الذهاب إلى نيو أورلينز وسط جو عاصف بعد رحلة طيران طويلة من لندن عبر هيوستن كان أفضل مقدمة للتجربة الصاخبة في تلك المدينة. كانت الأمطار الغزيرة تقطع الطقس شديد الحرارة والرعد الذي استقبلنا بعد الهبوط إلى أورلينز. لقد واجهنا القيظ الشديد، وأشعة الشمس الحارقة، والأمطار في غضون دقائق قليلة، ويلخص هذا الطقس طبيعة الحي الفرنسي في نيو أورلينز، حيث يبدو الحي الفرنسي مثل ديكور ضخم لفيلم مليء بالشخصيات، والمنازل الفخمة، وأضواء النيون، والمقاهي، مع موسيقى في كل مكان. تفتقر الأجواء إلى الود، حيث تبدو مثل مسرح سريالي محض. لقد فاق الواقع كل تصور عن المكان.
لقد كنا نقيم في فندق «سونيات هاوس»، الذي كان، كما تخيلت أن أجده، فندقًا صغيرًا في نيو أورلينز، بشرفاته ذات المشغولات الحديدية، والباحات الوارفة الباردة. لقد وقعت في غرام الفندق، وطاقم العمل الودود، والجناح الضخم الذي كنا نقيم فيه بشرفته المطلة على الشارع الهادئ.
وكنت أنتظر كل صباح دقات على الباب تعلن عن وصول الصينية العامرة بأصناف البسكويت الطازج المصنوع بحسب وصفة سرية، وعصير البرتقال البارد المنعش. لقد كان المكان يتمتع بسحر قديم وجدته محببًا وباعثا على الاسترخاء، وكنا مثل ضيوف نحظى بالتقدير في منزل فخم من زمن آخر.
هناك صلة لا تنفصم بين الطعام ونيو أورلينز، فجراد البحر، والمحار، والسلطعون، من الأطعمة المنتشرة في كل مكان. وباستثناء المكان الذي زرناه، كان الطعام جيدًا جدًا. ورغم الإرهاق بسبب الرحلة الطويلة، خرجنا لتناول العشاء في أول ليلة لنا في المدينة، حيث ذهبنا إلى «ذا إيطاليان باريل» الذي أصبح ملجأ دائما لنا.
لقد وصلنا في الوقت المناسب حيث كان يقام مهرجان الطماطم، وكان طبق البروسكيتا المليء بحبات الطماطم الصغيرة، يدعونا إلى تناوله، وكانت التتبيلة الفرنسية والريحان المنثوران عليه يجعلانه شهيا جدًا. ونظرًا لأني كنت أجلس في الخارج، فكان كوب من شراب الورد البارد، وطبق من الجندوفلي، وسلطة السلطعون، تشارك جميعًا في خلق حالة تقترب من الكمال. وكان مذاق السلطعون رائعًا، خصوصا أنه أبيض لذيذ يعلو الأسبراغوس، والأفوكادو.
ونظرًا لما كنا نشعر به من حماسة زائدة، ونشاط كبير يمنعنا من النوم، ذهبنا إلى «سناغس هاربور» لنستمع إلى إيليس مارسيليس، الذي يعزف يوم الجمعة، في أغلب الأحيان. إنه نادٍ يتسم بالغموض والحميمية، وكانت المنصة التي يتم العزف فوقها تقع في الجزء الأخير من المطعم. ظللنا 22 ساعة يقظين، لكن لا يهم ذلك حين تستمع إلى موسيقى رائعة، وتتناول شراب مارغريتا فريدًا.
وكانت هذه هي بداية لإيقاع إقامتنا التي دامت لأسبوع. كنا نمكث في الفندق الهادئ، ثم نخرج لتناول الإفطار متأخرًا بصحبة موسيقى الجاز في الشارع، أو كنا نذهب إلى الحي الفرنسي. تناولنا وجبة إفطار رائعة في مقهى «فلور دي ليز» المحلي البسيط الذي عثرنا عليها مصادفة ونحن نشاهد سوق المزارعين. ويمكنك تناول البيض بالطريقة التي تحبها، والتمتع بخدمة ممتازة، وتناول أكبر كوب من القهوة رأيته في حياتك هناك.
قبل وصولنا كانت هناك توقعات بطقس رعد ممطر مما جعلني أعتقد أن الرحلة ستكون فظيعة، لكن رغم كل الأمطار الغزيرة، لم يكن هناك أفضل من التنقل من القطار إلى سوق المزارعين. جلست مبللة في مقهى «أويستر أند سيفود بار»، وأخذت أشاهد آنية ضخمة من جراد البحر بالثوم والليمون بينما يتم إعدادها، بينما نتناول المحار الطازج اللذيذ، ونشعر بلفحات الحر الشديد الآتية من الجوانب المفتوحة، ونرى ستائر الماء حولنا وكأننا داخل فيلم. بدا الأمر بما فيه من ألوان، وناس، والسوق مثل حلم.
وتجولنا من الصباح حتى الليل بين منصات الطعام، والمطاعم، من «رويال أويستر هاوس»، حيث جلسنا على الشرفة، وشاهدنا الحشود تستعد للاحتفال بليلة السبت، إلى «أرنوز» حيث نقلنا معه إلى زمن آخر. كانت مساحته كبيرة، وأسقفه مرتفعة. وكان الطبق الخاص، الذي قدموه ذلك اليوم مع صلصة الطماطم الحارة، يسحر الألباب، وكذلك كان طبق لحم العجل بالمشروم ساحرًا. ما زلت أحلم به حتى الآن.
أثناء زياراتنا المتقطعة إلى غرفتنا بالفندق لنيل قسط من الراحة، تجولنا في عدد لا يحصى من القاعات الفنية جمعت بين أعمال فنية هابطة، وأعمال مذهلة رائعة للفنان الراحل جورج رودريغو، خصوصًا لوحة الكلب الأزرق الشهيرة.
كان اليوم يتسم بالزخم، لكن بطريقة لطيفة، حتى المساء، عندما ازدحمت المنطقة المحيطة بشارع بوربون، وامتلأت طاقة ونشاطًا. كان الأمر حقًا مثل فيلم، حيث تستطيع التجول، ومشاهدة كل أشكال الحياة المبهجة ودخول هذا المقهى أو ذلك.
من أكثر الأماكن جنونًا كان «كرازي كورنر»، حيث الصواني، التي يحملون عليها الفودكا، ويقدمونها بطريقة فريدة في أنابيب اختبار. وكان أحد الندل يضع أحد طرفي أنبوب الاختبار في فمه، ويقدم الطرف الثاني إلى شخص آخر. لقد كان الأمر ممتعًا جدًا. كذلك أعجبنا «فريتزلز» في شارع بوربون، فهو رائع بالنسبة إلى محبي الموسيقى. وكذلك يعد «جيريمي ديفينبورت» في «ريتز كارلتون» رائعًا بالنسبة إلى محبي البوق.
عندما كان الازدحام يزداد في الحي الفرنسي، كنا نذهب إلى حي «غاردن»، حيث تناولنا وجبة رائعة في حانة صغيرة. وكان «غوترو» جزءًا من الحي إلى درجة تجعل من الصعب رؤيته، لكن في الداخل توجد قاعة طعام أنيقة تقدم الأصناف الفرنسية المبتكرة. وتناولنا طبق بينيه القنبيط مع الزبيب، واستمتعت به مع البطاطا المقرمشة بالثوم. علي القول إن كثيرًا من الطهاة هنا مبدعون، ويستخدمون أفضل أنواع الخضراوات، ويقدمونها بطريقة متميزة. لقد أدهشني ذلك حقًا.
بعد ذلك ذهبنا إلى حانة «تشيكي واوا» المحلية، واستمعنا إلى المغنية الرائعة ميستشيا ليك ذات الصوت العذب، الذي كان بمثابة تعويض لنا عن مقدم المشروبات غير الودود.
مع ذلك كان هناك جانب مظلم للحي الفرنسي، فقد رأينا كثيرًا من الأشخاص من مختلف الأعمار مشردون يستجدون المال، لكن دون ينتبه إليهم أحد.
لقد قمنا بكل الأمور السياحية وأحببنا ذلك. ركبنا عربة يجرها حصان، وتجولت بنا في أرجاء الحي الفرنسي ذات صباح، وكانت جولة باعثة على الاسترخاء، وثرية بالمعلومات.
كذلك لا يمكن للمرء زيارة ولاية لويزيانا دون الخروج في جولة بالقارب في نهر المسيسيبي. وبدأ اليوم بتناول الإفطار في «كافيه دي موند»، الذي يقدم البينيه الغني بالسكر الطازج. ولم يحتج الوصول إلى القارب البخاري «نانتشيز» سوى إلى السير لبضع خطوات. إنه القارب الأصلي الوحيد الذي يتجول في النهر العظيم. وكان يوجد على متنه فرقة تعزف موسيقى الجاز، ويمكنك تناول طعام الغداء أو العشاء، أو وجبات خفيفة، أو أن تفعل مثلما فعلنا، وتتناول مشروبًا منعشًا بينما تشاهد العالم من حولك.
لم يكن الذهاب إلى المستنقعات هو أذكى أمر نقوم به في ظل توقع هبوب عواصف، وتساقط وأمطار غزيرة، لكننا فعلنا ذلك على أي حال. جلسنا في قارب بلا ظلة ونحن نرتدي معاطف المطر الصفراء، وتجولنا في المستنقعات في جزيرة العسل، وهي من المناطق التي تتمتع بتنوع بيئي فريد، وشاهدنا التماسيح وأشكال مختلفة من الحياة البرية. لقد كان من الممتع التجول في مستنقعات تبعد بضعة أميال عن خليج المكسيك، فقد شعرت بأني من المغامرين الشجعان. أعلم جيدًا أن نيو أورلينز بها أشياء تجعلك تشعر بالدفء، والسعادة، والحرية.
واختتمنا اليوم بتناول العشاء في مطعم «جي دابليو فينز» الرائع، وهو مطعم يقدم مأكولات بحرية، وله طريقة مبتكرة في إعداد المأكولات البحرية. لقد أحببت طبق «غومبو» وهو من أطباق ولاية لويزيانا التقليدية، التي يفسرها كل شخص في الولاية بطريقته الخاصة. ويتم إعداد هذا الطبق من المحار وجراد البحر، والمحار في الحساء مع الأرز زكي الرائحة.
ولا تكتمل الزيارة إلى لويزيانا دون القيام بجولة في حقول السكر، التي كانت تعتمد عليها نيو أورلينز في الماضي البعيد. قضينا نصف يوم شاهدنا فيها ممر شجر البلوط. ورغم اختلاف المكانين، فإنهما يستحقان الزيارة لفهم حقبة العبودية الفظيعة، ولمعرفة كيف تم بناء هذه المنازل والمزارع الضخمة بدماء، وعرق العبيد.
والتقينا بعد ذلك بجو، الذي أخبرنا بما لا يقوله المرشدون السياحيون، حيث يصطحبك إلى جزء من المدينة شهد فيضانات عنيفة، ويشرح لك كيف قامت فرق الإنقاذ برسم دوائر على الأبواب لتوضيح حالة العقار، والجثث بداخله مثلما فعلوا في لندن أثناء انتشار وباء الطاعون. وكذلك يخبرك عن إطلاق النار، الذي وقع على جسر دانزيغر، حين قتلت الشرطة مدنيين اثنين بعد أيام قليلة من إعصار كاترينا، ثم اختلقت قصة لطمس حقيقة ما حدث. إنه راوٍ رائع لتاريخ نيو أورلينز، وكيفية بنائها، وتطورها، وشكل الحياة بها. كذلك اصطحبنا إلى شجرة الحياة في منطقة تسمى عين الماء. ويبدو أن تلك الشجرة هي الأقدم بين أشجار الولايات المتحدة، وتمر بينها الجسور الجديدة من أجل جلب الحظ الجيد. وعرّفنا على كرات الثلج في شارع ماغازين، وهي عبارة عن مشروبات مثلجة من الفواكه. لقد أضاف بعدًا جديدًا لزيارتنا من خلال رواية تاريخ احتفال «ماردي غرا»، أو ما يسمى بـ«الثلاثاء السمين».
وتجادلنا حول ما إذا كان ينبغي إزالة تماثيل نيو أورلينز، التي صنعت لتمجيد شخصيات تاريخية، مثل الجنرال لي، نظرًا لكونها رمزا للعنصرية. كذلك كان لديه مخزون كبير من القصص والروايات، وشغف كبير تجاه المدينة تشاركناه سويًا. لقد جعل زيارتنا إلى نيو أورلينز أكثر «واقعية».
قضينا أيامنا الأخيرة في التجول في المدينة، ورغم تنظيم جولات سير كثيرة، فضلنا التجول وحدنا، وتناولنا العشاء في «برينانز»، الذي لم يخيب ظننا، حيث كانت الخدمة به مثالية، وكان طبق السلطعون مع نفحة من الفلفل الحار والليمون طازجًا. وكان طبق «غالف» المزين باللوز مطهيًا بشكل جيد، كذلك لا بد أن تجرب البطاطا المهروسة التي يقدمونها، فهي خفيفة، ولذيذة.
صحيح أن الحي الفرنسي مقصد سياحي، ويبدو مبتذلا في بعض الأحيان، لكنه يبعث على الشعور بالدفء، فتشعر كأنك ممثل في فيلم حقيقي رائع.
* عناوين مفيدة
«سونيات هاوس»: http: / / www.soniathouse.com
«سناغس هاربور»: http: / / snugjazz.com
«أرنوز»: https: / / www.arnaudsrestaurant.com
«برينانز»: http: / / www.brennansneworleans.com
«ذا إيطاليان باريل«: Wwwitalainbarell.com
«فلور دي ليز»: http: / / www.cafefleurdelis.com
«جي دابليو فينز»: http: / / www.gwfins.com
«ناتشيز»: http: / / www.steamboatnatchez.com
«فريتزلز»: http: / / www.fritzelsjazz.net
«ذا رويال أويستر هاوس»: www.royalhouserestaurant.com
«تشيكي واوا»: http: / / www.chickiewahwah.com
«غاترو»: http: / / gautreausrestaurant.com
«جيريمي ديفينبورت»: http: / / www.jeremydavenport.com
جولات مع إيزابيل: http: / / www.toursbyisabelle.com
جولات «بير ريفر إيكو»: http: / / www.pearlriverecotours.com
جو من «يونايتد كابس»: [email protected] 504 346 0075