وفد طالباني يناقش في باكستان استئناف محادثات السلام الأفغانية

المتمردون يستخدمون تكنولوجيا طائرات «الدرون» منذ 18 شهرًا

جنود أفغان خلال تمرين تعبوي خارج العاصمة كابل أثناء عملية توجيه المقاتلات لضرب مواقع حركة طالبان أمس (رويترز)
جنود أفغان خلال تمرين تعبوي خارج العاصمة كابل أثناء عملية توجيه المقاتلات لضرب مواقع حركة طالبان أمس (رويترز)
TT

وفد طالباني يناقش في باكستان استئناف محادثات السلام الأفغانية

جنود أفغان خلال تمرين تعبوي خارج العاصمة كابل أثناء عملية توجيه المقاتلات لضرب مواقع حركة طالبان أمس (رويترز)
جنود أفغان خلال تمرين تعبوي خارج العاصمة كابل أثناء عملية توجيه المقاتلات لضرب مواقع حركة طالبان أمس (رويترز)

قال مسؤولون كبار أمس إن وفدا من المكتب السياسي لحركة طالبان زار باكستان الأسبوع الماضي لإجراء مناقشات ربما تضمنت الجهود غير الرسمية الأخيرة لاستئناف محادثات تهدف إلى إنهاء الحرب الطويلة في أفغانستان. وجاءت الزيارة بعد أيام من تصريح مصادر من طالبان بأنها عقدت اجتماعات غير رسمية مع مسؤولين أفغان وأميركيين في قطر وهي أول اجتماعات مباشرة منذ أكثر من عام بعد انهيار عملية تهدف لإنهاء الصراع المندلع منذ 15 عاما.
وتأتي هذه الأنباء عقب الكشف هذا الأسبوع عن أن مسؤولي طالبان قد أجروا محادثات سرية مع دبلوماسي أميركي رفيع المستوى ورئيس المخابرات الأفغانية، محمد معصوم ستانيكزاي، في العاصمة القطرية، الدوحة. ولم تشارك إسلام آباد في هذه الاجتماعات التي جرت خلال شهري سبتمبر (أيلول) أيلول الماضي وأكتوبر (تشرين الأول) الحالي، كما لم تكن على علم بها، على الرغم من دورها في جمع طالبان مع دبلوماسيين أميركيين وصينيين لإجراء محادثات سلام في عام 2015.
وقال مسؤولون باكستانيون: «لا يمكن حل المشكلة الأفغانية إلا بحضور باكستان». وذكرت مصادر من طالبان أن الملا عبد المنان وهو شقيق مؤسس طالبان الراحل الملا عمر التقى مسؤولين أميركيين وأفغان ولكن لم يتم إحراز تقدم تجاه استئناف المحادثات الرسمية.
وقال عضو كبير متمركز في الدوحة إن «وفد طالبان سيطلع وكالات الأمن الباكستانية على اجتماعات قطر التي لم يشارك فيها ممثلون باكستانيون وسيشكو من الاعتقالات الأخيرة لبعض من كبار قادة الحركة في باكستان». وقال المسؤول إن «ممثلي المكتب السياسي شهاب الدين ديلاور وجان محمد وعبد السلام حنفي سافروا من قطر وانضم إليهم آخرون في باكستان».
وقال عضو آخر في طالبان مقيم في أفغانستان إن «الوفد أجرى جولة من المحادثات وسيبقى لبضعة أيام أخرى». وأكد المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد زيارة وفد لباكستان، ولكنه لم يعلق على محادثات قطر التي نفى أنها جرت. وقال مجاهد: «أُرسل الوفد لبحث بعض القضايا الرئيسية مع القيادة الباكستانية بما في ذلك اعتقال لاجئين أفغان وإعادتهم لأفغانستان».
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الباكستانية إنه ليس لديه معلومات عن أي زيارة لطالبان. وعلى الرغم من المحادثات التي عكست تقدما في 2015 توقفت عملية السلام الوليدة عندما أكدت الحكومة الأفغانية أن زعيم حركة طالبان الملا عمر قد مات منذ سنوات، وتجري إدارة الحركة باسمه من قبل الملا أختر منصور. وخلف منصور، عمر، رسميا بعد صراع مرير على السلطة، إلا أنه قتل في غارة أميركية من دون طيار في مايو (أيار) 2016.
وهو الحادث الذي أدى إلى مزيد من التأخير لإتمام عملية السلام. إلى ذلك، أعلن متحدث باسم حركة طالبان أن الحركة تستخدم تكنولوجيا الطائرات من دون طيار «الدرون» للتخطيط للهجمات منذ 18 شهرا، جاء ذلك بعد يوم من قيام الحركة ببث مقطع فيديو سجلته كاميرا بطائرة من دون طيار لهجوم مميت على أحد مقرات الشرطة في إقليم هلمند جنوب أفغانستان». وقال المتحدث باسم حركة طالبان ذبيح الله مجاهد إن «التكنولوجيا تلعب دورا حيويا في قتال الحركة ضد قوات الأمن الأفغانية شمال شرقي وجنوب البلاد».
وتأتي هذه الأنباء بعد يوم من قيام طالبان ببث مقطع فيديو التقطته كاميرا طائرة من دون طيار لهجوم بقنبلة على مقر للشرطة في مقاطعة ناوا بإقليم هلمند، وهو الهجوم الذي قال عنه مجاهد إنه قتل فيه رئيس الشرطة أحمد شاه سليم وعشرات آخرون قبل أكثر من أسبوعين، وذكرت وزارة الدفاع الأفغانية أنه ليس لديها علم باستخدام طالبان لتكنولوجيا الطائرات من دون طيار وفي منتصف يونيو (حزيران) حظرت وزارة الداخلية الأفغانية استخدام الكاميرات المثبتة في الطائرات من دون طيار من جانب المنظمات الإعلامية، معللة ذلك بـ«مخاوف أمنية».
وإقليم هلمند أحد الأقاليم الأكثر اضطرابا في جنوب أفغانستان. وكل المقاطعات إما تشهد معارك عنيفة وإما تسيطر عليها حركة طالبان بشكل كامل. وتتعرض مدينة لاشكرجاه، عاصمة الإقليم، لحصار منذ أسابيع.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟