مرحلة مثيرة في الحياة الثقافية الفرنسية.. والعالم

المغامرة السريالية في ترجمة عربية جديدة

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
TT

مرحلة مثيرة في الحياة الثقافية الفرنسية.. والعالم

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

لم يكن الجندي الفرنسي غيوم أبولينير يدرك، عندما كتب قصائده حيث يقبع في أحد خنادق الحرب (العالمية الأولى)، بأنه سيترك وديعة ثمينة لدى أصدقائه، الذين لم يلتحقوا بتلك الحرب، على شكل قصائد مرسومة بأشكال هندسية وغير هندسية. لم تكن تلك القصائد مرسومة بالألوان أو الخطوط بل بالكلمات، وهذه المبادرة الشخصية منه ستحفز أصدقاءه، وآخرين غيرهم، على إطلاق تلك الحركة التي تركت أثرها البليغ على عدد كبير من شعراء القرن العشرين، عبر العالم، ومن ضمنهم شعراء عرب.
مرت مياه كثيرة تحت الشعر، ليطلق الشاعر عدنان محسن (المقيم في باريس) كتابه الجديد «المغامرة السريالية - مقالات ونصوص» - منشورات دار «الجمل» 2016.
مرت خمس وأربعون سنة بين البيان الأول لإطلاق السريالية الذي كتبه منظرها الأبرز أندريه بريتون عام 1924 والبيان الأخير الذي أعلن وفاتها بقلم جان شوستير المنشور، حينها، في صحيفة «اللوموند» عام 1969، لكنها لم تمت كتأثير واتجاه وطريقة نظر إلى العالم والتعبير عنه فنًا وشعرًا ونثرًا، فها هي تطل برأسها مجددًا، في أحدث ترجمة عربية.
تشتت شمل تلك المجموعة التي «غامرت» مغامرتها الكبرى، فمنهم من طرد ومنهم من التحق بالحزب الشيوعي ومنهم من توقف، لكن ثمة أسماء جديدة، حسب المقدمة، انضافت إلى الرواد، من أجيال مختلفة، بينها أسماء سبقت انطلاق السريالية نفسها لاعتبارات نقدية واحتفاءات «بسبب ما» حسب بروتون، وهو يضع لائحته الجديدة، سماهم «سرياليون بسبب ما»، كما ورد في مقدمة المترجم، وهي مقدمة غنية تلقي المزيد من الضوء على تلك التحولات التي رافقتها أو انبثقت من داخلها، وتتضمن الكثير من المعلومات المهمة، ومنها ما هو جديد على القارئ العربي.
فتح منظر السريالية (بريتون) الباب وسيعًا أمام أسماء من أجيال سابقة عليها (هيراقليطس وساد وبودلير ورامبو وغيرهم)، وسوغ لهم ما يشبه العضوية الشرفية في الحركة (بسبب ما) حسب تعبيره، لكنه «عاد وندد بالحركة الخارجة عن مجموعته في المقال نفسه (حوارات) والتي تدّعي السريالية، معتبرًا إياها مزورة ومتآمرة» كما يذكر فيردينان ألكيه، في أحد مقالات الكتاب.
ولكن ما هي السريالية؟
ليس ثمة تعريف محدد، ملخص، ثابت، للسريالية، فهي حركة تقوم على شروط ومفاهيم واختراقات عدة، يتفاعل فيها الخيال والحلم ونبذ الرقابة العقلية أثناء الكتابة وتحرير العقل بما يتيح «الكتابة الآلية»، وفكريًا، قادت الحركة، موقفًا ضد الحرب وضرورة التمرد على السرديات الكبرى والأصوليات الراسخة في معتقدات الناس وثقافاتهم والتصدي لبؤس الواقع.
وهي أيضًا «تطبيق آخر متفرد يجمع ما بين ما تجود به القريحة الخالقة وبين إعادة استعمال المفردات على نحو فائق الكمال: إعادة تفعيل (المركب السكران) التي قام بها روبير ديسنوس.. فهو كتب بيد ثانية مرتجفة مصابة بحمى الخلق، ويبدو عليها إعادة كتابة النصوص المهمة السابقة من أجل تغيير وجهتها» - مقال إيتين ألان هوبير «رامبو والسرياليون».
وهي أيضًا: كل فعل خارج المألوف، رغم شعبوية التعريف.
نعم، كل كتابة هي كتابة على الكتابة، وما أضافه السرياليون هو الكتابة بيد مرتجفة تعاني الحمّى.
يقول جان شوستر: «لا ينسى المرء الأمل الإيجابي الذي تستمد منه السريالية مصادرها.. ورغم التحديات كلها، التي واجهتها، لم تكن السريالية متشائمة لأنها مأخوذة بذلك الأمل الذي يطلق عليه رامبو (الحياة الحقة)، ولأن (الحياة الحقة) غائبة، توجب على السرياليين العثور عليها».
الكتاب، إذن، يرصد مرحلة مثيرة في الحياة الثقافية الفرنسية، وينفتح على سجالات فكرية مهمة وملتبسة في آن: الثورة وتغيير العالم والرؤية إلى الفن وطرائق التعبير، كما أنه، من ناحية، لا يخلو من الدعابة واللعب، في الكلام والحوار والكتابة والفن، خصوصًا في نصوص الحوارات التي دارت بين أسماء لامعة مثل لوي أراغون وسوزان موزار، أو في تلك المحاكمة الافتراضية التي ترأسها أندريه بريتون لمحاكمة أحد الخونة: موريس بارس:
«الشاهد تريستان تزارا يرد على سؤال: هل جرحت في معركة فيردان؟
ج: ولأني لا أحجم عن أي كذبة، سأقول: نعم. نعم جرحت في فيردان الدادئية. أنت تعرف، سيادة الرئيس (بريتون هو رئيس المحكمة) أنا جبان بما فيه الكفاية كي أعرض حياتي للخطر، من أجل قضية لا تهمني في نهاية المطاف إلا قليلاً.
س: هل لديك رغبة شخصية في معرفة بارس؟
ج: عرفته في عام 1912 ولكن زعلت معه بسبب قضايا تخص النساء».
عدا مقدمته الوافية لا يألو عدنان محسن جهدًا في توضيح بعض الظواهر والتهميش، داخل الكتاب وكتابة مقدمات «قصيرة» لشرح أبرز النصوص والحوارات كما في حوار بريتون وأرتو وضعها تحت عنوان «اللعبة السريالية»: «على طوال تاريخ السريالية اخترعت طرق لا حصر لها في اللعب جمعت في كتاب ضمن أرشيف السريالية. هنا ترجمة لأشهر الحوارات التي دارت بين السرياليين بين عامي 1924 و1938 من كتاب «اللعبة السريالية» ومن الحوار بين بريتون وتزارا:
«آرتو: هل للموت أهمية في تكوين حياتك؟
بريتون: لقد حان وقت النوم.
آرتو: ما هو الحب الخالد؟
بريتون: ليس الفقر عيبًا»!
الكتاب ممتع في أي مستوى للقراءة: للقراء عمومًا أو للباحثين في الشأن الفني، تحديدًا شأن «المغامرة السريالية» لما توفر فيه على شؤون وسجالات وحوارات ونصوص على غاية الأهمية والجمال والمتعة والدعابة والسخرية، هذا إضافة إلى نصوص شعرية لأبرز شعراء السريالية.



مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يؤكد مراعاة خصوصية المشكلات الفلسفية في منطقة الخليج

جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)
جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)
TT

مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يؤكد مراعاة خصوصية المشكلات الفلسفية في منطقة الخليج

جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)
جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)

أكد البيان الختامي لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة، الذي اختُتم مساء السبت، إقامة مشروع بحثي فلسفي يدرس نتاج الفلاسفة العرب وأفكارهم وحواراتهم.

وبعد اختتام مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة، الذي أُقيم بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة، وذلك بمقر «بيت الفلسفة» بالإمارة، برعاية الشيخ محمد بن حمد الشرقي، ولي عهد الفجيرة؛ اجتمع أعضاء «حلقة الفجيرة الفلسفيّة» في مقرّها بـ«بيت الفلسفة»، وأصدروا بياناً دعوا إلى تأسيس نواة «اتحاد الجمعيات الفلسفية العربية»، ومقرّه الفجيرة، وتشجيع الجمعيات على الانضمام إلى «الفيدرالية الدولية للفلسفة».

الشيخ محمد بن حمد الشرقي ولي عهد الفجيرة خلال رعايته مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة (بيت الفلسفة)

وأكد البيان أهمية مراعاة خصوصية المشكلات الفلسفية في منطقة الخليج العربي، مثل مشكلة الهوية وتعزيز الدراسات حولها.

ودعا للسعي إلى «الإضاءة على الفلسفة في العالم العربي وتمييزها من الفلسفة الغربية؛ لأنّ هدف بيت الفلسفة المركزي تعزيز الاعتراف بالآخر وقبوله».

كما دعا البيان إلى تعزيز دائرة عمل «حلقة الفجيرة الفلسفيّة»، بما يضمن تنوّع نشاطها وتوسّع تأثيرها؛ بدءاً بعقد جلسات وندوات شهريّة ودوريّة من بُعد وحضورياً، ومروراً بتعزيز المنشورات من موسوعات ومجلّات وكتب وغيرها، وانتهاء باختيار عاصمة عربيّة في كلّ سنة تكون مركزاً لعقد اجتماع «حلقة الفجيرة الفلسفيّة» بإشراف «بيت الفلسفة».

وأكد توسيع دائرة المشاركين خصوصاً من العالم الغربي؛ بحيث يُفعّل «بيت الفلسفة» دوره بوصفه جسراً للتواصل الحضاري بين العالمين العربي والغربي.

كما بيّن أهمية إصدار كتاب يجمع أعمال المؤتمرات السابقة. وبدءاً من العام المقبل سيعمد «بيت الفلسفة» إلى تعزيز الأبحاث المطوّلة في المؤتمر ونشرها في كتاب خاصّ.

ومؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة هو الأول من نوعه في العالم العربي، وتشارك فيه سنوياً نخبة من الفلاسفة البارزين من مختلف أنحاء العالم، ويحمل المؤتمر هذا العام عنوان: «النقد الفلسفي».

وتهدف دورة هذا العام التي بدأت يوم الخميس الماضي واختُتمت السبت، إلى دراسة مفهوم «النقد الفلسفي»، من خلال طرح مجموعة من التساؤلات والإشكاليات حوله، بدءاً بتعريف هذا النوع من النقد، وسبل تطبيقه في مجالات متنوعة؛ مثل: الفلسفة، والأدب، والعلوم.

وتناول المؤتمر العلاقة بين النقد الفلسفي وواقعنا المعيش في عصر الثورة «التكنوإلكترونية»، وأثر هذا النقد في تطوّر الفكر المعاصر.

وخلال مؤتمر هذا العام سعى المتحدثون إلى تقديم رؤى نقدية بنّاءة جديدة حول دور الفلسفة في العصر الحديث، ومناقشة مجموعة من الموضوعات المتنوعة، تشمل علاقة النقد الفلسفي بالتاريخ الفلسفي وتأثيره في النقد الأدبي والمعرفي والعلمي والتاريخي، ومفاهيم مثل «نقد النقد»، وتعليم التفكير النقدي، إلى جانب استكشاف جذور هذا النقد وربطه ببدايات التفلسف.

الشيخ محمد بن حمد الشرقي ولي عهد الفجيرة خلال رعايته مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة (بيت الفلسفة)

وعملت دورة المؤتمر لهذا العام على أن تصبح منصة غنيّة للمفكرين والفلاسفة لتبادل الأفكار، وتوسيع آفاق النقاش حول دور الفلسفة في تشكيل المستقبل.

وشملت دورة هذا العام من مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة عدداً من الندوات والمحاضرات وجلسات الحوار؛ حيث افتُتح اليوم الأول بكلمة للدكتور أحمد البرقاوي، عميد «بيت الفلسفة»، وكلمة للأمين العام للاتحاد الدولي للجمعيات الفلسفية.

وتضمّنت أجندة اليوم الأول أربع جلسات: ضمت الجلسة الأولى محاضرة للدكتور أحمد البرقاوي، بعنوان: «ماهيّة النّقد الفلسفيّ»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الغذامي، بعنوان: «النقد الثقافي»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الهتلان.

وضمت الجلسة الثانية محاضرة للدكتور فتحي التريكي، بعنوان: «النقد في الفلسفة الشريدة»، ومحاضرة للدكتور محمد محجوب، بعنوان: «ماذا يُمكنني أن أنقد؟»، ومحاضرة ثالثة للدكتور أحمد ماضي، بعنوان: «الفلسفة العربية المعاصرة: قراءة نقدية»، وترأس الجلسة الدكتور حسن حماد.

أما الجلسة الثالثة فضمت محاضرة للدكتور مشهد العلّاف، بعنوان: «الإبستيمولوجيا ونقد المعرفة العلميّة»، ومحاضرة للدكتورة كريستينا بوساكوفا، بعنوان: «الخطاب النقدي لهاريس - نقد النقد»، ومحاضرة للدكتورة ستيلا فيلارميا، بعنوان: «فلسفة الولادة - محاولة نقدية»، وترأس الجلسة: الدكتور فيليب دورستيويتز.

كما ضمت الجلسة الرابعة محاضرة للدكتور علي الحسن، بعنوان: «نقد البنيوية للتاريخانيّة»، ومحاضرة للدكتور علي الكعبي، بعنوان: «تعليم الوعي النقدي»، وترأس الجلسة: الدكتور أنور مغيث.

كما ضمّت أجندة اليوم الأول جلسات للنقاش، وتوقيع كتاب «تجليات الفلسفة الكانطية في فكر نيتشه» للدكتور باسل الزين، وتوقيع كتاب «الفلسفة كما تتصورها اليونيسكو» للدكتور المهدي مستقيم.

جانب من الحضور (الشرق الأوسط)

وتكوّن برنامج اليوم الثاني للمؤتمر (الجمعة 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2024) من ثلاث جلسات، ضمت الجلسة الأولى محاضرة للدكتورة مريم الهاشمي، بعنوان: «الأساس الفلسفي للنقد الأدبيّ»، ومحاضرة للدكتور سليمان الضاهر، بعنوان: «النقد وبداية التفلسف»، وترأست الجلسة: الدكتورة دعاء خليل.

وضمت الجلسة الثانية محاضرة للدكتور عبد الله المطيري، بعنوان: «الإنصات بوصفه شرطاً أوّلياً للنّقد»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الجسمي، بعنوان: «النقد والسؤال»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الضاهر.

وضمت الجلسة الثالثة محاضرة للدكتور إدوين إيتييبو، بعنوان: «الخطاب الفلسفي العربي والأفريقي ودوره في تجاوز المركزية الأوروبية»، ومحاضرة الدكتور جيم أي أوناه، بعنوان: «الوعي الغربي بفلسفة ابن رشد - مدخل فيمونولوجي»، ويرأس الجلسة: الدكتور مشهد العلاف.

وتكوّن برنامج اليوم الثالث والأخير للمؤتمر (السبت 23 نوفمبر 2024) من جلستين: تناولت الجلسة الأولى عرض نتائج دراسة حالة «أثر تعليم التفكير الفلسفي في طلاب الصف الخامس»، شارك فيها الدكتور عماد الزهراني، وشيخة الشرقي، وداليا التونسي.

وشهدت الجلسة الثانية اجتماع «حلقة الفجيرة الفلسفية» ورؤساء الجمعيات الفلسفية العربية.