التلفزيون المصري بين إعادة الهيكلة وعودة حقيبة الإعلام

بعد تكرار الأخطاء الكارثية.. أبناء ماسبيرو: «أياد مرتعشة تقوده»

مطالب بإعادة هيكلة «ماسبيرو» وفق المعايير الدولية المتبعة وتحريره من القيود الإدارية المعوقة للعمل الإعلامي («الشرق الاوسط»)
مطالب بإعادة هيكلة «ماسبيرو» وفق المعايير الدولية المتبعة وتحريره من القيود الإدارية المعوقة للعمل الإعلامي («الشرق الاوسط»)
TT

التلفزيون المصري بين إعادة الهيكلة وعودة حقيبة الإعلام

مطالب بإعادة هيكلة «ماسبيرو» وفق المعايير الدولية المتبعة وتحريره من القيود الإدارية المعوقة للعمل الإعلامي («الشرق الاوسط»)
مطالب بإعادة هيكلة «ماسبيرو» وفق المعايير الدولية المتبعة وتحريره من القيود الإدارية المعوقة للعمل الإعلامي («الشرق الاوسط»)

الأخطاء الكثيرة التي يقع فيها التلفزيون الرسمي في مصر (ماسبيرو)، دعت إعلاميين وصحافيين ونوابًا في البرلمان للمطالبة بإعادة هيكلته، أو عودة حقيبة الإعلام مرة أخرى، لضبط الإيقاع داخله.
وأكد خبراء أن «مبنى ماسبيرو العريق بات يعاني من الترهل»، في حين قال مذيعون في «ماسبيرو» إن «الدولة لم تهتم بالقدر الكافي باستعادة إعلام الشعب، وتم اختيار قيادات لـ(ماسبيرو) أيديها مرتعشة، تحاول طول الوقت تهدئه العاملين دون الاهتمام بما يقدم على الشاشة».
وآخر كوارث «ماسبيرو» بث حوار قديم منذ عام للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، كان مع شبكة «بي بي سي»، على اعتبار أنه حوار جديد على الهواء مباشرة، ضمن زيارة السيسي الأخيرة إلى الولايات المتحدة الأميركية.
ويواجه «ماسبيرو»، القاطن على كورنيش نيل القاهرة، حالة من الجمود في الفكر، وهروب العاملين الأكفاء منه لغياب الرؤية لدى قياداته. ومن المقرر أن يتم تحويل «ماسبيرو» إلى الهيئة الوطنية للإعلام. وتنص المادة 213 من الدستور المصري على تأسيس الهيئة الوطنية للإعلام، لتقوم على إدارة المؤسسات الإعلامية المرئية والإذاعية والرقمية المملوكة للدولة، وتطويرها وتنمية أصولها، وضمان استقلالها وحيادها».
وطالبت لجنة الإعلام بمجلس النواب (البرلمان) الحكومة بإعادة هيكلة «ماسبيرو» وفق المعايير الدولية المتبعة، وتحريره من القيود الإدارية المعوقة للعمل الإعلامي، وقال نواب في اللجنة، خلال اجتماعهم الأخير، إن «المبني يضم عناصر مخربة ومستهترة يؤدى أداؤها إلى إخلال بالأمن القومي».
وقال النائب جلال عوارة، عضو مجلس النواب، إن «استمرار القرار بتعيين أكبر قيادة في التلفزيون بيد الحكومة، يجعله بشكل أو بآخر تلفزيون الحكومة، ويسعى لرضائها بأي شكل، وهناك أخطاء تحدث يوميا، ولا يوجد حسن إدارة»، مضيفا أن «كل ما يحدث في التلفزيون جعله يفقد المصداقية».
أما النائبة جليلة عثمان، عضو لجنة الإعلام بالبرلمان، فقالت إن «ماسبيرو» مترهل، وديونه متراكمة منذ سنوات كثيرة، لافتة إلى أن مساحة الحرية في «ماسبيرو» متضاربة.
والتقت «الشرق الأوسط» عددا من مذيعي «ماسبيرو»، منهم الإعلامية فاتن عبد المعبود، المذيعة في التلفزيون، التي قالت: للأسف الدولة كانت حريصة بعد ثورة «25 يناير» على استعاده دور وزارة الداخلية، والحفاظ على هيبة القضاء، لكنها لم تهتم بالقدر الكافي باستعادة إعلام الشعب، المتمثل في «ماسبيرو»، وقد تم اختيار قيادات للتلفزيون أيديها مرتعشة، تحاول طول الوقت أن تعمل على تهدئه العاملين في المبني دون الاهتمام بما يتم تقديمه على الشاشة، وتحول المبنى لموظفين دون إبداع، على الرغم من أن المبنى به كثير من الكفاءات القادرة على النهوض بالمحتوى الإعلامي.
وأضافت عبد المعبود أن العبارة التي يتم ترديدها من أن «ماسبيرو» لا يوجد به كفاءات وقيادات، عارية تماما من الصحة، وأن الجميع داخل المبنى يتمنى أن يكون هناك تطوير يسمح بعوده «ماسبيرو» بقوة، متابعة: الأهم أن نعلم كيف سيتم التطهير، أو الهيكلة التي تضمن الحفاظ على تقدم المبنى؟ فلن تجدي الهيكلة من دون تطهير المبنى، والمفروض أن توضع خطة حقيقية لاستعادة ماسبيرو»، وليس مجرد عبارات رنانة للحفاظ على المناصب فقط، لافتة إلى أنه بالفعل هناك كثير من الإعلاميين خرجوا من المبنى لكونهم تعرضوا لضغوط وظلم، وعلى الرغم من خروج الكثيرين، فإن المبنى ما زال به كثير من الكفاءات.
وعن مطالب عودة وزير الإعلام، قالت المذيعة المصرية، إن ذلك لا بد منه، خصوصا أن الدستور لم يمنع وجود وزير إعلام، والإعلام المصري في حاجه لوزير، وهذا الكلام لا بد من وصوله للرئيس، مضيفة: لا بد من وجود وزير إعلام قوي، وكذلك إرادة حقيقية لعودة إعلام الدولة، إعلام الشعب الذي يحافظ على هوية المجتمع المصري، ويزيد من وعي وثقافة وحب المواطن لهذا الوطن.
من جانبه، قال الإعلامي أحمد يوسف، المذيع بقناة النيل الثقافية بـ«ماسبيرو»، إن «ماسبيرو» مليء بقواعد البيانات والأصول الإبداعية التي تعتبر هي الحل في تحقيق نهضة به، وليس وضع وزير أو تسمية الوزير بتسمية أخرى، مضيفا أنه ينبغي علينا أن نحافظ على أمانة الأجيال السابقة والمستقبلية في «ماسبيرو» لأنه أكبر مؤسسة إعلامية في مصر، واستثماره معرفيا سيحوله إلى مركز تميز عالمي.
وتابع يوسف: إن أي إدارة ستحاول الترقيع أو التحسين بما لا يتماشى مع الرؤية المعرفية لإدارة المعرفة وعصر الجماهير ستكون محاولتها حلا مؤقتا وغير مرضى، فماسبيرو لا بد أن يتحول لأحد أصول مصر المعرفية رفيعة المستوى تماما.
وأشار المذيع المصري إلى أن ذلك يتطلب الاعتماد على الابتكار الإعلامي، ووضع المكون الابتكاري في صناعة الإعلام، والاستعانة بالتكنولوجيا رفيعة المستوى، وتصميم مختبرات للإعلام ومراكز للبحث والتطوير الإعلامي لماسبيرو، فضلا عن تغيير تعليم كليات الإعلام المصرية بما يناسب رؤية الوطن المستقبلية للإعلام، واندماج الميديا مع العلوم والمعلوماتية، ووزنها وزنا حقيقيا كأبرز أسلحة القوى الناعمة في الوطن.
في السياق ذاته، وعن مطالب البرلمان بعودة حقيبة الإعلام، اختلف إعلاميون في ذلك، فالبعض يرى أن عودتها مهمة الآن لضبط إيقاع العمل في «ماسبيرو»، ويرى آخرون أن الحل الوحيد لمواجهة الفوضى في المشهد الإعلامي هو إصدار التشريعات الإعلامية وفق مواد الدستور.



هل يؤدي تراجع اهتمام ناشرين بـ«فيسبوك» إلى تعزيز حضورهم على «تيك توك» و«يوتيوب»؟

شعار «فيسبوك» (د.ب.أ)
شعار «فيسبوك» (د.ب.أ)
TT

هل يؤدي تراجع اهتمام ناشرين بـ«فيسبوك» إلى تعزيز حضورهم على «تيك توك» و«يوتيوب»؟

شعار «فيسبوك» (د.ب.أ)
شعار «فيسبوك» (د.ب.أ)

شهدت العلاقة بين ناشرين ومنصة «فيسبوك» تغييرات جذرية خلال العامين الماضيين، عقب تراجع المنصة عن دعم الأخبار، من خلال خفض حركة الإحالة إلى المواقع الإخبارية، ما دفع المؤسسات الإعلامية إلى إعادة تقييم استراتيجياتها الرقمية. وحقاً، انخفضت «حركة الإحالة (Referral Traffic)» إلى المواقع الإخبارية من «فيسبوك» بنسبة 67 في المائة خلال العامين الماضيين، وفق بيانات تضمَّنها التقرير السنوي لـ«معهد رويترز لدراسة الصحافة» لعام 2025.

مراقبون فسَّروا هذا التراجع بأنه «يعكس تغييراً في استراتيجية «فيسبوك»». ويبدو أن الناشرين كذلك يبادلون «فيسبوك» انخفاض الاهتمام، فوفق تقرير «رويترز» فإن المنصة الزرقاء «لم تعد بين أولويات الناشرين»، إذ نقل التقرير عن نتائج استطلاع أجراه «معهد رويترز» انخفاض اهتمام الناشرين بـ«فيسبوك» بمعدل قُدِّر بتقييم سلبي بلغ ناقص 42 نقطة. ولفت التقرير إلى أن «هناك تراجعاً في الجهود المبذولة لتعزيز العلاقة مع (فيسبوك)، حيث يعدّ كثيرٌ من الناشرين المنصةَ أقل أهمية وأقل فائدة للصحافيين مقارنة بالمنصات الأخرى».

خبراء حاورتهم «الشرق الأوسط» يرون أن هذا التراجع المتبادَل يعود إلى التغييرات في خوارزميات المنصة، التي أصبحت تُبرز المحتوى الترفيهي على حساب المحتوى الإخباري.

محمد عبد الوهاب السويعي، المتخصص في إدارة تقنية المعلومات والأمن السيبراني والباحث في أنظمة الذكاء الاصطناعي بالمملكة العربية السعودية، قال: «في السابق كانت منصة (فيسبوك) تمثّل نافذةً أساسيةً لنقل الأخبار إلى الجمهور، حيث وفَّرت المنصة وسيلةً سريعةً ومنخفضة التكلفة لنشر المحتوى، ولكن مع ذلك، تغيّر تركيز (فيسبوك) نحو المحتوى الترفيهي والتواصل الاجتماعي، ما جعل الأخبار تجد صعوبةً في الحصول على مكان بارز على المنصة».

السويعي عدّ هذا التحول دافعاً للناشرين إلى البحث عن بدائل جديدة لتوصيل محتواهم. وعدَّد البدائل مثل «النشرات البريدية، التي تشهد ازدياداً في شعبيتها بوصفها وسيلةً مباشرةً للتواصل مع الجمهور، وقد باتت بديلاً بارزاً ضمن استراتيجيات المؤسسات. وأيضاً أصبح تحسين محركات البحث (SEO) ضرورةً ملحّةً؛ لتعزيز ظهور المحتوى في نتائج البحث، مما يضمن تدفقاً مستداماً وطبيعياً للزوار».

وأردف الخبير السعودي أنه، في المقابل، «بدأت منصات جديدة تلفت انتباه الناشرين بوصفها بدائل واعدة، على سبيل المثال، تقدم منصة (بلوسكاي Bluesky) نموذجاً لا مركزياً يمنح المستخدمين مزيداً من الحرية في اختيار المحتوى الذي يتابعونه، الأمر الذي يوفر تجربةً أكثر تخصيصاً. كذلك أصبحت منصة (غوغل ديسكفر Google Discover) خياراً مفضلاً لدى كثير من الناشرين، كونها تعتمد على تقديم المحتوى بناءً على اهتمامات المستخدم، ما يضمن وصول الأخبار إلى جمهور مستهدف بدقة». غير أنه على الرغم من هذه النظرة المتفائلة، فإن السويعي يقول إن «المنصات تواجه تحديات ملموسة أبرزها، الحاجة إلى توسيع قاعدة المستخدمين لتحقيق تأثير حقيقي ونتائج فعّالة للناشرين».

بالعودة إلى تقرير «رويترز» فإن الناشرين بصدد إعادة توجيه جهودهم نحو منصات بديلة، لا سيما المنصات المُعزَّزة بالفيديو؛ نتيجة لتغيير اهتمامات المستخدمين. وأشار التقرير إلى أن مجموعة متزايدة من المؤسسات تخطط لتكثيف حضورها على منصات مثل «يوتيوب»، التي ارتفع الاهتمام بها بما يعادل (+52 نقطة) مقابل (+48 نقطة) لـ«تيك توك»، أما «إنستغرام» فقد أبدى الناشرون اهتماماً بها بنسبة قُدِّرت في التقرير السنوي بـ(+43 نقطة). وعزى السويعي هذا الاتجاه بالقول إن «منصة (يوتيوب) توفِّر مساحةً لتقديم تقارير إخبارية مُصوَّرة أو بث مباشر للأحداث المهمة، ما يضيف بُعداً بصرياً وسياقاً غنياً للمحتوى، ومن جهة أخرى، أثبتت منصة (تيك توك) فاعليتها في الوصول إلى الفئات الشابة». ودلّل الخبير السعودي على ذلك بأن «الإحصاءات تشير إلى أن الفيديوهات التفاعلية على (تيك توك) جذبت جمهوراً واسعاً، حيث سجَّل المستخدمون إنفاقاً يتجاوز 10 مليارات دولار لدعم صناع المحتوى في عام 2023، كما حقَّقت حملات تسويقية مثل حملة (Morning Brew) أكثر من 23 مليون ظهور، مما يؤكد فاعلية المنصة في إيصال المحتوى لجمهور واسع ومتفاعل».

من جهة ثانية، قال خالد عبد الراضي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في مصر والمملكة العربية السعودية، إنه ليس بوسع المؤسسات الإعلامية أن تعتمد هذا العام على استراتيجيات ثبت نضوبها. وأوضح: «بشكل عام نحن أمام تحوّلات أجبرت الناشرين على اتّباع نموذج عمل لا يعتمد على مصدر أحادي للنشر، بينما يعد تنويع قنوات الوصول للجمهور استراتيجيةً مستدامةً تحمي الناشرين من خطر التغيير الذي يسير حسب هوى المنصات العملاقة».

وتابع عبد الراضي أن هذا الاتجاه لا يقتصر على «فيسبوك» فحسب، إذ وفقاً لتقارير صدرت مطلع العام الحالي فإن «حركة الإحالة» من منصة «إكس» (تويتر سابقاً) «انخفضت بنسبة 50 في المائة»، ما يشير إلى أن الاعتماد على منصة بوصفها مصدراً رئيساً للزيارات لن يحقق استقراراً للمؤسسات. ولذا عدّ أن الخيارات المستدامة أمام الناشرين في العام الجديد تشمل «الاستثمار في تطوير القوالب الإخبارية؛ لتضمن تجربة أكثر متعة وتفاعلاً، والاعتماد على قنوات متنوعة للوصول إلى الجمهور المستهدف، ووضع خطط الظهور على كل منصة وفقاً للخوارزميات الخاصة بها وخصائص مستخدميها». واختتم أن «المؤسسات الإخبارية ستواجه مزيداً من التحديات مع صعود الذكاء الاصطناعي».