«الانقلابيون».. والإصرار على إفشال الهدنة

رئيس هيئة الأركان اليمنية: الميليشيات غير جادة بقبول السلام ووقف إطلاق النار

اللواء محمد علي المقدشي
اللواء محمد علي المقدشي
TT

«الانقلابيون».. والإصرار على إفشال الهدنة

اللواء محمد علي المقدشي
اللواء محمد علي المقدشي

انتهت الهدنة التي اقترحتها الأمم المتحدة في اليمن من مساء يوم الأربعاء الماضي، قبل أن تبدأ بعد أن خرق الانقلابيون والمخلوع صالح وقف اطلاق النار اكثر من 1400 مرة خلال الثلاثة أيام الماضية، وسعى الحوثيون باصرار الى افشال الهدنة وكل المساعي الرامية الى وقف نزيف دم اليمنيين، والتحكيم الى الشرعية والقبول بقرارات الأمم المتحدة.
وأكد اللواء محمد علي المقدشي رئيس هيئة الأركان اليمنية، أن الميليشيات الانقلابية في بلاده تعمدت إفشال الهدنة الإنسانية التي أعلنتها الأمم المتحدة، ودخلت حيز التنفيذ ليل الأربعاء الماضي، 19 اكتوبر(تشرين الأول) الحالي.
وأوضح المقدشي في كلمة خلال تخرج عدد من الدفع العسكرية، أقيم الليلة الماضية، في منفذ الوديعة بحضرموت، أن انتهاك ميليشيا الانقلاب للهدنة يزيد في قناعة القيادة السياسية والعسكرية في بلاده بعدم جدية الانقلابيين في قبول السلام والاستعداد لوقف إطلاق النار ويؤكد تعنتها واستمرارها في الحرب وعجزها عن توفير متطلبات الشعب. وأضاف أن "الجميع شاهد خروقات الميليشيات المتكررة وعدم التزامها بكل هدنه من خلال إطلاق الصواريخ الباليستية على الأحياء السكنية في مدينة مأرب والقصف العشوائي الذي طال المدنيين بتعز واستهداف مواقع الجيش في أكثر من جبهة".
لم تكن الهدنة السابقة هي الأولى التي يفشلها الانقلابيون والمخلوع صالح؛ فقد فشلت أربع محاولات سابقة؛ ففي الهدنة الاولى أعلن المتحدث باسم قوات التحالف، العميد أحمد العسيري ، انطلاق هدنة إنسانية اقترحتها السعودية تستمر لمدة 5 أيام، وأكد عليها وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، في مؤتمر صحافي مع نظيره الأميركي جون كيري، في باريس، على أن تبدأ من 12 مايو(ايار)، لم تلتزم بها الميليشيات والانقلابيون.
أما الهدنة الثانية فكانت الأمم المتحدة أعلنت هدنة غير مشروطة" حتى نهاية شهر رمضان بهدف ايصال المساعدات الإنسانية لنحو 21 مليون يمني بحاجة إليها، خرقتها الميليشيات بمحاولات منها باستغلالها للحصول على مكاسب على الأرض.
ولم تكن الهدنة الثالثة افضل من سابقاتها، ففي الرابع من ديسمبر(كانون الاول) الماضي، اتفقت الاطراف المتنازعة في اليمن على وقف لإطلاق النار لبدء مفاوضات في جنيف، ورغم محاولات المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ، التقريب بين مواقف الطرفين لإنجاح الحوار والتوصل إلى حل سياسي ينهي الأزمة، إلا أن التباين كان سيد الموقف، وفي الوقت الذي أكدت فيه الحكومة على ضرورة الاستناد على القرار الأممي 2216 كمرجعية اساسية للحوار، بالإضافة إلى مخرجات الحوار الوطني والمبادرة الخليجية.
وعلَّق الكثير من الآمال على الهدنة الرابعة، كخطوة على طريق إفساح المجال أمام المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، لمواصلة جهوده الهادفة إلى إيجاد تسوية سياسية للصراع في اليمن، ففي مباحثات الكويت التي تضمنت خمسة بنود الانسحاب من المدن، وتسليم السلاح والترتيبات الأمنية، والحل السياسي الذي ينقسم إلى جزأين، الأول يضم إعادة سيطرة الدولة على كل المؤسسات العامة، واستئناف عملها، وفي مرحلة لاحقة استئناف الحوار السياسي، وبحث الانتخابات والدستور وغيرها.
في جميع الاتفاقيات الخاصة بالهدن الماضية، التزم التحالف العربي وقوات الشرعية بضبط النفس والاكتفاء بالرد على بعض الخروقات لإسكات مصادر نيران الميليشيات، والتي تجاوزت أكثر من 1400 اختراق على مناطق الحدود وفي المحافظات اليمنية.
وبدأت طائرات التحالف، التي التزمت بالهدنة، بقصف مواقع ميليشيات الحوثي فور انتهائها، واستهدفت معسكر الحفا وجبل نُقم شرق صنعاء ومعسكر النهدين جنوبها. كذلك قصفت تعزيزات وآليات عسكرية للميليشيات بالقرب من جبهة صرواح غرب محافظة مأرب، كانت أرسلت من صنعاء.
وفي محافظة حجة شمال غربي اليمن، استهدفت طائرات التحالف مواقع وإمدادات عسكرية للانقلابيين على طول الساحل الممتد من منطقة ميدي قبالة مركز الموسم السعودية إلى مديرية عبس جنوبا، وقصفت مواقع في مديرية باقم شمال صنعاء قبالة ظهران الجنوب السعودي.
أما في محافظة تعز، فقد قصفت طائرات التحالف بغارتين مواقع عسكرية للميليشيات في ضاحية الحوبان شرق المدينة، وشنت ثلاث غارات في محافظة الجوف على مواقع للميليشايت في مديرية المصلوب، كما استهدفت بأربع غارات في محافظة الحديدة أربعة مواقع عسكرية في الكثيب.
من جانبه، دعا ولد الشيخ أطراف النزاع في اليمن إلى الموافقة على تمديد الهدنة الإنسانية التي انتهت منتصف الليلة الماضية، لمدة 72 ساعة إضافية قابلة للتجديد. مؤكدا في بيان صحفي أنه جرى خلال مدة وقف إطلاق النار التي دخلت حيّز التنفيذ فجر الخميس الماضي تقديم المساعدات الإنسانية للعديد من الأحياء المتضررة.
وذكر المبعوث الأممي، جميع الأطراف بشروط وأحكام وقف الأعمال القتالية الذي يشمل وقفاً كاملاً وشاملاً للعمليات العسكرية بمختلف أنواعها، متوقعاً التزام الطرفين نحو وقف نهائي للعنف، مشدداً على أهمية وقف إطلاق النار بشكل كامل في حال جرى التوافق على تمديد الهدنة.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.