سقوط رايات «داعش» في العراق تفتح طريق انشقاقات «عُمالها» بأفريقيا

أخطر جماعة إرهابية في القارة السمراء تقتتل على الزعامة

مسؤولة في المجمع الرئاسي النيجيري تستقبل بعض الفتيات اللائي تم إطلاق سراحهن بعد أن اختطفتهن جماعة {بوكو حرام} قبل أكثر من سنتين في إحدى مدارس تشيبوك النيجيرية (أ.ب)
مسؤولة في المجمع الرئاسي النيجيري تستقبل بعض الفتيات اللائي تم إطلاق سراحهن بعد أن اختطفتهن جماعة {بوكو حرام} قبل أكثر من سنتين في إحدى مدارس تشيبوك النيجيرية (أ.ب)
TT

سقوط رايات «داعش» في العراق تفتح طريق انشقاقات «عُمالها» بأفريقيا

مسؤولة في المجمع الرئاسي النيجيري تستقبل بعض الفتيات اللائي تم إطلاق سراحهن بعد أن اختطفتهن جماعة {بوكو حرام} قبل أكثر من سنتين في إحدى مدارس تشيبوك النيجيرية (أ.ب)
مسؤولة في المجمع الرئاسي النيجيري تستقبل بعض الفتيات اللائي تم إطلاق سراحهن بعد أن اختطفتهن جماعة {بوكو حرام} قبل أكثر من سنتين في إحدى مدارس تشيبوك النيجيرية (أ.ب)

أعلنت رئاسة الجمهورية في نيجيريا قبل أيام نجاحها في إطلاق سراح 21 فتاة اختطفتهن جماعة «بوكو حرام» المتشددة عام 2014 في بلدة تشيبوك بشمال شرقي البلاد. وكانت هذه الجماعة المتطرفة قد بايعت زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي في مارس (آذار) عام 2014، وأطلقت على عناصرها مسمى «داعش نيجيريا». وللعلم، نفذت «بوكو حرام» خلال العام الماضي ما يقرب من 500 هجوم، وكان أول هجوم لها خارج نيجيريا على المناطق الحدودية لتشاد والكاميرون وقتل فيه 520 شخصًا ضمن 46 هجومًا، ثم تضاعفت العمليات ضد البلدان المجاورة حيث قتل 53 على الأقل في سلسلة من الهجمات حتى منتصف عام 2015.
يرى خبراء ومحللون أن سقوط رايات الخلافة - المزعومة - لتنظيم داعش الإرهابي في العراق، فتحت طريقا لانشقاقات «عُمالها» في جماعة «بوكو حرام» أخطر جماعة إرهابية في أفريقيا، ولقد سبق للجماعة أن أعلنت ولاءها لزعيم «داعش» أبو بكر البغدادي.
في هذا الصدد تفيد دراسة مصرية، أعدها مرصد الأزهر في القاهرة، أن «داعش» يفقد السيطرة على «بوكو حرام» التي تعد جناح التنظيم في غرب أفريقيا، بسبب الاقتتال الدائر على زعامة الجماعة من قادتها من ناحية، والاقتتال الدائر بين عناصرها وهروب كثير منهم عقب اكتشاف زيف مبادئ وأفكار وتوجهات الجماعة خاصة خلال الأشهر الأخيرة من ناحية أخرى.
ومعلوم أن نشاط «بوكو حرام» كان قد تزايد خصوصا بعد مبايعتها «داعش»، إذ اقتبست الجماعة من «داعش» وحشيته، ثم أضافت إليه، ففاقته من حيث عدد ضحاياه؛ إذ بينما كان «داعش» ينحر ويحرق المئات في العراق وسوريا، لم تتورع «بوكو حرام» عن إحراق قرى مسيحية بأكملها في نيجيريا. بل حتى المساجد لم تعد بمنأى عن هجماتها البربرية، بالإضافة إلى قتلها كثير من المواطنين الأبرياء، مما جعلها تحوز لقب «الجماعة الأكثر دموية في العالم» عن جدارة.
* بداية الانقسام
حسب الدراسة المصرية، فإن الانقسام يضرب «بوكو حرام» منذ قرار تنظيم داعش تغيير زعيم الجماعة أبو بكر شيكاو، وتنصيب أبو مصعب البرناوي خلفا له في أغسطس (آب) الماضي. وهو الأمر الذي كان بداية لسلسلة من الاضطرابات التي هزّت أركان الجماعة بقوة، فوجد الانقسام طريقه إلى داخل صفوفها، وتحديدًا، بين مؤيدين لشيكاو ومؤيدين للبرناوي. ولم تتوقف موجة الانقسامات التي ضربت الجماعة عند حد الحرب الكلامية، بل وجه كل من الجانبين اتهامات للآخر بالتخلي عن مبادئ الجماعة، والافتقار إلى أهلية القيادة.
ويشار إلى أنه في كتاب «إدارة التوحّش»، الذي يعد دستور جميع الحركات المتطرفة التي تمارس الإرهاب باسم الدين، يصبح التركيز على فترة التحوّل من مقاتلة «العدو القريب» المتمثل في الأنظمة السياسية والنخب العربية والإسلامية، إلى مقاتلة «العدو البعيد» المتمثل في الغرب بصفة عامة والولايات المتحدة الأميركية بصفة خاصة. وفي هذا الشأن - حسب مراقبين - «يعتمد (داعش) على جماعات بعيدة عنه في دول أخرى، من بينها (بوكو حرام) لتنفيذ مخططه، باستهداف الأجانب، ومواطني الدول الأخرى الأبرياء». وحقًا، كما تشير الدراسة المصرية، فإن «بوكو حرام» هي الجماعة الأكثر دموية، بدليل مسؤوليتها عن قتل 6 آلاف ونصف الألف شخص، وتسمى أيضا جماعة «أهل الدعوة والجهاد» ويترجم اسم «بوكو حرام» لدى أنصاره إلى «التعليم الغربي حرام».
* لمحة تاريخية
بعد نزاع مع السلطات النيجيرية، وبعد مقتل زعيمها الأسبق محمد يوسف في 2009 تبنت «بوكو حرام» حملة من العنف، وأعلن رئيسها السابق أبو بكر شيكاو ما أطلق عليه «الجهاد ضد الحكومة النيجيرية والولايات المتحدة الأميركية» في 2010، ووفق الدراسة المصرية «وصلت هذه الانقسامات لدرجة الاحتراب الداخلي في صفوف الجماعة». مضيفة أن «مواجهات وقعت بالفعل بين مقاتلين لـ(بوكو حرام) بعضهم البعض في منطقة مونجومو بولاية بُرنو على مقربة من بحيرة تشاد، ما قد ينذر بسقوط متوقع بين لحظة وأخرى خلال الفترة المقبلة للجماعة التي تصدرت الجماعات الإرهابية العام الماضي في القتل والعنف».
في هذه الأثناء، أعاد «داعش» تنظيم خطوطه في قارة أفريقيا بعد هزائمه المتتالية من قبل قوات التحالف الدولي في العراق وسوريا وهروب مقاتليه. وكان، من ثم، يراهن على ذراعه الأفريقية «بوكو حرام» للتوسّع في القارة السمراء، إلا أن الانقسامات التي أخذت تعصف بالجماعة جعلته يفقد السيطرة عليها، وبالتالي، على فرص توسعه في غرب أفريقيا.
ويرى محللون أنه عندما بايعت «بوكو حرام» تنظيم داعش أدت هذه المبايعة إلى زيادة قدراتها القتالية أكثر من ذي قبل. وعلى أثر ذلك أخذت الجماعة على عاتقها شأنها شأن «داعش» مهمة محاربة مؤسسات من تدعوها «الدولة الكافرة» - من وجهة نظرها -، والعمل حسب زعمها «من أجل تطبيق الشريعة الإسلامية» وإقامة «دولة الخلافة» على الأرض، أو الموت دون ذلك.
ويضيف المحللّون، علاوة على ما سبق، أن الفكرة الرئيسة التي تؤمن بها «بوكو حرام»، وأيضا «داعش»، هي أن «دولة الخلافة» لا بد أن تسود الكرة الأرضية. ويلزم تحقيق هذا الغرض قتل غير المسلمين إذا ما باء إجبارهم على اعتناق الإسلام بالفشل، بل، حتى المسلمين الذين يعارضون أسلوبهم الوحشي وهجماتهم البربرية يكون مصيرهم المحتوم هو القتل.
* صراع الجناحين
وكشفت الدراسة المصرية، التي أعدها مرصد الأزهر، عن وجود تلاسن بين أنصار البُرناوي وأتباع شيكاو، وذلك عقب اتهام أتباع شيكاو أنصار البُرناوي بـ«الانحراف عن الفكر الجهادي الحقيقي» التي تزعم الجماعة اعتناقه، فضلا عن اعتناق منهج تنظيم داعش في قتل الأبرياء واستباحة دمائهم ونهب منازلهم، وإرسال انتحاريين إلى مناطق مزدحمة بالناس مثل الأسواق ومهاجمة المسلمين بشكل عشوائي في المساجد، مما أدى إلى خسارة تعاطف البعض ممن كانوا يرون خطأ أن «بوكو حرام» تحارب من أجل الدين. ومن ثم، تحولت قناعات المتعاطفين مع «بوكو حرام» ليكتشفوا أن الجماعة لا تحارب حقا من أجل الإسلام كما كانت تزعم.
كذلك، أوضحت الدراسة أن «داعش» قد يسعى لتغيير استراتيجية «بوكو حرام» باستهداف المسيحيين في نيجيريا. وقالت إن مثل هذا التحول في استراتيجية الجماعة قد يعيد للجماعة قوتها من جديد - على حد مزاعم عناصرها -، لا سيما إذا ما نجحت في استغلال التوترات الطائفية الموجودة في المناطق النيجيرية ذات الكثافة السكانية من المسلمين والمسيحيين؛ الأمر قد يشكل خطورة كبيرة جدا قد تنتهي باندلاع صراع طائفي أوسع، يتجاوز نيجيريا والدول المجاورة إلى دول أفريقية أخرى.
وقالت مصادر مصرية مطلعة، على هذا الجانب بالذات، إن جماعة «بوكو حرام» طرحت نفسها اليوم كمدافع عن الإسلام والمسلمين ضد المسيحيين، ما أكسبها لبعض الوقت نوعًا من التعاطف في أوساط بسطاء المسلمين.
* أبو مصعب البُرناوي
ويرى مراقبون أن وقوع اختيار «داعش» على أبو مصعب البُرناوي، قبل شهرين، رجّح وقتها أن يتبعه تزايد في وتيرة عمليات «بوكو حرام» ووحشيتها لإثبات كفاءة القيادة الجديدة، فضلا عن تغيير أهداف هذه العمليات لبيان تميز هذه القيادة، إلا أن الانشقاقات والاقتتال سرعان ما دبّت داخل الجماعة. وحسب الدارسة المصرية، فإن «الشقاق الحادث داخل (بوكو حرام) جعل المقاتلين يفكّرون جيدًا في مدى مصداقية الجماعة ومزاعمها التي تستقطب الشباب من خلالها». ومن ثم اكتشفوا حقًا «زيف ادعاءاتها وبطلان عقيدتها، فتراجعوا عن تأييدها ورفضوا البقاء ضمن صفوفها، فضلا عن هروب المقاتلين بسبب نقص الأسلحة».
من ناحية أخرى، يقول مراقبون إن جماعة «بوكو حرام» نجحت في إقامة شبكة علاقات قوية مع التنظيمات «القاعدية» في شمال أفريقيا، وخصوصا مع تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب» من خلال إرسال الجماعة عددًا من مقاتليها للمشاركة في القتال في شمال جمهورية مالي، والحصول على التمويل والسلاح والتدريب لعناصرها. وتشير بعض المؤشرات في هذا الصدد إلى أن تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب» أمدّ الجماعة بكميات من الأسلحة نقلت إليه من ليبيا عبر دول الجوار، خاصة، النيجر وتشاد.
* الإفراج عن الفتيات
أخيرًا، في السياق نفسه، أعلن المتحدث باسم الرئيس النيجيري محمد بوخاري على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» أنه تم الإفراج عن 21 فتاة من بين أكثر من مائتي فتاة اختطفن من قبل «بوكو حرام» من مدرسة في بلدة شيبوك بشمال شرقي نيجيريا عام 2014. وكانت «بوكو حرام» قد اختطفت 276 فتاة وشابة في أبريل (نيسان) عام 2014 من مدرستهن في البلدة، بينما تمكنت 50 فتاة فقط من الهروب من خاطفيهن.
ويشار إلى أنه في عام 2015، تم إنقاذ ما يقارب 700 امرأة وطفل من قبل الجيش النيجيري، بعدما كانوا محتجزين لدى «بوكو حرام». وقالت المصادر المطلعة إن محاولات مضنية من الجيش النيجيري لتحجيم هذه الجماعة والقضاء عليها، إذ مثلت ولا تزال تمثل صداعًا مزمنًا في رأس الحكومة النيجيرية.



«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».