الإعلام الاجتماعي بتركيا في مرمى النيران

لعب دورًا كبيرًا في إحباط الانقلاب وتعرض مرات للحظر.. و«بايلوك» طريق للسجن

لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا كبيرًا في إحباط محاولة الانقلاب الفاشلة - اعتقال متهمين بعد تورطهم في استخدام تطبيقات «بايلوك» لمناصرة الانقلاب («الشرق الأوسط»)
لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا كبيرًا في إحباط محاولة الانقلاب الفاشلة - اعتقال متهمين بعد تورطهم في استخدام تطبيقات «بايلوك» لمناصرة الانقلاب («الشرق الأوسط»)
TT

الإعلام الاجتماعي بتركيا في مرمى النيران

لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا كبيرًا في إحباط محاولة الانقلاب الفاشلة - اعتقال متهمين بعد تورطهم في استخدام تطبيقات «بايلوك» لمناصرة الانقلاب («الشرق الأوسط»)
لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا كبيرًا في إحباط محاولة الانقلاب الفاشلة - اعتقال متهمين بعد تورطهم في استخدام تطبيقات «بايلوك» لمناصرة الانقلاب («الشرق الأوسط»)

كما لعبت وسائل التواصل الاجتماعي، أو ما يُسمى بالإعلام الاجتماعي، دورًا كبيرًا في إحباط محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا، منتصف يوليو (تموز) الماضي، واصلت هذا الدور حتى الآن، وأسهمت بدور كبير في تحقيقات محاولة الانقلاب، التي ظهر فيها بقوة تطبيق «بايلوك» الذي قاد المئات إلى السجون.
وبعكس ما حدث في المنطقة العربية، وفي الدول التي قامت بها ثورات ما يسمى بـ«الربيع العربي» التي اعتمد فيها محركو الثورات على وسائل التواصل الاجتماعي في ترتيب الصفوف وتنظيم التحركات وإعلان خطط إسقاط الأنظمة الحاكمة، جاء استخدام هذه الوسائل في تركيا مختلفا تماما؛ ففي ليلة الانقلاب الفاشل استخدم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان هذه الوسائل للوصول إلى الشعب عبر ظهوره على قناة «سي إن إن تورك» من خلال تطبيق «فيس تايم» ليوجه نداء للشعب التركي للنزول إلى الشوارع والتصدي لمحاولة الانقلاب.
وعلى الرغم من أن وسائل التواصل الاجتماعي كانت عرضة في فترات كثيرة قبل محاولة الانقلاب لضغوط وصلت إلى حد إغلاق «تويتر» و«يوتيوب» ومنع الوصول إليهما أكثر من مرة، فإنها أثبتت هذه المرة أنها صاحبة التأثير الأكبر والأعمق من وسائل الإعلام التقليدية.
ولأن هذه الوسائل تتيح سهولة الاستخدام، فقد لجأ إليها الرئيس التركي في ذلك الوقت العصيب وتناقلت مواقع «يوتيوب» و«فيسبوك» و«تويتر» كلمته عشرات آلاف المرات في غضون ساعات قليلة. وكان لإردوغان في عامي 2013 و2014 تصريحات كثيرة حول خطورة وسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما «فيسبوك» و«تويتر»، إذ تم استغلالها في أحداث «جيزي بارك» في إسطنبول وكذلك لتقليل فرصه في الفوز بانتخابات الرئاسة عام 2014. لكنه كان سباقًا في استخدامها، لتكون وسائل التواصل الاجتماعي صاحبة فضل في كسر محاولة الانقلاب الفاشلة.
ووسط التفاعل الكبير للقنوات التلفزيونية وبرامجها الكثيرة التي ركزت جميعها في الحملة على حركة «الخدمة»، أو كما تسميها السلطات التركية «تنظيم فتح الله غولن» في ضوء إحصاءات تقول إن 80 في المائة من وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية في تركيا الآن موالية للحكومة والرئيس رجب طيب إردوغان، ظهرت وسائل التواصل الاجتماعي مرة أخرى لكنها هذه المرة كانت في قفص الاتهام.
فقد شنت السلطات التركية حملات موسعة للقبض على الآلاف من رجال الشرطة والصحافيين وأساتذة الجامعات والموظفين والمواطنين، بسبب استخدام تطبيق «بايلوك»، وذكرت وسائل الإعلام التركية أن السلطات تمكنت من تقفي أثر الآلاف من المرتبطين بجماعة الداعية فتح الله غولن، المتهم بتدبير محاولة الانقلاب، عن طريق هذا التطبيق الخاص بالتراسل الذي يتسم بأنه سهل الاختراق، ويتم تحميله على الهواتف الذكية باسم «بايلوك».
ورجحت السلطات أن تكون مجموعة من مطوري البرامج الهواة وراء إنشاء التطبيق، لأنه لا يتوافر على المتاجر سواء على «أندرويد» أو «آي أو إس» الخاص بهواتف «آيفون»، وإنما يتم تحميله من مواقع خاصة.
وقال مسؤولون أتراك، إن جهاز المخابرات تمكن من اختراق التطبيق في وقت سابق من العام الحالي، ومن خلاله تم تتبع عشرات الآلاف من المرتبطين بحركة غولن.
ولفت المسؤولين إلى أن مقربين من جماعة غولن توقفوا عن استخدام «بايلوك» قبل أشهر بعد أن اكتشفوا سهولة اختراقه، لكنه ظل طريقا سهلا لتتبع من تقول الحكومة التركية إنهم على علاقة بمحاولة الانقلاب.
وأضاف المسؤولون أن البيانات التي يقدمها التطبيق جعلت من الممكن تتبع شبكتهم، أو على الأقل تتبع جزء كبير منها. وأن عددا كبيرا من الناس تم التعرف عليهم عبر «بايلوك» كانوا متورطين بشكل مباشر في محاولة الانقلاب.
وتبين أن تطبيق «بايلوك» مصدره أميركا ويوجد «السيرفر» الخاص به في ليتوانيا، وأن 80 في المائة من مستخدميه من الأتراك، وأنه لا يمكن استخدامه إلا من خلال كلمات مرور ترسل من مستخدم إلى آخر، كما أنه يقوم تلقائيًا بحذف المراسلات كل ثلاثة أيام.
وزعمت وسائل الإعلام التركية أن كثيرا من كلمات المرور كانت موجودة على عملة مزيفة من فئة «الدولار» كان يتداولها أتباع غولن في الفترة التي سبقت محاولة الانقلاب الفاشلة.
وقال متخصصون في أمن المعلومات إن «(بايلوك) تطبيق تراسل غير مؤمن ولا يستخدم بشكل واسع حاليًا. والذي يريد استخراج معلومات منه بإمكانه فعل ذلك في دقيقة».
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد كانت وسائل التواصل سببًا في استقالة مدير أكبر مجموعة إعلامية خاصة في تركيا أخيرًا، ففي أول أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، أعلن محمد علي يالتشن داغ المدير العام لمجموعة «دوغان» التركية استقالته، على خلفية نشر رسائل إلكترونية تؤكد علاقته بالحكومة وتنفيذه لأوامرها في توجيه السياسة التحريرية لصحف وقنوات المجموعة.
ونفى يالتشن داغ الذي تسلم قبل عام واحد إدارة مجموعة «دوغان» الإعلامية التي تضم صحيفة «حرييت» وقناتي «سي إن إن تورك» و«كانال دي» العامة، أن تكون تلك المراسلات الإلكترونية صادرة عنه.
وأوضح أنه سيترك منصبه «لعدم الإضرار بسمعة مجموعة (دوغان)، وتم التحقيق في الرسائل المنسوبة إلى يالتشين داغ، التي نشرتها على مواقع التواصل الاجتماعي مجموعة قرصنة تسمي نفسها (ريدهاك)».
وفي تلك المراسلات، وعد يالتشين داغ وزير الطاقة التركي برات البيرق صهر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بالحفاظ على خط موالٍ للحكومة.
وتصنف صحيفة «حرييت» والقنوات التلفزيونية التابعة لمجموعة «دوغان» على أنها وسائل إعلام مستقلة، رغم أنها لا تعتمد خطًا معارضًا بالكامل للحكومة.
ونفى يالتشين داغ في بيان صحة الرسائل المنسوبة إليه، قائلا إنه ضحية «عملية احتيال مروعة».
وأوضح أن عاملا تقنيا فحص الكومبيوتر الخاص بي، ووجد أنه لم يكتب هذه الرسائل الإلكترونية وأنه لم يتم إرسالها من جهازه.
وشدد يالتشين داغ على أنه «سيستخدم كل الوسائل القانونية المتاحة» دفاعا عن نفسه، موضحا أنه سيتم إجراء عمليات بحث لشرح ما حدث. ومن جانبه قال رئيس المجموعة أيدين دوغان، إنه يحترم قرار صهره يالتشين داغ، منددا بعملية «تلاعب».
وذكر أن قرصنة البيانات المعلوماتية تعتبر عملا غير قانوني، متحدثا عن «هجوم متعمد ضد عائلة (دوغان)».



تساؤلات بشأن تراجع إطلاق مواقع إخبارية جديدة في أوروبا وأميركا

رسم بياني يوضّح تراجع الإصدارات الجديدة للمواقع الإخبارية (الدراسة)
رسم بياني يوضّح تراجع الإصدارات الجديدة للمواقع الإخبارية (الدراسة)
TT

تساؤلات بشأن تراجع إطلاق مواقع إخبارية جديدة في أوروبا وأميركا

رسم بياني يوضّح تراجع الإصدارات الجديدة للمواقع الإخبارية (الدراسة)
رسم بياني يوضّح تراجع الإصدارات الجديدة للمواقع الإخبارية (الدراسة)

أثارت نتائج دراسة حديثة بشأن تراجع إطلاق مواقع إخبارية جديدة في أوروبا وأميركا الجنوبية والشمالية خلال العامين الماضيين، تساؤلات بشأن السبب وراء هذا التراجع، وتأثيره في «مستقبل الإعلام»، وفي حين أرجع خبراء الأمر إلى «تشبّع السوق» فإنهم أشاروا إلى أن الوضع مختلف في المنطقة العربية التي تشهد حراكاً سياسياً وإعلامياً لافتاً.

الدراسة أعدها مشروع بحثي تموّله «مبادرة غوغل للأخبار»، وقد رصدت تباطؤاً في عدد شركات الإعلام الرقمي الناشئة في أوروبا وأميركا اللاتينية وأميركا الشمالية منذ عام 2022. وربطت الدراسة، التي نشرها أخيراً معهد «نيمان لاب»، المتخصّص في الدراسات الإعلامية، بين النمو البطيء والتحديات الاقتصادية والصراعات السياسية بوصفها أسباباً محتملة لتراجع عدد المشاريع الإعلامية. كذلك رأت الدراسة أن «التراجع قد يكون مؤشراً على أن الأسواق تقترب من نقطة التشبّع في بعض الأماكن، خصوصاً في المدن الكبرى»، بيد أنها قالت أيضاً إن التراجع في رصد المشاريع الجديدة قد يعود إلى أن عدداً منها ينطلق بشكل غير رسمي، ما يجعل من الصعب رصده بصفته مشروعاً إعلامياً جديداً.

جدير بالذكر أن دراسة معهد «نيمان لاب» حلّلت أكثر من 3 آلاف مؤسسة إعلامية في 68 دولة عبر أوروبا وأميركا اللاتينية وأميركا الشمالية. ولقد صنّفت أكثر من 60 في المائة من المؤسسات الإعلامية التي شملتها الدراسة بصفتها مؤسسات ربحية، و32 في المائة منها بصفتها مؤسسات لا ربحية، و5 في المائة تعمل بشكل غير رسمي، و3 في المائة مؤسسات هجينة، أي تجمع بين صفتي الربحية واللاربحية. ومن ثم، لفتت إلى «ارتفاع عدد المواقع الإخبارية التي توقفت في أميركا اللاتينية خلال العام الماضي، مقارنة بأي من السنوات التسع السابقة، إذ توقف 678 موقعاً عن النشر بحلول مايو (أيار) الماضي، في حين شهد عام 2022 إطلاق 46 موقعاً إخبارياً جديداً في أميركا الشمالية».

أنس بنضريف، الصحافي المغربي المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، ربط في لقاء مع «الشرق الأوسط» بين نتائج الدراسة وما بات يُعرف بظاهرة «تشبّع السوق»، وقال إنه مع رصد دراسة تباطؤ إصدار مواقع جديدة في أوروبا والأميركتين فإن الوضع في المنطقة العربية «لا يختلف كثيراً»، وأنه «بعد الانفجار الكبير في إطلاق مواقع ووسائل إعلام جديدة عقب أحداث (الربيع العربي) شهدت السوق تشبّعاً أثر في عدد المواقع الجديدة المدشّنة، لا سيما أن الزيادة العددية لم تنعكس تنوعاً في الشكل والمحتوى».

بنضريف أضاف سبباً آخر هو أن «غالبية المواقع الجديدة، لا سيما تلك المستقلة، لم تفرض نفسها بشكل كبير في سوق الإعلام العربي، بل ظلّت مواقع نخبوية». ولفت إلى «تحديات مالية تواجه إصدار مواقع جديدة أو حتى الحفاظ على القائم منها، في ظل قلة المستثمرين في مجال الإعلام، ونقص العائدات الإعلانية في ضوء المنافسة مع مواقع التواصل الاجتماعي».

ولاحظ الصحافي المغربي أيضاً «تغيّر سلوك الجمهور واعتماده على مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما (تيك توك) و(إنستغرام)، بوصفهما مصدرين للمعلومات والأخبار».

عودة إلى الدراسة نفسها، فإنها أفادت بأن الفترة الأخيرة شهدت تراجعاً في المنح التمويلية المقدمة لدعم الصحافة والإعلام. وأوضحت أن المنح الطارئة ساعدت عديداً من وسائل الإعلام على النجاة من تداعيات جائحة «كوفيد- 19»، ولكن مع نضوب هذه الأموال، عانى عدد من المواقع الإخبارية من آثار مالية هدّدت استمرار عملها. ومعلومٌ أن العديد من المواقع الإخبارية في أميركا الشمالية يعتمد على الإعلانات بصفتها مصدر دخل وحيداً.

في سياق موازٍ، برّر خالد البرماوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، تراجع أو تباطؤ نمو المشاريع الإعلامية في أوروبا والأميركتين بـ«الهجمة الشرسة لبرامج وتطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تنافس الإعلام بقوة». لكنه خلال حواره مع «الشرق الأوسط» قال إنه، في الوقت ذاته، لا يتوقع استمرار هذا التراجع، و«إن الفترة المقبلة قد تشهد اندماجات إعلامية، واستحواذات من شركات كبرى على شركات أصغر لمواكبة المتغيرات المتلاحقة في سوق الإعلام».

وبشأن المنطقة العربية، رأى البرماوي أن «الوضع مختلف، خصوصاً في ظل حراك سياسي مستمر من شأنه أن ينعكس على طبيعة الإعلام وتكوينه... ثم إن الإعلام العربي لا يزال في طور التحوّل والتغيّر، ومن هنا فالتوقّعات بشأن مستقبله مختلفة عن الوضع في الغرب». واختتم كلامه بالإشارة إلى أن «الدراسة تتكلّم عن نحو 60 في المائة من المشاريع الإعلامية الهادفة للربح، وهذا رقم كبير إذا ما قُورن بالوضع عربياً، إذ لا تتجاوز نسبة المشاريع الإعلامية العربية الربحية نسبة الـ20 في المائة، مقابل أخرى مدعومة من دول المنطقة».