التوتر السياسي مع موسكو ينتقل إلى المياه الدولية

أثار ظهور مجموعة من أهم وأقوى القطع الحربية في الأسطول الروسي في منطقة بحر المانش، بالقرب من الساحل الجنوبي لبريطانيا، قلقًا في الأوساط العسكرية الأوروبية ومنظمة حلف شمال الأطلسي (ناتو)، ذلك أن مثل تلك التحركات للأسطول الروسي تجري في وقت لا يمكن فيه وصف العلاقات بين الطرفين بأنها عادية أو خالية من التوتر، ولهذا أرسلت وزارة الدفاع البريطانية المدمرة «دنكان» والفرقاطة «ريتشموند»، لمرافقة مجموعة السفن الروسية خلال تحركاتها في تلك المنطقة.
وحسب وكالة «إنتر فاكس» الروسية، أبحرت إلى جانب قطع الأسطول الروسي الحربية مجموعة سفن أخرى تابعة لدول الناتو، وهي الفرقاطة الصاروخية الهولندية «إيفرتسين»، والفرقاطة البلجيكية «ليوبولد - 1»، كما تم رصد مقاتلات (إف - 15) أميركية تحلق في أجواء المنطقة، في الوقت الذي تقف فيه مقاتلات «تايفون» البريطانية على أهبة الاستعداد للتحليق في دوريات لمراقبة مجموعة السفن الروسية.
وتجدر الإشارة إلى أن سفن الأساطيل الروسية كانت قد انطلقت يوم الخامس عشر من أكتوبر (تشرين الأول) في جولة بحرية تجوب خلالها مناطق شمال شرق المحيط الأطلسي والبحر المتوسط، حيث ينتظر وصولها بصورة خاصة إلى منطقة شرق المتوسط قرب الساحل السوري. وتضم المجموعة الروسية حاملة الطائرات اليتيمة في الأسطول الروسي «الأدميرال كوزنيتسوف»، وعلى متنها مجموعة من أحدث الطائرات المقاتلة والمروحيات القتالية، بما في ذلك مروحية «التمساح» الشهيرة. ويرافق حاملة الطائرات «الأدميرال كوزنيتسوف» الطراد الصاروخي النووي «بيوتر العظيم»، والسفينتان «سيفيرمورسك» و«نائب الأدميرال كولاكوف» المضادتان للغواصات.
وكانت قد نشرت النرويج صورًا لحاملة الطائرات الروسية «الأدميرال كوزنيتسوف»، التي تتخذ من سيفيرومورسك في بحر بارنتس مقرًا لها، كما أعلنت الثلاثاء الكومندان إليزابيث ايكلاند، المتحدثة باسم مركز عمليات الجيش النرويجي. وصرحت لوكالة الصحافة الفرنسية: «أبلغنا أنها في طريقها إلى المتوسط».
وقالت: «من غير المعهود أن نرى هذا العدد الكبير من السفن تبحر معًا قبالة النرويج». وأضافت: «لكن هذا هو نشاط قوات الدفاع النرويجية كل يوم على مدار السنة: نتابع الأنشطة قبالة سواحلنا، خصوصًا السفن والطائرات الروسية».
وأضافت أنه خلال إبحار مجموعة السفن الروسية قبالة سواحل النرويج ستتبعها فرقاطة من البحرية النرويجية عن مسافة بعيدة تتولى بعدها سفينة من بلد آخر من حلف شمال الأطلسي هذه المهمة. وأوضحت أن «التواصل جيد» مع السفن الروسية.
وأعلن الأسطول الروسي أن حاملة الطائرات تبحر إلى سوريا، وعلى متنها عدة طائرات ومروحيات قتالية لتعزيز الوجود العسكري الروسي في هذه المنطقة.
والثلاثاء أعلنت موسكو وقفًا فوريًا للغارات الجوية الروسية والسورية على حلب في بادرة «حسن نية»، وكذلك للسماح بإجلاء المدنيين من أحياء المدينة الواقعة تحت سيطرة قوات المعارضة التي تتعرض لقصف مكثف منذ شهر.
مجموعة السفن الروسية تشكل معًا قوة ضاربة هجومية ودفاعية، يمكنها التعامل مع الأهداف البرية والبحرية العائمة وتحت الماء والجوية في آن واحد، ولعل هذا سبب عسكري - تقني زاد من قلق البريطانيين، ناهيك بالأسباب التي تعود إلى التوتر السياسي بين بريطانيا وموسكو وبين الناتو وموسكو بشكل عام، على خلفية الخلافات بشأن الأزمة الأوكرانية والوضع في سوريا، فضلاً عن أن الخلافات القديمة استراتيجية الطابع بشأن توسع الناتو شرقًا، والدرع الصاروخية الأميركية وغيرها من خطوات تثير قلق موسكو.
وصرح متحدث باسم البحرية البريطانية، بأن حجم القوة البحرية الروسية «غير معتاد»، مضيفًا في تصريحات لـ«بي بي سي»، أن ما يقوم به الأسطول الروسي هو عرض عضلات. إلا أن السفن الروسية كانت «تتصرف بطريقة جيدة»، حيث كانت تحجز مناطق تحليق وتتصل بمحطات حرس السواحل باستمرار. وقال: «الجزء الأهم من هذه السفن هو بالتأكيد حاملة الطائرات». وقال مسؤول في حلف شمال الأطلسي، إن عملية انتشار السفن «لا توحي بالثقة» بأن موسكو تسعى إلى حل سياسي للأزمة السورية. وأكد وجود «خطط بأن تراقب القوات البحرية لحلف شمال الأطلسي السفن الروسية أثناء توجهها إلى مياه المتوسط».
ويحذر الخبراء من خطورة تلك التحركات في الوقت الراهن، لا سيما أن أي طرف قد يفسر أي إجراء يقوم به الطرف الآخر بصورة خاطئة، مما قد يؤدي إلى نشوب مواجهة محدودة، مؤهلة للتوسع. هذا في الوقت الذي يكرر فيه المراقبون التحذيرات التي كانت تشكل أرضية تنطلق منها الدول الكبرى في تحركاتها العسكرية البرية أو الجوية أو البحرية، ومن أهم تلك التحذيرات محاولة تفادي أي تحركات قرب قوات الخصم، تفاديًا لأي حادث غير متوقع قد يشكل فتيلاً لمواجهة لا يريدها أحد ولن تفيد أحدًا.
إلا أن المشهد يبدو مختلفًا اليوم، ولا تظهر القوى الكبرى أي اهتمام بتلك التحذيرات، إذ كثيرًا ما تجري حوادث نشاط عسكري لطرف بالقرب من قوات للطرف الآخر. ومن تلك الحوادث على سبيل المثال لا الحصر، تحليق مقاتلات ومروحيات روسية على مقربة من المدمرة الأميركية «دونالد كوك» في مياه بحر البلطيق، وجرى ذلك في شهر أبريل (نيسان) الماضي، حينها كانت المدمرة الأميركية تستعد لمناورات في المنطقة، وحلقت بالقرب منها مقاتلة روسية من طراز «سو - 24» ومن ثم مروحية من طراز «كا - 27»، وفي الحادي عشر من أبريل اقتربت الطائرات الروسية من المدمرة الأميركية أكثر من عشرين مرة، في إحداها حلقت المقاتلة الروسية على ارتفاع لا يزيد على 30 مترًا فوق المدمرة، وعلى مسافة 900 متر. وحسب الرواية الأميركية، فقد قامت المقاتلة الروسية بحركات تحاكي شن هجمة جوية أثناء تحليقها فوق المدمرة، علمًا بأنها لم تكن محملة بأي ذخائر.
حينها رأت الولايات المتحدة في تلك الحادثة «انتهاكًا لاتفاقية عام 1970 حول تفادي الحوادث في المياه الدولية». وقال جوش آرنست، المتحدث باسم البيت الأبيض، إن «مثل تلك الحركات لا تتوافق مع المعايير المهنية لسلوك القوات المسلحة بالقرب من قوات أخرى في المياه والأجواء الدولية». بينما رأى «البنتاغون» أن مناورات الطيارين الروس كانت «خطيرة واستفزازية وكان من شأنها أن تؤدي إلى صدام».
وأخيرًا، مطلع سبتمبر (أيلول) الماضي حلقت طائرات استطلاع أميركية أكثر من مرة فوق البحر الأسود واقتربت من الحدود الروسية، الأمر الذي أثار استياء وغضب موسكو. وكانت مقاتلة روسية قد حلقت على مسافة لا تزيد على ثلاثة أمتار بالقرب من طائرة استطلاع أميركية كانت تحاول الاقتراب من الحدود الروسية في منطقة البحر الأسود، وقد اعتبر الأميركيون أن اقتراب المقاتلة الروسية إلى هذه المسافة القريبة جدًا عمل خطير قد يؤدي بحال تكرر إلى تصادم الطائرتين. ويحذر المراقبون من أن ازدياد حوادث كهذه في ظل التوتر السياسي بين روسيا والناتو تهدد بزيادة احتمالات وقوع حادث بالخطأ، الأمر الذي قد يؤدي إلى عواقب وخيمة بحال لم تتوفر إرادة سياسية كافية لدى الأطراف لاحتواء الموقف.