سقوط رايات «داعش» في العراق تفتح طريق انشقاقات «عُمالها» بأفريقيا

أخطر جماعة إرهابية في القارة السمراء تقتتل على الزعامة

مسؤولة في المجمع الرئاسي النيجيري تستقبل بعض الفتيات اللائي تم إطلاق سراحهن بعد أن اختطفتهن جماعة {بوكو حرام} قبل أكثر من سنتين في إحدى مدارس تشيبوك النيجيرية (أ.ب)
مسؤولة في المجمع الرئاسي النيجيري تستقبل بعض الفتيات اللائي تم إطلاق سراحهن بعد أن اختطفتهن جماعة {بوكو حرام} قبل أكثر من سنتين في إحدى مدارس تشيبوك النيجيرية (أ.ب)
TT

سقوط رايات «داعش» في العراق تفتح طريق انشقاقات «عُمالها» بأفريقيا

مسؤولة في المجمع الرئاسي النيجيري تستقبل بعض الفتيات اللائي تم إطلاق سراحهن بعد أن اختطفتهن جماعة {بوكو حرام} قبل أكثر من سنتين في إحدى مدارس تشيبوك النيجيرية (أ.ب)
مسؤولة في المجمع الرئاسي النيجيري تستقبل بعض الفتيات اللائي تم إطلاق سراحهن بعد أن اختطفتهن جماعة {بوكو حرام} قبل أكثر من سنتين في إحدى مدارس تشيبوك النيجيرية (أ.ب)

أعلنت رئاسة الجمهورية في نيجيريا قبل أيام نجاحها في إطلاق سراح 21 فتاة اختطفتهن جماعة «بوكو حرام» المتشددة عام 2014 في بلدة تشيبوك بشمال شرقي البلاد. وكانت هذه الجماعة المتطرفة قد بايعت زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي في مارس (آذار) عام 2014، وأطلقت على عناصرها مسمى «داعش نيجيريا». وللعلم، نفذت «بوكو حرام» خلال العام الماضي ما يقرب من 500 هجوم، وكان أول هجوم لها خارج نيجيريا على المناطق الحدودية لتشاد والكاميرون وقتل فيه 520 شخصًا ضمن 46 هجومًا، ثم تضاعفت العمليات ضد البلدان المجاورة حيث قتل 53 على الأقل في سلسلة من الهجمات حتى منتصف عام 2015.
يرى خبراء ومحللون أن سقوط رايات الخلافة - المزعومة - لتنظيم داعش الإرهابي في العراق، فتحت طريقا لانشقاقات «عُمالها» في جماعة «بوكو حرام» أخطر جماعة إرهابية في أفريقيا، ولقد سبق للجماعة أن أعلنت ولاءها لزعيم «داعش» أبو بكر البغدادي.
في هذا الصدد تفيد دراسة مصرية، أعدها مرصد الأزهر في القاهرة، أن «داعش» يفقد السيطرة على «بوكو حرام» التي تعد جناح التنظيم في غرب أفريقيا، بسبب الاقتتال الدائر على زعامة الجماعة من قادتها من ناحية، والاقتتال الدائر بين عناصرها وهروب كثير منهم عقب اكتشاف زيف مبادئ وأفكار وتوجهات الجماعة خاصة خلال الأشهر الأخيرة من ناحية أخرى.
ومعلوم أن نشاط «بوكو حرام» كان قد تزايد خصوصا بعد مبايعتها «داعش»، إذ اقتبست الجماعة من «داعش» وحشيته، ثم أضافت إليه، ففاقته من حيث عدد ضحاياه؛ إذ بينما كان «داعش» ينحر ويحرق المئات في العراق وسوريا، لم تتورع «بوكو حرام» عن إحراق قرى مسيحية بأكملها في نيجيريا. بل حتى المساجد لم تعد بمنأى عن هجماتها البربرية، بالإضافة إلى قتلها كثير من المواطنين الأبرياء، مما جعلها تحوز لقب «الجماعة الأكثر دموية في العالم» عن جدارة.
* بداية الانقسام
حسب الدراسة المصرية، فإن الانقسام يضرب «بوكو حرام» منذ قرار تنظيم داعش تغيير زعيم الجماعة أبو بكر شيكاو، وتنصيب أبو مصعب البرناوي خلفا له في أغسطس (آب) الماضي. وهو الأمر الذي كان بداية لسلسلة من الاضطرابات التي هزّت أركان الجماعة بقوة، فوجد الانقسام طريقه إلى داخل صفوفها، وتحديدًا، بين مؤيدين لشيكاو ومؤيدين للبرناوي. ولم تتوقف موجة الانقسامات التي ضربت الجماعة عند حد الحرب الكلامية، بل وجه كل من الجانبين اتهامات للآخر بالتخلي عن مبادئ الجماعة، والافتقار إلى أهلية القيادة.
ويشار إلى أنه في كتاب «إدارة التوحّش»، الذي يعد دستور جميع الحركات المتطرفة التي تمارس الإرهاب باسم الدين، يصبح التركيز على فترة التحوّل من مقاتلة «العدو القريب» المتمثل في الأنظمة السياسية والنخب العربية والإسلامية، إلى مقاتلة «العدو البعيد» المتمثل في الغرب بصفة عامة والولايات المتحدة الأميركية بصفة خاصة. وفي هذا الشأن - حسب مراقبين - «يعتمد (داعش) على جماعات بعيدة عنه في دول أخرى، من بينها (بوكو حرام) لتنفيذ مخططه، باستهداف الأجانب، ومواطني الدول الأخرى الأبرياء». وحقًا، كما تشير الدراسة المصرية، فإن «بوكو حرام» هي الجماعة الأكثر دموية، بدليل مسؤوليتها عن قتل 6 آلاف ونصف الألف شخص، وتسمى أيضا جماعة «أهل الدعوة والجهاد» ويترجم اسم «بوكو حرام» لدى أنصاره إلى «التعليم الغربي حرام».
* لمحة تاريخية
بعد نزاع مع السلطات النيجيرية، وبعد مقتل زعيمها الأسبق محمد يوسف في 2009 تبنت «بوكو حرام» حملة من العنف، وأعلن رئيسها السابق أبو بكر شيكاو ما أطلق عليه «الجهاد ضد الحكومة النيجيرية والولايات المتحدة الأميركية» في 2010، ووفق الدراسة المصرية «وصلت هذه الانقسامات لدرجة الاحتراب الداخلي في صفوف الجماعة». مضيفة أن «مواجهات وقعت بالفعل بين مقاتلين لـ(بوكو حرام) بعضهم البعض في منطقة مونجومو بولاية بُرنو على مقربة من بحيرة تشاد، ما قد ينذر بسقوط متوقع بين لحظة وأخرى خلال الفترة المقبلة للجماعة التي تصدرت الجماعات الإرهابية العام الماضي في القتل والعنف».
في هذه الأثناء، أعاد «داعش» تنظيم خطوطه في قارة أفريقيا بعد هزائمه المتتالية من قبل قوات التحالف الدولي في العراق وسوريا وهروب مقاتليه. وكان، من ثم، يراهن على ذراعه الأفريقية «بوكو حرام» للتوسّع في القارة السمراء، إلا أن الانقسامات التي أخذت تعصف بالجماعة جعلته يفقد السيطرة عليها، وبالتالي، على فرص توسعه في غرب أفريقيا.
ويرى محللون أنه عندما بايعت «بوكو حرام» تنظيم داعش أدت هذه المبايعة إلى زيادة قدراتها القتالية أكثر من ذي قبل. وعلى أثر ذلك أخذت الجماعة على عاتقها شأنها شأن «داعش» مهمة محاربة مؤسسات من تدعوها «الدولة الكافرة» - من وجهة نظرها -، والعمل حسب زعمها «من أجل تطبيق الشريعة الإسلامية» وإقامة «دولة الخلافة» على الأرض، أو الموت دون ذلك.
ويضيف المحللّون، علاوة على ما سبق، أن الفكرة الرئيسة التي تؤمن بها «بوكو حرام»، وأيضا «داعش»، هي أن «دولة الخلافة» لا بد أن تسود الكرة الأرضية. ويلزم تحقيق هذا الغرض قتل غير المسلمين إذا ما باء إجبارهم على اعتناق الإسلام بالفشل، بل، حتى المسلمين الذين يعارضون أسلوبهم الوحشي وهجماتهم البربرية يكون مصيرهم المحتوم هو القتل.
* صراع الجناحين
وكشفت الدراسة المصرية، التي أعدها مرصد الأزهر، عن وجود تلاسن بين أنصار البُرناوي وأتباع شيكاو، وذلك عقب اتهام أتباع شيكاو أنصار البُرناوي بـ«الانحراف عن الفكر الجهادي الحقيقي» التي تزعم الجماعة اعتناقه، فضلا عن اعتناق منهج تنظيم داعش في قتل الأبرياء واستباحة دمائهم ونهب منازلهم، وإرسال انتحاريين إلى مناطق مزدحمة بالناس مثل الأسواق ومهاجمة المسلمين بشكل عشوائي في المساجد، مما أدى إلى خسارة تعاطف البعض ممن كانوا يرون خطأ أن «بوكو حرام» تحارب من أجل الدين. ومن ثم، تحولت قناعات المتعاطفين مع «بوكو حرام» ليكتشفوا أن الجماعة لا تحارب حقا من أجل الإسلام كما كانت تزعم.
كذلك، أوضحت الدراسة أن «داعش» قد يسعى لتغيير استراتيجية «بوكو حرام» باستهداف المسيحيين في نيجيريا. وقالت إن مثل هذا التحول في استراتيجية الجماعة قد يعيد للجماعة قوتها من جديد - على حد مزاعم عناصرها -، لا سيما إذا ما نجحت في استغلال التوترات الطائفية الموجودة في المناطق النيجيرية ذات الكثافة السكانية من المسلمين والمسيحيين؛ الأمر قد يشكل خطورة كبيرة جدا قد تنتهي باندلاع صراع طائفي أوسع، يتجاوز نيجيريا والدول المجاورة إلى دول أفريقية أخرى.
وقالت مصادر مصرية مطلعة، على هذا الجانب بالذات، إن جماعة «بوكو حرام» طرحت نفسها اليوم كمدافع عن الإسلام والمسلمين ضد المسيحيين، ما أكسبها لبعض الوقت نوعًا من التعاطف في أوساط بسطاء المسلمين.
* أبو مصعب البُرناوي
ويرى مراقبون أن وقوع اختيار «داعش» على أبو مصعب البُرناوي، قبل شهرين، رجّح وقتها أن يتبعه تزايد في وتيرة عمليات «بوكو حرام» ووحشيتها لإثبات كفاءة القيادة الجديدة، فضلا عن تغيير أهداف هذه العمليات لبيان تميز هذه القيادة، إلا أن الانشقاقات والاقتتال سرعان ما دبّت داخل الجماعة. وحسب الدارسة المصرية، فإن «الشقاق الحادث داخل (بوكو حرام) جعل المقاتلين يفكّرون جيدًا في مدى مصداقية الجماعة ومزاعمها التي تستقطب الشباب من خلالها». ومن ثم اكتشفوا حقًا «زيف ادعاءاتها وبطلان عقيدتها، فتراجعوا عن تأييدها ورفضوا البقاء ضمن صفوفها، فضلا عن هروب المقاتلين بسبب نقص الأسلحة».
من ناحية أخرى، يقول مراقبون إن جماعة «بوكو حرام» نجحت في إقامة شبكة علاقات قوية مع التنظيمات «القاعدية» في شمال أفريقيا، وخصوصا مع تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب» من خلال إرسال الجماعة عددًا من مقاتليها للمشاركة في القتال في شمال جمهورية مالي، والحصول على التمويل والسلاح والتدريب لعناصرها. وتشير بعض المؤشرات في هذا الصدد إلى أن تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب» أمدّ الجماعة بكميات من الأسلحة نقلت إليه من ليبيا عبر دول الجوار، خاصة، النيجر وتشاد.
* الإفراج عن الفتيات
أخيرًا، في السياق نفسه، أعلن المتحدث باسم الرئيس النيجيري محمد بوخاري على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» أنه تم الإفراج عن 21 فتاة من بين أكثر من مائتي فتاة اختطفن من قبل «بوكو حرام» من مدرسة في بلدة شيبوك بشمال شرقي نيجيريا عام 2014. وكانت «بوكو حرام» قد اختطفت 276 فتاة وشابة في أبريل (نيسان) عام 2014 من مدرستهن في البلدة، بينما تمكنت 50 فتاة فقط من الهروب من خاطفيهن.
ويشار إلى أنه في عام 2015، تم إنقاذ ما يقارب 700 امرأة وطفل من قبل الجيش النيجيري، بعدما كانوا محتجزين لدى «بوكو حرام». وقالت المصادر المطلعة إن محاولات مضنية من الجيش النيجيري لتحجيم هذه الجماعة والقضاء عليها، إذ مثلت ولا تزال تمثل صداعًا مزمنًا في رأس الحكومة النيجيرية.



تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».