محيط المسجد الأقصى.
ويدعو القرار إلى تمكين خبراء السلطات المحلية، وكذلك الوقف الأردني، من الوصول غير المحدود إلى المدينة القديمة بغرض المحافظة على تراثها. كما يطلب من السلطات الإسرائيلية منع الأعمال الاستفزازية التي تقوم بها الجماعات المتطرفة، بحسب ما نصت المواد.
ويعرب القرار في سياق متصل عن «أسفه العميق» للأضرار التي ألحقتها إسرائيل بسيراميك قبة الصخرة والمسجد القبلي وبالموروثات الأموية والعثمانية والعائدة لمرحلة المماليك ويدعوها إلى احترم هذا التراث التاريخي والمحافظة على «الوضع القائم» للمسجد الأقصى / الحرم الشريف باعتباره «موقعا مقدسا للمؤمنين المسلمين وجزءا لا يتجزأ من التراث العالمي».
ويوجه القرار تنديدا مباشرا بالأشغال التي بدأتها إسرائيل في مايو (أيار) من العام الماضي في الحائط الغربي للمسجد الأقصى وبما تقوم به في باب المغاربة. كما يحث البند 20 إسرائيل على التعاون مع هيئة الوقف الأردنية (المشرفة على الأقصى) ومع خبرائها لتسهيل عمليات الترميم في باب المغاربة التي قدم الأردن تصاميمها إلى مركز التراث العالمي منذ عام 2011.
كما يدعو البند 22 المجلس التنفيذي لمنظمة التراث الأممية إلى إعادة إحياء بعثتها التي رفضت إسرائيل حتى الآن استقبالها والمكلفة مهمة معاينة ومراقبة ما تقوم به إسرائيل في المدينة القديمة مشددا في البند 23 على الحاجة «الملحة» لتنفيذ هذه المهمة. إلا أن مركز الثقل في القرار الجديد أنه يضع، في مادته الأخيرة، القدس القديمة وأسوارها على لائحة التراث الإنساني المهدد.
وحتى الآن، رفضت إسرائيل تحت حجج مختلفة استقبال بعثة الـ«يونيسكو» التي ستكون بطبيعة الحال مكونة من خبراء مستقلين. وبحسب المصادر العربية في المنظمة الأممية، فإن القرار «قد لا يغير شيئا» من السلوك الإسرائيلي لكنه «يشكل أداة ضغط قوية» على إسرائيل خصوصا لجهة اعتبار أن تراث القدس مهدد، مما يعني ضمنا أن المسؤولية تقع على سلطات الاحتلال. وبما أن القدس موجودة على لائحة التراث العالمي، فإن مسوؤلية المحافظة عليها أصبحت مسوؤلية عالمية.
يذكر أنه منذ أن انضمت فلسطين كعضو يمتلك كافة حقوق العضوية في الـ«يونيسكو»، أصبحت المنظمة الدولية مستهدفة من حملات إسرائيلية وأميركية وكندية وألمانية، وإلى حد ما بريطانية. ومع كل قرار جديد يصدر عنها، تصب إسرائيل عليها جام غضبها ناسبة إليها جميع أنواع التهم بما فيها هيمنة أجواء معاداة السامية والعنصرية وخلافها. وتجد هذه الحملات في باريس وغيرها من العواصم الغربية من يروج لها ويدعمها.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم