نبيه بري.. «ضابط إيقاع» اللعبة اللبنانية

24 سنة في رئاسة البرلمان.. والبديل غير موجود

نبيه بري.. «ضابط إيقاع» اللعبة اللبنانية
TT

نبيه بري.. «ضابط إيقاع» اللعبة اللبنانية

نبيه بري.. «ضابط إيقاع» اللعبة اللبنانية

تتركز الأنظار في لبنان على رئيس مجلس النواب نبيه برّي، حاليًا، باعتباره المعارض الأبرز لوصول رئيس تكتل «التغيير والإصلاح»، النائب العماد ميشال عون، إلى رئاسة الجمهورية. لكن برّي يحرص على التأكيد على أنه «ليس الوحيد»، غامزا من قناة كثير من الذين التقاهم رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، خلال جولته الأخيرة التي قيل إنها تستبق تأييدا محتملاً من الحريري لعون رئيسًا. ومضمون كلام برّي الذي يعد من أمهر من أجادوا لعبة التوازنات السياسية في لبنان، والذي قال - قبل محنة سوريا - إن ضمان حل أي أزمة من أزمات لبنان يأتي عبر «س - س»؛ أي المملكة العربية السعودية وسوريا، أن الساسة الرافضين لعون كثر، غير أنهم لا يقولون ذلك علنًا.
يكاد يصح في رئيس البرلمان اللبناني نبيه برّي الجزء الثاني من مقولة المتنبي الشهيرة: «وأنتَ الخصم والحكم». فبرّي الذي يعتبر عميدا لرؤساء البرلمانات في العالم، ببقائه رئيسا للبرلمان منذ عام 1992، لم يشهد يوما على الساحة اللبنانية منافسا جديا له في موقعه، مستفيدا من شخصيته التي تبقي شعرة معاوية مع الخصوم، ومسافة آمنة مع الحلفاء. وهكذا، تحوّل إلى حاجة لطرفي الأزمة اللبنانية منذ اغتيال الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري في عام 2005؛ يضبط إيقاع البلاد التي تسير منذ ذلك الحين على حافة الهاوية من دون أن تسقط. وفي رأي كثير من خصوم برّي، فإن له دورا أساسيا في عدم سقوطها.
ولقد نال برّي ألقابا كثيرة، أشهرها «الساحر»، فرئيس البرلمان كان دائما جاهزا لإخراج الـ«أرنب» من قبعته، عندما تتأزم الأمور، مجترحًا الحلول، وإن قال بعض السياسيين إنها غير دستورية. ومنها، مثلاً، حالة إسقاط المهلة التي يفرضها الدستور لانتخاب أحد موظفي الدولة رئيسا للجمهورية، من أجل تمكين النواب من انتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية عام 2008 من دون تعديل للدستور، إلا أنه كان المخرج شبه الوحيد من الأزمة. كما أخرج بري أرنب «طاولة الحوار»، لامتصاص نقمة الشارع، ومنع الصدام بين الشارعين في عام 2006. ويقول المقربون منه إن «الحوار ووحدة اللبنانيين حوله شكلا السد المنيع الذي منع انتصار إسرائيل في حربها على لبنان، في ذاك العام». كذلك، أخرج أرنبا ثالثا مع تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عام 2009، بتخلي وزير شيعي عن حصته لصالح وزير سني، من أجل تسهيل تشكيل الحكومة، فكانت المرة الوحيدة التي لا تتساوى فيها الطائفتان في عدد الوزراء، كما ينص العرف الدستوري.
وحول ترشح النائب العماد ميشال عون للرئاسة، تجدر الإشارة إلى أن علاقة بري مع عون لم تكن يوما مضرب المثل، فهي لم ترتق يوما إلى خانة «الحليف»، بل يفضل برّي وصف عون بعبارة «حليف حليفي»؛ أي «حزب الله» الذي يتمتع بعلاقة جيدة مع عون وبرّي. ويوجد بين الرجلين كثير من مسببات التنافر، بالإضافة إلى غياب «الكيمياء» بين الشخصيتين.
ومعلوم أن بري، مثله مثل حليفه آنذاك النائب وليد جنبلاط، قد رفض في عهد الرئيس أمين الجميل تعيين عون قائدا للجيش، واصفا ذلك بأنه «مكافأة له على تدمير جبل والضاحية» (عون كان قائدا للواء الخامس في الجيش الذي خاض مواجهات عنيفة مع حركة (أمل) التي يرأسها برّي، والحزب التقدمي الاشتراكي الذي يرأسه جنبلاط). ويبدو أن انطباع برّي كان - وربما ما زال - سلبيا جدا عن عون، إذ وصفه في كتاب صدر عن حياته بأنه كان «ظاهرة استثنائية في الاستماتة من أجل الوصول إلى رئاسة الجمهورية، مهما كلّفه الأمر، حتى لو كان ذلك على أنقاض البلد كله».
أما عون، فقد «سلّف» برّي كثيرًا من المواقف غير الودية؛ كإصراره على أن المجلس الذي يرأسه برّي «غير شرعي». في حين كانت القشة التي قصمت ظهر البعير إصرار عون على مواجهة برّي انتخابيًا في مدينة جزين المسيحية (جنوب لبنان)، والحصول على نوابها الثلاثة في البرلمان، رغم «كل ما قدمه بري لهذه المدينة»، آخذا على تيار عون تسميته الحملة الانتخابية بأنها تسعى لـ«تحرير جزين».

سياسي ملم بالتفاصيل
يقول نائب رئيس البرلمان، فريد مكاري، الذي عمل نائبا لبرّي منذ عام 2005، إن رئيس البرلمان «من أكثر السياسيين معرفة بالوضع اللبناني»، مشيرا لـ«الشرق الأوسط» إلى أهمية براغماتية نبيه برّي التي تميزه عن غيره من بقية السياسيين. وإذ يصفه مكاري بأنه متحدث لبق مقنع، يؤكد أنه «خصم شرس، لكن يمكن التعاون معه».ويلفت مكاري إلى أن برّي لم يدخل في عداوة دائمة مع أحد من السياسيين اللبنانيين، والأهم أن طبيعته لا تتغير عند الخلاف معه. فإذا اختلفت معه بالسياسة، يستمر باستقبالك والكلام معك، وحتى المزاح، وهو ما خبرناه». أما في حياته الخاصة، فهو «يخاصم من يعتقد أنهم آذوه، لكنه سرعان ما يسامح»، كما يقول أحد أصدقائه المقربين لـ«الشرق الأوسط».
ويرد مكاري سبب قبول قوى 14 بالتصويت لبرّي، حتى عندما كانت لديها الأكثرية البرلمانية، وكان هو خصما لها، إلى ثلاثة أسباب: أولها، أنه الخيار الشيعي الوحيد. وثانيها، أنه الأفضل من بين كل القادرين على شغل هذا المنصب من النواب الشيعة الـ27. وثالثها، أن أيا من النواب الشيعة الذين كانوا مع {14 » لم يكن مستعدا للترشح ضده.
من جهة أخرى، ورغم التقارب الحاصل بين برّي و«حزب الله»، فإن العلاقة بين الطرفين كانت في السابق سيئة إلى حد الدم. فالحزب الذي نشأ على قاعدة الانشقاقات عن حركة «أمل»، تنامى بسرعة نتيجة الدعم الإيراني غير المحدود، واصطدم مع الحركة في صراع على القاعدة الشيعية توّج بحرب ضروس بين الطرفين. ولقد انتصر الحزب في معظم معاركه في البقاع، حيث كان معقله الأساسي، كما سيطر على معظم ضاحية بيروت الجنوبية، وتقدم نحو الجنوب، حيث دارت أشد المعارك قساوة. ويومها، خلع بري ثياب السياسة، ولبس ثياب الميدان، حاملا السلاح لدعم مقاتلي الحركة، مما جعلهم يصمدون ويصدون تقدم الحزب.

لا يحارب داخليًا
يقول برّي إنه لم يتخذ قرارًا بخوض معركة داخلية مع الحركة الوطنية، ولا مع الفلسطينيين، ولا مع الحزب التقدمي الاشتراكي، ولا مع «حزب الله»، ولا مع أي كان،موضحًا: «عشت لحظات ندم كبيرة جدًا، ولا سيما في موقعين: الأول، عندما فرضت علي الفتنة بين حركة (أمل) والفلسطينيين. والثاني، عندما فرضت علي أيضًا فتنة بين حركة (أمل) و(حزب الله). هاتان الفتنتان آلمتاني كثيرًا لأن معركتي لم تكن هناك؛ كنت أشعر بأن يدا تقاتل يدًا، وعينًا تقاتل عينًا، وشريانًا يقاتل شريانًا، والدم ينزف نفسه. إن مجرّد تذكّرهما موجع، وهو يعصرني. وعندما كنت أعيشهما، كان أمرًا في منتهى الصعوبة والألم».
وفي وقت لاحق، تحولت العلاقة تدريجيا بين الحركة والحزب إلى الأفضل، نتيجة التقارب الإيراني - السوري، لكنها توثقت أكثر بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وتشكل فريقي 8 و14، حيث كانا في الخندق ذاته. لكن هذا لا يعني إطلاقا أن ثمة تطابقا في مواقف الطرفين اللذين ظلا يتمايزان بشكل لافت، رغم محافظتهما على الثوابت التي يتفقان عليها.وعلي أي حال، فإن السياق العام لمواقف الطرفين، بعيدا عن الثوابت، يبدو لافتا. فبرّي يحرص على إبقاء قنوات الحوار مفتوحة بشكل دائم. وعندما بدأت الأزمة السورية، انحاز حزب الله إلى جانب النظام بكل قوة، واندفع في وقت لاحق إلى مشاركته في القتال ضد المعارضة، لكن بري انحاز إلى موقف «الحل السلمي» الذي ظل ينادي به منذ اللحظة الأولى، ولا يزال. وبقيت حركة أمل، التي يرأسها برّي، وحيدة بين حلفاء النظام السوري، بعيدة عن الميدان العسكري الذي انخرط فيه بقية الحلفاء. كما كان لافتا أن برّي لم يقم بزيارة واحدة لدمشق منذ ذلك التاريخ. بل على العكس من ذلك، يحرص برّي بشكل دائم على إبداء إشارات التمايز، فعندما صعد حزب الله حملته على المملكة العربية السعودية، اختار برّي اليوم نفسه لاستقبال السفير السعودي في بيروت، وتوزيع صور اللقاء، ليظهر في اليوم التالي خبر الاستقبال مع خبر تصعيد الأمين العام للحزب حسن نصر الله.

بطاقة شخصية
ولد نبيه برّي في مدينة فريتاون، عاصمة سيراليون، يوم 28 يناير (كانون الثاني) عام 1938، حيث كان يقيم والده مصطفى برّي، وهو من أوائل الجنوبيين الذين عملوا في أفريقيا. وعندما بلغ السنة الثالثة من عمره، عاد مع والدته إلى لبنان نظرًا لظروفها الصحية. وعندما عادت الوالدة لتلتحق بزوجها، استقر الرأي على بقائه في لبنان. وفي بلدته تبنين، تربّى نبيه برّي في كنف عمّته التي كانت بمثابة أمّه لجهة الرعاية والاهتمام بشؤون معيشته. ومن ثم، تنقّل بين المدارس بطريقة لافتة، حتى كاد يقضي كل سنة في مدرسة مختلفة. ففي مدرسة تبنين، تلقى علومه الأولى، بالإضافة إلى الدروس الدينية على يد شيخ الضيعة، حيث تمكّن من تجويد القرآن الكريم وهو في السادسة من عمره.
وعندما أنهى المرحلة الابتدائية، اصطدم بواقع أنه لا وجود لمدرسة متوسطة، مما أوجب عليه الانتقال إلى بيروت، فدرس المتوسط الأول في مدرسة الحكمة ذات الطابع المسيحي الماروني، ثم رجع إلى الجنوب، فالتحق بالمدرسة المتوسطة في بنت جبيل، ودرس المتوسط الثاني. ثم انتقل إلى مدينة صور، ليدرس المتوسط الثالث. أما المتوسط الرابع؛ أي الشهادة المتوسطة المعروفة في لبنان بـ«البريفيه»، فقد تقدم فيها «بطلب حر» على اسم مدرسة ليلية، وخاض الامتحان ونجح. وبعد ذلك، انتقل إلى بيروت، ودرس الثانوي الأول في ثانوية الإمام علي بن أبي طالب، التابعة لجمعية المقاصد الخيرية الإسلامية (السنية). ثم في العام التالي، تقدم بطلب حر على اسم مدرسة ليلية للاشتراك في امتحان البكالوريا، وخاض الامتحان ونجح. فالتحق على الأثر بصف الفلسفة في ثانوية الإمام علي بن أبي طالب مجددا. وفي المرحلة الجامعية، انتسب برّي إلى كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية، ونال إجازة في الحقوق بتفوق عام 1963، محتلاً المركز الأول في سنوات الدراسة الأربع، ثم أكمل دراساته العليا في الحقوق في جامعة باريس – السوربون، في فرنسا.
ولقد لمع اسمه خلال ممارسته مهنة المحاماة، بعد أن تدرج في مكتب المحامي المعروف عبد الله لحود. وهكذا، بدأ نبيه برّي شق حياته المهنية حتى لمع وبرع في مجال المحاماة. ولكن مع أنه زاول مهنة المحاماة، فإن عينه كانت دائما على العمل السياسي، كما يقول أحد المقربين منه، فما لبث أن تخلى عن المهنة، ليصبح سياسيا بدوام كامل.
ولقراره دخول العمل السياسي حكاية، ينقلها عنه زواره لـ«الشرق الأوسط»، يقول فيها الرئيس برّي نفسه: «كنت صغيرا أتربى في بلدة تبنين لدى عمة أمي، وكان يسكن قبالتنا أحد النواب. وكنت أرى الناس تتردد إلى هذا المنزل الذي أمامه ساحة كبيرة أقامها النائب. وذات يوم، وكنت وقتها في العاشرة تقريبا، رحت أتفرج من وراء القضبان على الصالون الكبير، حيث يستقبل النائب الناس. ورأيت أمامي منظرا غريبا، فقد كان النائب يقف وأمامه رجل من قرية عيتا راكعا على رجل ونصف يشكو للنائب شيئا، والنائب واقف أمامه. عندها، قررت أن أعمل في السياسة. لقد أدركت يومها أن على الإنسان، إن قابل شخصا متواضعا، أن ينزل تحت. وكلما أوغل الأخير في تواضعه، أوغلت. فالأرض تتغذى من مائها وماء غيرها. أما إذا رأيت متكبرا، فأتكبر عليه أكثر».
ولهذه الرواية تتمة نعرفها من خلال واقعة جرت لبرّي مع الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي. يقول برّي: «ذهبت إلى فرنسا خلال رئاسته، بدعوة من الحكومة الفرنسية. وقد عيّنت لي المواعيد. وعندما وصلت إلى لقاء ساركوزي، دخلت فوجدت الوفد الفرنسي بأكمله في الداخل ما عدا ساركوزي! عندها، رفضت أن أجلس رغم دعوتهم، وانتظرت وصوله لأني رفضت أن أكون جالسا عندما يدخل، فأقف له. ودخل الرئيس الفرنسي، ومن دون مقدمات أو ترحيب، بدأ حديثه قائلا: إن فرنسا ترفض الخضوع لأي تهديد، وترفض، وترفض... وقد كان هناك مشكلات حينها بين الأهالي والقوة الفرنسية العاملة في القوة الدولية (في جنوب لبنان)». ويضيف بري: «انتظرت نهاية خطابه، ثم تحدثت، فقلت له: (إنت كيفك؟). ثم بدأت حواري بالقول: أنتم من دعاني إلى هنا، وأنا لم أطلب المجيء، فجنود القوة الفرنسية هم بحمايتنا، ولا أحد يعلمنا ماذا نفعل. وقد انتهى الأمر بتقديمه الاعتذار، وتحول الجو وديا إلى حد أنه أعطاني رقم هاتفه الخاص، قائلا لي: أي شيء تحتاج إليه، اتصل بي مباشرة».

عروبي مزمن
منذ شبابه، عرف برّي بحبه للمطالعة، وحماسته للقضايا الوطنية والعروبية، إذ قاد كثيرًا من النشاطات والمظاهرات الطلابية عندما كان رئيسا للاتحاد الوطني للطلبة اللبنانيين. وعندما عرض عليه المساهمة في تأسيس «الجمعية اللبنانية للتخصص العلمي»، وافق من دون مناقشة، فقد كان متحمسا لإنشاء هذه الجمعية التي عنيت بتعليم المتفوقين من ذوي الحاجة المادية. ويقول أحد أصدقاء برّي لـ«الشرق الأوسط» إن الأخير بدأ العمل الوطني منذ كان في المدرسة المتوسطة، حين تناهى إليه أن ثمة لبنانيين يتعاونون مع إسرائيل، سواء بالمعلومات أو بالتجارة، فأقنع برّي مجموعة من زملائه، وألفوا جماعة كان هدفها تهديد هؤلاء عبر رسائل مكتوبة بخط اليد دست تحت أبوابهم. كذلك، عرف عن برّي رفضه التشدّد المذهبي، حتى قال عن نفسه في عام 2013: «أنا شيعي الهوية، سني الهوى، لبناني وعربي المنتهى».
حتى علاقته مع الإمام موسى الصدر كادت أن تنتهي قبل أن تبدأ، لأنه كان مقتنعا أن الصدر «آت للتفريق بين السنة والشيعة»، كما قال في مقابلة له مع الزميل نبيل هيثم حول كتاب يوثق حياته. إلا أن الإمام الصدر نفسه بدّد هذا الانطباع في لقاء خاص بينهما، ليتحوّل مع الوقت إلى ساعده الأيمن، حيث كان برّي مندفعا جدا في العمل السياسي أواسط الستينات، ثم انتسب إلى حركة المحرومين التي أسسها الصدر.
أيضًا، يعرف عن برّي تعلقه بأصدقائه، وإصراره على التواصل معهم. وهو يسعى دائما للبقاء على تواصل معهم ومعرفة أخبارهم. ويقول أحدهم: «للرئيس بري حنين بالغ ولفتات ودية، وهو يتحدث دائما عن ذكرياته»، ويشير إلى أن برّي كان ذات يوم في صالة سينما مع زميل لهم، ففوجئا بقطع الفيلم من أجل احتفال حزبي، وبادر الزميل إلى فتاة تجلس إلى جانبه، قائلا لها: «ما هذه القرنبيطة؟»؛ في إشارة إلى شعار حزبها. عندها، بادر برّي فورا إلى ضرب زميله، والصراخ عليه، وجره إلى الخارج، موحيا للآخرين أنه منهم وأنه يعتقله، فأنقذه بذلك - وأنقذ نفسه - من مأزق محتم.

حياته العائلية
تزوّج برّي مرتين: الأولى، ابنة عمه ليلى برّي التي أنجب منها: سيلان وسوسن وفرح ومصطفى وعبد الله وهند. والثانية، رندة عاصي برّي ،وله منها: أمل وميساء وباسل. ولا يوجد من بين أبناء برّي حاليا من يعمل في الحقل السياسي، رغم عمل بعضهم في الحقل العام، من خلال جمعيات خيرية وتعليمية، كابنيه عبد الله، وباسل الذي يرأس حاليا جامعة «فينيقيا». ويقول برّي لسائليه إنه يرفض التوريث، وإنه وقف ضد الإقطاع السياسي، ووراثة الزعامة، ولن يقتدي بها. وعلى صعيد الهوايات، كان برّي ماهرًا في السباحة، وهي من الهوايات التي مارسها صيفًا وشتاءً. وفي صغره، مارس الملاكمة، لكنه لم يحترفها. أما «السنوكر»، فكان من الرياضات المحببة إليه، إلى جانب رياضته المفضلة «كرة القدم». كذلك، هوى نبيه برّي الشعر، نظمًا وإلقاءً وقراءةً، وكان يكرّس وقته للقراءة والكتابة وتدوين الخواطر. وهو معروف ببلاغته وقدراته اللافتة في اللغة العربية.



«الضبعة»... «الحلم النووي» المصري يدخل مرحلة حاسمة

جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
TT

«الضبعة»... «الحلم النووي» المصري يدخل مرحلة حاسمة

جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)

تقف مصر على مقربة من تحقيق «الحلم النووي»، الذي راودها منذ خمسينات القرن الماضي، عقب خطوات جادة وثابتة لتنفيذ «مشروعها الاستراتيجي»، وإنشاء أول محطة لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية في مدينة الضبعة بمحافظة مطروح على ساحل البحر الأبيض المتوسط على بعد نحو 289 كيلومتراً شمال غربي القاهرة، بتمويل وتكنولوجية روسيين. وبينما يأتي المشروع في سياق خطة مصر لتنويع مصادر الطاقة ورؤيتها الاستراتيجية لامتلاك الطاقة النووية السلمية، فإن مشروع «محطة الضبعة النووية» تتجاوز أبعاده حدود الاقتصاد، لتمتد إلى السياسة والبيئة والمجتمع.

بالتزامن مع الاحتفال بالعيد السنوي الخامس للطاقة النووية، الذي يوافق التاسع عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، شارك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، عبر تقنية «الفيديو كونفرانس»، في مراسم تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى بمحطة الضبعة النووية، وتوقيع أمر شراء الوقود النووي، ليدخل «الحلم النووي» المصري مرحلة حاسمة.

وعد الرئيس الروسي، في كلمته حينها عبر تقنية «الفيديو كونفرانس»، التعاون القائم بين مصر وروسيا في بناء المفاعل النووي «نجاحاً بارزاً»، مشيراً إلى أن «المشروع سيوفر الكهرباء اللازمة لدعم الاقتصاد المصري المتنامي».

وقال السيسي في كلمته إنه «في ظل ما يشهده العالم من أزمات متلاحقة في قطاع الطاقة، وارتفاع أسعار الوقود الأحفوري، تتجلى بوضوح أهمية وحكمة القرار الاستراتيجي، الذي اتخذته البلاد، بإحياء البرنامج النووي السلمي، باعتباره خياراً وطنياً، يضمن تأمين مصادر طاقة مستدامة وآمنة ونظيفة، دعماً لأهداف رؤية مصر 2030».

وتقدر الطاقة الكهربائية المتوقع توليدها من محطة الضبعة النووية بنحو 4800 ميغاواط، عبر أربعة مفاعلات من الجيل الثالث من طراز VVER-1200، وهو ما يمثل 10 في المائة من إنتاج الكهرباء في مصر.

وخطت مصر أولى خطواتها الجادة نحو تنفيذ المشروع في نوفمبر 2015 بتوقيع اتفاقية مبدئية بين الرئيسين المصري والروسي لإقامة أول محطة نووية لتوليد الكهرباء، تنفذها شركة «روساتوم» الحكومية الروسية، لتتخذ مصر من يوم التوقيع عيداً وطنياً للطاقة النووية.

وبعد عامين، وتحديداً في نوفمبر 2017، تم التوقيع على العقود الرئيسية لبناء الوحدات الأربع للمحطة، بطاقة 1200 ميغاواط لكل وحدة، لتنطلق بعدها الأعمال التحضيرية والإنشائية للمشروع بتكلفة إجمالية تقدر بنحو 28.75 مليون دولار، 85 في المائة منها قرض حكومي روسي ميسّر بفائدة 3 في المائة سنوياً يبدأ سداده عام 2029، والباقي تمويل ذاتي مصري.

«تشيرنوبل» جمد الحلم

الرغبة في امتلاك الطاقة النووية السلمية «حلم راود المصريين منذ منتصف القرن الماضي»، بحسب السيسي. حيث بدأت طموحات مصر النووية بعد فترة قصيرة من اكتشاف القدرة على توليد الطاقة السلمية من الانشطار النووي. ففي أعقاب مؤتمر جنيف الأول للاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، أنشأت مصر هيئة الطاقة الذرية (AEA) عام 1955. وبعد ست سنوات افتتحت مركز البحوث النووية في أنشاص وشغّلت أول مفاعل بحثي (من طراز WWR-S ) بقدرة 2 ميغاواط، بالتعاون مع «الاتحاد السوفياتي» آنذاك، لإجراء الأبحاث والتدريب وإنتاج النظائر المشعة.

وفي عام 1964 أعلنت مصر عن خطط لبناء أول محطة لتوليد الكهرباء النووية، واختارت مبدئياً موقع «سيدي كرير» في الساحل الشمالي أيضاً، لكن الظروف الاقتصادية والسياسية في المنطقة أرجأت المشروع.

وبعد حرب 1973، عاد الحلم النووي يراود المصريين وتم وضع خطة لبناء محطات نووية بقدرة 10 آلاف ميغاواط بحلول عام 2000، وخصصت منطقة «الضبعة» بعد مفاضلة بين أماكن عدة على سواحل البحر الأحمر والبحر المتوسط.

وشهدت الفترة بين 1983 و1968 المناقصة الدولية الثانية للمشروع وتلقت فيها مصر عروضاً من شركات أميركية وألمانية وسويدية. وكانت القاهرة على وشك توقيع العقد لكن «كارثة مفاعل تشيرنوبل» (أوكرانيا التي كانت آنذاك جزءاً من الاتحاد السوفياتي) في أبريل (نيسان) 1986 جمّدت الحلم.

وبعد هدوء المخاوف من المفاعلات النووية السلمية، قررت مصر إحياء برنامجها النووي عام 1999، وفي عام 2007 تم تشكيل هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء (NPPA) كهيئة مستقلة تكون مسؤولة عن تنفيذ وإدارة المشروع النووي. وأعلن الرئيس الأسبق حسني مبارك عام 2008 عن إعادة تفعيل دراسات موقع الضبعة. لكن مرة أخرى تعطّل المشروع بفعل أحداث 2011، قبل أن يعيد السيسي إحياءه بالتوقيع على اتفاق مبدئي مع روسيا عام 2015.

عوائد اقتصادية

تدخل مصر النادي النووي بطموحات اقتصادية كبيرة، مستهدفة تعزيز أمن الطاقة وتحقيق التنمية، ويقول السيسي إن المشروع «سيعزز مكانة بلاده كمركز إقليمي للطاقة، ويحدث نقلة نوعية في مسار توطين المعرفة والاستثمار في الكوادر البشرية».

رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي يشهد مراسم توقيع أمر شراء الوقود النووي في نوفمبر الماضي (مجلس الوزراء المصري)

ويعد دخول مصر إلى ميدان التطوير الصناعي والتكنولوجي للطاقة النووية من العوائد المهمة للمشروع، بحسب دراسة نشرها نائب رئيس وحدة دراسات الاقتصاد والطاقة بـ«المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية»، أحمد بيومي، العام الماضي، حيث من المتوقع أن تكون نسبة تنفيذ نحو 20 في المائة من المشروع بالتعاون مع الشركات المحلية، ومن المستهدف أن تصل نسبة المكون المحلي من 20 إلى 25 في المائة عند تشغيل المفاعل الأول في 2028، تزيد إلى 35 في المائة عند تشغيل المفاعل الرابع في 2031، كما ستتولى شركة «روساتوم» الحكومية الروسية تدريب ما يقرب من ألفي شخص من موظفي التشغيل والصيانة للعمل في المحطة.

وفقاً لهيئة الاستعلامات المصرية الرسمية، فإنه «من المتوقع أن تبلغ القيمة المضافة للمشروع في الناتج المحلي الإجمالي خلال فترة الإنشاء نحو 4 مليارات دولار سنوياً». وتوفر المحطة مصدراً ثابتاً للكهرباء يعمل على مدار الساعة، ما يقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري ويضمن استقرار الشبكة.

ويأتي إنشاء محطة الضبعة النووية في إطار خطة مصرية لتنويع «سلة الطاقة»، بحسب أستاذ هندسة البترول والطاقة، الدكتور جمال القليوبي، الذي يوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر تسعى لأن تكون لديها مصادر متعددة من الطاقة، لا تعتمد فقط على الشق الحراري واستخدام الوقود الأحفوري». وقال: «طوال 50 عاماً كان الوقود الأحفوري مصدراً لنحو 98 في المائة من الطاقة في مصر، لكن الأمر تغيّر منذ عام 2018 مع زيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة من الرياح والشمس والهيدروجين الأخضر»، مشيراً إلى أن «محطة الضبعة مع اكتمال تشغيل مفاعلاتها قد تسهم في نحو 16 إلى 18 في المائة من الكهرباء في مصر».

وتستهدف مصر، وفقاً للتصريحات الرسمية، الوصول بمساهمة الطاقة المتجددة ضمن مزيج الطاقة إلى نحو 42 في المائة من إجمالي الطاقة بحلول عام 2030.

لا تقتصر العوائد الاقتصادية على توفير الكهرباء وتوفير جزء من فاتورة استيراد مصر للوقود الأحفوري التي تجاوزت 12 مليار دولار العام الماضي، بحسب تصريحات لوزير البترول المصري السابق، طارق الملا.

ويشير القليوبي إلى أن فاتورة استيراد الوقود لتشغيل محطات الكهرباء تبلغ نحو 50 في المائة من القيمة الإجمالية لفاتورة استيراد الوقود. وقال: «محطة الضبعة ستوفر جزءاً كبيراً من فاتورة الاستيراد، كما أن عوائدها الاقتصادية تمتد إلى مناح أخرى تتعلق بتحلية مياه البحر وإنتاج النظائر المشعة المستخدمة في عدد من الصناعات الطبية والزراعية». وأضاف: «لدى مصر خطة واضحة. خطة تؤازر الدولة اقتصادياً وتتماشى مع أهداف الدول الصناعية، عبر تحسين ملف الصناعة واستخدام الطاقة النووية في كثير من المناحي الاقتصادية».

خيار استراتيجي

يسهم مشروع الضبعة في توفير العملة الصعبة، كما يوفر نحو 6 آلاف فرصة عمل في أثناء الإنشاء، وآلاف فرص العمل في أثناء فترة التشغيل التي تمتد لـ60 عاماً. كما تعد محطة الضبعة النووية مصدراً نظيفاً وخالياً تماماً من انبعاثات الكربون، ويدعم استراتيجية مصر للطاقة 2035، بحسب هيئة الاستعلامات المصرية.

دخول مجال الطاقة النووية هو «خيار استراتيجي»، بحسب دراسة نشرها رئيس وحدة العلاقات الدولية ورئيس برنامج دراسات الطاقة بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور أحمد قنديل، مشيراً إلى أن «الضبعة ليست مجرد محطة كهرباء»، إذ إنها تحقق أهدافاً عدة، من بينها؛ «بناء أمن طاقة مصري مستقل نسبياً عن تقلبات الأسواق العالمية للبترول والغاز الطبيعي، وتحرير جزء من الغاز المصري للتصدير أو الاستخدام الصناعي، خاصة في البتروكيماويات والأسمدة، ودعم الصناعات الثقيلة والتوجه نحو الهيدروجين الأخضر، وتوفير مصدر مستقر للكهرباء على مدى عقود».

يسهم المشروع أيضاً في تعزيز مكانة مصر الإقليمية، بحسب قنديل الذي قال: «مصر اليوم لاعب رئيسي في الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط، وقوة صاعدة في الطاقة المتجددة، وتعمل على مشروعات للربط الكهربائي مع ثلاث قارات، وحين تكتمل وحدات الضبعة، ستمتلك مصر برنامجاً نووياً سلمياً واسع النطاق، يمنحها وزناً إضافياً في معادلات الطاقة الإقليمية».

أما القليوبي فيشير إلى أن مشروع الضبعة يُدخل مصر إلى «نادي الدول الصناعية الكبرى التي تستخدم الطاقة النووية لأغراض سلمية».

أبعاد سياسية

وبينما ستسهم محطة الضبعة في تلبية احتياجات مصر من الطاقة على المدى الطويل، فإن هناك دوافع أخرى لإقدام البلاد على هذه الخطوة، من بينها «تعزيز المكانة السياسية للحكومة في الداخل وتوسيع علاقاتها الأجنبية إلى ما يتجاوز واشنطن»، بحسب مقال نشره إيريك تراجر في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» عام 2016.

أشار تراجر وقت ذاك إلى أن «المشروع يستهدف إعطاء أمل للمصريين وتعزيز الدعم الداخلي للحكومة، بعدّه مشروعاً قومياً»، كما أنه يأتي في إطار مساعي القاهرة لـ«توسيع نطاق التواصل الخارجي ليتجاوز علاقتها الثنائية بواشنطن، ما يُظهر مصر بصورة المنفتحة على العالم أجمع». وقال تراجر إن المشروع «يوطد علاقات مصر وروسيا».

وهو أمر أكده بالفعل الرئيسان المصري والروسي أخيراً، حيث قال السيسي إن المشروع «يعدّ برهاناً عملياً على أن شراكتنا لا تقتصر على التصريحات السياسية البراقة، بل تتجسد في مشروعات واقعية، تترجم إلى تنمية حقيقية، تعود بالنفع المباشر على شعبينا»، بينما أكد بوتين دعم بلاده «طموحات مصر التنموية في إطار الشراكة والتعاون الاستراتيجي الممتد بين البلدين». وقال: «هذه الشراكة مستمرة وتتجلى في ارتفاع حجم ومعدل التجارة بين البلدين، وتكثيف التعاون الصناعي، فضلاً عن مضي روسيا قدماً في إنشاء منطقة صناعية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس».

ويشير تراجر، في هذا الإطار، إلى أن المشروع يعزز نفوذ موسكو في القاهرة، ما قد يثير قلق الولايات المتحدة نظراً لاهتمام واشنطن بالاستقرار الاقتصادي في مصر وبآفاق سياستها الخارجية.

وفي هذا الإطار، يرى مستشار «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور عمرو الشوبكي، أن «مصر حريصة ومنفتحة على قوى وأقطاب أخرى دون المساس بالعلاقة الاستراتيجية مع واشنطن»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «القاهرة لديها علاقات تجارية واقتصادية وسياسية مع روسيا والصين».

وبالفعل أكد عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، أن «هذا المشروع يربط مصر وروسيا بعلاقات في قطاع مهم للغاية ولسنوات طويلة مقبلة». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «المشروع يحقق أهدافاً اقتصادية وسياسية عدة تتراوح ما بين توفير الكهرباء وتنمية الكوادر الوطنية إلى تعزيز المكانة الإقليمية والدولية».

وهنا يلفت الشوبكي إلى أن «حرص مصر على امتلاك الطاقة النووية السلمية - إضافة إلى أهميتها الاقتصادية - نابع من رغبتها في تأكيد حضورها في الملفات الكبرى». وقال: «الدول التي تمتلك وتستخدم الطاقة النووية السلمية لديها مكانة وتأثير وحضور دولي».

وتؤكد مصر حقها في امتلاك الطاقة النووية بموجب «معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية» التي وقّعت عليها عام 1968 وصدّقت عليها عام 1981. وتعوّل القاهرة على القيمة الاستراتيجية لمشروع الضبعة، ووفق السيسي فإن «المشروع سيضع مصر في موقع ريادي، على خريطة الاستخدام السلمي للطاقة النووية».

«المحطة النووية»... عشر سنوات على طريق التنفيذ

طوال أكثر من نصف قرن سعت مصر إلى امتلاك محطة لاستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، لكن الأحداث السياسية والظروف الاقتصادية وكارثة مفاعل تشرنوبل عام 1986 وقفت في طريق «الحلم النووي» المصري لعقود، حتى أعيد إحياء المشروع بخطوات عملية لإنشاء محطة الضبعة النووية. وفيما يلي أبرز المحطات:

- 1955 أنشأت مصر هيئة الطاقة الذرية (AEA).

-1961 افتتاح مركز البحوث النووية في أنشاص وتشغيل أول مفاعل بحثي.

- 1964 اختيار موقع سيدي كرير على ساحل البحر المتوسط لبناء أول محطة لتوليد الكهرباء النووية، (لم ينفذ).

- 1983 مناقصة دولية لإنشاء المحطة.

- 1986 كارثة تشيرنوبل... توقف المشروع.

- 2007 تشكيل هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء (NPPA).

- 2008 استئناف البرنامج النووي السلمي، وإعادة تفعيل دراسات موقع الضبعة.

- 2015 توقيع الاتفاق المبدئي مع روسيا (روساتوم).

- 2017 توقيع العقود النهائية للمشروع.

- 2018 بدء إعداد البنية التحتية للموقع وإنشاء الرصيف البحري التخصصي لاستقبال المعدات الثقيلة.

- 2022 أصدرت هيئة الرقابة النووية والإشعاعية (ENRRA) إذن إنشاء الوحدة النووية الأولى.

- 2024 تركيب مصيدة قلب المفاعل.

- 2025 تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى.


روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا
TT

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

تطلب الأمر شاباً مفعماً بالحياة ومليئاً بالأمل لهزيمة اليمين المتطرف في هولندا. فقد نجح روب يتن، السياسي الشاب الذي لم يدخل بعد عقده الأربعين، بإعادة حزب «الديمقراطيين 66» الليبرالي الوسطي الذي تأسس عام 1966، إلى واجهة الحياة السياسية في هولندا وقاده إلى تحقيق أفضل نتائج له منذ تأسيسه. ورغم أن الحزب لم يفز فعلياً بالانتخابات التي جرت نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بل تعادل مع حزب الحرية اليميني المتطرف بزعامة خيرت فيلدرز، فإن النتائج تعدّ فوزاً للديمقراطيين وخسارة لأقصى اليمين؛ وبتحقيق كلا الحزبين 26 مقعداً من أصل 150 داخل البرلمان، يكون الديمقراطيون قد ضاعفوا مقاعدهم بـ3 مرات تقريباً من 9 مقاعد في الانتخابات التي سبقت إلى 26 مقعداً، فيما خسر حزب الحرية 11 مقعداً وانخفض تمثيله من 37 نائباً إلى 26 نائباً. ورغم أنه ما زال غير واضح ما هي الأحزاب التي قد تشارك في الائتلاف الحاكم، فمن المؤكد أن حزب الحرية سيكون خارج الحكم. إذ تعهدت الأحزاب الأخرى بعدم العمل مع خيرت فيلدرز من جديد بعد تجربة الحكم الأخيرة التي لم تدم أكثر من 11 شهراً.

أثبت روب يتن (38 عاماً) أن هزيمة أحزاب أقصى اليمين ممكنة، ليعطي فوز حزبه في الانتخابات العامة في هولندا، أملاً للكثير من الأحزاب الأوروبية الوسطية التي تكافح هي نفسها للبقاء أمام مد اليمين المتطرف الذي يلف القارة العجوز. يتن نفسه هلل فور صدور النتائج بأن هولندا «أغلقت فصل خيرت فيلدرز»، متعهداً بالعمل على تشكيل «ائتلاف متين يقود هولندا إلى الأمام». وأضاف أن فوز حزبه أثبت أن «الأحزاب الوسطية أظهرت أنه من الممكن هزيمة الأحزاب الشعبوية وأقصى اليمين». وقاد يتن حملة انتخابية شعارها «التغيير والإيجابية» مستعيناً بشعار باراك أوباما «يمكننا التغيير»، في إشارة إلى استبدال حزب معتدل باليمين المتطرف. ولاقت إيجابيته صدى لدى الناخبين الهولنديين الذين يبدو أنهم تعبوا من السلبية التي طبعت الحياة السياسية منذ الانتخابات التي سبقت أن أوصلت حزب الحرية إلى الطليعة ولكن من دون فوز كاسح، ما يعني أن فيلدرز لم يكن قادراً على الحكم بمفرده، وعجز عن إقناع الأحزاب الأخرى التي شكلت معه الحكومة مشترطة ألا يترأسها هو شخصياً، باعتماد سياسته المتطرفة حول الهجرة، وهو ما تسبب في النهاية بانهيار الحكومة. ونقلت وسائل إعلام هولندية إحصاءات تشير إلى التأييد الواسع لتولي يتن رئاسة الحكومة بين مؤيدي الأحزاب اليمينية. ونقلت شبكة أخبار «آر تي إل» الهولندية عن أحد الناخبين قوله إنه «لا يوافق دائماً على سياسات الديمقراطيين ولكن روب يتن رجل (عادي) يمكنه أن يؤدي وظيفة تمثيل البلاد بشكل جيد». وقال عن فيلدرز إنه لو تولى رئاسة الحكومة فإن الأمور «لن تنجح معه وإنه سيريد على الأرجح أن يمرر سياسته، وفي حال لم ينجح بذلك فسينسحب مرة جديدة».

اغتيال مخرج... وإحراق مدرسة إسلامية

ويأتي فوز يتن على اليمين المتطرف وصعوده السريع وهو ما زال في عقده الثلاثين، متناغمين مع دخوله عالم السياسة في سن فتيّة أيضاً وهو في الـ17 من العمر. بداية قصته في السياسة كانت مرتبطة أيضاً باليمين المتطرف؛ ففي عام 2004 شكل اغتيال المخرج السينمائي تيو فان غوخ على يد متطرف هولندي من أصل مغربي، لحظة مفصلية تسببت بتداعيات دفعت بيتن إلى دخول عالم السياسة. وكان إحراق مجموعة من الشبان المنتمين إلى اليمين المتطرف لمدرسة ابتدائية تعلّم الدين الإسلامي في بلدته في أودن، سبب توجهه إلى النضال ضد اليمين المتطرف. وقال مؤخراً عن بداياته إن الشبان الذين أحرقوا المدرسة كانوا من رفاقه في فريق كرة القدم وكان يعرفهم جيداً، ولكنه أراد أن يُظهر صورة مختلفة للعالم وأن بلدته ليست مجرد مكان مليء بشبان «لا يعرفون ماذا يفعلون».وبقي كفاح يتن ضد اليمين المتطرف أساسياً خلال مسيرته السياسية. وحتى في الحملة الانتخابية التي قادها، اعتمد يتن استراتيجيات تستهدف اليمين المتطرف، مثل جعله العلم الهولندي محورياً خلال الحملة، وقوله إنه يريد «استعادته» من اليمين المتطرف الذي غالباً ما يستخدم العلم. ولم يتردد كذلك بجعل مسألة الهجرة التي أوصلت فيلدرز للفوز في الانتخابات التي سبقت، محورية خلال حملته. ورغم ليبراليته، وارتباطه بلاعب هوكي محترف أرجنتيني سيعقد قرانه عليه العام المقبل، فقد أكد للناخبين أنه سيعتمد سياسة هجرة متشددة تجاه المرفوضة طلباتهم وسيعتمد حداً أقصى لأعداد المهاجرين. ويبدو أن تعهداته هذه لاقت تجاوباً من الناخبين، إذ أكد لاحقاً متحدث باسم حزبه أن 7 في المائة من ناخبي حزب الحرية صوتوا هذه المرة للديمقراطيين.

وحتى قبل الانتخابات وبدء الحملات الانتخابية، كان يتن يدعو لاعتماد سياسة هجرة جديدة في هولندا والخروج من عباءة الاتحاد الأوروبي. وروّج لاعتماد نظام مبني على النظام الكندي ينقل البحث والبت بطلبات اللجوء إلى خارج دول الاتحاد الأوروبي ورفض استقبال من يصلون خارج هذا النظام إلى هولندا.

تشديد قوانين الهجرة

ودعا كذلك إلى مراجعة المعاهدات الدولية الخاصة باللاجئين «لكي تعكس الواقع الجديد» في خلاف للسياسة التي كان يعتمدها الديمقراطيون. ونقلت عنه وسائل إعلام هولندية قوله إن «قانون الهجرة المعتمد حالياً لم يعد صالحاً، علينا أن ننتقل من هجرة تتحكم بنا، إلى هجرة نحن نتحكم بها، ليس فقط بسبب مواطنين هولنديين قلقين من الأعداد الوافدة ولكن أيضاً للأشخاص الذين يهربون من العنف والملاحقة». وبحسب خطة يتن، فإن هولندا لن تقبل إدخال لاجئين إلا أولئك الذين يتقدمون للحصول على لجوء من خارج الاتحاد الأوروبي ويتم قبولهم. ويعدّ أن نظاماً كهذا سيساعد على وقف طرق التهريب الخطيرة وينقذ أرواحاً.وحالياً، يتم إدخال بعض اللاجئين إلى أوروبا عبر نظام شبيه تعتمده الأمم المتحدة لتوزيع اللاجئين ولكن أعداد هؤلاء قليلة جداً مقارنة بالذين يدخلون بشكل غير قانوني ويتقدمون بطلبات لجوء. ويريد يتن توسيع هذا النظام بشكل كبير لكي يصبح الطريقة الأساسية لاستقبال اللاجئين في هولندا. ولكنه يعي أن هذه الخطط تستغرق وقتاً طويلاً. وحتى ذلك الحين، وفي المرحلة القصيرة المدى يطالب بقوانين أشد لطالبي اللجوء الذين يعدّون عبئاً، خاصة أولئك القادمين من دول مصنفة «آمنة» أي لا خوف من ملاحقات بحق القادمين منها الذين لا يتمتعون أصلاً بحظوظ كبيرة في الحصول على لجوء. ومن أقواله عن هؤلاء إن «الذين يأتون ويتسببون بمشاكل ولا يتوجب عليهم أن يكونوا هنا، يجب أن يتم إرسالهم إلى ملاجئ مغلقة، ويفهموا أنهم يدخلون بلداً بقيم ليبرالية، وإذا كانوا لا يحترمونها فسيخسرون بعض الحقوق».

في المقابل يروّج يتن لاندماج أفضل لطالبي اللجوء الناجحين ويدعو إلى إدخالهم في صفوف تعلّم اللغة «منذ اليوم الأول» ومساعدتهم في العثور على وظيفة «بأسرع وقت ممكن». وقبل الانتخابات ومنذ ترأسه حزبه عام 2023، حذّر بأن إبقاء الأشخاص على نظام الإعانات من دون دمجهم في المجتمع وسوق العمل «مؤذ لهم وللمجتمع بشكل عام، ويغذي الإحباط لدى الهولنديين». ويعدّ يتن أن على الأحزاب الوسطية أن «تقود الخطاب السياسي عوضاً عن أن تترك ذلك للأحزاب اليمينية المتطرفة».

حل أزمة السكن... بناء جزيرة جديدة

سياسة الهجرة هذه التي يروج لها يتن منذ ترأسه حزبه، قد تكون أكسبته أصواتاً من اليمين واليمين المتطرف، ولكن الأصوات الأخرى التي نجح بإضافتها لحزبه جذبها من خلال خطاب أوسع يتناول مخاوف الناخبين بشكل مباشر من قضايا تتعلق بالسكن التي كانت أيضاً من القضايا الأساسية في الانتخابات الهولندية. فهولندا، مثل الكثير من الدول الأوروبية، تعاني من نقص 400 ألف وحدة سكنية ما يؤدي إلى رفع دائم في أسعار العقارات والسكن ما يزيد من العبء على السكان. ورغم أن كل الأحزاب التي خاضت الانتخابات جعلت من مسألة البناء أساسية في معركتها، فإن طروحات الديمقراطيين كانت الأكثر ثورية. وفيما كانت الأحزاب الأخرى تقترح إغلاق مطارات للبناء على أراضيها، أو توسيع مجمعات موجودة أصلاً، اقترح يتن بناء جزيرة جديدة على أرض مغطاة حالياً بالمياه، في بلد ربعه يقبع تحت مستوى البحر. وتعهد ببناء مدن جديدة تضم 60 ألف وحدة سكنية مع مساحات خضراء ومياه وأماكن ترفيه.

ما إذا كان سينجح بتحقيق أي من طروحاته تلك، إن كانت المتعلقة بالهجرة أو تلك المتعلقة بالسكن، غير واضح ومرتبط بالائتلاف الذي سينجح بتشكيله في النهاية والخطط التي يتفق عليها مع الأحزاب الأخرى. ولكن على الأقل هي خطط طموحة لاقت صدى لدى الناخبين وأوصلت من قد يصبح أصغر رئيس حكومة في هولندا إلى رأس السلطة. والواقع أن صعوده السريع وهو في سن يافعة، دفع البعض للتشكيك بقدراته أحياناً.

أما سياسته الأخرى، فهي مناقضة تقريباً لسياسات فيلدرز واليمين المتطرف في هولندا المشكك في الاتحاد الأوروبي وفي التأييد الأوروبي لأوكرانيا ومعاداة روسيا. ويعدّ يتن مؤيداً للاتحاد الأوروبي ولدعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا. وعندما كان وزيراً للطاقة في حكومة مارك روته التي سبقت حكومة فيلدرز، دفع يتن بسياسة طاقة لا تعتمد على الغاز الروسي. وقد خدم في حكومة روته الرابعة وزيراً للمناخ والطاقة بين عامي 2022 و2024. ودخل يتن البرلمان الهولندي للمرة الأولى عام 2017 وكان متحدثاً باسم كتلته عن المناخ والطاقة. وفي عام 2018 انتخب زعيماً للكتلة النيابية للديمقراطيين ليصبح أصغر زعيم للكتلة في تاريخ الحزب. وفي عام 2020 انتخب حزبه الدبلوماسية المخضرمة سيغريد كاخ لزعامته في معركة لم يترشح فيها يتن. ولكنه لم ينتظر كثيراً، إذ وجد فرصة سانحة بعد استقالة كاخ في صيف عام 2023 وانتخب لزعامة الحزب.

اقرأ أيضاً


هولندا... حكومات ائتلافية منذ الحرب العالمية الثانية

Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
TT

هولندا... حكومات ائتلافية منذ الحرب العالمية الثانية

Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY

> منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تحكم هولندا حكومات ائتلافية مكونة من حزبين أو أكثر في أحيان كثيرة، بسبب القانون الانتخابي المعتمد الذي يجعل من المستحيل على حزب واحد أن يفوز بالأغلبية. وطغى مارك روته وحزبه حزب «الشعب للحرية والديمقراطية» المحافظ الليبرالي، على الحياة السياسية في السنوات الـ14 الأخيرة تقريباً. فهو ترأس 4 حكومات متتالية بين العامين 2010 و2024، ضم معظمها أكثر من حزبين، حتى استقالته عام 2023 وانتقاله ليصبح أمين عام حلف شمال الأطلسي (الناتو). وحظيت حكومته الأولى التي كانت حكومة أقلية وشكَّلها مع حزب «نداء الديمقراطية المسيحي»، بدعم من حزب «الحرية» اليميني المتطرف من دون أن يشارك الأخير في الحكومة.

ولكن الحكومة لم تدم أكثر من عامين بعد خلافات مع خيرت فيلدرز الذي سحب دعمه لها، مما أدى إلى سقوطها. وشكَّل روته حكومته الثانية التي ضمت 4 أحزاب بينها حزب «العمال»، مما سمح لها بأن تحكم طوال فترة ولايتها لخمس سنوات، وكانت الأكثر استقراراً في تاريخ هولندا الحديث. وشكَّل روته حكومته الرابعة عام 2017 لتحكم لمدة 3 سنوات، وضمت 4 أحزاب ولكنها سقطت مبكراً بعد تداعيات أزمة كورونا. وكانت الحكومة الأخيرة التي شكَّلها روته من 4 أحزاب عام 2022، الأقصر عمراً، واستغرق تشكيلها وقتاً قياسياً وصل إلى 299 يوماً، ولكنها انهارت سريعاً بعد خلافات حول الهجرة، ولم تحكم فعلياً أكثر من عام ونصف، ولكنها بقيت حكومة تصريف أعمال لنصف عام إضافي.

وفي عام 2024، حقق حزب الحرية اليميني المتطرف بزعامة فيلدرز فوزاً تاريخياً، ولكن فيلدرز نفسه لم يصبح رئيس حكومة بسبب اشتراط الأحزاب الأخرى التي وافقت على دخول الائتلاف الحكومي معه، على تعيين شخصية أخرى. وتوافقت الأحزاب في النهاية على ديك شوف لرئاسة الحكومة التي ضمت 4 أحزاب من بينها حزب «الحرية» الذي خاض تجربته الأولى في الحكم، ولكنه سرعان من انسحب من الحكومة في صيف العام الجاري بعد خلافات مع الأحزاب الأخرى حول سياسات هجرة متشددة ومخالفة للقانون أراد تطبيقها.