يبدو أن المرحلة التي ستلي انتخاب النائب ميشال عون رئيسًا للجمهورية، محفوفة بالمخاطر، ليس لأن كلاً من عون وسعد الحريري المهيّأ لتكليفه بتشكيل الحكومة العتيدة يأتي من ناد سياسي بعيد عن الآخر، بل لأن انطلاقة عهد عون مليئة بالألغام السياسية التي لا تقتصر على تلك التي ينصبها معارضو وصوله إلى قصر بعبدا فحسب، بل بألغام الاتفاقات والتفاهمات التي سبق وأبرمها مع حلفائه وأولهم ما يسمى «حزب الله» والكفيلة بتكبيله لأشهر طويلة.
لا شكّ أن دور عون كرئيس للبنان، يختلف عن دوره كطرف سياسي في المعادلة التي أرستها تحالفات فريقي «8 و14 آذار» منذ عام 2005 حتى الآن، فالرئيس العتيد الذي لطالما كان جزءًا من محور «8 آذار» بخياراته الداخلية وامتداداته الإقليمية، والمؤيد لدور ما يسمّى «حزب الله» محليًا وخارجيًا، إذ لا يمكن لعون بعد انتخابه رئيسًا أن يستمرّ في هذا النهج، كما يستحيل عليه تغطية السياسة التي اعتمدها صهره وزير الخارجية الحالي جبران باسيل وتسببت بإخراج لبنان عن الإجماع العربي، بعد الاعتداء على السفارة والقنصلية السعودية في إيران.
إذا أراد أن يطبق الوعد الذي قطعه بأنه سيكون الرئيس الجامع لكل اللبنانيين، وإذا قرر بالفعل تطبيق ما اتفق عليه مع سعد الحريري وهو تحييد لبنان عن أزمات المنطقة، كيف سيتصرّف عون تجاه انخراط الحزب في الحرب السورية وفي حروب المنطقة؟ لكن هذه المسألة أجاب عنها عضو تكتل «التغيير والإصلاح» النائب آلان عون، الذي أوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الجانب العسكري لـ(حزب الله) ليس مطروحًا، وليس ثمة معطيات للتعاطي معه». وأكد أن «ما نراهن عليه هو الدور السياسي الذي سيلعبه الرئيس عون داخل الدولة، انطلاقًا مع علاقته المستجدة مع الرئيس سعد الحريري، وعلاقته المتينة مع (حزب الله)». وقال: «سيكون العماد عون نقطة تقاطع وتواصل مع الفريقين (المستقبل وحزب الله)، وسيكون ذلك منطلقًا نحو التفاهم الأشمل».
من جهته، قلل السياسي اللبناني توفيق الهندي من التفاؤل المعقود على وصول عون إلى قصر بعبدا، ورأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن عون «حقق حلمه المزمن بأن يصبح رئيسًا للجمهورية». وقال: «أنا أكثر من يعرف عون عن قرب، لقد حاورته كحليف ومن ثم تفاوضت معه كخصم في زمن الاحتلال السوري للبنان، كل ما كان يريده عون رئاسة الجمهورية، وإذا ما تحقق ذلك وانتخب يوم الاثنين المقبل، لن يهمه ما يحصل بعدها». وأوضح الهندي أن «كل الاتفاقات السياسية التي أبرمها عون مع كثير من الأطراف اللبنانية، من (حزب الله) إلى (القوات اللبنانية) وأخيرًا مع تيار (المستقبل) ورئيسه سعد الحريري، لن يستطيع تطبيقها لكونها اتفاقات متضاربة، لكنه في النهاية سيمشي مع الأقوى، والأقوى اليوم هو (حزب الله)، ومن يتوهم أن بمقدوره جلب عون إلى ملعبه هو مخطئ».
ومن المقرر أن تعقد يوم الاثنين المقبل، جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية، وبات شبه محسوم أن ينتخب عون رئيسًا للبنان بعد عامين ونصف العام على شغور موقع رئاسة الجمهورية، وسط معارضة شديدة من رئيس مجلس النواب نبيه بري للاقتراع لصالح عون، وإصرار رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية على الاستمرار في ترشحه للرئاسة.
وأمام صعوبة انطلاقة عهد عون إذا ما استمرّ بري في معارضته، أكد النائب آلان عون، أنه «بعد جلسة الانتخاب سنحاول خلق جو مختلف». ودعا إلى «الاستفادة من التفاهم الواسع لينضمّ إليه باقي المعترضين». وقال: «نحن لا نقول إن الأمور ستسير بسهولة، لكن كل مرحلة لها حساباتها، وابتداء من الاثنين وإثر الانتهاء من الانتخابات الرئاسية، سنذهب إلى مروحة واسعة من التفاهمات»، مؤكدًا أن «الخلاف القائم على رئاسة الجمهورية لن ينسحب على الحكومة، لأنها ستكون حكومة وحدة وطنية تجمع كل المعترضين على رئاسة الجمهورية».
لكن توفيق الهندي أعطى تفسيرًا مختلفًا لمرحلة ما بعد انتخاب الرئيس. وقال إن «وصول عون إلى رئاسة الجمهورية له تفسير واحد، هو أن المحور الإيراني فرض قراره على لبنان بالكامل، وباتت الدولة متراسًا لـ(حزب الله) وسياسيته في الداخل وفي المنطقة». وأضاف: «عندما كان فريق (14 آذار) أقوى في عام 2005 (على أثر اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري)، لم يستطع هذا الفريق تحقيق شيء، فكيف اليوم وميزان القوى بيد (حزب الله)؟»، لافتًا إلى أن «عون سيصبح رئيسًا، وسعد الحريري سيكلّف بتشكيل الحكومة، لكنه لن يستطيع تأليفها إلا بمعايير (حزب الله) سواء بتوزيع الحقائب، أو بالبيان الوزاري أو بالسياسة الداخلية والخارجية التي ستطبقها هذه الحكومة». ولم يخف توفيق الهندي أن «ما وصلت إليه الأمور اليوم، هو نتيجة إذعان (رئيس حزب القوات اللبنانية) سمير جعجع و(رئيس الحكومة الأسبق) سعد الحريري لقرار (حزب الله) الذي فرض عون رئيسًا»، مذكرًا بأن عون «لن يستطيع الوفاء بأي التزام قطعه للحريري وجعجع، لأن صاحب القرار المطلق هو (حزب الله)، وبصريح العبارة الحزب ربح والباقون خسروا جميعًا». وقال: «صحيح أننا غير قادرين على مواجهة (حزب الله) لكن بإمكاننا أن نتركه ينتخب رئيسًا ويؤلف حكومة، وعندها يتحمّل مسؤولية سياسته، لكن اليوم حولنا الدولة لمجرد متراس للحزب».
وشدد الهندي على أن «الوضع اختلف بعد الاتفاق النووي الإيراني وبعد الدخول العسكري الروسي إلى سوريا اختلف الوضع». وإذ تمنى لو أن «انتخاب الرئيس يأتي بفرج على البلد ويتنفس الناس»، رأى أن لبنان «بات الآن خاضعًا بشكل كامل لإيران». مذكرًا بأن «الانتخابات النيابية المقبلة، لن تبقي الأكثرية بيد الحريري و(14 آذار) كما هي الحال اليوم، بل ستكون بيد (حزب الله) وفريقه».
انطلاقة «العهد العوني» محفوفة بألغام تحالفه مع «حزب الله».. وتفاهماته الجديدة
فريقه يراهن على اتفاق وطني.. والخصوم يحذرون من السقوط بالمحور الإيراني
انطلاقة «العهد العوني» محفوفة بألغام تحالفه مع «حزب الله».. وتفاهماته الجديدة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة