الأزمة الاقتصادية والتهديد الروسي يخيمان على الانتخابات التشريعية بليتوانيا

الاشتراكيون الديمقراطيون واجهوا منافسة شديدة أمام «الخضر» و«اتحاد الوطن»

ناخب ليتواني يدلي بصوته خلال الانتخابات التشريعية في فلينيوس أمس (أ.ب)
ناخب ليتواني يدلي بصوته خلال الانتخابات التشريعية في فلينيوس أمس (أ.ب)
TT

الأزمة الاقتصادية والتهديد الروسي يخيمان على الانتخابات التشريعية بليتوانيا

ناخب ليتواني يدلي بصوته خلال الانتخابات التشريعية في فلينيوس أمس (أ.ب)
ناخب ليتواني يدلي بصوته خلال الانتخابات التشريعية في فلينيوس أمس (أ.ب)

خيم التوتر على الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية في ليتوانيا، أمس، بعد أن نشرت روسيا صواريخ إسكندر القادرة على حمل رؤوس نووية في جيب كالينينغراد المجاور.
وصوّت الليتوانيون أمس في انتخابات تشهد منافسة شديدة قد تؤدي إلى خسارة الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم، في أمل بأن تحل ضائقتهم الاقتصادية وأزمة الهجرة الجماعية. غير أن تهديد الصواريخ الروسية لم يشكل مصدر قلق كبيرا لليتوانيين المطمئنين إلى قرار حلف شمال الأطلسي نشر كتيبة له على أراضيهم قريبا، بقدر ما يشغلهم الوضع الاقتصادي.
وشكل رفع الأجور وخلق فرص عمل موضوعين رئيسيين للمرشحين في ليتوانيا التي تضم 2.9 مليون نسمة، والمنتمية إلى منطقة اليورو؛ إذ تعاني هذه الدولة هجرة جماعية للعاملين الذين يطالبون بأجور أعلى، ويتوجه كثير منهم إلى بريطانيا.
منذ انضمام ليتوانيا إلى الاتحاد الأوروبي عام 2004، توجه نحو نصف المهاجرين المقدر عددهم بنحو 370 ألفا إلى بريطانيا، التي شكلت الهجرة من أوروبا الشرقية إليها أحد الموضوعات الرئيسة لحملة خروجها من الاتحاد الأوروبي. وأظهرت استطلاعات الرأي أن هناك حزبين يتنافسان بشكل شديد مع حزب رئيس الوزراء الليتواني الجيرداس بوتكافيتشيوس، الاشتراكي الديمقراطي، الذي يحظى بـ15.6 في المائة من نوايا التصويت. في حين يجمع «اتحاد الفلاحين والخضر» (وسط) 14 في المائة من نوايا التصويت، وحزب اتحاد الوطن المحافظ 13.7 في المائة، بحسب استطلاعات الرأي المحلية.
ومن المتوقع أن يجتاز ما بين خمسة وثمانية أحزاب عتبة الـ5 في المائة من الأصوات اللازمة لدخول البرلمان، ما يشير إلى أن مشاورات تشكيل حكومة ائتلافية ستكون معقدة.
ووعد بوتكافيتشيوس (57 عاما) برفع الحد الأدنى للأجور ورواتب موظفي القطاع العام، لكن قانون العمل الجديد الذي يسهل عملية توظيف الأشخاص وتسريحهم من العمل يمكن أن يؤثر سلبا في التقدم الطفيف لحزبه في الانتخابات.
وخلال إدلائه بصوته الأحد في فيلنيوس، تعهد بوتكافيتشيوس أن «يرقى إلى مستوى التوقعات» في حال فوز حزبه. لكن الرئيسة داليا غرباوسكايتي قالت: إنها صوتت «للتغيير»، في انتقاد واضح للحكومة بعد إدلائها بصوتها في وقت سابق هذا الأسبوع.
أما سوليوس سكفيرنيليس (46 عاما) مرشح «اتحاد الفلاحين والخضر» لمنصب رئيس الوزراء، فألقى باللوم على الحكومات السابقة بسبب عجزها عن وقف هجرة اليد العاملة. بدوره تعهد زعيم اتحاد الوطن غابرييلوس لاندسبيرغيس (34 عاما) بمحاربة الهجرة والفقر من خلال خلق فرص عمل وإصلاح التعليم وزيادة الصادرات والاستثمار الأجنبي. وقال لوكالة الصحافة الفرنسية بعد إدلائه بصوته في فيلنيوس «هذا البلد يحتاج الآن إلى مزيد من فرص العمل؛ لأن الناس يتركون المدن الإقليمية، ويهاجرون من ليتوانيا؛ لأنه ليس هناك ما يفعلونه»، مضيفا أنه حريص على تشكيل ائتلاف مع «اتحاد الفلاحين والخضر».
وشهد اقتصاد ليتوانيا انتعاشا ملحوظا بعد هبوطه خلال الأزمة المالية العالمية عامي 2008 و2009، ومن المتوقع أن ينمو بنسبة 2.5 في المائة هذا العام.
لكن متوسط الأجور الشهرية، وهو أكثر بقليل من 600 يورو (670 دولارا) بعد حسم الضرائب، هو من بين الأدنى في الاتحاد الأوروبي، في حين لا يزال عدم المساواة والفقر مرتفعين نسبيا. وقالت المتقاعدة دانوت تونكونييني بعد تصويتها لـ«الاندسبيرغيس» إن «الشيء الأكثر أهمية هو الحد من الهجرة. وعلى الرغم من أن جميع أحفادي موجودون في ليتوانيا، فأنا لا أريدهم أن يغادروا».
لم تقنع وعود بوتكافيتشيوس برفع الرواتب، الموظفة في القطاع العام دايل أدآسيون التي قالت إنها صوتت لـ«وجوه جديدة» من «اتحاد الفلاحين والخضر». وقالت «عدت من إسبانيا قبل أربع سنوات، ولا أريد الرحيل مجددا. لقد وجدت وظيفة، لكن إذا لم يتغير شيء، سأرحل من جديد». أما المتقاعد جوناس، الذي رفض كشف اسمه الكامل، فأكد أيضا لـ«اتحاد الفلاحين والخضر»، موضحا «لقد اعتدت التصويت للاشتراكيين الديمقراطيين، لكنهم خذلوني».
ويشير المحللون إلى أن سكفيرنيليس مرشح «اتحاد الفلاحين والخضر» سيكون قوة سياسية مؤثرة محتملة في محادثات تشكيل حكومة ائتلافية. فسكفيرنيليس الذي شغل سابقا منصب رئيس الشرطة الوطنية، والمعروف بضرب الفساد في صفوفها، أصبح موضع جدل سياسي ساخن منذ دخوله الحياة السياسية قبل عامين.
بهذا الصدد، قال راموناس فيلبيسوسكاس، مدير معهد العلاقات الدولية والعلوم السياسية في فيلنيوس، إن «التحالف الأكثر احتمالا هو الذي قد يتشكل من (اتحاد الوطن) و(اتحاد الفلاحين والخضر)». لكنه أوضح أيضا أن الحزب الاشتراكي الديمقراطي قد يبقى في السلطة من خلال اتفاق خاص مع «اتحاد الفلاحين والخضر» الذي يتزعمه راموناس كاربوسكيس، أحد أكبر مالكي الأراضي الزراعية في ليتوانيا.
وفي حين تريد جميع الأطراف تعزيز الإنفاق على الدفاع والوجود العسكري لحلف شمال الأطلسي، لم تلعب المخاوف الأمنية إزاء روسيا دورا رئيسيا في الحملة الانتخابية. ووافقت ألمانيا على قيادة كتيبة متعددة الجنسيات في ليتوانيا بدءا من العام المقبل، في إطار تعزيز الحضور الأطلسي في دول البلطيق وبولندا.
وسيتم انتخاب سبعين نائبا من أصل 141 على أساس التمثيل النسبي، و71 آخرين على أساس الدوائر الفردية، ومن المقرر تنظيم الجولة الثانية للانتخابات في 23 أكتوبر (تشرين الأول).



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟