سقوط رايات «داعش» في العراق تفتح طريق انشقاقات «عُمالها» بأفريقيا

أخطر جماعة إرهابية في القارة السمراء تقتتل على الزعامة

مسؤولة في المجمع الرئاسي النيجيري تستقبل بعض الفتيات اللائي تم إطلاق سراحهن بعد أن اختطفتهن جماعة {بوكو حرام} قبل أكثر من سنتين في إحدى مدارس تشيبوك النيجيرية (أ.ب)
مسؤولة في المجمع الرئاسي النيجيري تستقبل بعض الفتيات اللائي تم إطلاق سراحهن بعد أن اختطفتهن جماعة {بوكو حرام} قبل أكثر من سنتين في إحدى مدارس تشيبوك النيجيرية (أ.ب)
TT

سقوط رايات «داعش» في العراق تفتح طريق انشقاقات «عُمالها» بأفريقيا

مسؤولة في المجمع الرئاسي النيجيري تستقبل بعض الفتيات اللائي تم إطلاق سراحهن بعد أن اختطفتهن جماعة {بوكو حرام} قبل أكثر من سنتين في إحدى مدارس تشيبوك النيجيرية (أ.ب)
مسؤولة في المجمع الرئاسي النيجيري تستقبل بعض الفتيات اللائي تم إطلاق سراحهن بعد أن اختطفتهن جماعة {بوكو حرام} قبل أكثر من سنتين في إحدى مدارس تشيبوك النيجيرية (أ.ب)

أعلنت رئاسة الجمهورية في نيجيريا قبل أيام نجاحها في إطلاق سراح 21 فتاة اختطفتهن جماعة «بوكو حرام» المتشددة عام 2014 في بلدة تشيبوك بشمال شرقي البلاد. وكانت هذه الجماعة المتطرفة قد بايعت زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي في مارس (آذار) عام 2014، وأطلقت على عناصرها مسمى «داعش نيجيريا». وللعلم، نفذت «بوكو حرام» خلال العام الماضي ما يقرب من 500 هجوم، وكان أول هجوم لها خارج نيجيريا على المناطق الحدودية لتشاد والكاميرون وقتل فيه 520 شخصًا ضمن 46 هجومًا، ثم تضاعفت العمليات ضد البلدان المجاورة حيث قتل 53 على الأقل في سلسلة من الهجمات حتى منتصف عام 2015.
يرى خبراء ومحللون أن سقوط رايات الخلافة - المزعومة - لتنظيم داعش الإرهابي في العراق، فتحت طريقا لانشقاقات «عُمالها» في جماعة «بوكو حرام» أخطر جماعة إرهابية في أفريقيا، ولقد سبق للجماعة أن أعلنت ولاءها لزعيم «داعش» أبو بكر البغدادي.
في هذا الصدد تفيد دراسة مصرية، أعدها مرصد الأزهر في القاهرة، أن «داعش» يفقد السيطرة على «بوكو حرام» التي تعد جناح التنظيم في غرب أفريقيا، بسبب الاقتتال الدائر على زعامة الجماعة من قادتها من ناحية، والاقتتال الدائر بين عناصرها وهروب كثير منهم عقب اكتشاف زيف مبادئ وأفكار وتوجهات الجماعة خاصة خلال الأشهر الأخيرة من ناحية أخرى.
ومعلوم أن نشاط «بوكو حرام» كان قد تزايد خصوصا بعد مبايعتها «داعش»، إذ اقتبست الجماعة من «داعش» وحشيته، ثم أضافت إليه، ففاقته من حيث عدد ضحاياه؛ إذ بينما كان «داعش» ينحر ويحرق المئات في العراق وسوريا، لم تتورع «بوكو حرام» عن إحراق قرى مسيحية بأكملها في نيجيريا. بل حتى المساجد لم تعد بمنأى عن هجماتها البربرية، بالإضافة إلى قتلها كثير من المواطنين الأبرياء، مما جعلها تحوز لقب «الجماعة الأكثر دموية في العالم» عن جدارة.
* بداية الانقسام
حسب الدراسة المصرية، فإن الانقسام يضرب «بوكو حرام» منذ قرار تنظيم داعش تغيير زعيم الجماعة أبو بكر شيكاو، وتنصيب أبو مصعب البرناوي خلفا له في أغسطس (آب) الماضي. وهو الأمر الذي كان بداية لسلسلة من الاضطرابات التي هزّت أركان الجماعة بقوة، فوجد الانقسام طريقه إلى داخل صفوفها، وتحديدًا، بين مؤيدين لشيكاو ومؤيدين للبرناوي. ولم تتوقف موجة الانقسامات التي ضربت الجماعة عند حد الحرب الكلامية، بل وجه كل من الجانبين اتهامات للآخر بالتخلي عن مبادئ الجماعة، والافتقار إلى أهلية القيادة.
ويشار إلى أنه في كتاب «إدارة التوحّش»، الذي يعد دستور جميع الحركات المتطرفة التي تمارس الإرهاب باسم الدين، يصبح التركيز على فترة التحوّل من مقاتلة «العدو القريب» المتمثل في الأنظمة السياسية والنخب العربية والإسلامية، إلى مقاتلة «العدو البعيد» المتمثل في الغرب بصفة عامة والولايات المتحدة الأميركية بصفة خاصة. وفي هذا الشأن - حسب مراقبين - «يعتمد (داعش) على جماعات بعيدة عنه في دول أخرى، من بينها (بوكو حرام) لتنفيذ مخططه، باستهداف الأجانب، ومواطني الدول الأخرى الأبرياء». وحقًا، كما تشير الدراسة المصرية، فإن «بوكو حرام» هي الجماعة الأكثر دموية، بدليل مسؤوليتها عن قتل 6 آلاف ونصف الألف شخص، وتسمى أيضا جماعة «أهل الدعوة والجهاد» ويترجم اسم «بوكو حرام» لدى أنصاره إلى «التعليم الغربي حرام».
* لمحة تاريخية
بعد نزاع مع السلطات النيجيرية، وبعد مقتل زعيمها الأسبق محمد يوسف في 2009 تبنت «بوكو حرام» حملة من العنف، وأعلن رئيسها السابق أبو بكر شيكاو ما أطلق عليه «الجهاد ضد الحكومة النيجيرية والولايات المتحدة الأميركية» في 2010، ووفق الدراسة المصرية «وصلت هذه الانقسامات لدرجة الاحتراب الداخلي في صفوف الجماعة». مضيفة أن «مواجهات وقعت بالفعل بين مقاتلين لـ(بوكو حرام) بعضهم البعض في منطقة مونجومو بولاية بُرنو على مقربة من بحيرة تشاد، ما قد ينذر بسقوط متوقع بين لحظة وأخرى خلال الفترة المقبلة للجماعة التي تصدرت الجماعات الإرهابية العام الماضي في القتل والعنف».
في هذه الأثناء، أعاد «داعش» تنظيم خطوطه في قارة أفريقيا بعد هزائمه المتتالية من قبل قوات التحالف الدولي في العراق وسوريا وهروب مقاتليه. وكان، من ثم، يراهن على ذراعه الأفريقية «بوكو حرام» للتوسّع في القارة السمراء، إلا أن الانقسامات التي أخذت تعصف بالجماعة جعلته يفقد السيطرة عليها، وبالتالي، على فرص توسعه في غرب أفريقيا.
ويرى محللون أنه عندما بايعت «بوكو حرام» تنظيم داعش أدت هذه المبايعة إلى زيادة قدراتها القتالية أكثر من ذي قبل. وعلى أثر ذلك أخذت الجماعة على عاتقها شأنها شأن «داعش» مهمة محاربة مؤسسات من تدعوها «الدولة الكافرة» - من وجهة نظرها -، والعمل حسب زعمها «من أجل تطبيق الشريعة الإسلامية» وإقامة «دولة الخلافة» على الأرض، أو الموت دون ذلك.
ويضيف المحللّون، علاوة على ما سبق، أن الفكرة الرئيسة التي تؤمن بها «بوكو حرام»، وأيضا «داعش»، هي أن «دولة الخلافة» لا بد أن تسود الكرة الأرضية. ويلزم تحقيق هذا الغرض قتل غير المسلمين إذا ما باء إجبارهم على اعتناق الإسلام بالفشل، بل، حتى المسلمين الذين يعارضون أسلوبهم الوحشي وهجماتهم البربرية يكون مصيرهم المحتوم هو القتل.
* صراع الجناحين
وكشفت الدراسة المصرية، التي أعدها مرصد الأزهر، عن وجود تلاسن بين أنصار البُرناوي وأتباع شيكاو، وذلك عقب اتهام أتباع شيكاو أنصار البُرناوي بـ«الانحراف عن الفكر الجهادي الحقيقي» التي تزعم الجماعة اعتناقه، فضلا عن اعتناق منهج تنظيم داعش في قتل الأبرياء واستباحة دمائهم ونهب منازلهم، وإرسال انتحاريين إلى مناطق مزدحمة بالناس مثل الأسواق ومهاجمة المسلمين بشكل عشوائي في المساجد، مما أدى إلى خسارة تعاطف البعض ممن كانوا يرون خطأ أن «بوكو حرام» تحارب من أجل الدين. ومن ثم، تحولت قناعات المتعاطفين مع «بوكو حرام» ليكتشفوا أن الجماعة لا تحارب حقا من أجل الإسلام كما كانت تزعم.
كذلك، أوضحت الدراسة أن «داعش» قد يسعى لتغيير استراتيجية «بوكو حرام» باستهداف المسيحيين في نيجيريا. وقالت إن مثل هذا التحول في استراتيجية الجماعة قد يعيد للجماعة قوتها من جديد - على حد مزاعم عناصرها -، لا سيما إذا ما نجحت في استغلال التوترات الطائفية الموجودة في المناطق النيجيرية ذات الكثافة السكانية من المسلمين والمسيحيين؛ الأمر قد يشكل خطورة كبيرة جدا قد تنتهي باندلاع صراع طائفي أوسع، يتجاوز نيجيريا والدول المجاورة إلى دول أفريقية أخرى.
وقالت مصادر مصرية مطلعة، على هذا الجانب بالذات، إن جماعة «بوكو حرام» طرحت نفسها اليوم كمدافع عن الإسلام والمسلمين ضد المسيحيين، ما أكسبها لبعض الوقت نوعًا من التعاطف في أوساط بسطاء المسلمين.
* أبو مصعب البُرناوي
ويرى مراقبون أن وقوع اختيار «داعش» على أبو مصعب البُرناوي، قبل شهرين، رجّح وقتها أن يتبعه تزايد في وتيرة عمليات «بوكو حرام» ووحشيتها لإثبات كفاءة القيادة الجديدة، فضلا عن تغيير أهداف هذه العمليات لبيان تميز هذه القيادة، إلا أن الانشقاقات والاقتتال سرعان ما دبّت داخل الجماعة. وحسب الدارسة المصرية، فإن «الشقاق الحادث داخل (بوكو حرام) جعل المقاتلين يفكّرون جيدًا في مدى مصداقية الجماعة ومزاعمها التي تستقطب الشباب من خلالها». ومن ثم اكتشفوا حقًا «زيف ادعاءاتها وبطلان عقيدتها، فتراجعوا عن تأييدها ورفضوا البقاء ضمن صفوفها، فضلا عن هروب المقاتلين بسبب نقص الأسلحة».
من ناحية أخرى، يقول مراقبون إن جماعة «بوكو حرام» نجحت في إقامة شبكة علاقات قوية مع التنظيمات «القاعدية» في شمال أفريقيا، وخصوصا مع تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب» من خلال إرسال الجماعة عددًا من مقاتليها للمشاركة في القتال في شمال جمهورية مالي، والحصول على التمويل والسلاح والتدريب لعناصرها. وتشير بعض المؤشرات في هذا الصدد إلى أن تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب» أمدّ الجماعة بكميات من الأسلحة نقلت إليه من ليبيا عبر دول الجوار، خاصة، النيجر وتشاد.
* الإفراج عن الفتيات
أخيرًا، في السياق نفسه، أعلن المتحدث باسم الرئيس النيجيري محمد بوخاري على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» أنه تم الإفراج عن 21 فتاة من بين أكثر من مائتي فتاة اختطفن من قبل «بوكو حرام» من مدرسة في بلدة شيبوك بشمال شرقي نيجيريا عام 2014. وكانت «بوكو حرام» قد اختطفت 276 فتاة وشابة في أبريل (نيسان) عام 2014 من مدرستهن في البلدة، بينما تمكنت 50 فتاة فقط من الهروب من خاطفيهن.
ويشار إلى أنه في عام 2015، تم إنقاذ ما يقارب 700 امرأة وطفل من قبل الجيش النيجيري، بعدما كانوا محتجزين لدى «بوكو حرام». وقالت المصادر المطلعة إن محاولات مضنية من الجيش النيجيري لتحجيم هذه الجماعة والقضاء عليها، إذ مثلت ولا تزال تمثل صداعًا مزمنًا في رأس الحكومة النيجيرية.



تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
TT

تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)

غداة الزيارة المريبة التي قام بها الوالي العثماني المنحول إردوغان إلى تونس، علا صوت الكثير من الأحزاب التونسية والاتحادات العامة للشغل وغيرها من جماعات المجتمع المدني بالرفض لأن تكون تونس ممراً أو مستقراً لنقل «الدواعش» من سوريا إلى ليبيا بواسطة تركيا عبر بلادهم».
المطالب المتقدمة تعني أمراً واحداً، وهو يقين الشرفاء والنبلاء من الشعب التونسي بأن بعض من نوايا إردوغان الحقيقية بالنسبة لليبيا موصول بإعادة إنتاج التنظيم الإرهابي الأشرس في العقود الأخيرة (داعش)، وربما في طبعة جديدة أسوأ مما شهده العالم في العراق وسوريا خلال النصف الثاني من العقد الماضي.
أسئلة كثيرة تطل برأسها من نافذة الأحداث المتسارعة عن أحوال «داعش» وعن الفوضى والارتباك اللذين تتسبب فيهما تركيا في ليبيا، وفي الوسط تسعى لنقل معركتها إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، وإلى العمق الأفريقي لأهداف سنأتي على تفصيلها.
علامة الاستفهام الأولى في هذا الحديث: «ما هو وضع الدواعش في الوقت الحاضر في موطن النشوء الأول ومن حول بلاد الشام التاريخية؟».
الجواب نجده بالتفصيل والأرقام عند هارون ي زيلين، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وعنده أنه في عام 2019 قدر البنتاغون أن ما بين 14 و18 ألف من مقاتلي تنظيم «داعش» لا يزالون في العراق وسوريا، والتساؤل ما الذي يفعلونه هناك؟
بلا شك مواصلة العمل كتنظيم إرهابي متمرد يكرس أعضاؤه جل وقتهم لمحاولة تهريب السجناء، وربما إعادة السيطرة على الأراضي، ومن خلال حرب استنزاف يعتقدون أنهم سيرهقون أعداءهم، كما أنهم يستفيدون من أي مساحات لا تسيطر عليها الحكومة المركزية أو يلعبون على وتر خطوط الصدع السياسية أو العرقية أو الدينية آملين في استغلالها لصالحهم.
> هل لدى التنظيم حتى الساعة مقدرة مالية على إدارة شؤونه بنفسه والإنفاق على عملياته الإرهابية؟
ــــ من الواضح أن الدواعش لا يزالون قابضين على ثروة تقدر بنحو 300 مليون دولار، ووفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في يوليو (تموز) 2019، فإن «داعش» استثمر مجدداً أمواله في أعمال مشروعة، وربما بأسماء وهمية لا علاقة لها بأعضائه الإرهابين، أي من خلال عناصر نائمة، وذلك عبر العقارات، ووكلاء السيارات، ويوجد عدد منها في تركيا وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية التي صنفت أفراداً من تنظيم «داعش» وشركات تحويل وصرافة على لائحة الإرهاب.
> ماذا تعني تلك البيانات المتقدمة؟
ــــ باختصار غير مخل، تشير إلى أن التنظيم لا يزال باقياً وفاعلاً، وأن الأيادي التركية السوداء تقف وراءه في أقصى الشرق، وها هي تجد فرصة غير مسبوقة ليعبر المتوسط جهة الغرب ويحل برحاله في ليبيا.
لم ينس إردوغان للحظة واحدة أنه في الشرق من ليبيا، توجد مصر الكنانة التي أسقطت مشروعه في عام 2013؛ فقد خيل له أنه قد أضحى الخليفة الجديدة بعد سنوات الربيع المغشوش؛ ولهذا فإن ملامح وعلامات الانتقام من مصر لا تغيب عن ناظريه، وقد حاول كثيراً استخدام الطابور الخامس من الإخوان المسلمين في مصر في زعزعة استقرار المحروسة وأخفق؛ ولهذا فقد بدا واضحاً أن الرجل المقهور يود نقل معركته إلى الداخل المصري بالاقتراب الكبير والمؤثر والفاعل؛ الأمر الذي لا يغيب عن أعين صقور المؤسسة العسكرية المصرية التي تقف له بالمرصاد.
وجد إردوغان ضالته المنشودة في جماعة الوفاق المنحلة، التي هي مزيج من الإخوان المسلمين والدواعش و«القاعدة» والجماعات الإرهابية كافة الشاردة والواردة، ومن خلال عمليات لوجيستية تتضح ساعة بعد أخرى، يمضي في إحياء التنظيم القاتل وله في ذلك أيضاً مأربان، أحدهما جهة الشمال والآخر ناحية الجنوب...ماذا عن ذلك؟
أما الشمال، فالمقصود به أوروبا، حيث العداء التاريخي المستحكم من تركيا تجاه أوروبا، وإردوغان يشعر بالغدر والخيانة من جراء رفض الاتحاد الأوروبي قبوله تحت سقفه؛ ولهذا أطلق تصريحات ذات طبيعة دوجمائية أكثر من مرة، حاول بها تفعيل مشاعر ديماجوجية في وسط الأتراك ليكتسب شعبية، رغم أن الأمر ارتد عليه مؤخراً بالسلب.
يسعى إردوغان من تأصيل وجود «الدواعش» على الشاطئ المتوسطي المواجه لأوروبا إلى استخدام الإرهاب الأصولي كأحدى أوراق نفوذه ضد ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والبرتغال، وقبلهما اليونان وقبرص، وهو أمر ليس بجديد عليه، فقد صرح قبل فترة بأنه قادر على فتح بوابات الوصول إلى أوروبا أمام اللاجئين والدواعش لإغراق أوروبا، وربما إحراقها بنيران الدواعش ومن لفّ لفّهم.
إردوغان أيضاً له مأرب آخر يتصل بعمق القارة الأفريقية، وهو يدرك أن ما فقده من أوهام الخلافة في الشرق الأوسط، ربما يجد له صدى في وسط أفريقيا، حيث يغيب الأمن كثيراً عن بعض الدول من جهة، ولا سيما المفككة اجتماعياً، وحيث تنتشر جماعات الإرهاب المشابهة من «حركة الشباب» و«بوكو حرام» وما شابه، وغالبيتها قد أعلنت ولاءها وانضواءها تحت راية تنظيم «داعش» الإرهابية وليس الإسلامية قبل نحو عامين.
والشاهد، أن إردوغان لا ينشئ فرعاً جديداً لـ«داعش» في ليبيا، وإنما يسعى لإيقاظ المؤتلفة قلوبهم، إن جاز التعبير، أولئك الذين هم دواعش في الباطن وإن أبدوا خلاف ذلك في العلن، والمعروف أن الأرضية الأصولية الإخوانية في ليبيا كانت قد انتهزت فرصة الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011، حيث أقام المقاتلون مثل سوريا والعراق حكماً دينياً، غير أنه وفي عام 2016 استطاعت قوات الحكومة ومقاتلون من مصراتة بدعم من القوات الأميركية الخاصة وطائرات «إف 16» إخراج مقاتلي التنظيم من سرت في ديسمبر (كانون الأول) 2016.
في ذلك الهجوم قُتلت أعداد كبيرة من المتشددين، في حين هرب البقية إلى الجنوب بحثاً عن ملاجئ آمنة، وأقاموا معسكرات تدريب استخدموها للسطو على شاحنات النفط، وحصلوا على موارد من خلال التهريب، وهرب بعضهم إلى النيجر، حيث انضموا إلى فرع التنظيم هناك. ورغم عددهم القليل فإنهم استمروا في هجماتهم السريعة.
مؤخراً، وحتى قبل التدخل الإردوغاني المسموم، بدأ القلق يتزايد في سرت مرة أخرى، حيث تم اعتقال عشرة أشخاص يشتبه بتعاطفهم مع التنظيم، منهم مهندسة عثر على جهاز لاسلكي في بيتها، كما قبض على رجل قابل أعضاء في «خلية نائمة»، وأقاموا حاجز تفتيش خارج المدينة لإظهار أنهم لا يزالون فيها.
> هل بدأت مرحلة إحياء «داعش» ليبيا بشكل رسمي الأيام الأخيرة وبدعم علني من تركيا لا يواري ولا يداري أهدافه الآثمة؟
ــــ من الواضح أن ذلك كذلك، ولا سيما في ضوء ما رصده «المرصد السوري لحقوق الإنسان» في سوريا، والذي أشار قبل أيام إلى أن الفصائل السورية الموالية لتركيا قد افتتحت هناك مراكز تسجيل أسماء الأشخاص الراغبين بالذهاب للقتال في ليبيا.
> هل بدأ الحشد «الداعشي» التركي طريقه إلى ليبيا بالفعل؟
ــــ الشاهد، أنه، ومن أسف، قد بدأ عشرات الأشخاص يقصدون تلك المراكز للالتحاق بالمعارك في ليبيا للعمل تحت الحماية التركية هناك، كما نقلت مصادر محلية قولها إن الفصائل الموالية لتركيا تشجع الشباب على الالتحاق بالحرب الليبية، وتقدم مغريات ورواتب مجزية تراوح بين 1800 و2000 دولار أميركي لكل مسلح شهرياً، علاوة عل تقديم خدمات إضافية تتكفل بها الدولة المضيفة.
ولعل الذين تابعوا الأسبوع الماضي تصريحات المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري قد وقر لديهم أن عجلة إحياء تنظيم «داعش» في ليبيا قد دارت بالفعل، وذلك من خلال الأصابع المشبوهة للمخابرات التركية التي تقوم بنقل عناصر التنظيم، عطفاً على القادمين والمنتمين الجدد والذين هم في غالبيتهم مرتزقة ومؤدلجون أصوليون، والنوعان معاً، ولا سيما من أعضاء «جبهة النصرة» من سوريا إلى ليبيا عبر مطار جربة في تونس، الأمر الذي يعود بنا إلى الحديث عن تونس مرة جديدة، ويربط بينها وبين ما يجري في ليبيا.
> هل تعرّض التونسيون إلى خدعة كبرى في اختيارهم الأخير؟
ــــ مهما يكن من أمر ساكن القصر الرئاسي، إلا أن المؤكد أن حزب «النهضة التونسي» ليس إلا وجهاً آخر من أوجه الإخوان المسلمين في تونس، وهو أحد فروع التنظيم الدولي لـ«الإخوان» المسلمين المنتشر حول العالم، يأتمر بأمرهم، ويتوجه كيفما يعنّ لبوصلتهم.
هنا يصبح من الحقيقي التسليم بالمعلومات التي رصدها الجيش الليبي من استخدام مطارات تونس لغرض إنشاء «داعش» جديدة على الأراضي الليبية، ومنها مطار جربة، حيث تم إنزال مجموعات إرهابية في تونس، وتم نقلهم إلى ليبيا عن طريق الجبل الغربي، ومطار مصراتة وزواره، ومعتيقة تحديداً التي استقبلت أعداداً كبيرة من «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش».
في هذا السياق، يبقى من الطبيعي أن تنهض آمال «الدواعش» في تونس في الفترة المقبلة، أولئك الذين سيصبحون الجسر الواصل بين تونس وليبيا؛ الأمر الذي حذر منه البرلمان التونسي السابق قبل عودة النهضة الكارثية مرة أخرى، لكن في ظل السيطرة الإخوانية التونسية الأخيرة يكاد يكون الأمل سراباً في إعادة ضبط وتموضع «الدواعش» التونسيين.
حين نشير إلى أن دواعش ليبيا قد بدأوا مرحلة مغاير آخذة في التصاعد الإرهابي المؤلم، فإننا لا نرجم بالغيب، بل من خلال أدلة ليس آخرها الفيديو الذي أذاعوه نهار الخامس من ديسمبر 2019، وفيه ذبح لمواطنين ليبيين بينهم موظفون حكوميون سقطوا أسرى في أيدي التنظيم، ومشاهد بشعة لعمليات إعدام جماعية بالرصاص، في منطقة الفقهاء جنوب ليبيا.
الفيديو بثته وكالة «أعماق» التابعة لتنظيم «داعش» حمل اسم «وأخرجوهم من حيث أخرجوكم»، استمر نحو 31 دقيقة وأظهر معاملة مشينة من عناصر التنظيم للأسرى الذين وقع اختطافهم، أو المواطنين الذين تم اعتقالهم خلال عملياته الإرهابية على بلدة الفقهاء، حيث وثقت مقاطع عملية إعدام جماعية لأشخاص مكبلين رمياً بالرصاص على رؤوسهم.
الأسئلة الجوهرية في هذا السياق، هل ستبقى أوروبا مكتوفة الأيدي أمام تركيا وهي تعيد سيرة حروب القرون الوسطى من جديد، وهل ستكتفي بدور المشاهد بعد أن أسقطت نظام القذافي ولم يكن لها خطة لليوم التالي؟
ثم فيما يخص أميركا، لماذا يتسم موقفها بالميوعة السياسية، وهل يخشى إردوغان من التورط في الأزمة الليبية عسكرياً وهو في عام الانتخابات ولديه من الإشكاليات الداخلية ما يكفي؟
ألا تعد خطط إردوغان نوعاً من تهديد السلم العالمي، الأمر الذي يستوجب التنادي إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالاتحاد من أجل السلم قبل أن يستفحل الضرر ويتحول المشهد إلى حرب إقليمية؟
ثم ما هو الدور الروسي في ليبيا وهي التي تسعى لاستعادة نفوذها هناك، وهل سيقدر لها قطع الطريق على الآغا العثمانلي بطريق مشابهة لما فعلته مع الدواعش في سوريا؟