تنافس وصراعات للهيمنة على قرار شيعة العراق

أتباع إيران يؤجلون إطاحة العبادي لما بعد معركة الموصل

عناصر تابعة لقوات الحشد الشعبي يتخذون مواقع لهم أثناء معارك في جبهة الثرثار على حدود محافظة الأنبار ({غيتي})
عناصر تابعة لقوات الحشد الشعبي يتخذون مواقع لهم أثناء معارك في جبهة الثرثار على حدود محافظة الأنبار ({غيتي})
TT

تنافس وصراعات للهيمنة على قرار شيعة العراق

عناصر تابعة لقوات الحشد الشعبي يتخذون مواقع لهم أثناء معارك في جبهة الثرثار على حدود محافظة الأنبار ({غيتي})
عناصر تابعة لقوات الحشد الشعبي يتخذون مواقع لهم أثناء معارك في جبهة الثرثار على حدود محافظة الأنبار ({غيتي})

سلسلة من الأزمات تعاقبت في الآونة الأخيرة على العراق، وزادت من حدة المشكلات التي تعانيها البلاد من فراغ في المناصب الحكومية الرئيسية. ومن جهة ثانية، بينما يتأهب العراق لعملية «تحرير» مدينة الموصل، ثاني كبرى المدن العراقية، وتخليصها من احتلال تنظيم داعش الإرهابي المتطرف في غضون الأسابيع أو الشهور القليلة المقبلة، تسلط هذه المشكلات الضوء على مدى سلبية النفوذ الإيراني في العراق، وعلى سياسة التقسيم والتفرقة التي يعاني منها على المستوى الوطني، وعلى صعيد مكوناته الدينية والطائفية والعرقية.
هزّت العراق خلال الأشهر الأخيرة عدة أزمات ومشكلات، وصلت إلى حد إقالة بعض الوزراء الذين يشغلون حقائب وزارية سيادية حساسة، إذ صوّت البرلمان العراقي أخيرًا على إقالة وزير المالية هوشيار زيباري، أبرز الوزراء الأكراد في حكومة حيدر العبادي، وكان زيباري الوزير الثاني الذي يفقد منصبه في غضون شهر واحد، بعد وزير الدفاع خالد العبيدي، الذي كان البرلمان قد أقاله في اقتراع سري في أعقاب توجيه تهم إليه بالفساد.
ردًا على إقالته، اتهم زيباري رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، حليف إيران القديم والدائم، بتدبير طرده من الحكومة، ووفق خبير عراقي تحدث إلى «الشرق الأوسط» - بشرط عدم الكشف عن هويته نظرًا لحساسية الموضوع - «استغل المالكي الانقسامات الكردية والسنية والشيعية لفرض أجندته الخاصة». وبالتزامن مع ذلك، انتشرت معلومات مفادها أن وراء هذه «الحركة الثورية» وإقالة الوزراء مجموعة جديدة في البرلمان العراقي تطلق على نفسها اسم «جبهة الإصلاح»، تزعم أنها تسعى للإصلاح السياسي ومواجهة السياسيين الفاسدين، إلا أن هذه الأهداف لا تقنع كثيرًا من الجهات العراقية، بل ترى أن المالكي قد تكون له يد في هذه الحركة ويتلاعب بها لتحقيق أهدافه. وهذا، مع التذكير بأن رئيس الوزراء السابق (المالكي) ليس في الوقت الراهن في موقع قوة رسمي على الإطلاق، وهو على الرغم من فوز كتلته بما يكفي من الأصوات في الانتخابات الاتحادية الأخيرة، لم يشكل خيارًا شعبيًا قويًا لمنصب رئيس الوزراء.. أيضًا بعد اتهامه بالفساد وسوء إدارة شؤون الدولة.

«الحشد الشعبي»
مع هذا، يؤكد كثيرون أن لإيران حساباتها الخاصة، ويبدو أنها تعمل على تعزيز نفوذ المالكي ضمن ميليشيا «الحشد الشعبي» الشيعية. وفي ضوء هذا الواقع، ثمة من يقول إن المالكي يترقب الانتخابات المقبلة المقررة في العام المقبل (2017)، التي ستجرى على مستوى المحافظات، ثم لاحقًا عام 2018 على مستوى البرلمان، ليحاول استغلال الشعبية الطائفية لـ«الحشد الشعبي» لصالحه. ويرى رماد منصور، الباحث في «تشاتام هاوس» (المعهد الملكي للشؤون الدولية) في العاصمة البريطانية لندن، في حديث إلى «الشرق الأوسط» أنه «من المعقول أن يسعى المالكي إلى تشكيل لجنة برلمانية من الحشد».
الجدير بالذكر، أنه حين بدأت الحكومة العراقية في بغداد «مكافحة» تنظيم داعش عام 2014، وجّه كثير من العراقيين الشيعة النظر إلى إيران طلبًا للمساعدة. وانضوت عشرات من الجماعات المسلحة الشيعية تحت خيمة فرع ميليشياوي سرِّي يتبع الحكومة العراقية أطلق عليه في حينه اسم «الحشد الشعبي»، وتولى نوري المالكي تشكيله حين بدأ تنظيم داعش السيطرة على منطقة الأنبار، في غرب العراق.
ومن ثم، أخذت هذه الميليشيات تنمو، ولا سيما إثر الدعوات التي أطلقها المرجع الشيعي العراقي آية الله علي السيستاني لحمل السلاح بعد سقوط الموصل بين أيدي مسلحي «داعش»، فازداد بشكل كبير عدد الملتحقين بـ«الحشد الشعبي»، الذي على الرغم من حصوله على التمويل من وزارة الداخلية العراقية، كان يخضع للقيادة الإيرانية. واليوم، في الوقت الذي يعتبر فيه كثيرون أن ميليشيا «الحشد الشعبي» منظمة متماسكة قوية تتجمّع تحت لوائها جميع الميليشيات الشيعية الموالية لإيران، فإنها في الحقيقة تعاني من انقسامات كبيرة، ذلك أن بعض فصائلها يتبع إيران والمالكي، وبعضها الآخر يبدو أكثر ميلاً للعراق كوطن وكمصير.

الولاء لإيران
وهنا يشرح الخبير «أن الحشد الشعبي يتبع رئيس الوزراء حيدر العبادي، غير أن هذا الأخير ليست لديه سلطة إلا على الجزء الموالي للعراق من الحشد»، بينما تضم الميليشيات الموالية لإيران، داخل «الحشد» عدة فصائل تحكمها أطراف فاعلة على غرار هادي العامري الذي يرأس «منظمة بدر»، وأبو مهدي المهندس المتهم بأنه العقل المدبر وراء تفجير سفارتي الولايات المتحدة وفرنسا في الكويت عام 1980، وهو قائد ميليشيا «كتائب حزب الله»، وقيس الخزعلي قائد جماعة «عصائب أهل الحق» التي ترعاها إيران.
كذلك فإنه ضمن هذه المجموعات نفسها نجد انقسامات أخرى بين الموالين لإيران والموالين للمالكي، بحيث يرى كثير من الخبراء أن المالكي أقرب إلى جماعة «عصائب أهل الحق»، وإن كانت له علاقات جيدة مع العامري و«كتائب حزب الله». ثم إن هادي العامري معروف بولائه الشديد لإيران، وهو سبق له أن قاتل في الحرب العراقية - الإيرانية خلال عقد الثمانينات من القرن الماضي في صفوف القوات الإيرانية.
ووفق الخبير العراقي نفسه، «من الواضح أن المالكي يعرف جيدًا كيف يستغل هذه الاختلافات. فاليوم تجد القيادات الشيعية نفسها منقسمة وميّالة أكثر باتجاه القرار الذي اتخذه علي السيستاني - أبرز رجال الدين في العراق - بالابتعاد والتزام الصمت، بعدما شعر أن هيبة المرجع الشيعي الأهم تعرضت للإساءة من قبل صبيان أغرار، وأضف إلى ذلك خيبة الأمل التي شعر بها حين اتخذ قرار النزول إلى الشارع، وفشل في حشد الدعم المناسب من القيادات الأخرى». وهنا يقول رناد منصور إن هناك صراعًا يدور «بين المالكي وشخصيات الحشد الموالية له من جهة، والتيار الصدري (بزعامة مقتدى الصدر) من جهة ثانية، وقد يغدو رئيس الوزراء حيدر العبادي ضحية لهذا الصراع».
في السياق نفسه، كان موقع الأخبار العراقي «نقاش» قد أورد أخيرًا أن الضحية التالية للمالكي قد تكون رئيس الوزراء العبادي، وعودة إلى الخبير الذي طلب التكتم على اسمه، فإن «الأمر الوحيد الذي يُبقي العبادي في موقعه حاليًا هو المعركة ضد (داعش) في الموصل». أما موقع «نقاش» فيشير إلى أن المتحدث باسم «لجنة النزاهة النيابية العراقية» عادل نوري كان قد صرّح بأن أعضاء البرلمان الموالين للمالكي كانوا يعدون لاستجواب رئيس الوزراء أيضًا. وأردف الموقع أنه «من المعروف أن المالكي بدأ التفاوض مع ميليشيات الحشد التي لها طموحات سياسية. وهذه الفصائل تمكنت من جمع شعبية كبيرة وقوة عسكرية خلال السنة الماضية، كما أن طموحاتها السياسية لا تخفى على أحد». وفي هذا الصدد يقول الخبير إن المالكي «يتمتع بثروة كبيرة بينما تعاني الفصائل الأخرى من مشكلات اقتصادية مما يعطيه موقعًا متفوقًا عليها».

خطر على العراق
إن مخططات نوري المالكي وغياب السيطرة الحكومية على ميليشيات «الحشد الشعبي» تشكل بالفعل خطرًا على العراق في مرحلة ما بعد «داعش». وخلال السنوات الثماني التي كان فيها المالكي في الحكم، بدا مستأثرًا بالسلطة ويتجاهل البرلمان ويهمِّش أعضاءه، متفردًا في اتخاذ كل القرارات المهمة. كذلك استشرى الفساد المالي والإداري في عهده، وباتت المؤسسات المفترض أن تتحلى بالاستقلالية أو تلك التي تضطلع بمهام إشرافية ورقابية تحت إمرته. وهذا، فضلاً عن إقدامه على تعيين الموالين له في المناصب العليا، مما ألحق ضررًا فادحًا بالجيش العراقي، واعتبُرت هذه التعيينات من قبل كثير من المراقبين سببًا أساسيًا في ظهور «داعش» وتقدمه.
وراهنًا، تشكل الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، وبصفة خاصة «منظمة بدر» و«عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» خطرًا بالغًا على سيادة العراق كدولة، وذلك لأنها لا تستجيب في أكثرها لا للحكومة العراقية ولا للمرجع الشيعي في النجف الأشرف آية الله علي السيستاني. ثم إن «إيران لا تريد الاستقرار في العراق، بما أن ذلك سيحد من سيطرتها على اللاعبين العراقيين»، وفق الخبير. وبالتالي، «إذا نجحت الحكومة في طرد تنظيم داعش من العراق، قد يكون ذلك اليوم الذي سنشهد فيه ولادة مشكلات جديدة عديدة، نظرًا لعدد الميليشيات غير المنضبطة والخلافات والتجاذبات المحتملة داخل الطائفة الشيعية».



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.