مدارس حلب على خط النار.. وأهازيج التلاميذ تخفف الفزع من هدير الطائرات

مسؤولون تحدثوا عن نقص حاد في الكتب والكوادر وتعذر وصول دعم المنظمات الدولية

طفلان يلهوان عبر فتحة بيت تهدم في القسم الشرقي لحلب خلال فبراير الماضي في ظل غياب الأمل بتعليم أو خدمات صحية (أ.ب)
طفلان يلهوان عبر فتحة بيت تهدم في القسم الشرقي لحلب خلال فبراير الماضي في ظل غياب الأمل بتعليم أو خدمات صحية (أ.ب)
TT

مدارس حلب على خط النار.. وأهازيج التلاميذ تخفف الفزع من هدير الطائرات

طفلان يلهوان عبر فتحة بيت تهدم في القسم الشرقي لحلب خلال فبراير الماضي في ظل غياب الأمل بتعليم أو خدمات صحية (أ.ب)
طفلان يلهوان عبر فتحة بيت تهدم في القسم الشرقي لحلب خلال فبراير الماضي في ظل غياب الأمل بتعليم أو خدمات صحية (أ.ب)

قد تبدو مألوفة رؤية الأطفال يذهبون إلى مدارسهم باكرًا في مثل هذا الوقت من العام، لكن في مدينة حلب السورية، وفي أحيائها الشرقية تحديدًا، يبدو هذا الأمر خارجًا عن المألوف.
تلقي التطورات العسكرية الأخيرة في حلب بظلالها على العملية التعليمية في هذه المدينة المحاصرة. الأقبية والمباني السكنية التي كانت مدارس لأطفال المدينة على مدار السنوات الأربع الماضية، لم تعد آمنة.
حملة النظام السوري لاستعادة الأحياء الشرقية في مدينة حلب تزامنت مع بدء العام الدراسي أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي، حيث تستخدم روسيا؛ حليفة النظام السوري، لأول مرة، قنابل ارتجاجية مخصصة لاختراق التحصينات العسكرية في قصف أحياء المدينة السكنية، مما اضطر المؤسسة التعليمية لتعليق الدوام في نحو 150 مدرسة موجودة في أحياء حلب الواقعة تحت سيطرة قوات المعارضة، خوفًا من تكرار مجازر سبق ارتكابها بقصف على المدارس في حلب، وفي هذا الخصوص، يقول محمد المصطفى، مدير التربية في حلب لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعد المدارس آمنة في ظل ما نتعرض له من تصعيد عسكري. اضطررنا لتعليق الدوام في مدارس المدينة لمدّة أسبوع مع بداية حملة القصف، واستهدفت عدّة مدارس بشكل مباشر، لاحقًا، ومع انخفاض وتيرة القصف، فوضنا مديري المدارس لإيقاف أو مباشرة الدوام في مدارسهم حسب تقديرهم لخطورة الوضع الأمني».
دخول الحملة العسكرية في حلب أسبوعها الرابع اضطر بعض المدارس التي تقع في أحياء آمنة نسبيًا، إلى استئناف الدوام حيث يخاطر الأهالي بإرسال أبنائهم إلى المدارس خشية تفويت العام الدراسي عليهم. يقول محمد قاظان، أحد سكان حلب القديمة: «بعد تعرض مدرسة حيّنا للقصف مؤخرًا، اضطررت لإرسال أولادي الثلاثة إلى مدرسة أخرى في الحي المجاور، أعلم بأن هناك خطورة على حياتهم، ولكننا نعايش هذا الوضع منذ أربع سنوات، ولا أريد أن أحرم أبنائي من حقهم في التعليم».
من جهة أخرى، يشكل تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي في حلب نتيجة الحصار المطبق من قبل قوات النظام على أحيائها الشرقية، عثرة إضافية تثقل كاهل المؤسسات التعليمية، فالمدارس تعتمد على تلقي الدعم المادي والمصاريف التشغيلية من المنظمات الإنسانية المهتمة بالشأن التعليمي، وهو ما أصبح يصعب تأمينه في المدينة بسبب إغلاق الطرق البرية تمامًا، والعمولات المرتفعة التي تتقاضاها مكاتب التحويل المالي التي تصل إلى 20 في المائة من أصل المبلغ، مما دفع بكثير من المنظمات إلى إيقاف دعمها لمدارس مدينة حلب هذا العام، في حين تتأخر المنظمات الأخرى في إرسال المستحقات المالية لمدارسها، ما يشكل عبئًا إضافيًا، إلى جانب ارتفاع أسعار القرطاسية وندرتها في أسواق حلب.
ووفق إحصاءات مديرية التربية والتعليم التي أوردها محمد مصطفى، يوجد نحو 30 ألف طفل مسجلين طلابا في مدينة حلب؛ 80 في المائة منهم من طلاب الحلقة الأولى (من الصف الأول إلى الصف الرابع)، وقرابة 15 في المائة من طلاب الحلقة الثانية (من الصف الخامس إلى الصف التاسع)، بينما يبلغ تعداد طلاب المرحلة الثانوية نحو 5 في المائة فقط. وفي ظل الحصار تعاني معظم المدارس من نقص حاد في مخزون الكتب المدرسية، لا سيما طلاب الحلقة الأولى، نظرًا لتعذر جلب مخصصات المدينة من الكتب المطبوعة لهذا العام.
ولا تقف الصعوبات التي تواجه التعليم في حلب عند هذا الحد، فالظروف الجديدة خلقت مشكلات جديدة قد لا يستطيع بعض المدارس تجاوزها، بحسب مديرة إحدى المدارس، نوال الحلبي، التي قالت إن «هذا العام استثنائي في كل شيء، فهناك مشكلات في تأمين الكوادر المؤهلة بعد نزف الكفاءات الذي تعرضنا له قبل الحصار، وهناك مشكلات مالية ومشكلات في تأمين المحروقات للإنارة، لأننا نُدرٍّسُ في أقبية مظلمة. والمشكلة الكبرى هي التعامل مع خوف التلاميذ أثناء الغارات الجوية». وتقول المعلمة حلا: «عندما تبدأ الغارات في منطقتنا نجعل الأطفال يرددون بعض الأهازيج بصوت مرتفع للتغطية على أصوات القصف، بعض هؤلاء الأطفال فقدوا عائلاتهم أو أصدقاءهم خلال الغارات الجوية ويصابون بالذعر لمجرد سماع صوت الطائرة».
في وضع إنساني يرثى له وبدافع الحاجة الملحّة لتعليم الأطفال، تفتح بعض المدارس في حلب أبوابها لعام دراسي جديد. وبانتظار حلول لمشكلاتهم، تبقى هذه المدارس عرضة لأخطار كبيرة.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.