جماعة «جند الأقصى» حالة لافتة على الساحة الراديكالية في سوريا

أسسها عبد العزيز القطري كفصيل «مستقل» عام 2013

عناصر من جند الأقصى («الشرق الأوسط»)
عناصر من جند الأقصى («الشرق الأوسط»)
TT

جماعة «جند الأقصى» حالة لافتة على الساحة الراديكالية في سوريا

عناصر من جند الأقصى («الشرق الأوسط»)
عناصر من جند الأقصى («الشرق الأوسط»)

أدَّت الاشتباكات بين حركة «أحرار الشام» وجماعة «جند الأقصى» في شمال سوريا إلى مبايعة هذه الأخيرة لجبهة «فتح الشام» التي انفصلت أخيرًا عن «القاعدة». وهذه مبايعة قد يُقرأ بين سطورها جملة من الأمور من بينها السعي إلى إعادة تمركز الساحة المسماة بـ«الجهادية» في سوريا وتوحّد المجموعات المتشددة الصغيرة على المدى البعيد.
يوم 10 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري أعلنت «جبهة فتح الشام» وحركة «أحرار الشام» عن نص الاتفاق النهائي فيما يتعلق بالقتال الذي دار مؤخرًا بين «الأحرار» ومن معها من الفصائل من جهة، وتنظيم «جند الأقصى» من جهة أخرى. ودفعت هذه المعارك «جبهة فتح الشام» إلى التدخل عبر مفاوضات، سعيًا لإنهاء القتال وضم جماعة «جند الأقصى» إلى صفوفها.
ولقد تضمن الاتفاق أن يلتزم الجميع بالوقف الفوري والمباشر لإطلاق النار وفتح جميع الطرق المغلقة، إضافة إلى الإفراج الفوري عن جميع المحتجزين خلال 24 ساعة، باستثناء من عليه دعاوى ارتباط بتنظيم داعش الإرهابي المتطرف. كذلك نص الاتفاق على تشكيل لجنة قضائية مؤلفة من قاضيين من «جبهة فتح الشام» وآخرين من «أحرار الشام» والفصائل التي معها، وخامس مستقل، وذلك للنظر في الدعاوى المقدمة من أي طرف، وتجتمع اللجنة خلال مدة أقصاها 48 ساعة.
وأشار الاتفاق، إلى اعتبار بيعة «جند الأقصى» لجبهة «فتح الشام»، حلاً لـ«جند الأقصى»، واندماجًا كاملاً في «فتح الشام»، منوهًا إلى أن هذا الأمر «يعني منع إعادة تشكيل هذا الكيان مستقبلاً بأي شكل أو مسمى جديد». وأخيرًا أكد الاتفاق على أن يعود الوضع في بلدة سرمين بريف محافظة إدلب، في شمال غربي سوريا، إلى ما كان عليه قبل الحوادث الأخيرة، وتتولى «فتح الشام» إدارة الحواجز التي كانت لجماعة «جند الأقصى»، وتخضع المناطق الأخرى للاتفاق المبرم بين الطرفين.
* الصفقة بعد القتال
أتت هذه الصفقة – كما سبقت الإشارة – في أعقاب اشتباكات دامية بين «جند الأقصى» و«أحرار الشام» دارت لعدة أيام متتالية في المناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة في الشمال السوري. وكانت سلسلة المعارك هذه قد اندلعت عندما حاول «جند الأقصى» اختطاف ضابط أمن من «أحرار الشام» في بلدة سراقب بمحافظة إدلب. وأسفرت هذه العملية بالذات عن مقتل شقيقه وزوجته، كما أصيب شخص آخر وهو في حالة حرجة. ومباشرة بعد ذلك، تفجّرت المعارك في محافظة إدلب بين «أحرار الشام» و«جند الأقصى» وكذلك في محافظة حماه، وخلّفت، وفقا لمصادر محلية، مئات الجرحى وعشرات القتلى من الجانبين، بما في ذلك قادة تجمع «أحرار الشام».
* ما هي «جند الأقصى»؟
تعتبر «جند الأقصى» جماعة راديكالية تضم مقاتلين أجانب وسوريين، وهي تنشط ميدانيًا في المقام الأول على جبهات محافظتي إدلب وحماه بشمال غربي سوريا. وحسب المعلومات المتوافرة، أنشئت هذه الجماعة أصلا كمجموعة مستقلة ظاهريًا في أوائل عام 2013، واختارت في بداياتها أن تلتزم الحياد في النزاع الذي دار بين «جبهة النصرة» و«داعش». ووفق الشيخ حسن دغيم، خلال لقاء مع «الشرق الأوسط» فإن جماعة «جند الأقصى» - التي أسست عام 2013 - اختارت ألا تلتحق لا بـ«جبهة النصرة» ولا بـ«داعش». أما الشخصية التي كانت وراء تأسيس هذه الجماعة فهي الشيخ عبد العزيز القطري، الذي قاتل مع تنظيم القاعدة في أفغانستان وكان مقرّبًا من زعيمي «القاعدة» أسامة بن لادن وأيمن الظواهري.
ووفق المعلومات تندرج آيديولوجية «جند الأقصى» ضمن معسكر التشدد الراديكالي وتعكس رؤية القطري. وراهنًا «الأمير» الحالي لهذه الجماعة هو أبو ذر النجدي الحارثي، السعودي الجنسية الذي سبق أن اعتقل في المملكة العربية السعودية لفترة، قبل أن يسافر إلى سوريا. كما تستعين جماعة «جند الأقصى» أيضا بشخص يطلق على نفسه اسم «ابن تيمية» لاتخاذ القرارات الحاسمة. وهنا، يشير خبير إسلامي - تحدث لـ«الشرق الأوسط» شريطة التكتم على هويته – إلى أن «جند الأقصى» عبارة عن جماعة «تكفيرية قريبة آيديولوجيًا إلى داعش».
* هوية الجماعة دينيًا
تركِّز الدعاية التي تنشرها جماعة «جند الأقصى» على ضرورة التديّن سنيًّا لمقاومة ما تسميه «دولة بشار» وحماية ما تصفه بـ«الأمة السنّية» في سوريا والعراق واليمن. وهذا الخطاب ينسجم مع المطالبات التاريخية الراديكالية المتشددة للتوحّد في مواجهة الاضطهاد الديني والقمع الذي تمارسه بعض الحكومات في العالم الإسلامي. والظاهر أن جماعة «جند الأقصى» لا توجِّه أجندتها القتالية ضد الغرب، بل هي تركّز من ذلك على ضرورة القتال في سوريا قبل كل شيء.
من جهة أخرى، تشير لبنى مرية في مقال نشر من مركز الأبحاث الأميركي المجلس الأطلسي، أنه «خلافًا لأحرار الشام، لا تعتبر جماعة (جند الأقصى) نفسها جزءًا من الانتفاضة السورية ضد استبداد نظام الأسد. فهي مثل جبهة النصرة وداعش، لا تعترف بسوريا ككيان وطني، ولكن كجزء من خلافة أكبر وقد استفادت من الحرب لتحقيق حلمها هذا».
وفي عام 2015، التحقت جماعة «جند الأقصى» بـ«جيش الفتح»، وهو التحالف المسلّح الواسع الذي ضم «جبهة النصرة»، وساعد على كسب معارك رئيسية في شمال غربي سوريا. فخلال معركة مدينة إدلب مثلاً، فجّر عدد من الانتحاريين من تنظيم «جند الأقصى» أنفسهم في نقاط تفتيش تابعة لنظام الأسد، ما فسح المجال لمقاتلين آخرين بتوجيه ضربات قاضية أدت إلى تحرير إدلب على أيدي «جيش الفتح» في غضون أيام فقط.
ولكن مع هذا، في وقت لاحق من ذلك العام، انشقت «جند الأقصى» عن «جيش الفتح» بعد رفضها التوقيع على اتفاق لمكافحة «داعش»، ما أدى إلى اعتبار الجماعة و«داعش» بمثابة «إخوة وحلفاء». ومنذ ذلك الحين أيضا و«أحرار الشام» على خلاف مع «جند الأقصى».
* اختراق «داعشي»
وفي السياق نفسه، اتهمت مصادر في المعارضة الوطنية والإسلامية في سوريا جماعة «جند الأقصى» بإقامة علاقات مع «داعش»، وشنت هجومًا في المناطق التي تسيطر عليها الجماعة. وعلى الرغم من أن معارضي «جند الأقصى» يتهمونها وما زالوا بخدمة أهداف «داعش» وزعيمها أبو بكر البغدادي، فإن قادتها لطالما عبروا عن ولائهم لتنظيم القاعدة، ففي 31 يونيو (حزيران)، أصدر «جند الأقصى» بيانا امتدح تحوّل «جبهة النصرة» إلى جبهة «فتح الشام» معتبرًا أن قادة «القاعدة» لا بد أن رأوا أن هذه الخطوة ستصب في «مصلحة» الناس والنضال في سوريا. ومع ذلك، يُعتقد أن العناصر العادية داخل «جند الأقصى» قد تدين بولائها لـ«داعش»، ولا سيما أنه انتشرت بعض الشائعات التي تحدثت عن تعرّض «جند الأقصى» لاختراق من «داعش» وذلك من أجل مهاجمة شخصيات «أحرار الشام» وغيرها داخل فصائل المعارضة. وفي هذا السياق، أظهر شريط فيديو بث أخيرًا مقاتلاً من «جند الأقصى» وهو يعترف باستهداف المعارضة بهجمات لحساب «داعش». ولقد زُعم أن عناصر من «جند الأقصى» شنوا بالفعل هجومًا بالتزامن مع مسلحي «داعش» لقطع الطريق السريع لفترة وجيزة بين مدينتي حلب وحماه عند بلدة خناصر في فبراير (شباط) الماضي، وأتت عمليات الإعدام التي نفذها «جيش الفتح» بحق بعض مقاتلي «جند الأقصى» في مدينة إدلب خلال يناير (كانون الثاني) بتهمة تنفيذ اغتيالات سياسية، لتظهر مدى تشكيك المعارضة السورية بعناصر هذه الجماعة المتطرفة.
في أي حال، من خلال الانضمام رسميًا إلى «فتح الشام»، تأمل جماعة «جند الأقصى» ومن يحالفونها الآن بوضع حد للاقتتال الدائر بين الفصائل المعارضة. وفي هذا السياق كان الدكتور عبد الله محمد محيسني، وهو رجل دين له تأثير كبير وعلى صلة بتنظيم القاعدة في سوريا، قد ادعى أنه ساعد في التوسط للتوصل إلى اتفاق.
ومن جهة ثانية، فإن وضع حد للأعمال العدائية بين «أحرار الشام» و«جند الأقصى»، ومن ثم انضمام هذه الأخيرة إلى «فتح الشام» («جبهة النصرة» سابقًا) يسلط الضوء على تطورات الساحة القتالية الراديكالية في أراضي سوريا، وأيضًا على مدى واقعية «فتح الشام» التي تسعى إلى توحيد، بقدر المستطاع وبأي ثمن، مختلف قوى المقاتلين المعارضين الراديكاليين.



تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
TT

تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)

غداة الزيارة المريبة التي قام بها الوالي العثماني المنحول إردوغان إلى تونس، علا صوت الكثير من الأحزاب التونسية والاتحادات العامة للشغل وغيرها من جماعات المجتمع المدني بالرفض لأن تكون تونس ممراً أو مستقراً لنقل «الدواعش» من سوريا إلى ليبيا بواسطة تركيا عبر بلادهم».
المطالب المتقدمة تعني أمراً واحداً، وهو يقين الشرفاء والنبلاء من الشعب التونسي بأن بعض من نوايا إردوغان الحقيقية بالنسبة لليبيا موصول بإعادة إنتاج التنظيم الإرهابي الأشرس في العقود الأخيرة (داعش)، وربما في طبعة جديدة أسوأ مما شهده العالم في العراق وسوريا خلال النصف الثاني من العقد الماضي.
أسئلة كثيرة تطل برأسها من نافذة الأحداث المتسارعة عن أحوال «داعش» وعن الفوضى والارتباك اللذين تتسبب فيهما تركيا في ليبيا، وفي الوسط تسعى لنقل معركتها إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، وإلى العمق الأفريقي لأهداف سنأتي على تفصيلها.
علامة الاستفهام الأولى في هذا الحديث: «ما هو وضع الدواعش في الوقت الحاضر في موطن النشوء الأول ومن حول بلاد الشام التاريخية؟».
الجواب نجده بالتفصيل والأرقام عند هارون ي زيلين، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وعنده أنه في عام 2019 قدر البنتاغون أن ما بين 14 و18 ألف من مقاتلي تنظيم «داعش» لا يزالون في العراق وسوريا، والتساؤل ما الذي يفعلونه هناك؟
بلا شك مواصلة العمل كتنظيم إرهابي متمرد يكرس أعضاؤه جل وقتهم لمحاولة تهريب السجناء، وربما إعادة السيطرة على الأراضي، ومن خلال حرب استنزاف يعتقدون أنهم سيرهقون أعداءهم، كما أنهم يستفيدون من أي مساحات لا تسيطر عليها الحكومة المركزية أو يلعبون على وتر خطوط الصدع السياسية أو العرقية أو الدينية آملين في استغلالها لصالحهم.
> هل لدى التنظيم حتى الساعة مقدرة مالية على إدارة شؤونه بنفسه والإنفاق على عملياته الإرهابية؟
ــــ من الواضح أن الدواعش لا يزالون قابضين على ثروة تقدر بنحو 300 مليون دولار، ووفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في يوليو (تموز) 2019، فإن «داعش» استثمر مجدداً أمواله في أعمال مشروعة، وربما بأسماء وهمية لا علاقة لها بأعضائه الإرهابين، أي من خلال عناصر نائمة، وذلك عبر العقارات، ووكلاء السيارات، ويوجد عدد منها في تركيا وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية التي صنفت أفراداً من تنظيم «داعش» وشركات تحويل وصرافة على لائحة الإرهاب.
> ماذا تعني تلك البيانات المتقدمة؟
ــــ باختصار غير مخل، تشير إلى أن التنظيم لا يزال باقياً وفاعلاً، وأن الأيادي التركية السوداء تقف وراءه في أقصى الشرق، وها هي تجد فرصة غير مسبوقة ليعبر المتوسط جهة الغرب ويحل برحاله في ليبيا.
لم ينس إردوغان للحظة واحدة أنه في الشرق من ليبيا، توجد مصر الكنانة التي أسقطت مشروعه في عام 2013؛ فقد خيل له أنه قد أضحى الخليفة الجديدة بعد سنوات الربيع المغشوش؛ ولهذا فإن ملامح وعلامات الانتقام من مصر لا تغيب عن ناظريه، وقد حاول كثيراً استخدام الطابور الخامس من الإخوان المسلمين في مصر في زعزعة استقرار المحروسة وأخفق؛ ولهذا فقد بدا واضحاً أن الرجل المقهور يود نقل معركته إلى الداخل المصري بالاقتراب الكبير والمؤثر والفاعل؛ الأمر الذي لا يغيب عن أعين صقور المؤسسة العسكرية المصرية التي تقف له بالمرصاد.
وجد إردوغان ضالته المنشودة في جماعة الوفاق المنحلة، التي هي مزيج من الإخوان المسلمين والدواعش و«القاعدة» والجماعات الإرهابية كافة الشاردة والواردة، ومن خلال عمليات لوجيستية تتضح ساعة بعد أخرى، يمضي في إحياء التنظيم القاتل وله في ذلك أيضاً مأربان، أحدهما جهة الشمال والآخر ناحية الجنوب...ماذا عن ذلك؟
أما الشمال، فالمقصود به أوروبا، حيث العداء التاريخي المستحكم من تركيا تجاه أوروبا، وإردوغان يشعر بالغدر والخيانة من جراء رفض الاتحاد الأوروبي قبوله تحت سقفه؛ ولهذا أطلق تصريحات ذات طبيعة دوجمائية أكثر من مرة، حاول بها تفعيل مشاعر ديماجوجية في وسط الأتراك ليكتسب شعبية، رغم أن الأمر ارتد عليه مؤخراً بالسلب.
يسعى إردوغان من تأصيل وجود «الدواعش» على الشاطئ المتوسطي المواجه لأوروبا إلى استخدام الإرهاب الأصولي كأحدى أوراق نفوذه ضد ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والبرتغال، وقبلهما اليونان وقبرص، وهو أمر ليس بجديد عليه، فقد صرح قبل فترة بأنه قادر على فتح بوابات الوصول إلى أوروبا أمام اللاجئين والدواعش لإغراق أوروبا، وربما إحراقها بنيران الدواعش ومن لفّ لفّهم.
إردوغان أيضاً له مأرب آخر يتصل بعمق القارة الأفريقية، وهو يدرك أن ما فقده من أوهام الخلافة في الشرق الأوسط، ربما يجد له صدى في وسط أفريقيا، حيث يغيب الأمن كثيراً عن بعض الدول من جهة، ولا سيما المفككة اجتماعياً، وحيث تنتشر جماعات الإرهاب المشابهة من «حركة الشباب» و«بوكو حرام» وما شابه، وغالبيتها قد أعلنت ولاءها وانضواءها تحت راية تنظيم «داعش» الإرهابية وليس الإسلامية قبل نحو عامين.
والشاهد، أن إردوغان لا ينشئ فرعاً جديداً لـ«داعش» في ليبيا، وإنما يسعى لإيقاظ المؤتلفة قلوبهم، إن جاز التعبير، أولئك الذين هم دواعش في الباطن وإن أبدوا خلاف ذلك في العلن، والمعروف أن الأرضية الأصولية الإخوانية في ليبيا كانت قد انتهزت فرصة الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011، حيث أقام المقاتلون مثل سوريا والعراق حكماً دينياً، غير أنه وفي عام 2016 استطاعت قوات الحكومة ومقاتلون من مصراتة بدعم من القوات الأميركية الخاصة وطائرات «إف 16» إخراج مقاتلي التنظيم من سرت في ديسمبر (كانون الأول) 2016.
في ذلك الهجوم قُتلت أعداد كبيرة من المتشددين، في حين هرب البقية إلى الجنوب بحثاً عن ملاجئ آمنة، وأقاموا معسكرات تدريب استخدموها للسطو على شاحنات النفط، وحصلوا على موارد من خلال التهريب، وهرب بعضهم إلى النيجر، حيث انضموا إلى فرع التنظيم هناك. ورغم عددهم القليل فإنهم استمروا في هجماتهم السريعة.
مؤخراً، وحتى قبل التدخل الإردوغاني المسموم، بدأ القلق يتزايد في سرت مرة أخرى، حيث تم اعتقال عشرة أشخاص يشتبه بتعاطفهم مع التنظيم، منهم مهندسة عثر على جهاز لاسلكي في بيتها، كما قبض على رجل قابل أعضاء في «خلية نائمة»، وأقاموا حاجز تفتيش خارج المدينة لإظهار أنهم لا يزالون فيها.
> هل بدأت مرحلة إحياء «داعش» ليبيا بشكل رسمي الأيام الأخيرة وبدعم علني من تركيا لا يواري ولا يداري أهدافه الآثمة؟
ــــ من الواضح أن ذلك كذلك، ولا سيما في ضوء ما رصده «المرصد السوري لحقوق الإنسان» في سوريا، والذي أشار قبل أيام إلى أن الفصائل السورية الموالية لتركيا قد افتتحت هناك مراكز تسجيل أسماء الأشخاص الراغبين بالذهاب للقتال في ليبيا.
> هل بدأ الحشد «الداعشي» التركي طريقه إلى ليبيا بالفعل؟
ــــ الشاهد، أنه، ومن أسف، قد بدأ عشرات الأشخاص يقصدون تلك المراكز للالتحاق بالمعارك في ليبيا للعمل تحت الحماية التركية هناك، كما نقلت مصادر محلية قولها إن الفصائل الموالية لتركيا تشجع الشباب على الالتحاق بالحرب الليبية، وتقدم مغريات ورواتب مجزية تراوح بين 1800 و2000 دولار أميركي لكل مسلح شهرياً، علاوة عل تقديم خدمات إضافية تتكفل بها الدولة المضيفة.
ولعل الذين تابعوا الأسبوع الماضي تصريحات المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري قد وقر لديهم أن عجلة إحياء تنظيم «داعش» في ليبيا قد دارت بالفعل، وذلك من خلال الأصابع المشبوهة للمخابرات التركية التي تقوم بنقل عناصر التنظيم، عطفاً على القادمين والمنتمين الجدد والذين هم في غالبيتهم مرتزقة ومؤدلجون أصوليون، والنوعان معاً، ولا سيما من أعضاء «جبهة النصرة» من سوريا إلى ليبيا عبر مطار جربة في تونس، الأمر الذي يعود بنا إلى الحديث عن تونس مرة جديدة، ويربط بينها وبين ما يجري في ليبيا.
> هل تعرّض التونسيون إلى خدعة كبرى في اختيارهم الأخير؟
ــــ مهما يكن من أمر ساكن القصر الرئاسي، إلا أن المؤكد أن حزب «النهضة التونسي» ليس إلا وجهاً آخر من أوجه الإخوان المسلمين في تونس، وهو أحد فروع التنظيم الدولي لـ«الإخوان» المسلمين المنتشر حول العالم، يأتمر بأمرهم، ويتوجه كيفما يعنّ لبوصلتهم.
هنا يصبح من الحقيقي التسليم بالمعلومات التي رصدها الجيش الليبي من استخدام مطارات تونس لغرض إنشاء «داعش» جديدة على الأراضي الليبية، ومنها مطار جربة، حيث تم إنزال مجموعات إرهابية في تونس، وتم نقلهم إلى ليبيا عن طريق الجبل الغربي، ومطار مصراتة وزواره، ومعتيقة تحديداً التي استقبلت أعداداً كبيرة من «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش».
في هذا السياق، يبقى من الطبيعي أن تنهض آمال «الدواعش» في تونس في الفترة المقبلة، أولئك الذين سيصبحون الجسر الواصل بين تونس وليبيا؛ الأمر الذي حذر منه البرلمان التونسي السابق قبل عودة النهضة الكارثية مرة أخرى، لكن في ظل السيطرة الإخوانية التونسية الأخيرة يكاد يكون الأمل سراباً في إعادة ضبط وتموضع «الدواعش» التونسيين.
حين نشير إلى أن دواعش ليبيا قد بدأوا مرحلة مغاير آخذة في التصاعد الإرهابي المؤلم، فإننا لا نرجم بالغيب، بل من خلال أدلة ليس آخرها الفيديو الذي أذاعوه نهار الخامس من ديسمبر 2019، وفيه ذبح لمواطنين ليبيين بينهم موظفون حكوميون سقطوا أسرى في أيدي التنظيم، ومشاهد بشعة لعمليات إعدام جماعية بالرصاص، في منطقة الفقهاء جنوب ليبيا.
الفيديو بثته وكالة «أعماق» التابعة لتنظيم «داعش» حمل اسم «وأخرجوهم من حيث أخرجوكم»، استمر نحو 31 دقيقة وأظهر معاملة مشينة من عناصر التنظيم للأسرى الذين وقع اختطافهم، أو المواطنين الذين تم اعتقالهم خلال عملياته الإرهابية على بلدة الفقهاء، حيث وثقت مقاطع عملية إعدام جماعية لأشخاص مكبلين رمياً بالرصاص على رؤوسهم.
الأسئلة الجوهرية في هذا السياق، هل ستبقى أوروبا مكتوفة الأيدي أمام تركيا وهي تعيد سيرة حروب القرون الوسطى من جديد، وهل ستكتفي بدور المشاهد بعد أن أسقطت نظام القذافي ولم يكن لها خطة لليوم التالي؟
ثم فيما يخص أميركا، لماذا يتسم موقفها بالميوعة السياسية، وهل يخشى إردوغان من التورط في الأزمة الليبية عسكرياً وهو في عام الانتخابات ولديه من الإشكاليات الداخلية ما يكفي؟
ألا تعد خطط إردوغان نوعاً من تهديد السلم العالمي، الأمر الذي يستوجب التنادي إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالاتحاد من أجل السلم قبل أن يستفحل الضرر ويتحول المشهد إلى حرب إقليمية؟
ثم ما هو الدور الروسي في ليبيا وهي التي تسعى لاستعادة نفوذها هناك، وهل سيقدر لها قطع الطريق على الآغا العثمانلي بطريق مشابهة لما فعلته مع الدواعش في سوريا؟