سقوط رايات «داعش» في العراق تفتح طريق انشقاقات «عُمالها» بأفريقيا

أخطر جماعة إرهابية في القارة السمراء تقتتل على الزعامة

مسؤولة في المجمع الرئاسي النيجيري تستقبل بعض الفتيات اللائي تم إطلاق سراحهن بعد أن اختطفتهن جماعة {بوكو حرام} قبل أكثر من سنتين في إحدى مدارس تشيبوك النيجيرية (أ.ب)
مسؤولة في المجمع الرئاسي النيجيري تستقبل بعض الفتيات اللائي تم إطلاق سراحهن بعد أن اختطفتهن جماعة {بوكو حرام} قبل أكثر من سنتين في إحدى مدارس تشيبوك النيجيرية (أ.ب)
TT

سقوط رايات «داعش» في العراق تفتح طريق انشقاقات «عُمالها» بأفريقيا

مسؤولة في المجمع الرئاسي النيجيري تستقبل بعض الفتيات اللائي تم إطلاق سراحهن بعد أن اختطفتهن جماعة {بوكو حرام} قبل أكثر من سنتين في إحدى مدارس تشيبوك النيجيرية (أ.ب)
مسؤولة في المجمع الرئاسي النيجيري تستقبل بعض الفتيات اللائي تم إطلاق سراحهن بعد أن اختطفتهن جماعة {بوكو حرام} قبل أكثر من سنتين في إحدى مدارس تشيبوك النيجيرية (أ.ب)

أعلنت رئاسة الجمهورية في نيجيريا قبل أيام نجاحها في إطلاق سراح 21 فتاة اختطفتهن جماعة «بوكو حرام» المتشددة عام 2014 في بلدة تشيبوك بشمال شرقي البلاد. وكانت هذه الجماعة المتطرفة قد بايعت زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي في مارس (آذار) عام 2014، وأطلقت على عناصرها مسمى «داعش نيجيريا». وللعلم، نفذت «بوكو حرام» خلال العام الماضي ما يقرب من 500 هجوم، وكان أول هجوم لها خارج نيجيريا على المناطق الحدودية لتشاد والكاميرون وقتل فيه 520 شخصًا ضمن 46 هجومًا، ثم تضاعفت العمليات ضد البلدان المجاورة حيث قتل 53 على الأقل في سلسلة من الهجمات حتى منتصف عام 2015.
يرى خبراء ومحللون أن سقوط رايات الخلافة - المزعومة - لتنظيم داعش الإرهابي في العراق، فتحت طريقا لانشقاقات «عُمالها» في جماعة «بوكو حرام» أخطر جماعة إرهابية في أفريقيا، ولقد سبق للجماعة أن أعلنت ولاءها لزعيم «داعش» أبو بكر البغدادي.
في هذا الصدد تفيد دراسة مصرية، أعدها مرصد الأزهر في القاهرة، أن «داعش» يفقد السيطرة على «بوكو حرام» التي تعد جناح التنظيم في غرب أفريقيا، بسبب الاقتتال الدائر على زعامة الجماعة من قادتها من ناحية، والاقتتال الدائر بين عناصرها وهروب كثير منهم عقب اكتشاف زيف مبادئ وأفكار وتوجهات الجماعة خاصة خلال الأشهر الأخيرة من ناحية أخرى.
ومعلوم أن نشاط «بوكو حرام» كان قد تزايد خصوصا بعد مبايعتها «داعش»، إذ اقتبست الجماعة من «داعش» وحشيته، ثم أضافت إليه، ففاقته من حيث عدد ضحاياه؛ إذ بينما كان «داعش» ينحر ويحرق المئات في العراق وسوريا، لم تتورع «بوكو حرام» عن إحراق قرى مسيحية بأكملها في نيجيريا. بل حتى المساجد لم تعد بمنأى عن هجماتها البربرية، بالإضافة إلى قتلها كثير من المواطنين الأبرياء، مما جعلها تحوز لقب «الجماعة الأكثر دموية في العالم» عن جدارة.
* بداية الانقسام
حسب الدراسة المصرية، فإن الانقسام يضرب «بوكو حرام» منذ قرار تنظيم داعش تغيير زعيم الجماعة أبو بكر شيكاو، وتنصيب أبو مصعب البرناوي خلفا له في أغسطس (آب) الماضي. وهو الأمر الذي كان بداية لسلسلة من الاضطرابات التي هزّت أركان الجماعة بقوة، فوجد الانقسام طريقه إلى داخل صفوفها، وتحديدًا، بين مؤيدين لشيكاو ومؤيدين للبرناوي. ولم تتوقف موجة الانقسامات التي ضربت الجماعة عند حد الحرب الكلامية، بل وجه كل من الجانبين اتهامات للآخر بالتخلي عن مبادئ الجماعة، والافتقار إلى أهلية القيادة.
ويشار إلى أنه في كتاب «إدارة التوحّش»، الذي يعد دستور جميع الحركات المتطرفة التي تمارس الإرهاب باسم الدين، يصبح التركيز على فترة التحوّل من مقاتلة «العدو القريب» المتمثل في الأنظمة السياسية والنخب العربية والإسلامية، إلى مقاتلة «العدو البعيد» المتمثل في الغرب بصفة عامة والولايات المتحدة الأميركية بصفة خاصة. وفي هذا الشأن - حسب مراقبين - «يعتمد (داعش) على جماعات بعيدة عنه في دول أخرى، من بينها (بوكو حرام) لتنفيذ مخططه، باستهداف الأجانب، ومواطني الدول الأخرى الأبرياء». وحقًا، كما تشير الدراسة المصرية، فإن «بوكو حرام» هي الجماعة الأكثر دموية، بدليل مسؤوليتها عن قتل 6 آلاف ونصف الألف شخص، وتسمى أيضا جماعة «أهل الدعوة والجهاد» ويترجم اسم «بوكو حرام» لدى أنصاره إلى «التعليم الغربي حرام».
* لمحة تاريخية
بعد نزاع مع السلطات النيجيرية، وبعد مقتل زعيمها الأسبق محمد يوسف في 2009 تبنت «بوكو حرام» حملة من العنف، وأعلن رئيسها السابق أبو بكر شيكاو ما أطلق عليه «الجهاد ضد الحكومة النيجيرية والولايات المتحدة الأميركية» في 2010، ووفق الدراسة المصرية «وصلت هذه الانقسامات لدرجة الاحتراب الداخلي في صفوف الجماعة». مضيفة أن «مواجهات وقعت بالفعل بين مقاتلين لـ(بوكو حرام) بعضهم البعض في منطقة مونجومو بولاية بُرنو على مقربة من بحيرة تشاد، ما قد ينذر بسقوط متوقع بين لحظة وأخرى خلال الفترة المقبلة للجماعة التي تصدرت الجماعات الإرهابية العام الماضي في القتل والعنف».
في هذه الأثناء، أعاد «داعش» تنظيم خطوطه في قارة أفريقيا بعد هزائمه المتتالية من قبل قوات التحالف الدولي في العراق وسوريا وهروب مقاتليه. وكان، من ثم، يراهن على ذراعه الأفريقية «بوكو حرام» للتوسّع في القارة السمراء، إلا أن الانقسامات التي أخذت تعصف بالجماعة جعلته يفقد السيطرة عليها، وبالتالي، على فرص توسعه في غرب أفريقيا.
ويرى محللون أنه عندما بايعت «بوكو حرام» تنظيم داعش أدت هذه المبايعة إلى زيادة قدراتها القتالية أكثر من ذي قبل. وعلى أثر ذلك أخذت الجماعة على عاتقها شأنها شأن «داعش» مهمة محاربة مؤسسات من تدعوها «الدولة الكافرة» - من وجهة نظرها -، والعمل حسب زعمها «من أجل تطبيق الشريعة الإسلامية» وإقامة «دولة الخلافة» على الأرض، أو الموت دون ذلك.
ويضيف المحللّون، علاوة على ما سبق، أن الفكرة الرئيسة التي تؤمن بها «بوكو حرام»، وأيضا «داعش»، هي أن «دولة الخلافة» لا بد أن تسود الكرة الأرضية. ويلزم تحقيق هذا الغرض قتل غير المسلمين إذا ما باء إجبارهم على اعتناق الإسلام بالفشل، بل، حتى المسلمين الذين يعارضون أسلوبهم الوحشي وهجماتهم البربرية يكون مصيرهم المحتوم هو القتل.
* صراع الجناحين
وكشفت الدراسة المصرية، التي أعدها مرصد الأزهر، عن وجود تلاسن بين أنصار البُرناوي وأتباع شيكاو، وذلك عقب اتهام أتباع شيكاو أنصار البُرناوي بـ«الانحراف عن الفكر الجهادي الحقيقي» التي تزعم الجماعة اعتناقه، فضلا عن اعتناق منهج تنظيم داعش في قتل الأبرياء واستباحة دمائهم ونهب منازلهم، وإرسال انتحاريين إلى مناطق مزدحمة بالناس مثل الأسواق ومهاجمة المسلمين بشكل عشوائي في المساجد، مما أدى إلى خسارة تعاطف البعض ممن كانوا يرون خطأ أن «بوكو حرام» تحارب من أجل الدين. ومن ثم، تحولت قناعات المتعاطفين مع «بوكو حرام» ليكتشفوا أن الجماعة لا تحارب حقا من أجل الإسلام كما كانت تزعم.
كذلك، أوضحت الدراسة أن «داعش» قد يسعى لتغيير استراتيجية «بوكو حرام» باستهداف المسيحيين في نيجيريا. وقالت إن مثل هذا التحول في استراتيجية الجماعة قد يعيد للجماعة قوتها من جديد - على حد مزاعم عناصرها -، لا سيما إذا ما نجحت في استغلال التوترات الطائفية الموجودة في المناطق النيجيرية ذات الكثافة السكانية من المسلمين والمسيحيين؛ الأمر قد يشكل خطورة كبيرة جدا قد تنتهي باندلاع صراع طائفي أوسع، يتجاوز نيجيريا والدول المجاورة إلى دول أفريقية أخرى.
وقالت مصادر مصرية مطلعة، على هذا الجانب بالذات، إن جماعة «بوكو حرام» طرحت نفسها اليوم كمدافع عن الإسلام والمسلمين ضد المسيحيين، ما أكسبها لبعض الوقت نوعًا من التعاطف في أوساط بسطاء المسلمين.
* أبو مصعب البُرناوي
ويرى مراقبون أن وقوع اختيار «داعش» على أبو مصعب البُرناوي، قبل شهرين، رجّح وقتها أن يتبعه تزايد في وتيرة عمليات «بوكو حرام» ووحشيتها لإثبات كفاءة القيادة الجديدة، فضلا عن تغيير أهداف هذه العمليات لبيان تميز هذه القيادة، إلا أن الانشقاقات والاقتتال سرعان ما دبّت داخل الجماعة. وحسب الدارسة المصرية، فإن «الشقاق الحادث داخل (بوكو حرام) جعل المقاتلين يفكّرون جيدًا في مدى مصداقية الجماعة ومزاعمها التي تستقطب الشباب من خلالها». ومن ثم اكتشفوا حقًا «زيف ادعاءاتها وبطلان عقيدتها، فتراجعوا عن تأييدها ورفضوا البقاء ضمن صفوفها، فضلا عن هروب المقاتلين بسبب نقص الأسلحة».
من ناحية أخرى، يقول مراقبون إن جماعة «بوكو حرام» نجحت في إقامة شبكة علاقات قوية مع التنظيمات «القاعدية» في شمال أفريقيا، وخصوصا مع تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب» من خلال إرسال الجماعة عددًا من مقاتليها للمشاركة في القتال في شمال جمهورية مالي، والحصول على التمويل والسلاح والتدريب لعناصرها. وتشير بعض المؤشرات في هذا الصدد إلى أن تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب» أمدّ الجماعة بكميات من الأسلحة نقلت إليه من ليبيا عبر دول الجوار، خاصة، النيجر وتشاد.
* الإفراج عن الفتيات
أخيرًا، في السياق نفسه، أعلن المتحدث باسم الرئيس النيجيري محمد بوخاري على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» أنه تم الإفراج عن 21 فتاة من بين أكثر من مائتي فتاة اختطفن من قبل «بوكو حرام» من مدرسة في بلدة شيبوك بشمال شرقي نيجيريا عام 2014. وكانت «بوكو حرام» قد اختطفت 276 فتاة وشابة في أبريل (نيسان) عام 2014 من مدرستهن في البلدة، بينما تمكنت 50 فتاة فقط من الهروب من خاطفيهن.
ويشار إلى أنه في عام 2015، تم إنقاذ ما يقارب 700 امرأة وطفل من قبل الجيش النيجيري، بعدما كانوا محتجزين لدى «بوكو حرام». وقالت المصادر المطلعة إن محاولات مضنية من الجيش النيجيري لتحجيم هذه الجماعة والقضاء عليها، إذ مثلت ولا تزال تمثل صداعًا مزمنًا في رأس الحكومة النيجيرية.



ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
TT

ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)

عندما وصف رجل ألماني في شريط على «يوتيوب» سوسن شبلي، السياسية الألمانية الشابة من أصل فلسطيني، والتي تنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، بأنها: «دمية متحدثة باسم الإسلاميين»، ظنت أن محكمة ألمانية سترد لها حقها بعد «الإهانة» التي تعرضت لها، ولكنها فوجئت عندما حكمت المحكمة بأن هذه الصفة وغيرها من التي ألصقها بها الرجل، هي «ضمن حرية التعبير التي يصونها القانون الألماني»، وليست إهانة ولا تحريضاً على الكراهية.

في الواقع، لم تكن تلك المرة الأولى التي تتعرض لها شبلي لتوصيفات عنصرية كهذه. فهي وغيرها من السياسيين المسلمين القلائل في ألمانيا، والسياسي الأسود الوحيد كرامبا ديابي، معتادون على سماع كثير من الإهانات، بسبب ديانتهم ولونهم فقط؛ حتى أنهم يتلقون تهديدات عبر البريد الإلكتروني والاتصالات، تصل أحياناً لحد التهديد بالقتل.
ورغم أن هذه التهديدات التي يتعرض لها السياسيون المسلمون في ألمانيا تجلب لهم التضامن من بقية السياسيين الألمان، فإن أكثر من ذلك لا يُحدث الكثير.
في ألمانيا، تصنف السلطات ما يزيد على 12 ألف شخص على أنهم من اليمين المتطرف، ألف منهم عنيفون، وهناك خطر من أن ينفذوا اعتداءات داخل البلاد.
يشكل اليمينيون المتطرفون شبكات سرية، ويتواصلون عادة عبر الإنترنت، ويتبادلون الأحاديث داخل غرف الـ«تشات» الموجودة داخل الألعاب الإلكترونية، تفادياً للمراقبة.
وفي السنوات الماضية، ازداد عنف اليمين المتطرف في ألمانيا، وازداد معه عدد الجرائم التي يتهم أفراد متطرفون بارتكابها. وبحسب الاستخبارات الألمانية الداخلية، فإن اعتداءات اليمين المتطرف زادت خمسة أضعاف منذ عام 2012.
وفي دراسة لمعهد «البحث حول التطرف» في جامعة أوسلو، فإن ألمانيا على رأس لائحة الدول الأوروبية التي تشهد جرائم من اليمين المتطرف، وتتقدم على الدول الأخرى بفارق كبير جداً. فقد سجل المعهد حوالي 70 جريمة في هذا الإطار بين عامي 2016 و2018، بينما كانت اليونان الدولة الثانية بعدد جرائم يزيد بقليل عن العشرين في الفترة نفسها.
في الصيف الماضي، شكل اغتيال سياسي ألماني يدعى فالتر لوبكه، في حديقة منزله برصاصة أطلقت على رأسه من الخلف، صدمة في ألمانيا. كانت الصدمة مضاعفة عندما تبين أن القاتل هو يميني متطرف استهدف لوبكه بسبب سياسته المؤيدة للاجئين. وتحدث كثيرون حينها عن «صرخة يقظة» لأخذ خطر اليمين المتطرف بجدية. ودفن لوبكه ولم يحدث الكثير بعد ذلك.
فيما بعد اغتياله بأشهر، اعتقل رجل يميني متطرف في ولاية هسن، الولاية نفسها التي اغتيل فيها السياسي، بعد أن قتل شخصين وهو يحاول الدخول إلى معبد لليهود، أثناء وجود المصلين في الداخل بهدف ارتكاب مجزرة. أحدثت تلك المحاولة صرخة كبيرة من الجالية اليهودية، وعادت أصوات السياسيين لتعلو: «لن نسمح بحدوثها مطلقاً مرة أخرى»، في إشارة إلى ما تعرض له اليهود في ألمانيا أيام النازية. ولكن لم يحدث الكثير بعد ذلك.
وقبل بضعة أيام، وقعت مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة في مدينة هاناو في الولاية نفسها، استهدفا من قبل يميني متطرف لأن من يرتادهما من المسلمين. أراد الرجل أن يقتل مسلمين بحسب رسالة وشريط فيديو خلَّفه وراءه بعد أن قتل 9 أشخاص، ثم توجه إلى منزله ليقتل والدته، ثم نفسه. أسوأ من ذلك، تبين أن الرجل كان يحمل سلاحاً مرخصاً، وينتمي لنادي الرماية المحلي.
بات واضحاً بعد استهداف هاناو، أن السلطات الألمانية لم تولِ اليمين المتطرف اهتماماً كافياً، وأنها لا تقدر حقيقة خطره على المجتمع، رغم أنها كشفت قبل أيام من جريمة هاناو عن شبكة يمينية متطرفة، كانت تعد لاعتداءات على مساجد في أنحاء البلاد، أسوة بما حصل في كرايستشيرش في نيوزيلندا.
وجاء الرد على اعتداء هاناو بتشديد منح رخص السلاح، وبات ضرورياً البحث في خلفية من يطلب ترخيصاً، على أن يرفض طلبه في حال ثبت أنه ينتمي لأي مجموعة متطرفة، ويمكن سحب الترخيص لاحقاً في حال ظهرت معلومات جديدة لم تكن متوفرة عند منحه. كما يبحث وزراء داخلية الولايات الألمانية تأمين حماية للمساجد وللتجمعات الدينية للمسلمين واليهود.
ولكن كل هذه الإجراءات يعتقد البعض أنها لا تعالج المشكلة الأساسية التي تدفع باليمين المتطرف لارتكاب أعمال عنف. وفي كل مرة تشهد ألمانيا اعتداءات، يوجه سياسيون من اليسار الاتهامات لحزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، بالمسؤولية عنها بشكل غير مباشر. ويواجه الحزب الذي دخل البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) للمرة الأولى عام 2018، وبات أكبر كتلة معارضة، اتهامات بأنه «يطبِّع سياسة الكراهية»، وبأنه يحرض على العنف ضد اللاجئين والمهاجرين، من خلال ترويجه لخطاب الكراهية. وحتى أن البعض ذهب أبعد من ذلك بالدعوة إلى حظر الحزب للتصدي للعنف المتزايد لليمين المتطرف.
والواقع أن مشكلة اليمين المتطرف تزداد منذ أن دخل «البديل لألمانيا» إلى «البوندستاغ». فهو - كما حملته الانتخابية - يركز خطابه على مواجهة سياسة اللاجئين التي اعتمدتها حكومة المستشارة أنجيلا ميركل. وكثير من الأسئلة التي يتقدم بها نوابه في البرلمان تهدف لإثبات خطأ هذه السياسة، وعدم قدرة اللاجئين على الاندماج. ورغم أن نوابه في البرلمان يحرصون على عدم تخطي القانون في خطاباتهم، فإن كثيراً من السياسيين المنتمين لهذا الحزب؛ خصوصاً في الولايات الشرقية، لا يترددون في الحديث بلغة لا يمكن تمييزها عن لغة النازيين. أبرز هؤلاء السياسيين بيورغ هوكيه الذي لم يستطع أعضاء في حزبه تمييز ما إذا كانت جمل قرأها صحافي لهم، هي مقتطفات من كتاب «كفاحي» لهتلر، أم أنها أقوال لهوكيه.
كل هذا خلق أجواء سلبية ضد المسلمين في ألمانيا، وحوَّل كثيرين من الذين ولدوا لأبوين مهاجرين إلى غرباء في بلدهم. في هاناو، يقول كثيرون من الذين فقدوا أصدقاءهم في المجزرة، بأنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان، ولا بأنهم جزء مقبول من المجتمع. وبعضهم يرى أنه ما دام حزب «البديل لألمانيا» مقبولاً بين الأحزاب الأخرى، فإن خطاب الكراهية سيستمر، والجرائم كالتي حصلت في هاناو ستتكرر.
ما يزيد من هذه المخاوف ومن الشبهات، أن السلطات الألمانية لم تأخذ خطر اليمين المتطرف على محمل الجد طوال السنوات الماضية. وهناك فضائح متتالية داخل المؤسسات الأمنية تظهر أنها مليئة بمؤيدين أو متعاطفين مع اليمين المتطرف؛ خصوصاً داخل الشرطة والجيش. ويواجه رئيس المخابرات الداخلية السابق هانس يورغ ماسن اتهامات بأنه متعاطف مع اليمين المتطرف، وهو ما دفع جهازه لغض النظر عن تحركاتهم طوال السنوات الماضية، والتركيز عوضاً عن ذلك على خطر الإسلام المتطرف. ومنذ مغادرته المنصب، أصدرت المخابرات الداخلية تقييماً تقول فيه بأن خطر اليمين المتطرف بات أكبر من خطر الإسلام المتطرف في ألمانيا.
وطُرد ماسن الذي ينتمي للجناح المتطرف في حزب ميركل (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) من منصبه، بعد اعتداءات كيمنتس في صيف عام 2018، بسبب رد فعله على التطورات هناك. وعارض ماسن ميركل في قولها بأن شريط فيديو من هناك أظهر ملاحقة نازيين جدد للاجئين، شتماً وضرباً. وخرج ماسن ليقول بأنه لم يتم التثبت من الشريط بعد، ويشكك في وجود نازيين جدد هناك. وكانت تظاهرات كبيرة قد خرجت ضد لاجئين في كيمنتس، بعد جريمة قتل ارتكبها لاجئان (عراقي وسوري) بحق أحد سكان البلدة.
وتعرض كذلك لانتقادات بعد جريمة هاناو لقوله بأن الرجل يعاني من اضطرابات عقلية، وهو الخط نفسه الذي اتخذه حزب «البديل لألمانيا» عندما رفض طبع المجرم بأنه يميني متطرف؛ خصوصاً أن الأخير تحدث في شريط الفيديو عن «التخلص» من جنسيات معينة من دول عربية ومسلمة.
ويعيد ماسن صعود عنف اليمين المتطرف لموجة اللجوء منذ عام 2015، إلا أن ألمانيا شهدت عمليات قتل وملاحقات عنصرية قبل موجة اللجوء تلك. ففي عام 2011 كشف عن شبكة من النازيين الجدد عملت بالسر طوال أكثر من 12 عاماً، من دون أن يكشف أمرها، ما سبب صدمة كبيرة في البلاد. ونجح أفراد هذه الشبكة في قتل تسعة مهاجرين لأسباب عنصرية بين عامي 2000 و2007، إضافة إلى تنفيذهم 43 محاولة قتل، و3 عمليات تفجير، و15 عملية سرقة.
وقبل اكتشاف الخلية، كانت الشرطة تستبعد أن تكون عمليات القتل ومحاولات القتل تلك تتم بدوافع عنصرية، رغم أن جميع المستهدفين هم من أصول مهاجرة. وعوضاً عن ذلك، كانت التخمينات بأن الاستهدافات تلك لها علاقة بالجريمة المنظمة والمافيات التركية.
ورغم أن الكشف عن ارتباط هذه الجرائم باليمين المتطرف زاد الوعي الألماني لخطر هذه الجماعات، وأطلق نقاشات في الصحافة والمجتمع والطبقة السياسية، فإن التعاطي مع الجرائم التي لحقت، والتي اشتبه بأن اليمين المتطرف وراءها، لم يكن تعاطياً يحمل كثيراً من الجدية.