مكتبة الإسكندرية تحتفي بالذكرى الـ34 على رحيل عملاق المسرح العربي

إصدار كتاب جديد يروي ما أخفاه يوسف وهبي في مذكراته

العملاق الراحل يوسف وهبي - أفيشات زينت جدران بيت السناري في احتفالية بذكرى يوسف وهبي - يوسف وهبي مع الفنانين محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش
العملاق الراحل يوسف وهبي - أفيشات زينت جدران بيت السناري في احتفالية بذكرى يوسف وهبي - يوسف وهبي مع الفنانين محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش
TT

مكتبة الإسكندرية تحتفي بالذكرى الـ34 على رحيل عملاق المسرح العربي

العملاق الراحل يوسف وهبي - أفيشات زينت جدران بيت السناري في احتفالية بذكرى يوسف وهبي - يوسف وهبي مع الفنانين محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش
العملاق الراحل يوسف وهبي - أفيشات زينت جدران بيت السناري في احتفالية بذكرى يوسف وهبي - يوسف وهبي مع الفنانين محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش

استعاد عشاق الفنان الكبير الراحل يوسف وهبي ذكراه وأهم أعماله في احتفالية أقيمت ببيت السناري الأثري، احتفاء بالذكرى الـ34 لوفاة عميد المسرح العربي الذي رحل عن عالمنا يوم 17 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1982، الذي قدم أكثر من 150 فيلما ومسرحية بارزة في تاريخ الفن العربي.
أطل وهبي عبر «بوسترات» أفلامه السينمائية بوقفته المسرحية الشهيرة ومخطوطات للمسرحيات والأفلام التي كتبها بخط يده، مثل رواية «الشيطان، الطاغية، عاشقة الموت، جوهرة في الوحل، بيومي أفندي»، تضمنت الاحتفالية أمسية عن الفنان العملاق تحدث فيها دكتور خالد عزب، وماضي توفيق الدقن، نجل الراحل توفيق الدقن، والفنان فاروق فلوكس، والكاتبة لوتس عبد الكريم، والإعلامية والكاتبة راوية راشد، والفنان مجدي صبحي، والناقد المسرحي أحمد سخسوخ، والشاعر أحمد الشهاوي، عن قيمة يوسف وهبي الفنية وحياته الشخصية والذكريات التي جمعتهم به.
وروت الكاتبة لوتس عبد الكريم ذكرياتها مع يوسف وهبي حين كانت طفلة بالإسكندرية تحضر مسرحياته في سان ستيفانو، قائلة: «أحببت المسرح منذ ذلك الوقت، ودخول يوسف وهبي إلى الخشبة، وخبطاته الثلاث قبل البدء، وتمنيت أن أقابله دائمًا، إلا أني كنت في لندن، وكان هو هناك بالمصادفة، في رحلة علاج لقدمه، وهناك تعرفت إليه، وكنت أجلس إليه وهو يقرأ قطعا من مسرحياته، وكان يتحدث عن مدينته رمسيس التي بناها عام 1932، على 17 ألف فدّان. وكانت كل مسرحياته تهدف إلى إصلاح المجتمع والخير».
وتحدثت الإعلامية راوية راشد عن كتابها الصادر حديثا «يوسف وهبي.. سنوات المجد والدموع» عن دار الشروق، الذي استطاعت من خلاله أن تأخذ القارئ في رحلة للإبحار في قصة حياة ومسيرة فن واحد من عمالقة الفن، مع بانوراما عريضة للأحداث الثقافية والاجتماعية الموزاية لحياته ومعاصريه من الفنانين، مثل: عزيز عيد، روزا اليوسف، نجيب الريحاني، أمينة رزق.
وكشفت راشد عن الدافع وراء كتابها، قائلة: «ثلاثة كتب صغيرة عليها صورة باهتة ليوسف وهبي شدني العنوان (عشت ألف عام) وهي مذكرات يوسف وهبي التي صدرت عام 1962.. لكنها كانت أشبه بمسرحية كتبها على عجل تاركا التفاصيل التي عاشها مبهمة، وأنه يدفعنا للبحث عنها، وكان علي أن أعيد بناء الزمن وأنا أتعمق في تفاصيل حياة هذا الرجل ليس فنانا فقط ولكن بوصفه إنسانا اعترف في مذكراته للجميع بأنه عاش ألف عام»، وتشير إلى أنه رغم المسيرة الفنية المهمة لوهبي فإن النقاد ومؤرخي الفن لم يقدروه حق قدره، فضلا عن أن أغلب أعماله المسرحية التي قدمها لم توثق أو يتم تسجيلها لأنها سبقت ظهور التلفزيون فلم يصلنا منها إلا القليل.
يقع الكتاب في 255 صفحة ويحمل الغلاف صورة للعملاق يوسف وهبي وهو ممسك بشمعة مضيئة يحاول أن يشعل منها سيجارته. وتسلط المؤلفة الضوء على فقرة من مذكراته في تمهيدها للكتاب تمثل عتبة للقارئ وعنصر تشويق لقراءة الكتاب، وهي التي يصف فيها وهبي حياته: «عشرات السنين عشتها بين مد وجزر، في قصور فاخرة وغرف على الأسطح يشاركني فيها الدجاج، رأسمال ضخم ورثته عن أبي وأضعته، ثم استرددته ثم أضعته.. دوامة لا تهدأ، فقر وغنى، شظف وترف، ظلام وأضواء... وظل المسرح محبوبتي التي ذبت فيها عشقا منذ أن كنت في السابعة من عمري، وقد تضاعف هذا العشق على مر الأيام وتحول إلى وله».
وبمقدمة شيقة عن تاريخ المسرح في مصر استطاعت المؤلفة أن تعود بنا إلى العصر الذهبي للفن المصري الذي قام على أيدي الفرنسيين ثم الشوام، حين كانت الصالات منتشرة على أطراف حديقة الأزبكية، متتبعة الشرارة الأولى التي أشعلت حب وهبي للمسرح والفن، حينما شاهد أحد عروض جوقة الشيخ سلامة حجازي بمسرح سموه «مسرح التمثيل العربي» في شارع الجمهورية حاليا.
وتروي المؤلفة راوية راشد حكاية أسرة عبد الله وهبي باشا، الأب الأرستقراطي الذي جاء بأسرته من مدينة سوهاج في الصعيد للاستقرار في حي عابدين بالقاهرة.
وتروي من خلال حياة يوسف وهبي وصداقته بالمخرج محمد كريم الحياة الفنية في القاهرة والإسكندرية، فتتجول بنا في المسارح ودور السينما التي لم يعد لها وجود الآن. وتكشف لنا عن حب يوسف وهبي المصارعة وممارسته لها منذ كان عمره 15 سنة، وكيف كان يتسلل من بيته كل ليلة لمشاهدة عروض المسرح، وتدهور مستواه الدراسي ومن ثم طرد أسرته له.
وتكشف عن أن يوسف وهبي كان شاهدا على قصة حب محمد عبد القدوس وروزا اليوسف، ثم تكشف أنه بدأ حياته الفنية مونولوجيست إلى أن التقى الفنان الكوميدي الشهير حسن فايق الذي ساعده في بدايته. كما تروي تفاصيل رحلته لإيطاليا لدراسة المسرح، ثم عودته وتأسيسه مسرح رمسيس.
«إن التفاصيل الصغيرة هي التي تصنع النجاح، هكذا كان يوسف وهبي مهتما بكل التفاصيل الصغيرة التي لا تهتم بها الفرق الأخرى، فقد كانت فرقة رمسيس من أوائل الفرق المسرحية التي أدخلت الموسيقى التصويرية لتصاحب عروضها». إلى هذا تشير المؤلفة، مفسرة أسباب نجاح وهبي في ذاك الوقت وسط كثير من الفرق المسرحية.
لم تكن حياة يوسف وهبي مستقرة سواء على المستوى الفني أو العاطفي، فقد مر بتقلبات كثيرة على الصعيدين. فكانت هناك صراعات بينه وبين نجيب الريحاني حيث كان يقدم مسرحيات على مسرح «يجيبسيان» المواجه لمسرح رمسيس، كما كانت هناك غيرة بين بطلات فرقة يوسف وهبي كادت تهد الفرقة. يروي الكتاب لأول مرة تفاصيل حبه لعائشة هانم فهمي أغنى نساء مصر في ذاك الوقت، وكيف ارتبط بها بعد طلاق زوجته الأجنبية الأولى «لويز»، بينما كانت أمينة رزق رفيقة مشواره الفني وكاتمة أسراره.
ولم يكن يوسف وهبي عاشقا للفن فقط بل كان عاشقا لمصر وكانت وطنيته دافعا له لاستكمال مسيرته الفنية، فقد تأثر بثورة 1919 وسعى لتقديم أعمال هادفة سواء في المسرح أو السينما التي تعالج قضايا المجتمع، مثل: «أولاد الذوات»، و«ليلى بنت دارس» و«وخز الضمير»، وغيرها. كما كان من أكثر المتحمسين لدعم الدولة للفن وسعى لتأسيس الفرقة القومية للتمثيل عام 1935. وذيل الكتاب بملحق صور نادرة للفنان الكبير وأسرته وأدواره في المسرح والسينما ومع كبار نجوم عصره ومنهم عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش وعبد الوهاب وأمينة رزق وأسمهان وماجدة.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)