من التاريخ: السلطان سليم الأول والتوسع العثماني

السلطان سليم الأول
السلطان سليم الأول
TT

من التاريخ: السلطان سليم الأول والتوسع العثماني

السلطان سليم الأول
السلطان سليم الأول

تحوّلت الدولة العثمانية على مدار القرنين الرابع والخامس عشر من قبيلة لتصبح دويلة صغيرة، ثم إمبراطورية، على أيدي سلاطين عظماء، مثل عثمان وأورخان ومراد الأول ومحمد الثاني «الفاتح» (فاتح القسطنطينية) - كما تابعنا على مدار الأسابيع الماضية - ولكن بعد موت محمد «الفاتح»، فإن الدولة العثمانية لم تشهد توسعات جديدة كتلك التي حققها السلطان سليم الأول. لقد كان سليم الأول شخصية محورية في التاريخ العثماني، ليس فقط لحجم فتوحاته، ولكن لنوعيتها أيضًا، إذ إنه السلطان الذي أسقط الدولة المملوكية (دولة المماليك) التي كانت أكبر دولة إسلامية نافست الشرعية العثمانية الوليدة، إضافة إلى تقليم أظافر الدولة الصفوية الشيعية في فارس.
وتبدأ قصة سليم الأول من خلال نسبه إلى والده السلطان بايزيد الثاني ابن السلطان محمد الثاني «الفاتح»، وكان بايزيد رجلاً ورعًا أقرب إلى التقوى والعلم منه إلى الشؤون العسكرية والتوسع، إلا أن الآفة السياسية للسلاطين العثمانيين كانت الخلافات التي نشبت داخل البيت الواحد لوراثة السلطنة، وهو ما دفع بايزيد إلى صراع عنيف مع أخيه جيم، إلى أن انتهت الحروب بينهما بتولي بايزيد الحكم، بعدما ضمن لنفسه مساندة فيالق الإنكشارية، فهرب جيم إلى بابا الفاتيكان، حيث تولى الأخير كل تكاليف إقامته مقابل مبلغ من المال دفعه أخوه السلطان لضمان إبقائه هناك بعيدًا عن الحكم، ولكن سرعان ما جرى التخلّص منه، إذ قتل مسمومًا، ويقال إن بايزيد كان له دور في هذا الأمر.
واتباعًا للقاعدة الإنسانية «كما تدين تدان»، واجه بايزيد المشكلة نفسها مع أبنائه الثلاثة، ومنهم سليم الذي لم يكن والده يريده أن يرث الحكم من بعده. بيد أن سليم أدرك بفراسته السياسية أنه مهدد بتجريده من أية فرصة لتولى العرش، فتحرك سريعًا، وبدأ يمالئ الإنكشارية مرة أخرى في مواجهة أخيه، وحصل على دعم من ابنه سليمان (السلطان سليمان «القانوني» العظيم لاحقًا)، حاكم إحدى الولايات. ومن ثم، أدار ما يمكن تسميته بلغة اليوم انقلابًا عسكريًا ضد والده بايزيد، فعزله واستولى على السلطنة عام 1512. وعلى الفور، وجه سليم الأول رجاله بقتل إخوته الذكور للقضاء على أية منافسة ممكنة، إلا أن دمويته لم تقف عند هذا الحد، بل أمر بقتل كل أبناء أخوته خنقًا، ويقال إنه كان يستمع إلى أنينهم وهم يموتون دون أية شفقة أو رحمة، ودون التفاتٍ لقيمة صلة الرحم. وهكذا، دانت له السلطنة، وبدأ يعد نفسه ليستعيد للدولة العثمانية المجد، من خلال التوجّه الفوري نحو توسيع رقعتها. وكان سليم يرى في ذلك وسيلة يستطيع من خلالها زيادة رقعة دولته من ناحية، وإشغالها بحروب ممتدة تبعد عن الدولة الفرقة، فيوجه الأنظار دائمًا إلى العدوّ الخارجي، وهو ما جعل مدة سلطنته في حروب شبه دائمة.
لقد عمد سليم الأول منذ البداية لمحاولة إيجاد الشرعية المطلوبة للدولة العثمانية للسيطرة على العالم الإسلامي. ويومذاك، كانت هناك دولتان أساسيتان تقفان ضد طموحاته، هما: الدولة الصفوية في إيران، والدولة المملوكية في مصر.
الدولة الصفوية، بقيادة الشاه إسماعيل الصفوي في إيران، تمثلت خطورتها بالنسبة لسليم ليس فقط في كونها الدولة الحدودية الآسيوية ذات القوة، بل لأنها أيضًا كانت تتبع المذهب الشيعي بعد تولى إسماعيل الحكم. وهذا ما كان من وجهة نظره يتنافى مع هدفه بجعل الدولة العثمانية هي المرجعية الإسلامية لكل المسلمين. ومن منطلق تعصبه الشديد للمذهب السنّي، مع أنه لم يكن بتقوى أبيه وورعه، قرّر قبل أن يبدأ الصدام مع الصفويين توجيه جهده للقضاء على الفرق الشيعية في الأناضول كي لا يفاجأ بـ«طابور خامس» داخلي، بينما هو في صراع مع الصفويين الإيرانيين الشيعة. وفي المقابل، اتبع الشاه إسماعيل سياسة «الأرض المحروقة» لإنهاك الجيش العثماني وتراجعه، إلا أن سليم استطاع أن يجره إلى معركة مفتوحة في تشالديران (أو جالديران) عام 1514، وألحق به هزيمة نكراء قوّضت خطورة الدولة الصفوية.
بعد هذا الإنجاز، وجه سليم الأول اهتمامه إلى القضاء على دولة المماليك في مصر التي كان على رأسها في ذلك الوقت السلطان قنصوه الغوري. وواقع الأمر أن الدولة المملوكية في مصر كانت في حالة يرثى لها، إذ فقدت أهم مصادر دخلها، بعدما اكتشف البرتغاليون طريق «رأس الرجاء الصالح»، فتحوّلت التجارة من مصر إلى هذا الطريق الجديد. وعلى الرغم من تعاونه مع الدولة العثمانية لمواجهة الخطر البرتغالي في معركة ديو البحرية عام 1509، فإن الهزيمة المشتركة للأسطولين المملوكي والعثماني أدت إلى إضعاف المماليك كثيرًا. أضف إلى ذلك أن دولة المماليك كانت قد استنفدت آنذاك كل رصيدها التاريخي والسياسي بمرور القرون، وبالتالي أصبحت فرصة القضاء عليها أكبر. مع هذا، لم تكن دولة هينة بطبيعة الحال، لذا كان سليم الأول حذرًا في الصدام معها منذ البداية. وعندما وجه قواته جنوبًا، فإن قنصوه الغوري تحرّك بالجيش المصري صوب الشام، حيث دارت معركة مرج دابق الشهيرة، قرب مدينة حلب، في عام 1516. وكانت هذه المعركة فاصلة، وسمتها الأساسية الخلل الواضح في ميزان القوى لصالح الجيش العثماني الذي اعتمد خلال المعركة بالأساس على المدفعية في مواجهة جيش المماليك الذي اعتمد على الفرسان ورماة السهام. ولقد حسم الهجوم المكثف لسلاح المدفعية المعركة لصالح العثمانيين عند نقطة بعينها، وتضيف كتب التاريخ لذلك خيانة خائر بك، والي حلب وقائد ميسرة الجيش، الذي انضم للجيش العثماني، وبذا تسبب في فوضى في صفوف جيش المماليك، ثم انسحب وسط سقوط نسبة كبيرة من الجيش بين قتيلٍ وجريح، مقابل خسائر أقل في صفوف الجيش العثماني. ووسط الفوضى، قتل السلطان قنصوه الغوري تحت سنابك الخيل. وهنا، تعددت الروايات التي لا تجد لها سندًا بشأن مقتله وسط هذه الفوضى، أو مقتله في أثناء محاولة هروبه هو وكامل الجيش. وتتطرق بعض الروايات غير المؤكدة أيضًا إلى أن أحد ضباطه قطع رأسه ودفن الرأس كي لا يتعرف عليه العثمانيون ويتشفّون به. ولكن أغلب الظن أن الغوري مات بجلطة دماغية نتيجة للحسرة. وعلى الفور، توجه السلطان سليم إلى الحجاز، حيث ضمها لحكمه بعدما أدى مناسك الحج.
وقبل استيلاء سليم الأول على مصر، فإنه استولى على مفهوم «الشرعية» عندما احتجز الخليفة العباسي الذي غدا في ذلك الوقت مجرد رمز في أيدي السلاطين المماليك لتثبيت شرعيتهم في حكم مصر والحجاز. ومن ثم، أرسل للسلطان المملوكي الجديد طومان باي ما يفيد بأن الخليفة العباسي تنازل له عن الخلافة، وطالبه بتسليم مصر. إلا أن طومان باي رفض تمامًا، وجهّز البلاد لمواجهة الجيش العثماني الغازي. وقد صمد بالفعل السلطان المملوكي أمام الجيش العثماني لفترة زمنية غير قليلة، بل إنه استطاع أن يكبّد القوات العثمانية خسائر ملحوظة، وكان من الممكن أن تستمر الحرب مع العثمانيين، لولا استدراجه لحوار مع سليم الذي أبدى إعجابه الشديد به وبجلده على الحرب، غير أن مستشاري سليم أبدوا قلقهم من مهادنة الرجل، وإبقائه على ولاية مصر كما كان يفكر، فقضي الأمر بشنق طومان باي على باب زويلة، وترك جثته عبرة لمن حوله. وهكذا، انتهت بموته دولة المماليك في مصر، ودخلت مصر حظيرة حكم الدولة العثمانية لقرون مقبلة.
وواقع الأمر أنه يمكن اعتبار عام 1517 تاريخ الإعلان الرسمي للخلافة العثمانية على البقاع المركزية في العالم الإسلامي، بعد سقوط مصر، ومن قبلها تقليم أظافر الصفويين في إيران. وهذا بالضبط ما كان يطمح إليه السلطان سليم الأول، ومن قبله سلاطين آخرين، منذ فترة طويلة. وبالفعل، انتقلت الخلافة رسميًا إلى إسطنبول، بعدما جرّدت مصر من شرعيتها وخيرة رجالها من الصناع المهرة والعلماء الذين انتقلوا للاستقرار في العاصمة العثمانية. ومنذ ذلك التاريخ حتى عام 1807، عاشت مصر أضعف حالاتها السياسية والعسكرية والاقتصادية منذ الفتح الإسلامي لها في القرن السابع الميلادي، وذلك بسبب سوء الإدارة العثمانية، وسعي إسطنبول المستمر لإخراج القاهرة من المعادلة السياسية الإسلامية والدولية. لكن هذا الحال تغير تمامًا خلال الفترة من 1831 حتى 1839، بعدما كاد الجيش المصري أن يرث الدولة العثمانية، لولا تدخل الدول الغربية عسكريًا، وفقًا لمعاهدة لندن 1840.
لقد كان السلطان سليم الأول شخصية غير خلافية، إذ إنه كان فظًا، غليظ القلب، دموي الطابع، سادي التوجّه، لا يكترث كثيرًا بمن حوله أو بأسرته، وكان يحكم بالحديد والدم، ويذكر المؤرخون أنه كان سيء الظن بمن حوله، وهو ما جعله يقتل سبعة من رؤساء وزرائه. ويقال في روايات التاريخ إن أحد رؤساء وزرائه قال له إنه يخشى أن يقوم بقطع رقبته دون إنذار سابق، فضحك سليم وقال له: «أنا فعلاً قررت أن أقطع رقبتك، ولكن ما يحول دون ذلك أنني لم أجد من يحل محلك بعد!».
وعلى الفور، توجه سليم بعد بسط نفوذه على مصر، ليمد دولته إلى الخط الساحلي الليبي، قبل أن يتوجه إلى الشمال مرة أخرى، إلا أن القدر لم يمهله كثيرًا، إذ إنه مات متأثرًا بالسرطان وهو في طريق عودته. وإذا ما جاز لنا أن نقيم سيرة السلطان سليم الأول، فإن أهم إنجازه إلى جانب التوسع الجغرافي هو صك الشرعية الجديدة على ملكه باعتباره «خليفة المسلمين»، مما جعل حكمه مهمًا للغاية لمستقبل الدولة العثمانية، شكلاً وموضوعًا. وبمماته، آلت السلطنة من بعده إلى واحد من أعظم سلاطين بني عثمان، وهو السلطان سليمان «القانوني».



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.