موسكو تستبعد هدنة جديدة في حلب.. والمعارضة جاهزة لبدء «معركة الثورة»

«الحر»: لم يعد أمامنا إلا الحل العسكري.. والفصائل ستقاتل تحت راية واحدة

موسكو تستبعد هدنة جديدة في حلب.. والمعارضة جاهزة لبدء «معركة الثورة»
TT

موسكو تستبعد هدنة جديدة في حلب.. والمعارضة جاهزة لبدء «معركة الثورة»

موسكو تستبعد هدنة جديدة في حلب.. والمعارضة جاهزة لبدء «معركة الثورة»

اكتملت استعدادات الفصائل المعارضة لإطلاق «معركة فك الحصار عن حلب» خلال ساعات قليلة، بحسب ما يؤكد أسامة أبو زيد، المستشار القانوني لـ«الجيش الحر» لـ«الشرق الأوسط»، الذي قال: إن «حلب ستكون معركة الثورة» ولم يعد أمامنا إلا الحل العسكري بعد فشل كل الحلول الأخرى»، وهو ما لفت إليه المرصد السوري لحقوق الإنسان، متوقعا أن تبدأ جولات المعركة الكبرى خلال ساعات أو أيام. ويأتي ذلك في وقت استبعد فيه نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف إعلان هدنة «إنسانية» جديدة معتبرا أن هذا الأمر غير مطروح.
واستمرت يوم أمس المعارك في حلب على وقع عودة القصف على المدينة بعد يومين على انتهاء هدنة إنسانية أعلنتها روسيا طوال ثلاثة أيام ولم تسفر عن إجلاء الجرحى من الأحياء المحاصرة، وهو ما أشار إليه أبو زيد في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، قائلا: «لا يمكن القبول بمبادرة مجتزأة تختزل الموضوع الإنساني في المدينة بإجلاء الجرحى ومحاولة الضغط لتكرار سيناريو التهجير القسري من المدينة»، نافيا المعلومات التي أشارت إلى منع المعارضة المدنيين من الخروج. وأضاف: «كيف يمكن لطرف في المعركة أن يحدّد الممرات الإنسانية وكيف يمكن للمدنيين أن يخرجوا في غياب أي ضمانات لعدم استهدافهم؟» مؤكدا أن «الحل في حلب يكون باتفاق شامل يوقف القصف ويضمن سلامة المدنيين وإيصال المساعدات وليس إخراج العائلات من منازلها». ولم ينف أبو زيد أن المعارضة تتعرض لضغوط من قبل روسيا عبر تركيا لإخراج «جبهة فتح الشام» (جبهة النصرة سابقا) من حلب، مشيرا إلى أن الأمم المتحدة تلعب دور الأداة في هذا الموضوع، لكنّه أكّد أن «فتح الشام» لا تشكّل أكثر من واحد في المائة من مجموع الفصائل التي تقاتل في حلب وأن هذا العدد، وفقا للقانون الدولي، لا يسمح بقصف المدينة وتدمير مستشفياتها ومن فيها.
وشدّد أبو زيد أن هدف الفصائل المعارضة اليوم التي توحّدت جميعها تحت راية معركة حلب هو فك الحصار عن المدينة، قائلا: «الكل بات مستعدا على الجبهات والاستعدادات أصبحت مكتملة لرد عسكري قوي خلال ساعات، ومعركة حلب ستكون معركة الثورة وهو ما ستثبته الأيام المقبلة».
وكان القائد العسكري في جبهة فتح الشام أبو عبيدة الأنصاري، قد أعلن يوم الخميس الماضي، أن طبول الحرب في مدينة حلب قد قرعت وأن فك الحصار عنها بات رهن الإشارة مع اكتمال التحضيرات العسكرية للبدء بالمعركة المصيرية في حلب، وذلك تحت قيادة عسكرية موحدة تجمع فصائل المعارضة في مدينة حلب شمالي سوريا، حسب قوله.
من جهته، قال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن «لغاية الآن المعركة الكبرى لم تبدأ. ما نشهده هو جولات وجس نبض من الطرفين ولا يزال استقدام التعزيزات العسكرية مستمرا من الطرفين، في وقت لم يتوقف فيه القصف على المدينة والاشتباكات بين الطرفين على أكثر من جبهة».
وكان المرصد أكّد السبت، قبل ساعات قليلة من انتهاء الهدنة أن «هناك تعزيزات عسكرية من الطرفين الأمر الذي يظهر أنه ستكون هناك عملية عسكرية واسعة في حال فشل وقف إطلاق النار». وبدأ النظام وحلفاؤه هجوما على حلب في 22 سبتمبر (أيلول) لاستعادة الأحياء الشرقية ما أدى إلى اتهامات بارتكاب «جرائم حرب» نظرا لقوة الضربات التي أوقعت نحو 500 قتيل وألفي جريح، وفق الأمم المتحدة.
ويوم أمس، نعى ما يسمى «حزب الله» أربعة مقاتلين جددا سقطوا أثناء قتالهم إلى جانب قوات النظام في حلب، ليرتفع بذلك عدد قتلى الحزب خلال هذا الشهر إلى 15 قتيلا، والمقاتلون الأربعة يتوزعون على قرى البقاع والجنوب اللبناني وهم، قاسم حمود موسى زيات وحسين زلغوط ومحمد الشامي.
وقال ريابكوف في تصريحات نقلتها وكالات الأنباء الروسية إن «مسألة تجديد الهدنة الإنسانية غير مطروحة»، بعدما انتهت مساء السبت «هدنة إنسانية» أولى أعلنتها موسكو من طرف واحد من دون أن تنجح في إجلاء جرحى أو مدنيين أو مقاتلين من أحياء شرق حلب المحاصرة من قوات النظام.
وتابع ريابكوف أنه من أجل إقرار هدنة جديدة «من الضروري أن يضمن خصومنا التزام المجموعات المعارضة للحكومة بسلوك مقبول، بعدما حالت هذه المجموعات دون تنفيذ عمليات الإجلاء الطبية».
وانتقد ريابكوف موقف التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، معتبرا أنه يفضل انتقاد دمشق وموسكو على «ممارسة نفوذه فعليا على المعارضة والفصائل المقاتلة» من أجل استمرار الهدنة. وأضاف: «ما كنا بحاجة إليه خلال الأيام الثلاثة الماضية لم يتحقق».
وأعلنت موسكو الهدنة الأخيرة من طرف واحد، مشيرة إلى أن الهدف منها خروج من يرغب من السكان والمقاتلين من الأحياء الشرقية حيث يعيش نحو 250 ألف شخص، وتم تحديد ثمانية معابر لذلك، لكن لم يغادر أحد المنطقة. كما لم تتم عملية إجلاء الجرحى.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.