صعود بعد الهبوط.. استراتيجيات الإرهاب في مصر

ضربات جديدة بعيدًا عن المثلث المعروفة أضلاعه في «العريش والشيخ زويد ورفح»

مدرعة مصرية تمشط مخابيء للمتطرفين بالقرب من مدينة رفح حيث تكثر عمليات العنف ضد تجمعات الشرطة (أ.ف.ب)
مدرعة مصرية تمشط مخابيء للمتطرفين بالقرب من مدينة رفح حيث تكثر عمليات العنف ضد تجمعات الشرطة (أ.ف.ب)
TT

صعود بعد الهبوط.. استراتيجيات الإرهاب في مصر

مدرعة مصرية تمشط مخابيء للمتطرفين بالقرب من مدينة رفح حيث تكثر عمليات العنف ضد تجمعات الشرطة (أ.ف.ب)
مدرعة مصرية تمشط مخابيء للمتطرفين بالقرب من مدينة رفح حيث تكثر عمليات العنف ضد تجمعات الشرطة (أ.ف.ب)

عاد الإرهاب لخطورته من جديد في مصر، سواء عبر محاولات نوعية لاستهداف رموز حكومية أو تجديده نفسه في سيناء عبر نقله معاركه لمناطق جديدة، وتغييره أسلوب عملياته الإرهابية ضد قوات الأمن والجيش في سيناء، وهو بذلك يرسم خط صعود جديدًا بعد أن تراجعت عملياته في سيناء أو انحساره وصده عن العاصمة والمحافظات الأخرى خلال الفترة الماضية، بشكل واضح، وانعدام عمليته الكبرى، التي يبدو أنه مصرّ على العودة لها من جديد، تزامنًا مع لحظات أزمة وفوران سياسي واجتماعي متعدد، واستهدافًا لكل الإنجازات التي تتم والاستقرار الذي يتمكن وعودة السياحة المأمولة، وفي مشهد متحول يبحث عن الوضوح في عدد من الملفات كذلك.
عاد مؤشر خطورة عمليات الإرهاب من جديد وبوضوح في عمليات 13 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي نفذت ولاية داعش سيناء، في 13 أكتوبر الحالي، عمليات ضد قوات الجيش في سيناء، راح ضحيتها 12 «شهيدًا» وعدد من المصابين في منطقة من قوات الأمن بر العبد، وعشرات الإرهابيين، وتم القبض على كثير منهم، دون بيان نهائي حتى الآن، التي وقعت في مواقع جديدة غير المعتادة وغير المعروفة لنشاط «داعش سيناء»، وهي المثلث المعروفة أضلاعه في «العريش، والشيخ زويد، ورفح»، والانتقال بمسافة نحو 80 كلم غربًا في منطقة بئر العبد، وهي خطورة - يحددها الخبير الأمني خالد عكاشة - ينبغي الوعي بها بالنظر إلى المساحات الشاسعة والمتجددة التي ستدخل على معادلة المجابهة والمواجهة «فضلاً عن دقتها الاستراتيجية (المحور الأوسط، وقناة السويس)».
كذلك لم تنحصر الخطورة سيناء وحدها، حيث حاولت جماعات إرهابية أخرى كحركة «حسم» في 29 سبتمبر (أيلول) الماضي محاولة فاشلة لاغتيال مساعد النائب العام المصري الحالي في منطقة التجمع بالقاهرة الجديدة، التي أعلنت حركة «حسم» مسؤوليتها عنها في اليوم التالي 30 سبتمبر، ورغم أنه لم يصب فيها إلا أحد المارة، ونجا المستهدف من المحاولة الفاشلة، فإنها كشفت تحولاً وصعودًا أكثر جرأة لهذه الحركة التي سبق أن استهدفت في 5 أغسطس (آب) الماضي المفتي الأسبق الشيخ علي جمعة، أثناء استعداده لإلقاء خطبة الجمعة في مساجد السادس من أكتوبر.

خريطة جماعات الإرهاب في مصر
تتحول وتتطور باستمرار خريطة التنظيمات العنيفة في مصر، يختفي بعضها على وقع العمليات الأمنية، ويعود بعد فترة كما مثلنا بحركة حسم، أو يغيب بشكل واضح ولا يظهر مثل «كتائب الفرقان» التي أعلنت مسؤوليتها عنها في سبتمبر 2013 عن هجوم صاروخي على سفينة بقناة السويس، نفته القوات الأمنية حينها، ثم اختفت بعد ذلك، أو حركة حسم التي أشرنا لها سابقًا، أو حركة المقاومة الشعبية في مصر التي قامت بعدد من العمليات الأخرى، كان آخرها في مايو (أيار) 2016 راح ضحيتها قتيلاً ثمانية من رجال شرطة في منطقة حلوان جنوب القاهرة، ويتراوح عدد التنظيمات المتطرفة في سيناء مثلاً بين ثمانية وأربع عشرة جماعة على الأقل، سنعرض لأبرزها فيما يلي:
1 - ولاية سيناء (أنصار بيت المقدس): كانت بداية أنصار بيت المقدس في 2001، عندما طبيب الأسنان السيناوي خالد المساعيد بتأسيس جماعة التوحيد والجهاد التي كانت ضالعة في كثير من العمليات الإرهابية التي استهدفت السياحية في شرم الشيخ وطابا ما بين عامي 2004 و2006، ثم تحولت لاحقًا إلى جماعة أنصار بيت المقدس. وقد ارتبطت جماعة أنصار بيت المقدس لفترة طويلة بتنظيم القاعدة، ففي يناير (كانون الثاني) 2014 تم اكتشاف مراسلات بين الجماعة وأيمن الظواهري يعلن فيها دعمه وتأييده لأعمال أنصار بيت المقدس. وقد أعلنت هذه الجماعة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2014 مبايعتها لأبو بكر البغدادي، وإعلان ما يُعرف بـ«ولاية سيناء».
2 - مجموعات متطرفة مختلفة: هي تنظيمات لم تندمج بالكامل في تنظيم كبيت المقدس الذي تحول في أكتوبر 2014 لـ«ولاية داعش في سيناء»، أو في غيره من التنظيمات، وظلت مجموعاتها مستقلة ترتبط بفكر أو تنظيم القاعدة، ومن أشهر هذه التنظيمات «التوحيد والجهاد» و«أنصار الجهاد» وأحدثها تنظيمًا هو «مجلس شوري المجاهدين - أكناف بيت المقدس» تعتنق هذه الجماعة أفكار «تنظيم القاعدة» بينما لا ترتبط به تنظيميًا، في حين ترتبط بجماعات متطرفة بفلسطين، وكانت عملياتها تقتصر على العدو الإسرائيلي وتتبرأ من استهداف الجيش المصري وسبق أن تبنت عملية إطلاق صواريخ على إيلات واستهداف مركبات إسرائيلية، علما بأن تنظيم «التوحيد والجهاد»، داخل تلك الجماعة نفسها يعد أشرسها وأعنفها على الإطلاق.
وهذا التنظيم هو الذي قام بتفجيرات سيناء الشهيرة، والمعروفة إعلاميًا باسم تفجيرات طابا وشرم الشيخ في 2004 و2006، كما أن كل أفراد التنظيم ينتمون إلى سيناء. وارتبط هذا التنظيم ارتباطًا كبيرًا بعدد من الفصائل الفلسطينية، إذ إن عناصره تعبر الأنفاق لكي تتدرب على السلاح والمتفجرات في قطاع غزة، كما أن هناك عددًا قليلاً من الفلسطينيين كانوا ينضمون إلى التنظيم، وهم الذين قاموا بتدريب أفراده على استخدام المتفجرات.
أما تنظيم «أنصار الجهاد» فهو أحد نماذج «القاعدة» المنتشرة في العالم، وتمثل الظهور الإعلامي الرسمي لهذا التنظيم عقب بيان مبايعة لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري. وقد ظهر التنظيم على السطح عقب ثورة 25 يناير 2011، وما تبعها من تدهور أمني. وقام «أنصار الجهاد في سيناء» بكثير من العمليات المؤثرة، منها التفجيرات المتتالية لخط الغاز المؤدي إلى إسرائيل عبر محافظة شمال سيناء، وكذلك تفجير إيلات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، التي قتل فيها 8 جنود إسرائيليين في أغسطس 2011. كما أن بقايا تنظيمات متطرفة أخرى وعناصر تعرف بـ«جيش جلجلة» كما توجد أيضًا خلايا لجماعة «التكفير والهجرة» و«جيش الإسلام»، وهي مجموعات اختفت مع هيمنة «داعش» في سيناء بشكل واضح.
3 - جماعة محمد جمال: تعد شبكة «محمد جمال الإرهابية» إحدى أهم أدوات تنظيم القاعدة لتنفيذ هجماته الإرهابية في سيناء، حيث تلقى جمال تلقى التدريب على صناعة المتفجرات في معسكرات القاعدة بأفغانستان في الثمانينات، وعاد إلى مصر في التسعينات حيث أصبح القائد العسكري لجماعة «الجهاد الإسلامي» التي كان يقودها في ذلك الوقت أيمن الظواهري، الزعيم الحالي لتنظيم القاعدة. وعلى الرغم من إلقاء القبض على محمد جمال في 2012، فإن جماعته استمرت في هجماتها الإرهابية، لا سيما أنها تتلقى تمويلا منتظمًا من تنظيم القاعدة في جزيرة العرب. كما أدرجت وزارة الخارجية الأميركية الجماعة على قائمة الإرهابيين في الخارج في 7 أكتوبر 2013.
4 - جماعة رمزي موافي: وهي الجماعة التي أنشأها رمزي موافي، الطبيب الخاص لأسامة بن لادن، والمشرف على إنتاج الأسلحة الكيماوية في تنظيم القاعدة، وتم القبض عليه قبل ثورة يناير 2011، إلا أنه استطاع الهرب من السجن في عام 2011. وتم القبض عليه في يوليو (تموز) 2013. ويُعتبر موافي المسؤول عن توحيد الجماعات المتشددة التي تستلهم فكر تنظيم القاعدة في جزيرة سيناء لمحاربة الجيش المصري.
5 - مجموعات المقاتلين الأجانب: على الرغم من أن بدايات وجود المقاتلين الأجانب في سيناء تعود إلى فترة الرئيس الأسبق محمد مرسي، فإن أعدادهم قد تزايدت بعد عزل مرسي في 2013، خصوصًا بعد الدعوة التي أطلقها أيمن الظواهري، في 24 يناير 2014 التي يقول فيها نصًّا: «إلى إخوتنا في سيناء»: «نرجو منكم توفير ملاذ آمن لإخوتكم المهاجرين الذين جاءوا لدعمكم»، ورغم الضربات التي قللت أعدادهم في الآونة الأخيرة، إلا أن سهولة الاتصال بين سيناء وقطاع غزة، واستمرار الصراع في ليبيا ساعد على مراوحة أعدادهم، وإمكانية الانضمام أو الفرار.
6- «المرابطون» أو «جماعة هشام عشماوي»: في يوليو 2015، حيث أعلن ضابط القوات الخاصة المفصول من القوات المسلحة هشام عشماوي عن تنظيم «المرابطون»، الكشف عن أول انفصال كبير حديث مع التنظيم الجديد في سيناء، ويبدو أن التنظيم الأم في الرقة حاول التقريب بين الطرفين مخاطبًا، ففي مايو 2015 وجه زعيم التنظيم - أبو بكر البغدادي - رسالة إلى مجموعة عشماوي التي أطلق عليها «الأشقاء في بر مصر من تنظيم القاعدة»، ولكن هذه الرسالة لم تحقق المراد منها. فقد قام تنظيم عشماوي بعمليات عنيفة في مصر خارج حدود سيناء، ومن أشهرها عملية الهجوم على كمين الفرافرة في الصحراء الغربية في يوليو 2014، الذي أسفر عن مقتل نحو 21 جنديًا ومن المعتقد أن عشماوي أصيب فيها وأعيد إلى ليبيا مرة أخرى.
7- جماعات مرتبطة بالإسلام السياسي العنيف: مثل حركة «حسم» وحركة «المقاومة» وحركات ومجموعات أخرى احتوت وأسسها وارتبطت بدعوى الثورة والانقلاب.. والانقلاب مجددًا.

تراجع سابق وصعود جديد
شهد الربع الأول من عام 2016 على مدار الثلاثة أشهر الأولى تراجعا كبيرا في نشاط العمليات الإرهابية في سيناء مقارنة بعام 2015، كما شهدت تلك الأشهر نقلات نوعية لأداء الأجهزة الأمنية حيث نفذت كثيرًا من الهجمات الاستباقية في شمال سيناء، بالتركيز على مثلث العريش ورفح والشيخ زويد، ونجحت من خلال تلك العمليات في إحباط كثير من العمليات قبل وقوعها، وحصرت تحركات الجماعات الإرهابية هناك في 2 في المائة من مساحتها فقط، حسب تصريح للرئيس السيسي في 3 يونيو (حزيران) الماضي.
في هذه المرحلة الجديدة، تبدو ملامح الخطورة ومؤشراته واضحة في عدد من الملامح نوجزها 3 ملامح رئيسية هي:
أولاً: الرهان توظيف لحظات الأزمة: يظل رهان جماعات الإرهاب في مصر على الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والأزمات الأخرى، في لحظة وطنية وإقليمية وعالمية حرجة ومربكة للجميع، وهو يقتنص لحظات تصاعد الأزمة، الصاعدة معه اجتماعيا واقتصاديا خلال الأسابيع القليلة الماضية.
ثانيًا: التنوع في الارتباطات والولاءات الإرهابية: فبينما عادت حركة سواعد مصر «حسم» ذات الارتباط الإخواني للظهور، بالتزامن مع دعوة الأخيرين للتظاهر في 11 نوفمبر المقبل، وإصرارها على العودة والحكم بعد خلعها منه، ويرتبط «داعش سيناء» بأزمة تنظيم داعش الخارجية في الموصل والرقة، وسعيه الدؤوب للاستثمار والتوسع في مناطق ودول جديدة تمثل ملاذا آمنا له حال فشله هنا أو هناك.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».