تهرب ترامب من الضرائب.. «خبطة» إعلامية من دون مصدر

كتبت سوزان كريغ، صحافية في صحيفة «نيويورك تايمز»، يوم الثلاثاء الماضي، تقريرا عن «الخبطة» الصحافية التي هزت المرشح الجمهوري دونالد ترامب، وربما ستكون السبب الرئيسي في هزيمته، إذا انهزم في انتخابات الرئاسة الأميركية. وكانت هي التي كتبت أنها حصلت على وثائق ضرائب ترامب عام 1995، وفيها أنه خسر مليار دولار تقريبا، وبالتالي لن يدفع أي ضرائب لعشرين عاما تقريبا.
كشفت سر رفض ترامب كشف وثائق الضرائب التي دفعها، وصار أول مرشح لرئاسة الجمهورية لا يفعل ذلك في العصر الحديث.
إذا كان الخبر مفاجأة، فقد كانت المفاجأة الثانية هي أن كاتبة الخبر لا تعرف مصدر الخبر.
كتبت أنها جاءت صباح يوم، قبل أسبوع من نشر الخبر، إلى القاعة الرئيسية في الصحيفة التي يعمل فيها الصحافيون. وكعادتها كل يوم، مرت على صناديق البريد، حيث لكل صحافي صندوق مفتوح، يضع فيه رجل البريد بريده.
كتبت: «لاحظت ظرفا كبيرا باسمي، وعليه اسم المرسل: شركة دونالد ترامب. اعتقدت أنها دعاية انتخابية لأني كتبت تقارير عن حملة ترامب الانتخابية. لكن، عندما فتحت الظرف، ووجدت أنه وثائق ترامب الضرائبية لعام 1995، كدت أن أصاب بسكتة قلبية».
وأضافت: «في البداية، اعتقدت أنها خدعة. قلت لنفسي: لا يمكن أن يكون هذا حقيقة».
لكن، خلال ثلاثة أيام، جندت صحيفة «نيويورك تايمز» خبراء ضرائب، وخبراء وثائق، وخبراء قانونيين، أولاً للتأكد من أن الوثائق حقيقية، ثانيًا لدراسة معناها، ثالثًا لنشرها من دون مشكلات قانونية.
واشتركت كريغ في المناقشات؛ لأنها كانت تكتب عن ترامب لتسعة شهور. وقبل شهرين، كتبت تقريرا، على لسان خبير ضرائب درس ضرائب شركات ترامب لثلاثين عاما، ولاحظ أن خسائرها أكثر مما يقول ترامب في حملته الانتخابية.
في اليوم التالي، هاج ترامب، خلال اجتماع انتخابي في ولاية بنسلفانيا، وقال إن الوثائق مزورة (في وقت لاحق، قرر عدم الحديث عن الموضوع، فيما فهم بأنه اعتراف بحقيقة الوثائق). وكتبت كريغ: «أنا أنتظر أظرفًا أخرى من شركة ترامب».
وصار واضحًا أن شخصًا وضع الوثائق داخل الظرف الأول. وكتب عليه «شركة ترامب». ربما يعمل في الشركة، وربما يعمل في مكتب ضرائب ولاية نيويورك (حيث تخزن وثائق الضرائب). ربما شخص واحد، وربما أكثر من واحد. ربما يعمل في الشركة، أو ربما كان يعمل فيها.
في كل حملة انتخابية رئاسية، يتحدث الناس عن «مفاجأة أكتوبر (تشرين الأول)»، وهي توقع شيء كبير يظهر، قبل شهر من يوم التصويت، ويهز الحملة الانتخابية. يعود الاسم إلى عام 1980، عندما تنافس الرئيس جيمي كارتر، وحاكم ولاية كاليفورنيا رونالد ريغان، وقبل شهر من يوم التصويت، ظهر خبر أن إيران لم توافق على إطلاق سراح الدبلوماسيين الأميركيين الذين كانوا قد اعتقلوا عندما قامت الثورة الإيرانية.
كان كارتر يتوقع أن تفعل إيران ذلك سريعا، وقدم لها عدة إغراءات، من بينها الإفراج عن أموال مجمدة في بنوك أميركية. لكن، كان ريغان يعرف أن كارتر يمكن أن يفوز عليه إذا حدث ذلك. لهذا، كان يفضل عدم إطلاق سراح الرهائن (طبعًا، لم يقل ذلك علنًا).
فعلاً، أطلقت إيران سراح الرهائن بعد أن فاز ريغان بيوم واحد.
(في وقت لاحق، كشفت تحقيقات أن ريغان لم يتصل بأي مسؤول إيراني لعقد صفقة معه. وصارت «مفاجأة أكتوبر» هي «كذبة أكتوبر»، لكن، دخل الاسم التاريخ).
هذه المرة، نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» «مفاجأة أكتوبر» حقيقية؛ لأنها ليست كذبة باعتراف حملة ترامب الانتخابية.
ولأن كريغ صحافية جديدة، ولأن الخبر عملاق، ساعدها زميلها ديفيد بارستو، الذي حصل ثلاث مرات على جائزة «بولتزر» الصحافية، ودعمها رئيس التحرير التنفيذي، مات بيردي، وكتب: «تأكدنا من صحة الوثائق، على الرغم من أننا لا نعرف مصدرها».
في البداية، تردد بيردي بسبب عدم وضوح رقم «916» (مليون دولار التي قال ترامب إنه خسرها في ذلك العام، وبالتالي، حسب ثغرة في قانون الضرائب، يقدر على ألا يدفع ضرائب لـ18 عامًا).
وخاف بيردي من أن تكون «وثائق دان راذر».
هذا وصف آخر دخل تاريخ الحملات الانتخابية. في انتخابات عام 2004 الرئاسية بين الرئيس جورج بوش الابن، والسيناتور الديمقراطي جون كيري (وزير الخارجية الآن)، نشر راذر، كبير مذيعي تلفزيون «سي بي إس» وثيقة بأن بوش تهرب من الخدمة العسكرية في نهاية ستينات القرن الماضي، خوفًا من أن يجند ويشترك في حرب فيتنام. وكانت تلك «مفاجأة أكتوبر» أخرى.
وسارع بوش، وقال إن الوثيقة مزورة. وتدخل والده، الرئيس السابق، وقال نفس الشيء. وبعد اتصالات وضغوط على شركة «سي بي إس»، أعلنت رئاسة الشركة أن الوثيقة مزورة، وفصلت راذر وآخرين اشتركوا معه في الحصول على الوثيقة.
في وقت لاحق، تأكد أن الوثيقة ليست مزورة، لكن بعد أن فاز بوش. وهكذا، كل «مفاجأة أكتوبر» تبدو يتيمة. إما تُكذب ثم تؤكد، أو تؤكد ثم تُكذب. أو مثل «خبطة» ضرائب ترامب، تؤكد لكن من دون «أب».