حلب تتمرد على شروط الهدنة الروسية.. والأمم المتحدة تعجز عن إجلاء المصابين

فصائل المعارضة السورية تلوّح بمعركة تحت قيادة واحدة لفك الحصار وقلب المعادلة

جرحى سوريون داخل سيارة إسعاف في طريقهم  إلى أحد مستشفيات حلب لتلقي العلاج  (أ.ف.ب)
جرحى سوريون داخل سيارة إسعاف في طريقهم إلى أحد مستشفيات حلب لتلقي العلاج (أ.ف.ب)
TT

حلب تتمرد على شروط الهدنة الروسية.. والأمم المتحدة تعجز عن إجلاء المصابين

جرحى سوريون داخل سيارة إسعاف في طريقهم  إلى أحد مستشفيات حلب لتلقي العلاج  (أ.ف.ب)
جرحى سوريون داخل سيارة إسعاف في طريقهم إلى أحد مستشفيات حلب لتلقي العلاج (أ.ف.ب)

بقيت هدنة حلب التي أعلنتها روسيا من طرف واحد في شمال سوريا صامدة في يومها الثاني، رغم أنها لم تحقق أي شرط من الشروط التي وضعتها. وتبدأ هذه الشروط - حسب موسكو - بفصل المعارضة عمّا سمتهم «الإرهابيون»، ومن ثمّ إخراج مقاتلي «جبهة فتح الشام» من المدينة عبر معبرين محددين، وصولاً إلى إخلاء المسلحين والمدنيين من الأحياء الشرقية المحاصرة. ومع إعلان وزارة الدفاع الروسية، أمس، عن تمديد الهدنة لـ24 ساعة إضافية، لم يسجّل مغادرة أي مدني أو مقاتل أو جريح من شرق حلب إلى خارجها، في حين ردّت فصائل المعارضة على الطلب الروسي، بإعلانها أن «طبول الحرب بدأت تقرع على أبواب حلب»، متوعدة بـ«معركة مصيرية ستخاض تحت قيادة واحدة وجيش واحد، وستفاجئ نظام الأسد وميليشياته». وأكدت أن «كسر الحصار عن المدينة بات مسألة وقت».
في هذه الأثناء، قالت الأمم المتحدة إن «عمليات الإجلاء لأسباب طبية من شرق حلب لم تبدأ الجمعة (أمس) بسبب الافتقار إلى الضمانات الأمنية والتسهيلات». وأكدت أن «عمليات الإخلاء الطبي التي كان من المقرر القيام بها في شرق حلب الجمعة، تأخرت لعدم تقديم الأطراف المتحاربة الضمانات الأمنية اللازمة». وذكر ينس لاريكي، المتحدث باسم مكتب الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة: «للأسف لم يكن ممكنًا بدء عمليات إخلاء المرضى والجرحى صباح اليوم (أمس) الجمعة كما كان مقررا نظرا لعدم توفر الظروف اللازمة». بينما أعلن يان إيغلاند، الذي يرأس مجموعة العمل حول المساعدة الإنسانية في سوريا، أن الأمم المتحدة «حصلت على موافقة روسيا والنظام السوري ومجموعات مسلحة في المعارضة». لكن لاريكي صرح للصحافيين بأنه «لم يتم تقديم هذه الضمانات المتعلقة بالظروف الأمنية». وأوضح أن موظفي الإغاثة «لم يتمكنوا حتى الآن من الانتشار في مواقعهم في غرب حلب التي تسيطر عليها الحكومة، إنها عملية صعبة للغاية».
إلى ذلك، سخرت المعارضة السورية المسلّحة من الدعاية الروسية التي تسوّق لخروج المسلحين والمدنيين من المناطق المحاصرة. وأكد عمّار سقّار الناطق العسكري باسم تجمّع «فاستقم كما أمرت» أن «الفصائل تعدّ خطة عسكرية لفكّ الحصار عن حلب، وليس لإخلائها وتسليمها إلى إيران ومرتزقتها». وقال سقّار، لـ«الشرق الأوسط»، إن «المعركة التي يعدّ لها الثوار مختلفة عن المعارك السابقة، وستكون حاسمة، وكفيلة بدكّ حصون النظام وكسر الحصار المفروض على أهلنا منذ أشهر»، مبديًا تفاءله بـ«نجاح هذه المعركة التي ستكون مقدمة لتحرير مدينة حلب بالكامل من الاحتلال الإيراني والعصابات الطائفية المجرمة». وشدد سقّار على أن «أهالي حلب والثوار يريدون من الهدنة أمرين، الأول إخراج الجرحى والمرضى لتلقي العلاج خارج حلب والثاني إدخال المساعدات الإنسانية للمدنيين، ولا وظيفة لها خارج هذين الشرطين». وكانت الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر تأملان في الاستفادة من «الهدنة الإنسانية» في شرق حلب بعد أن أوقفت القوات الروسية والسورية حملة القصف التي تشنها على فصائل المعارضة. إلى ذلك، أعلن الناشط المعارض في حلب، عبد القادر علاف، لـ«الشرق الأوسط»، أن «لا بوادر للفصائل المسلحة ولا المدنيين للخضوع للشروط الروسية بإخلاء المناطق المحررة». وأكد أن «أي مسلّح، لا من (جبهة فتح الشام) ولا من غيرها سيخرج من حلب، لأنهم غير معنيين بهذه الهدنة». وكشف علاف عن أن «آلاف المدنيين خرجوا اليوم (أمس) بعد صلاة الجمعة، بمظاهرات عمّت أحياء حلب، يطالبون بفك الحصار، ويعلنون رفضهم مغادرة أرضهم مهما حصل». وتابع أن أهل حلب «اتخذوا قرارهم بعدم الاستسلام لسياسة التهجير والتغيير الديمومغرافي التي يعتمدها نظام المجرم بشار الأسد ويساعده فيها شريكه الروسي الأشد فتكًا وإجرامًا».
من جهته، أكد القيادي العسكري في «جبهة فتح الشام» أبو عبيدة الأنصاري، في تصريح لوكالة «قاسيون» للأنباء، أن «طبول الحرب قرعت على أبواب حلب، وأن كسر الحصار بات مسألة وقت». وأشار إلى أن «جيش الفتح وفصائل المعارضة السورية باتت تنتظر الإشارة لبدء معركة مصيرية في حلب». وشدد الأنصاري على أن «المعركة القادمة ستكون على غير المعتاد، لأنها ستخاض بجيش واحد وقائد عسكري واحد، وتضم جيش الفتح وفصائل عدّة في المعارضة السورية». وأردف الأنصاري أن معركة حلب «ستبدأ بقيادة عسكرية موحدة، وهي المرة الأولى منذ اندلاع الثورة السورية تتفق المعارضة السورية على قيادة عسكرية واحدة»، مضيفًا أن المعركة القادمة «لن تقتصر على محور واحد، إذ ستشن المعارضة السورية هجومًا واسعًا على محاور عدّة في حلب، ولن تكون مواقع النظام في الأحياء الغربية خارج نطاق نيران ومفخخات الفصائل المشاركة في كسر الحصار».
وتوعّد القيادي العسكري في «جبهة فتح الشام» بـ«مفاجآت كبيرة»، وقال إن «التكتيك العسكري الموضوع للمعركة سيفاجئ النظام السوري وميليشياته». وتعليقًا على تصريحات النظام التي يقول فيها إن قواته ستزيل الحواجز تمهيدًا لانسحاب مقاتلي المعارضة إلى إدلب، طالب الأنصاري النظام وحلفاءه بأن «لا يعيدوا الحواجز وأن يجهزوا أكفانًا لأجسادهم التي ستملأ شوارع مدينة حلب». وفي سياق متصل، أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بأن «اشتباكات عنيفة اندلعت بعد ظهر الجمعة (أمس)، بين ميليشيا (قوات سوريا الديمقراطية) الكردية من جهة، وبين فصائل المعارضة المنضوية ضمن عملية (درع الفرات) المدعومة من تركيا، في ريفي حلب الشمالي والشمالي الشرقي». وقال «المرصد» إن الاشتباكات «بدأت وسط تحليق للطائرات الحربية التركية في سماء المنطقة، ومساندة مدفعية تركية، وتركزت المعارك في محيط قرى حربل والحصية والشيخ عيسى بريف بلدة مارع، حيث تحاول الفصائل تحقيق تقدم على حساب قوات سوريا الديمقراطية».



الحوثيون ينقلون أسلحة إلى صعدة لتحصينها من الاستهداف الأميركي

طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)
طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)
TT

الحوثيون ينقلون أسلحة إلى صعدة لتحصينها من الاستهداف الأميركي

طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)
طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)

كثفت الولايات المتحدة ضرباتها الجوية في الأسابيع الأخيرة على مواقع الجماعة الحوثية بمحافظة عمران، لا سيما مديرية حرف سفيان، في مسعى لتدمير أسلحة الجماعة المخزنة في مواقع محصنة تحت الأرض، ما جعل الجماعة تنقل كميات منها إلى معقلها الرئيسي في صعدة (شمال).

وكشفت مصادر يمنية مطلعة أن الجماعة الحوثية نقلت خلال الأيام الأخيرة مركز الصواريخ والطائرات المسيرة من مناطق عدة بمحافظة عمران إلى محافظة صعدة، وذلك تخوفاً من استهداف ما تبقى منها، خصوصاً بعد تعرض عدد من المستودعات للتدمير نتيجة الضربات الغربية في الأسابيع الماضية.

وكانت المقاتلات الأميركية شنت في الآونة الأخيرة، غارات مُكثفة على مواقع عسكرية تابعة للحوثيين، كان آخرها، الجمعة، حيث تركزت أغلب الضربات على مديرية «حرف سفيان» الواقعة شمال محافظة عمران على حدود صعدة.

وبحسب المصادر التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، نقلت الجماعة الحوثية، تحت إشراف عناصر من «سلاح المهندسين والصيانة العسكرية»، مجموعة صواريخ متنوعة ومسيّرات ومنصات إطلاق متحركة وأسلحة أخرى متنوعة إلى مخازن محصنة في مناطق متفرقة من صعدة.

دخان يتصاعد في صنعاء عقب ضربات أميركية استهدفت موقعاً حوثياً (رويترز)

وتمت عملية نقل الأسلحة - وفق المصادر - بطريقة سرية ومموهة وعلى دفعات، كما استقدمت الجماعة الحوثية شاحنات نقل مختلفة من صنعاء بغية إتمام العملية.

وتزامن نقل الأسلحة مع حملات اختطاف واسعة نفذتها جماعة الحوثيين في أوساط السكان، وتركزت في الأيام الأخيرة بمدينة عمران عاصمة مركز المحافظة، ومديرية حرف سفيان التابعة لها بذريعة «التخابر لصالح دول غربية».

واختطف الانقلابيون خلال الأيام الأخيرة، نحو 42 شخصاً من أهالي قرية «الهجر» في حرف سفيان؛ بعضهم من المشرفين والمقاتلين الموالين لهم، بعد اتهامهم بالتخابر مع أميركا وإسرائيل، وفقاً للمصادر.

وجاءت حملة الاختطافات الحوثية عقب تنفيذ الجيش الأميركي في الأسبوعين الماضيين، عشرات الغارات التي استهدفت منشآت عسكرية وأماكن تجمعات للجماعة في حرف سفيان، أسفر عنها تدمير منشآت استُخدمت لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية أميركية بجنوب البحر الأحمر وخليج عدن.

أهمية استراتيجية

نظراً للأهمية الاستراتيجية لمنطقة «حرف سفيان» في عمران، فقد تركزت الغارات على استهداف منشآت ومواقع متفرقة في المديرية ذاتها.

وتُعدّ مديرية «حرف سفيان» كبرى مديريات محافظة عمران من أهم معاقل الجماعة الحوثية بعد محافظة صعدة، وذلك نظراً لمساحتها الكبيرة البالغة نحو 2700 كيلومتر مربع، مضافاً إلى ذلك حدودها المتصلة بـ4 محافظات؛ هي حجة، والجوف، وصعدة، وصنعاء.

أنصار الحوثيين يحملون صاروخاً وهمياً ويهتفون بشعارات خلال مظاهرة مناهضة لإسرائيل (أ.ب)

وكان قد سبق لجماعة الحوثيين تخزين كميات كبيرة من الأسلحة المنهوبة من مستودعات الجيش اليمني في مقرات عسكرية بمحافظة عمران؛ منها معسكر «اللواء التاسع» بضواحي مدينة عمران، و«لواء العمالقة» في منطقة الجبل الأسود بمديرية حرف سفيان، وموقع «الزعلاء» العسكري الاستراتيجي الذي يشرف على الطريق العام الرابط بين صنعاء وصعدة، إضافة إلى مقار ومواقع عسكرية أخرى.

وإلى جانب ما تُشكله هذه المديرية من خط إمداد رئيسي للانقلابيين الحوثيين بالمقاتلين من مختلف الأعمار، أكدت المصادر في عمران لـ«الشرق الاوسط»، أن المديرية لا تزال تُعدّ مركزاً مهماً للتعبئة والتجنيد القسري لليمنيين من خارج المحافظة، لكونها تحتوي على العشرات من معسكرات التدريب التي أسستها الجماعة في أوقات سابقة، وترسل إليها المجندين تباعاً من مناطق عدة لإخضاعهم للتعبئة الفكرية وتلقي تدريبات قتالية.

صورة عامة لحاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» (رويترز)

وتقول المصادر إن الضربات الأميركية الأخيرة على محافظة عمران كانت أكثر إيلاماً للحوثيين من غيرها، كونها استهدفت مباشرةً مواقع عسكرية للجماعة؛ منها معمل للطيران المسير، وكهوف تحوي مخازن أسلحة وأماكن خاصة بالتجمعات، بعكس الغارات الإسرائيلية التي تركزت على استهداف البنى التحتية المدنية، خصوصاً في صنعاء والحديدة.

وترجح المصادر أن الأميركيين كثفوا ضرباتهم في مديرية حرف سفيان بعد أن تلقوا معلومات استخبارية حول قيام الحوثيين بحفر ملاجئ وأنفاق ومقرات سرية لهم تحت الأرض، حيث يستخدمونها لعقد الاجتماعات وإقامة بعض الدورات التعبوية، كما أنها تحميهم من التعرض لأي استهداف مباشر.