قاديروف يتحول إلى نجم ويثير جدلاً إعلاميًا حول «مصارعة الأطفال» في الشيشان

يدعو للالتزام بحدود الأخلاق بعد «ضربة قاضية» من ابنه

الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف
الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف
TT

قاديروف يتحول إلى نجم ويثير جدلاً إعلاميًا حول «مصارعة الأطفال» في الشيشان

الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف
الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف

تحولت مواقع التواصل الاجتماعي، ومعها وسائل الإعلام الروسية إلى «حلبة» مواجهة حامية الوطيس، بطلها الرئيسي رمضان قاديروف رئيس الشيشان، الذي تحول إلى نجم إعلامي مع أولاده الثلاثة. وفي خطوة كان هدفها الترويج للروح الرياضية وما تربيه حتى عند الأطفال من مواصفات، مثل الشجاعة وأخلاق حميدة كثيرة تحملها الرياضة في طياتها، لم يعارض قاديروف نزالاً يشارك فيه أطفال، بينهم أولاده، خلال بطولة فنون القتال المختلط، في إطار مسابقات الرابطة الدولية لفنون القتال المختلط التي تستضيفها العاصمة الشيشانية غروزني هذه الأيام.
وبدأت فصول «المواجهة» عبر الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بعد أن نُشر مقطع فيديو على صفحة الرئيس الشيشاني في «إنستغرام» يظهر فيه أحمد ابن قاديروف وكيف فاز على خصمه بالضربة القاضية بعد عدة ثوان من بدء النزال. والمقطع مرفق بعبارات تهنئة بالفوز. وقد أثار عرض ذلك الفيديو ونقل النزال بمشاركة الأطفال عبر شاشات التلفزيون المحلية جدلاً بين الرياضيين الروس انخرط فيه برلمانيون، فضلا عن منظمات حقوقية.
وكان فيودور يميليانينكو رئيس الرابطة الروسية الدولية للفنون القتالية المختلطة، والحائز على البطولة في ذلك النوع من القتال عدة مرات أول من انتقد «نزال الأطفال» وعرض المشاهد على شاشات التلفزيون، وفي «إنستغرام».
وللتعبير عن موقفه كتبت يميليانينكو على صفحته في «إنستغرام» إن المصارعة بمشاركة أطفال التي جرت في الشيشان أمر لا يمكن السماح به ولا يجوز تبريره، موضحًا أن «القواعد الأساسية لذلك النوع من الرياضة تفرض على الرياضيين بعمر أقل من 21 عاما وضع خوذة حماية على الرأس عند الخروج إلى الحلبة»، مردفًا أن «النزال بين الأطفال في الشيشان جرى ضمن القواعد الخاصة للكبار من فئة المحترفين».
تصريحات يميليانينكو لم ترق للرئيس الشيشاني أحمد قاديروف، الذي رد عبر «إنستغرام»، وقال موضحًا وجه نظره بكل احترام إن «النزال كان مجرد مواجهة استعراضية ضمن فعاليات دوري {أحمد (2016) لفنون القتال»، منتقدا يميليانينكو لأنه لم يأتِ أبدأ إلى الشيشان ليتابع كيف يجري تنظيم المسابقات الرياضية في فنون القتال هناك، ولم يكلف نفسه عناء الإشارة إلى أن المسابقات التي تجري في الشيشان حاليًا ستشهد نزالاً على الفوز بأول حزام من الرابطة الدولية لفنون القتال المختلطة.
وختم قاديروف تعليقه قائلاً إن الشيشان «تربي أطفالها منذ الصغر على الوطنية والدفاع عن روسيا. فيدور أنت لست على صواب، المحارب الروسي لا يتصرف بهذا الشكل»، حسب قول قاديروف الذي استخدم للدلالة على المحارب عبارة تطلق عادة على أبطال تروي صفحات التاريخ الروسي بطولاتهم، وهم من الوطنيين الروس من أيام القياصرة تميزوا بقوة جسدية عالية ودرجة عالية من الوطنية. ولم تكن ردود الفعل كلها بمستوى هدوء لهجة رد فعل الرئيس قاديروف، إذ شدد آدم ديليماخانوف، مستشار الرئيس قاديروف، وعضو البرلمان الروسي عن حزب «روسيا الموحدة» (حزب السلطة)، على أن الشيشان ستواصل تنظيم مثل تلك الفعاليات الرياضية التي تجري باحترام للقوانين، حسب قوله، موجها النصيحة لفيودور يميليانينكو بلهجة رأى فيها كثيرون «شخصنة» تتجاوز الحدود، ودعاه إلى أن «يدرس القوانين الروسية ويتعرف على مفاهيم الأخلاق الرياضية، والشرف والكرامة».
من جانبه، دافع حمزات خيري أحمدوف المفوض لدى الرئاسة الشيشان لحقوق الأطفال عن تنظيم نزال للأطفال خلال الدوري في الشيشان، وعن المشاهد التي عرضتها الشاشات، وأكد عبر الإعلام الروسي أنه «لم يتم تسجيل أي انتهاكات لحقوق الأطفال خلال النزال. ولا توجد أي أضرار جسدية وإصابات. وهذا أهم شيء»، حسب قوله، وبعد أن أوصى باستخدام الأطفال للخوذة الواقية في المرة المقبلة، أكد أن النزال «كان مجرد مواجهة استعراضية، لعرض ذلك النوع من الرياضة على الجيل الناشئ».
إلا أنه وعلى الرغم من كل وجهات النظر تلك المساندة لموقف الرئيس الشيشاني والمبررة للنزال فقد أثار الأمر اهتمام آننا كوزنيتسوفا مفوضة الكرملين لحقوق الطفل التي قال مكتبها إن «أهم شيء هو سلامة الأطفال»، وإذ اعتبر أن «النزال قد يكون استعراضيًا»، فإن مكتب مفوضية الكرملين لحقوق الأطفال أشار إلى أن «الأطفال كانوا يوجهون ضربات حقيقية لبعضهم»، مشددا على «ضرورة التحقق بالتفصيل من ملابسات المشهد لمعرفة ما إذا كان مثل ذلك النزال يجري بصورة دورية، وما مدى تأثيره على سلامة الأطفال».
وفي وقت سابق قال ديمتري بيسكوف المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الروسية إنه «بحال تم عرض ذلك النزال على شاشات التلفزيون، فإن هذا يشكل مبررا كي تهتم مؤسسات الرقابة ذات الصلة بذلك الموضوع».
وكان لافتًا وسط موجهة الجدل تلك أن أعرب الرئيس الشيشاني عن رفضه بوضوح وحزم لتوجيه أي عبارات تحمل في طياتها إهانة لفيودور يميليانينكو، وكتب الرئيس الشيشاني في صفحته على «إنستغرام»: «أتوجه بداية إلى من قام بهذا (وجه إهانة ليميليانينكو) في لحظة انفعال، ولكل أصدقائنا، إن كنتم بالفعل أصدقاء لنا، وأنا لا أشكك بذلك، أرجوكم لا تكتبوا مثل تلك العبارات، وأن تقوموا بحذف ما كتبتموه سابقًا. لا يجوز المساس بكرامة الآخرين»، ويقصد بالطبع عدم المساس بكرامة يميليانينكو، مشددا على ضرورة أن «نكون صبورين بعضنا على بعض، وأن لا نشخصن الأمور خلال جدالنا حول مسائل تحمل طابعا اجتماعيا عاما».



هل تنجح مساعي دمج صُنّاع المحتوى داخل غُرف الأخبار؟

صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
TT

هل تنجح مساعي دمج صُنّاع المحتوى داخل غُرف الأخبار؟

صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)

يبدو أن ثمة تطوراً جديداً ربما يظهر داخل «غرف الأخبار»، بعدما سعت صحف بارزة، مثل «واشنطن بوست»، لاجتذاب صُنّاع المحتوى بهدف «تعزيز التواصل مع الجمهور»، في حين أثارت مساعي دمج صُنّاع المحتوى (المؤثرون) داخل غُرف الأخبار تساؤلات بشأن «ضمانات التوازن بين المعايير المهنية والتكيّف مع تطلّعات الجمهور».

ووفق تقرير معهد «رويترز لدراسة الصحافة»، العام الماضي، فإن «الجمهور من الفئات الأقل من أربعين عاماً يعيرون اهتماماً أكبر لصُنّاع المحتوى، أو ما يطلقون عليهم لقب (مؤثرون)، بوصفهم مصدراً للمعلومات وكذلك الأخبار».

كما أشارت دراسة استقصائية ضمن مبادرة «بيو-نايت» الأميركية، المعنية برصد التغيرات في كيفية استهلاك الأخبار والمعلومات، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى أن أكثر من خُمس البالغين في الولايات المتحدة يعتمدون بانتظام على «المؤثرين» للحصول على الأخبار.

ومع ذلك، فإن معظم هؤلاء «المؤثرين» الذين ينشرون الأخبار لا ينتمون إلى مؤسسات إخبارية ولا يخضعون لتدريب صحافي. وحسب دراسة أجرتها منظمة «اليونيسكو» ونُشرت نتائجها، نهاية نوفمبر الماضي، فإن غالبية هؤلاء المؤثرين (62 في المائة) لا يتحقّقون من صحة المعلومات التي يشاركونها مع جمهورهم، ما يُثير مخاوف من انتشار «المعلومات الزائفة».

ومعروف أن ثمة تجارب بدأت تخوضها أخيراً غرف الأخبار للدمج بين الصحافي المدرب وصانع المحتوى صاحب الكاريزما والجمهور. وظهرت، في هذا الإطار، نماذج؛ مثل: «واشنطن بوست»، والمنصة الأميركية «مورنينغ بيرو» التي أطلقت بالفعل مبادرات يقودها صُنّاع محتوى على منصات التواصل الاجتماعي، غير أن الاتجاه لا يزال قيد التجربة والتقييم، حسب ما يبدو.

الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا»، مهران كيالي، رهن نجاح تجربة دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار بـ«تنظيم العلاقة بين الطرفين»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «على غرف الأخبار أن توفّر لصُنّاع المحتوى أدوات؛ مثل: التحقق من المصادر، والالتزام بأخلاقيات الصحافة، في حين يقدّم صُنّاع المحتوى خبراتهم في الإبداع الرقمي وفهم الجمهور على المنصات الحديثة». وأضاف: «كما يجب تقنين العلاقة من خلال وضع إطار واضح يحدّد المسؤوليات وأسلوب العمل».

غير أن كيالي أشار إلى «تحديات أمام تجربة دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار»، قائلاً: «هناك نظرة سلبية من قِبل بعض الصحافيين التقليديين تجاه صُنّاع المحتوى، بل هم يعدونهم دخلاء على المهنة، رغم امتلاكهم جمهوراً واسعاً وتأثيراً كبيراً». وأضاف: «بعض المؤسسات الصحافية تعاني صعوبة التكيّف مع أسلوب المحتوى السريع والبسيط الذي يتناسب مع منصات التواصل الاجتماعي، خشية خسارة الصورة الوقورة أمام الجمهور».

وعدّ كيالي أن غرف الأخبار قبل أن تستعين بصُنّاع المحتوى، هي بحاجة إلى «التجهيزات والإجراءات التي تمكّن الصحافيين من إنتاج ونشر محتوى رقمي جذاب بسرعة».

وعن الحلول لتجاوز هذه التحديات، أوضح الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» أنه «يجب على المؤسسات تحديث سياساتها وتوفير الدعم الفني والتدريب اللازم للصحافيين، مع تغيير النظرة السلبية تجاه صُنّاع المحتوى والبحث عن تعاون».

وأشار كذلك إلى أهمية تحقيق التوازن بين المهنية والتطوير، قائلًا: «بعض غرف الأخبار تحتاج إلى تعزيز مصداقيتها بالالتزام بمبادئ الصحافة، من خلال تجنّب المصادر غير الموثوقة وتدقيق المعلومات قبل نشرها»، و«لجذب الجمهور، يجب تقديم محتوى يلامس اهتماماته بأسلوب مبسط مع استخدام أدوات حديثة مثل الفيديوهات القصيرة؛ مما يضمن الجمع بين الدقة والجاذبية لتعزيز الثقة بعصر المنافسة الرقمية».

المحاضرة في الإعلام الرقمي بالجامعة البريطانية في القاهرة، ياسمين القاضي، ترى أن بعض المؤسسات الإخبارية لا تزال تعتمد الاستراتيجيات «القديمة» نفسها على وسائل التواصل الاجتماعي، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «منذ سنوات تبنّت بعض وسائل الإعلام مفهوم (التحويل إلى منصات) من خلال جمع المعلومات وتدقيقها، وهو الدور الأصيل للصحافة، ثم نشرها بأسلوب يحاكي وسائل التواصل الاجتماعي، غير أن هذا الاتجاه ربما لن يكون كافياً في ضوء احتدام المنافسة مع صُنّاع المحتوى، مما أفرز اتجاه الاستعانة بـ(المؤثرين)».

وأوضحت القاضي أن «الغرض من دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار، هو تقديم المعلومات المدققة بأسلوب مبتكر». وأضافت أن «الاستعانة بشخصية مؤثرة لنقل المعلومات لا تعني بالضرورة المساس بمصداقية المحتوى ودقته، فالأمر يعتمد على مهارة كُتّاب المحتوى، فكلما كان الكُتاب صحافيين محترفين يسعون لتطوير أدواتهم ضمنت منصة الأخبار تقديم معلومات دقيقة وموثوقة».