الإسلام والسياسة في المغرب

حول نجاح تجربة حزب العدالة والتنمية

مغاربة يحتفلون بعد إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية في بلادهم (رويترز)
مغاربة يحتفلون بعد إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية في بلادهم (رويترز)
TT

الإسلام والسياسة في المغرب

مغاربة يحتفلون بعد إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية في بلادهم (رويترز)
مغاربة يحتفلون بعد إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية في بلادهم (رويترز)

تؤكد خبرة التاريخ السياسي المغربي أن المشاريع الإصلاحية السياسية ارتبطت بالدين الإسلامي، شأنها في ذلك شأن المشاريع الإصلاحية العربية الأخرى. فلقد تعاملت النخب المؤثرة من جهة، والدولة من جهة ثانية، مع المرجعية الإسلامية باعتبارها المرجعية العليا النهائية المؤطرة للنظر والعمل الأهلي السياسي. ولذلك، ارتبط مصير السلطان الملك بقبول العلماء بيعته، وكان دور العلماء يعزز من حضور الدين في السياسة، فالنخبة الدينية كانت مصدرًا مركزيًا لمنح الشرعية للسلطان وسحبها منه، مما جعل المجال السياسي تاريخيًا منضبطًا بالقواعد المرعية في المجال الديني، وليس العكس.
وفي السياق نفسه، تظهر التجارب التاريخية المغربية أن الإصلاح السياسي يتأطر بالمرجعية الإسلامية، ويشهد نجاحات معتبرة، في حالة التقارب والتشارك بين النخب الوطنية والنظام السياسي بقيادة الملكية. وهذا التقارب يجري تفعيله بشكل دوري، عبر توسيع دائرة الشركاء في الحياة العامة السياسية المغربية. وهذا ما تؤكده عهود السلطان سيدي محمد بن عبد الله، والسلطان سليمان، والحسن الأول، والمولى عبد العزيز، وعبد الحفيظ، والسلطان محمد الخامس، والراحل الملك الحسن الثاني الذي دخل الإسلاميون في فترة حكمه لأول مرة في تاريخ المغرب إلى المؤسسات السياسية والدستورية الرسمية عام 1997، وفازوا بتسعة مقاعد بالبرلمان في الانتخابات التشريعية.
في هذا السياق التاريخي الذي لا يَفْصل بين الديني والسياسي، سارت الحركة الوطنية ومجمل النخبة السياسية المغربية بعد الاستقلال، في مسار سياسي يحمل ويستعمل مفاهيم ورموز المرجعية الدينية في قضايا الشأن العام والحكم. ولقد استمر هذا حتى في زمن الصدام بين الملكية واليسار الاشتراكي في المغرب المعاصر، عندما عجزت مختلف النخب العلمانية عن كسب مشروعية مجتمعية اعتمادًا على طرحها الحداثي، ولجأت إلى تأطيره بالمفاهيم والمرجعية الإسلامية تارة، والتأكيد على عدم تصادم طرحها للحداثة السياسية مع الإسلام وقيمه السياسية تارة أخرى.

سلاسة بلا نزاع
ولعل هذا المسار الذي لعب المجتمع والعلماء والملك دورًا كبيرًا في ترسيخه، جعل المغرب يطوّر مؤسساته الدينية والسياسية في سلاسة بطيئة، دون أن يشهد نزاعات وصدامات عنيفة بين السلطة الحاكمة والتيارات الدينية السياسية الإصلاحية القديمة، بخلاف الصراع الذي وقع مع جزء مهم من النخبة السياسية اليسارية العلمانية في علاقته بالنظام السياسي المغربي الذي يتهمه اليسار العلماني بكونه «راعيًا» للدولة التقليدية الرجعية، معرقلاً لأي إصلاح يُحقق الحداثة السياسية.
قوة الإسلام في المجال السياسي المغربي جعلت منه أساسًا متينًا في بناء دولة الاستقلال، حيث قادت الملكية بشرعيتها الدينية والتاريخية مرحلة جديدة من مشاريع الإصلاح، وتحديث الجهاز الإداري والعسكري، وبناء المؤسسات السياسية المغربية. واستندت الملكية غير مرة في قراراتها السياسية المركزية إلى ما يتمتع به الملك من سلطة، باعتباره أميرًا للمؤمنين وممثلاً ساميًا للأمة المغربية.
ولعل حدث وضع أول دستور لدولة الاستقلال في المغرب عام 1962، يلخص هذه الثنائية المنسجمة. إذ كان العلامة علاّل الفاسي، زعيم حزب الاستقلال ذي المرجعية الإسلامية، وكذلك الدكتور عبد الكريم الخطيب، وهو واحد من أبرز زعماء جيش التحرير ومؤسس حزب العدالة والتنمية المغربي، وراء وضع الفصل الـ19 من دستور 1962 الذي ينص على أن «الملك أمير للمؤمنين، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، وهو حامي حمى الملّة والدين، الساهر على احترام الدستور، وله صيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات، وهو الضامن لاستقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة».
وقد دفعت مركزية الإسلام في الحقل السياسي المغربي النخبة المنحدرة من الحركة الوطنية، وهي تسعى لتدشين عهد جديد للإصلاح السياسي بالبلاد في أواخر القرن العشرين (1996م)، إلى مطالبة الملكية بفتح أوراش الإصلاح الشامل، معتبرة أن الإصلاحات الدستورية والسياسية تتصدره. وتماشيا مع ما ينص عليه الدستور المغربي من أن المملكة المغربية دولة إسلامية، توافقت تلك النخبة السياسية في مذكرة قدمت للملك على «أن ينص الدستور في تصديره على ألا تتعارض قوانين البلاد مع تعاليم الإسلام. ومن المعلوم أن القوانين المغربية حرصت دائمًا على الاستضاءة بالاجتهادات المتفتحة».

قاعدة مستمرة لليوم
ومن هنا، يتضح أن الأحزاب الوطنية والملكية كرّست، كل من جانبه، قاعدة التداخل بين الديني والسياسي في مغرب اليوم، لذا بقيت مجالات الحياة العامة منسوجة بالخيط الديني الذي يشد أطرافها أفقيا، صاهرًا بذلك مكوّنات المجتمع العربية والأمازيغية، ليجعل من الإسلام السنّي المالكي اختيارًا ممتدًا في الزمان، يخلق خصوصية مغربية مستقلة عن المشرق.
أما عموديًا، فإن هذه الخصوصية جعلت من الملك (أمير المؤمنين) قائدًا وممثلاً أعلى للمؤسسات الدينية الرسمية، دون إلغاء حق المنظمات الدينية غير الرسمية في الدفاع عن الإسلام والقضايا السياسية من منطلق مرجعي إسلامي شعبي.
وعلى خلاف مسار النزاع والصدام مع بعض أطراف اليسار العلماني، حل الخلاف السياسي بين الحركات الإسلامية الحزبية الجديدة والمؤسسة الملكية محل الصراع على السلطة والحكم، الشيء الذي خلق نوعًا من التعايش الطبيعي بين ما يمثله الملك من شرعية دينية وسياسية عليا للدولة، وما تتمتع به الحركات والأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية من شرعية شعبية وسياسية واسعة.
هذا بدوره سهّل عملية دمج إسلاميي «العدالة والتنمية» في الحقل السياسي المغربي، من دون المس بثوابت النسق والنظام السياسي المغربي، وضمن سمو المؤسسة الملكية باعتبارها مؤسسة وطنية تجمع بين الديني والسياسي، وفي الوقت نفسه تسمو على الفاعلين السياسيين والدينيين الذين يخضعون للمساءلة القانونية والسياسية الشعبية.
هذا المنحى الثابت نجده في الدستور المغربي لعام 2011 الذي ينص في الفصل 41 منه على أن «الملك، أمير المؤمنين، وحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية». وجعل من مؤسسة المجلس العلمي الأعلى التي يرأسها الملك هيئة دينية وطنية مُدسترة، ومكلفة بالشأن الديني، خصوصا ما يتعلق بالفتوى الشرعية، وتنظيم المجالس العلمية الإقليمية. وفي هذا الإطار، نص الفصل المشار إليه نفسه على: «يرأس الملك، أمير المؤمنين، المجلس العلمي الأعلى الذي يتولى دراسة القضايا التي يعرضها عليه».
كذلك تكرّست المكانة المركزية للإسلام في الحياة السياسية المغربية دستوريًا، عندما اعتبر تصدير الدستور الجديد لعام 2011م أن «الهوية المغربية تتميز بتبوء الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها»، وهذه إضافة نوعية ومستجدة تعيد للمرجعية الدينية سموها الدستوري الذي على أساسه تعتبر المملكة المغربية دولة إسلامية، وهو ما يوضحه الفصل الثالث من الدستور الذي ينص على أن «الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية».
ويتضح من خلال المسار السياسي المعاصر للمغرب أن الإسلام ظل بشكل دائم يلعب دورًا مركزيًا في الفضاء العام. صحيح أن الملكية التنفيذية هي الحاكمة، ولها شرعية دينية، وتتمتع باختصاصات دينية بموجب الدستور، وأن المجال الديني مجال محفوظ للملك، إلا أن بروز الحركات الإسلامية على السطح السياسي في المغرب جعل علاقة الدين والسياسة تحظى بمزيد من الاهتمام، خصوصًا مع ظهور فاعل سياسي قوي شعبيًا، تمثل في حزب العدالة والتنمية.
وعلى الرغم من أن هذا الحزب يسلّم للملك بـ«إمارة المؤمنين»، فإنه ظل ما بين عامي 2011 و2016 متمسكًا ومدافعًا عن المرجعية الإسلامية التي يعتبرها مرجعية الدولة والمجتمع المغربي، ولم يخل خطابه السياسي في زمن الانتخابات من الطابع الديني والأخلاقي القيمي. وهذا التميز يقرّب الحزب من الذهنية الجماعية للناخبين، ثم إن نجاح الحزب في تحقيق بعض الإنجازات المهمة في المجال الاقتصادي والاجتماعي في الولاية السابقة، ومحافظته على نزاهته ومصداقيته لدى الرأي العام، جعل منه أكبر وأقوى حزب سياسي ذي مرجعية إسلامية يصل لرئاسة الحكومة للمرة الثانية، في سابقة من نوعها في التاريخ السياسي المغربي.



«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».