ماريتان.. رهان على الروح في زمن الحضارة المادية

خالف معاصريه في تهويل دور العلم

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
TT

ماريتان.. رهان على الروح في زمن الحضارة المادية

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

إنه الطبيب الروحي والمعالج النفسي لكثير من المثقفين الفرنسيين. وقد لعب دورًا كبيرًا مع زوجته رايسا، في فترة ما بين الحربين العالميتين داخل الأوساط الثقافية والسياسية الفرنسية والأوروبية. ومنذ البداية فتح معها أكبر صالون للنقاشات الفلسفية والدينية والأدبية في فترة مهمة من فترات فرنسا. وكان ذلك طيلة النصف الأول من القرن العشرين. ومعلوم أن الصالونات الفكرية لعبت دورًا كبيرًا في تاريخ فرنسا منذ القرن الثامن عشر وأيام فولتير وبقية الفلاسفة. فمن هو جاك ماريتان يا ترى؟ لقد ولد في باريس عام 1882 في عائلة بروتستانتية وبورجوازية. وكان جده لأمه جول فابر أحد القادة السياسيين لفرنسا في ذلك الزمان. وفي ظله نما وترعرع. وقد درس في أفضل المدارس الفرنسية كجميع أبناء الأغنياء قبل أن ينتقل إلى الجامعة ويدخل السوربون.
وهناك راح يدرس العلوم، خصوصًا علم الكيمياء والبيولوجيا والفيزياء. ثم التقى على مقاعد الدرس بفتاة روسية تدعى رايسا مثل اسم زوجة غورباتشوف. وقد تزوجها عام 1904 وأصبحت رفيقة عمره وصاحبة دربه في البحث المشبوب عن الحقيقة.
ومعلوم أن عبادة العلم كانت منتشرة جدا آنذاك وتهيمن على السوربون. كان الناس يعتقدون أن الدين انتهى بعد كل النجاحات التي حققها العلم والفلسفة الوضعية. ولكن جاك ماريتان لم يقتنع بذلك، ففي رأيه أن العلم، على أهميته الكبرى، لا يستطيع أن يجيب عن الأسئلة الوجودية والميتافيزيقية التي يطرحها الإنسان على نفسه لا محالة.
صحيح أن العلم حقق قفزات رائعة في مجال استكشاف القوانين الفيزيائية والرياضية التي تتحكم بالكون. وصحيح أنه أدى إلى تقدم الصناعة والتكنولوجيا بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ. وصحيح أنه أدى إلى صنع الآلات الحديثة التي وفّرت على الإنسان بذل الجهد العضلي المضني الذي كان ينهكه سابقا. وصحيح أن الإنسان أصبح ينعم بالرفاهية وسهولة العيش بفضل تقدم العلم. كل هذا صحيح وأكثر.
ولكن المشكلة هي أن العلم لا يستطيع أن يقول لنا من أين جئنا؟ ومن نحن؟ وإلى أين المصير؟ هذه تساؤلات وجودية أو ميتافيزيقية يصعب على العلم أن يجيب عنها. وبالتالي فلم يبق لنا من عزاء إلا الدين. وعلى أي حال فالدين بصيغته العقلانية التنويرية لا يتعارض مع العلم إطلاقا. الدين يكمل العلم والعلم يكمل الدين. والحضارات الكبرى تكون عادة مبنية على ثلاث ركائز: الدين، والعلم، والفلسفة. هكذا كانت الحضارة العربية الإسلامية إبان العصر الذهبي. وهكذا أشعت على العالم من بغداد وقرطبة. ولكن عندما كفرنا الفلسفة والعلم انهارت حضارتنا ودخلنا في عصور انحطاطية طويلة لم نخرج منها حتى الآن. بل ربما كنا نعيش الآن أحلك لحظاتها..
ولكي يجد أجوبة عن تساؤلاته الحارقة راح جاك ماريتان يستشير أحد كبار الشعراء والكتاب الفرنسيين آنذاك: شارل بيغي. فنصحه بحضور دروس الفيلسوف هنري بيرغسون في السوربون. ومعلوم أنه كان أكبر فيلسوف فرنسي في ذلك الزمان. ولم يكن ماديا محضا على عكس معظم مفكري عصره، وإنما كان يولي للروح شأنًا كبيرًا.
وقد زرع هذا الفيلسوف في قلب جاك ماريتان وزوجته رايسا حب المطلق بلا حدود. ثم سافرا بعدئذ إلى ألمانيا لإكمال دراساتهما. ولكن قبل أن يسافرا كانا قد غيّرا مذهبهما البروتستانتي وتحولا إلى المذهب الكاثوليكي البابوي الروماني. وهو مذهب الأغلبية الفرنسية. فكيف استطاع وهو الأقلوي أن ينضم إلى صفوف المذهب الذي اضطهد آباءه وأجداده على مدار القرون؟ لا يمكن فهم ذلك إلا ضمن السياق الفرنسي الذي تجاوز الحزازات المذهبية بعد انتصار الحداثة والأنوار. فالأصولية الكاثوليكية المتطرفة كانت قد انتهت منذ زمن طويل. وما عادت تغتال المثقفين والفلاسفة كما كان يحصل إبان القرون الوسطى. كما لم تعد تضطهد الأقليات. لهذا السبب كان من السهل عليه أن يترك مذهبه ويعتنق مذهبها. على أي حال في ألمانيا اكتشف «ماريتان» مؤلفات أكبر فيلسوف مسيحي في العصور الوسطى: القديس توما الأكويني. ويشبهه البعض بابن رشد. والواقع أنه كان من المتأثرين به والمواظبين على قراءته على الرغم من انتقاده له. وكان يستشهد به ذاكرًا: كما قال الشارح العربي.
وقد وجدا عنده الأجوبة عن تساؤلاتهما الميتافيزيقية الملحة. ثم دفعتهما قراءته إلى قراءة أستاذه، المعلم الأول: أرسطو. ومعلوم أن القديس توما الأكويني خلع الطابع الإيماني والمسيحي على فكر أرسطو فلم يعد وثنيًا أو عقلانيًا صرفًا. لقد دجنه وجعله مسيحيًا تقريبًا أو قل صالحه مع المسيحية بشكل من الأشكال مثلما صالحه ابن رشد مع الإسلام من خلال كتابه الشهير: فصل المقال. ومثلما صالحه ابن ميمون مع الديانة اليهودية أيضًا من خلال كتابه: دلالة الحائرين.
ثم عاد جاك ماريتان وزوجته رايسا إلى فرنسا لكي يصبح زوجها أستاذًا في المعهد الكاثوليكي بباريس. ثم ذاعت شهرته بعد أن نشر كتبه الأولى، وأصبحت مختلف جامعات العالم تتنافس عليه وتدعوه لزيارتها أو المحاضرة فيها. وهكذا أصبح أستاذًا في المعهد البابوي للدراسات القروسطية بمدينة تورنتو بإيطاليا عام 1933. وبعدئذ أصبح أستاذا زائرا في جامعة كولومبيا بنيويورك، ثم في جامعتي شيكاغو وبرنستون، وهي من أفضل الجامعات الأميركية.
وبعد عودته إلى فرنسا تورط جاك ماريتان مع اليمين المتطرف الفرنسي الذي كان يقوده آنذاك شخص شهير يدعى: شارل موراس. وقد عابوا عليه ذلك كثيرا لاحقا. ولكنه سرعان ما ابتعد عنه بعد أن أدانه بابا روما بحجة أن أطروحات هذا اليمين العنصري مضادة لمبادئ الدين والإنجيل.
وهكذا راح جاك ماريتان يبتعد عن هذا الخط المتعصب ويقترب من الخط الديني الوسطي المستنير. وقد أسهم في دفع إيمانويل مونييه إلى تأسيس مجلة سيكون لها شأن كبير لاحقا: هي مجلة «إسبري» (أي الروح أو الفكر بالفرنسية). وهي لا تزال تصدر حتى الآن. وكان من بين كتابها ومستشاريها الفيلسوف الكبير: بول ريكور.
ومعلوم أن مونييه هذا كان من مدشني الفلسفة الشخصانية الجديدة: أي الفلسفة التي توفق بين مبادئ الدين المسيحي من جهة، ومبادئ العقلانية الفلسفية لعصر التنوير من جهة أخرى. نعم، للحداثة ولكن لا لاحتقار الدين، خصوصًا في صيغته التنويرية العقلانية.
وشهد هذا التيار الفكري انتعاشا ملحوظا في فرنسا آنذاك. وكان من أكبر فلاسفته غابرييل مارسيل وبول ريكور نفسه، وآخرون كثيرون. وقد قلّده الفيلسوف المغربي محمد العزيز الحبابي لاحقًا عندما أسس الشخصانية الإسلامية، وذلك على غرار الشخصانية المسيحية. وهي فلسفة توفق بين المبادئ المثالية الرائعة للتراث الإسلامي الكبير والعقلانية الفلسفية الحديثة.
فالدين يمكن أن يفهم بمعنيين: إما بمعنى متحجر ومضاد للحرية والنزعة الإنسانية، وإما بمعنى منفتح ومتوافق مع هذه النزعة. وقد اختار فلاسفة الشخصانية الخط الثاني بالطبع.
وعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية كان جاك ماريتان في الولايات المتحدة، ولذلك لم يعد إلى فرنسا لأنه كان من أنصار الجنرال ديغول، ومضادا لحكومة فيشي العميلة للألمان. ولذا فبعد انتهاء الحرب وتقديرا لمواقفه، عينه الجنرال ديغول سفيرا لفرنسا لدى الفاتيكان. وقد ظل يشغل هذا المنصب طيلة ثلاث سنوات من عام 1945 إلى عام 1948. ثم عاد بعدها إلى الولايات المتحدة للتدريس في جامعة برنستون.
وقد استقال من مناصبه الجامعية بدءًا من عام 1960 بعد أن تقدم في العمر وتجاوز السابعة والسبعين. ثم عاد إلى فرنسا حيث فتح بيته للمثقفين من جديد. وكانوا يأتون إليه من شتى الجهات لكي يجدوا عنده العون النفسي والإرشاد الروحي بعد أن ضاعت بوصلة الحياة لديهم.
فالكثيرون كانوا مجروحين من الداخل ولا يجدون شفاء لأوجاعهم في خضم الحضارة المادية الرأسمالية التي لا قلب لها ولا إحساس.
ومن بين هؤلاء كتاب وشعراء ومثقفون كثيرون. وكلهم توافدوا على بيت الفيلسوف وزوجته في إحدى ضواحي باريس الجميلة لكي يجدوا عندهما العزاء والحضن الرحب الذي يحتضن همومهم وأوجاعهم. ومن بين هؤلاء جان كوكتو، الكاتب الشهير. فالجميع معرضون للهزات النفسية بمن فيهم الكتاب الكبار. فإذا كان كاتب ملحد إباحي كجان كوكتو اضطر للجوء إلى الدين للتخفيف من أوجاعه فما بالك بالآخرين؟
لقد استطاع جاك ماريتان أن يقف في وجه الموجة الوضعية الإلحادية الصاعدة في الغرب: أي الموجة التي لا تعبأ كثيرا بالقيم الروحية والإنسانية.
إنها لا تؤمن إلا بالربح المادي والاستهلاك المسعور للشهوات والملذات. وكل ما عدا ذلك تعتبره سرابا في سراب. أما هو فيرى أن الإنسان بحاجة إلى إشباع روحي أيضًا وليس فقط إشباعا ماديا. ثم توفي عام 1973 عن عمر طويل يناهز التسعين عاما. من بين كتب جاك ماريتان نذكر: «المصلحون الثلاثة: لوثر.. ديكارت.. روسو»، ثم «النزعة الإنسانية الكاملة»، ثم «رد على جان كوكتو»، ثم «الدين والثقافة».. إلخ.



سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم
TT

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم

بالكثير من التفاؤل والأمل والقليل من الحذر يتحدث أدباء وشعراء سوريون عن صورة سوريا الجديدة، بعد الإطاحة بنظام الأسد الديكتاتوري، مشبهين سقوطه بالمعجزة التي طال انتظارها... قراءة من زاوية خاصة يمتزج فيها الماضي بالحاضر، وتتشوف المستقبل بعين بصيرة بدروس التاريخ، لأحد أجمل البلدان العربية الضاربة بعمق في جذور الحضارة الإنسانية، وها هي تنهض من كابوس طويل.

«حدوث ما لم يكن حدوثه ممكناً»

خليل النعيمي

بهذه العبارة يصف الكاتب الروائي خليل النعيمي المشهد الحالي ببلاده، مشيراً إلى أن هذه العبارة تلخص وتكشف عن سر السعادة العظمى التي أحس بها معظم السوريين الذين كانوا ضحية الاستبداد والعَسْف والطغيان منذ عقود، فما حدث كان تمرّداً شجاعاً انبثق كالريح العاصفة في وجه الطغاة الذين لم يكونوا يتوقعونه، وهو ما حطّم أركان النظام المستبد بشكل مباشر وفوري، وأزاح جُثومه المزمن فوق القلوب منذ عشرات السنين. ونحن ننتظر المعجزة، ننتظر حدوث ما لم نعد نأمل في حدوثه وهو قلب صفحة الطغيان: «كان انتظارنا طويلاً، طويلاً جداً، حتى إن الكثيرين منا صاروا يشُكّون في أنهم سيكونون أحياءً عندما تحين الساعة المنتظرة، والآن قَلْب الطغيان لا يكفي، والمهم ماذا سنفعل بعد سقوط الاستبداد المقيت؟ وكيف ستُدار البلاد؟ الطغيان فَتّت سوريا، وشَتّت أهلها، وأفْقرها، وأهان شعبها، هذا كله عرفناه وعشناه. ولكن، ما ستفعله الثورة المنتصرة هو الذي يملأ قلوبنا، اليوم بالقلَق، ويشغل أفكارنا بالتساؤلات».

ويشير إلى أن مهمة الثورة ثقيلة، وأساسية، مضيفاً: «نتمنّى لها أن تنجح في ممارستها الثورية ونريد أن تكون سوريا لكل السوريين الآن، وليس فيما بعد، نريد أن تكون سوريا جمهورية ديمقراطية حرة عادلة متعددة الأعراق والإثنيّات، بلا تفريق أو تمزيق. لا فرق فيها بين المرأة والرجل، ولا بين سوري وسوري تحت أي سبب أو بيان. شعارها: حرية، عدالة، مساواة».

مشاركة المثقفين

رشا عمران

وترى الشاعرة رشا عمران أن المثقفين لا بد أن يشاركوا بفاعلية في رسم ملامح سوريا المستقبل، مشيرة إلى أن معجزة حدثت بسقوط النظام وخلاص السوريين جميعاً منه، حتى لو كان قد حدث ذلك نتيجة توافقات دولية ولكن لا بأس، فهذه التوافقات جاءت في مصلحة الشعب.

وتشير إلى أن السوريين سيتعاملون مع السلطة الحالية بوصفها مرحلة انتقالية ريثما يتم ضبط الوضع الأمني ويستقر البلد قليلاً، فما حدث كان بمثابة الزلزال، مع الهروب لرأس النظام حيث انهارت دولته تماماً، مؤسساته العسكرية والأمنية والحزبية كل شيء انهار، وحصل الفراغ المخيف.

وتشدد رشا عمران على أن النظام قد سقط لكن الثورة الحقيقية تبدأ الآن لإنقاذ سوريا ومستقبلها من الضياع ولا سبيل لهذا سوى اتحاد شعبها بكل فئاته وأديانه وإثنياته، فنحن بلد متعدد ومتنوع والسوريون جميعاً يريدون بناء دولة تتناسب مع هذا التنوع والاختلاف، ولن يتحقق هذا إلا بالمزيد من النضال المدني، بالمبادرات المدنية وبتشكيل أحزاب ومنتديات سياسية وفكرية، بتنشيط المجتمع سياسياً وفكرياً وثقافياً.

وتوضح الشاعرة السورية أن هذا يتطلب أيضاً عودة كل الكفاءات السورية من الخارج لمن تسمح له ظروفه بهذا، المطلوب الآن هو عقد مؤتمر وطني تنبثق منه هيئة لصياغة الدستور الذي يتحدد فيه شكل الدولة السورية القادمة، وهذا أيضاً يتطلب وجود مشاركة المثقفين السوريين الذين ينتشرون حول العالم، ينبغي توحيد الجهود اليوم والاتفاق على مواعيد للعودة والبدء في عملية التحول نحو الدولة الديمقراطية التي ننشدها جميعاً.

وداعاً «نظام الخوف»

مروان علي

من جانبه، بدا الشاعر مروان علي وكأنه على يقين بأن مهمة السوريين ليست سهلة أبداً، وأن «نستعيد علاقتنا ببلدنا ووطننا الذي عاد إلينا بعد أكثر من خمسة عقود لم نتنفس فيها هواء الحرية»، لافتاً إلى أنه كان كلما سأله أحد من خارج سوريا حيث يقيم، ماذا تريد من بلادك التي تكتب عنها كثيراً، يرد قائلاً: «أن تعود بلاداً لكل السوريين، أن نفرح ونضحك ونكتب الشعر ونختلف ونغني بالكردية والعربية والسريانية والأرمنية والآشورية».

ويضيف مروان: «قبل سنوات كتبت عن (بلاد الخوف الأخير)، الخوف الذي لا بد أن يغادر سماء سوريا الجميلة كي نرى الزرقة في السماء نهاراً والنجوم ليلاً، أن نحكي دون خوف في البيت وفي المقهى وفي الشارع. سقط نظام الخوف وعلينا أن نعمل على إسقاط الخوف في دواخلنا ونحب هذه البلاد لأنها تستحق».

المساواة والعدل

ويشير الكاتب والشاعر هاني نديم إلى أن المشهد في سوريا اليوم ضبابي، ولم يستقر الأمر لنعرف بأي اتجاه نحن ذاهبون وأي أدوات سنستخدم، القلق اليوم ناتج عن الفراغ الدستوري والحكومي ولكن إلى لحظة كتابة هذه السطور، لا يوجد هرج ومرج، وهذا مبشر جداً، لافتاً إلى أن سوريا بلد خاص جداً بمكوناته البشرية، هناك تعدد هائل، إثني وديني ومذهبي وآيديولوجي، وبالتالي علينا أن نحفظ «المساواة والعدل» لكل هؤلاء، فهي أول بنود المواطنة.

ويضيف نديم: «دائماً ما أقول إن سوريا رأسمالها الوحيد هم السوريون، أبناؤها هم الخزينة المركزية للبلاد، مبدعون وأدباء، وأطباء، وحرفيون، أتمنى أن يتم تفعيل أدوار أبنائها كل في اختصاصه وضبط البلاد بإطار قانوني حكيم. أحلم أن أرى سوريا في مكانها الصحيح، في المقدمة».

خالد حسين

العبور إلى بر الأمان

ومن جانبه، يرصد الأكاديمي والناقد خالد حسين بعض المؤشرات المقلقة من وجهة نظره مثل تغذية أطراف خارجية للعداء بين العرب والأكراد داخل سوريا، فضلاً عن الجامعات التي فقدت استقلالها العلمي وحيادها الأكاديمي في عهد النظام السابق بوصفها مكاناً لتلقي العلم وإنتاج الفكر، والآن هناك من يريد أن يجعلها ساحة لنشر أفكاره ومعتقداته الشخصية وفرضها على الجميع.

ويرى حسين أن العبور إلى بر الأمان مرهونٌ في الوقت الحاضر بتوفير ضروريات الحياة للسوريين قبل كلّ شيء: الكهرباء، والخبز، والتدفئة والسلام الأهلي، بعد انتهاء هذه المرحلة الانتقالية يمكن للسوريين الانطلاق نحو عقد مؤتمر وطني، والاتفاق على دستور مدني ديمقراطي ينطوي بصورة حاسمة وقاطعة على الاعتراف بالتداول السلمي للسلطة، وحقوق المكوّنات الاجتماعية المذهبية والعرقية، وحريات التعبير وحقوق المرأة والاعتراف باللغات الوطنية.

ويشير إلى أنه بهذا الدستور المدني المؤسَّس على الشرعية الدولية لحقوق الإنسان يمكن أن تتبلور أحلامه في سوريا القادمة، حينما يرى العدالة الاجتماعية، فهذا هو الوطن الذي يتمناه دون تشبيح أو أبواق، أو طائفية، أو سجون، موضحاً أن الفرصة مواتية لاختراع سوريا جديدة ومختلفة دون كوابيس.

ويختتم قائلاً: «يمكن القول أخيراً إنّ مهام المثقف السوري الآن الدعوة إلى الوئام والسلام بين المكوّنات وتقويض أي شكل من أشكال خطاب الهيمنة والغلواء الطائفي وإرادة القوة في المستقبل لكي تتبوّأ سوريا مكانتها الحضارية والثقافية في الشرق الأوسط».