> مضى أسبوعان منذ كتابة ذلك الموضوع حول المخرج البولندي أندريه فايدا في هذه الصفحة وبضعة أيام على وفاته عن 90 سنة بعدما أثرى السينما البولندية وسينما القضايا السياسية الكبرى بأعماله. والده كان ضابطًا في الجيش البولندي واقتيد مع ألوف سواه إلى غابات كاتين حيث أعدموا خلال الحرب العالمية الثانية. لذا، وبالإضافة إلى كل ما ذكرته في ذلك المقال السابق، بقي موضوع الحرب وفتراتها وآثارها في طيات أفلامه. لكنه لم يتوقف عند هذا الحد، بل صاحب صنع التاريخ الحاضر بسلسلة أفلامه عن التحوّلات المهمّة التي وقعت في بولندا في ثمانينات القرن الماضي وما بعد.
> وتأييدا لما نشرناه في هذه الزاوية في الأسبوع الماضي وصلت ثلاث رسائل من ثلاث مديرين ومسؤولي مهرجانات عربية يؤيدون ما ورد حول مطالبة بعض السينمائيين بتقاضي أجر ما عن عرض أفلامهم في المهرجانات. لعل الرسالة التالية توجز ما اجتمعت عليه الآراء المرسلة: «شكرًا للكتابة في هذا الموضوع وإثارته. المهرجانات هي جهات غير نفعية تعمل في الأساس لترويج ثقافي وإنساني، ورسم علاقة بين المنتج البصري وجمهور محروم من الثقافة البديلة. مهما قلّت أو زادت ميزانية المهرجانات، في نهاية الأمر لن يكون مردودها ماديًا، بل جماليًا وبشكل صرف».
> «ديزني» تنوي نقل فيلم «علاء الدين» الكرتوني إلى الشاشة مرّة ثانية. هذه المرّة عبر تحويله إلى فيلم حي يقوم البريطاني مايكل ريتشي بإخراجه. إنه الفيلم الذي أنتجته سنة 1992 واحتوى على مشاهد وأغانٍ مسيئة للمسلمين والعرب مما أثار العديد من التعليقات المناوئة له في الإعلام العربي والأميركي معًا. ما إذا كان «ريتشي» و«ديزني» سيبقيان على تلك الأغاني (التي من بينها واحدة تبدأ بـ«ولدت في بلد يقطعون فيها أذنك إذا لم يعجبهم وجهك» وتنتهي بـ«إنها بربرية.. لكن ذلك المكان هو وطني») أم أنهما سيتمتعان بتلك العملة النادرة هذه الأيام وهي: الذوق السليم.
> اختار مهرجان القاهرة لدورته المقبلة فيلم «فلورنس فوستر جنكينز» كفيلم افتتاح الدورة الجديدة التي ستنطلق في الخامس عشر من نوفمبر (تشرين الثاني). الفيلم من إخراج البريطاني ستيفن فريرز وبطولة ميريل ستريب.
> المخرج سيدني لوميت كان من بين الأسماء الطنانة في السينما الأميركية في الستينات والسبعينات بأفلام مثل Dog Day Afternoon وSerpico وNetwork وسواهما. لكنه أخرج أفلامًا لا قدرة لها على الانتماء إلى أعماله الجيدة ومنها «جريمة في قطار الشرق السريع». الفيلم الذي تم تصويره سنة 1974 عن رواية أغاثا كريستي التي نشرت سنة 1934. الآن يحضر البريطاني كينيث براناه لإعادة تحقيق الفيلم من بطولته وجوني دب وميشيل فايفر وجودي دنش.
يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.
لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.
الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.
في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟
هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.
* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».
THE WRESTLER ★★
* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).
يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.
هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.
يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.
* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».
ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★
* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).
قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).
نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.
اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.
* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»
★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز