حرب كلامية بين ميليشيات مسلحة في ليبيا

غرفة الثوار تنحاز لبرلمان طرابلس.. وقوات السراج في سرت تتوعد «الانقلابيين»

حرب كلامية بين ميليشيات مسلحة في ليبيا
TT

حرب كلامية بين ميليشيات مسلحة في ليبيا

حرب كلامية بين ميليشيات مسلحة في ليبيا

دخلت أمس القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني في ليبيا التي تقاتل تنظيم داعش في مدينة سرت، على خط الصراع بين الحكومة وسلطات العاصمة طرابلس غير الشرعية، حيث أعلنت أمس رفضها لسيطرة فصيل معارض على مقر المجلس الأعلى للدولة في العاصمة طرابلس.
وفى أول رد فعل من دولة غربية على التطورات المتلاحقة في طرابلس، أعلنت فرنسا رسميا إدانتها لاستيلاء السلطات المناوئة للحكومة التي يترأسها فائز السراج والمدعومة من بعثة الأمم المتحدة، على مقر مجلس الدولة الليبي بالقوة، لافتة إلى أن هذه المؤسسة أنشئت بموجب الاتفاق السياسي الليبي، الذي يمثّل الإطار الشرعي الوحيد والسبيل الوحيد الكفيل باستعادة السلم والاستقرار في ليبيا.
وقال بيان نشرته وزارة الخارجية الفرنسية عبر موقعها الإلكتروني: «نكرر الإعراب عن دعمنا التام لحكومة السراج، ودعمنا للجهود التي يبذلها الممثل الخاص للأمين للأمم المتحدة مارتن كوبلر». ودعت جميع القوى السياسية في البلاد إلى الوحدة تحت سلطة المجلس الرئاسي لحكومة السراج، من أجل تحقيق المصالحة الوطنية، ومحاربة الإرهاب والاتجار بالبشر بفعالية، والعمل على إعادة أعمار البلاد.
إلى ذلك، نقلت قناة «النبأ» التلفزيونية الموالية لجماعة الإخوان المسلمين عن العميد محمد الغصري الناطق الرسمي باسم عملية البنيان المرصوص التي تشنها القوات الموالية للحكومة التي يترأسها السراج، أن قوات العملية ستضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه المساس بشرعية الاتفاق السياسي والمؤسسات المنبثقة عنه، معتبرا أن ما حدث «انقلاب» على الشرعية في البلاد.
في المقابل، قالت غرفة ثوار ليبيا إنها تؤيد عودة المؤتمر الوطني العام (البرلمان) السابق والمنتهية ولايته وحكومة الإنقاذ الوطني الموالية له، ودعت في بيان لها السرايا المنضوية تحت رئاسة الأركان إلى رفع الاستعداد والوقوف صفا واحدا ضد «المتآمرين والخونة»، على حد تعبيرها.
وقالت الغرفة في بيان أصدرته أمس إن شرعيتها ما زالت قائمة لتأمين العاصمة مما يجعلها داعية للسلم وبناء مؤسسات حقيقية للدولة، مؤكدة وقوفها مع أي توافق دون وصاية أو تدخل خارجي، ودعمها لمؤسسات مكافحة ظواهر الفساد.
من جهته، قال الأمن الرئاسي في طرابلس «نضع أنفسنا رهن الإشارة للمؤتمر ونوحد صفوفنا مع كل رفاقنا الثوار والعسكريين المنضوين تحت رئاسة الأركان». ورأت عناصر الأمن الرئاسي في بيان لها أن الجسم الشرعي الوحيد هو برلمان طرابلس غير الشرعي، وأضافت: «قمنا بتسليم المقرات الرسمية له». وندد برلمان طرابلس غير المعترف به دوليا بمحاولة اختطاف محمد مرغم، أحد أعضائه في العاصمة طرابلس، معتبرا أنها تنذر بدخول البلاد في فوضى يغيب فيها منطق العقل.
وطالب البرلمان الجهات التنفيذية والقضائية المسؤولة ملاحقة الجناة وتقديمهم للعدالة، وقال إنه يحمل من يقفون وراء هذه العملية المسؤولية عن سلامة أعضائه كما يؤكد على ما وصفه بـ«أحقيته في العودة لممارسة أعماله من مقار الدولة الرئيسية».
وأعلنت سلطات طرابلس السابقة التي حلت مكانها في أبريل (نيسان) الماضي مؤسسات جديدة تدعمها الأسرة الدولية، أنها استعادت سلطتها بعد سيطرتها بشكل مفاجئ يوم الجمعة الماضي على مقر مجلس الدولة من دون معارك في طرابلس.
ودعا خليفة الغويل رئيس حكومة الإنقاذ الوطني السابقة الذي يرفض الرحيل: «جميع الوزراء ورؤساء الهيئات والتابعين لحكومة الإنقاذ» إلى «ممارسة مهامهم وتقديم تقاريرهم وتسيير مؤسساتهم بخاصة فيما يتعلق ويمس بالحياة اليومية للمواطن».
من جهة أخرى، أعلن المركز الإعلامي لعملية البنيان المرصوص التي تخوضها القوات الموالية لحكومة السراج في مدينة سرت ضد تنظيم داعش، أن التنظيم يلفظ أنفاسه الأخيرة، ولا يؤخر إنهاء العملية إلا المخاوف المتعلقة بوجود مدنيين، مشيرا إلى أن هذه القوات أنقذت عددا من العائلات من آخر معاقل «داعش» بسرت.
وطبقا لما أعلنه المركز فقد استجاب عدد من النسوة للمنشورات التي ألقتها طائرات سلاح الجو الليبي، حيث سلمت ثماني نساء «من الجنسية الإريترية» أنفسهن، كان قادة التنظيم يملكوهن ملك يمين ويبيعونهن فيما بينهم، أو يهدوهن لبعضهم.
وأعلن المركز في إيجاز صحافي منفصل أن القوات تواصل تقدمها وملاحقتها لبقايا فلول «داعش» المهزومة في مساحة ضيقة من الحي 3 وتحديدا في الجيزة البحرية وعمارات الستمائة، مشيرا إلى أن هذه القوات انتهت من تمشيط حي المنارة «الكامبو» وأحكمت السيطرة أثناء تقدمها على مستشفى ميداني مجهز لعلاج الجرحى.
وقال المركز إن التنظيم يلفظ أنفاسه الأخيرة، وكل الأمور تسير وفق المطلوب، ولا يؤخر إنهاءنا للعملية إلا الخشية من وجود عائلات وأطفال، بعد أن أنقذنا العشرات من النساء والأطفال الأسبوع الماضي.
ومن المنتظر أن تبدأ اليوم بالعاصمة النيجرية أعمال الدورة التاسعة لاجتماع دول جوار ليبيا بمشاركة الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية ومنظمة الأمم المتحدة، لبحث التطورات الراهنة.
وتنتشر الفوضى في ليبيا منذ الثورة التي أطاحت بالعقيد الراحل معمر القذافي عام 2011، فيما تواجه حكومة السراج التي تشكلت نهاية مارس (آذار) الماضي، قوى لا تعترف بسلطتها أبرزها مجلس النواب الموجود في أقصى شرق البلاد.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.