تركيا بين حلب و الموصل

تضارب في المصالح الروسية ـ الأميركية.. والتدخلات الإيرانية تعقد الموقف

تركيا بين حلب و الموصل
TT

تركيا بين حلب و الموصل

تركيا بين حلب و الموصل

أعلنت تركيا، خلال هذا الأسبوع، مجددًا أنها لن تتراجع عن أهدافها، سواء في شمال سوريا، من أجل تأمين حدودها وتطهيرها من التنظيمات الإرهابية، وتعني بها «داعش» والأكراد ممن تعتبرهم امتدادا لمنظمة حزب العمال الكردستاني المصنفة لديها على أنها منظمة إرهابية، أو بالنسبة لشمال العراق، حيث ترى ضرورة مشاركتها في معركة تحرير الموصل من سيطرة تنظيم داعش الإرهابي، عبر معركة تخطط لها واشنطن، وإن لم تتضح معالمهما بعد. وفي كلتا الحالتين، أكدت تركيا أنه لا أطماع لها في البلدين، مشددة على أن هدفها هو حماية وحدة أراضي سوريا والعراق، وضمان وحدة الأراضي التركية أيضًا، ودرء التهديدات الإرهابية الآتية من «جاريها» المأزومين.
في سوريا، تؤكد أنقرة أنها ستستمر بعملية «درع الفرات» إلى حين تطهير مدينة الباب والمساحة المحيطة بها، البالغة 5 آلاف كيلومتر مربع، من جميع التنظيمات الإرهابية، مثل «داعش» وحزب الاتحاد الديمقراطي وميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية.
ومعلومٌ أن لدى تركيا أيضًا الاستعداد للمشاركة في عملية تحرير مدينة الرقّة، ولكن بشرط استبعاد الميليشيات الكردية، إلا أن واشنطن لا تبدي تحمّسًا لهذا المطلب. ومن ثم، يرى محللون ومراقبون أن الظروف التي تعيشها الولايات المتحدة حاليًا وأجواء انتخابات الرئاسة تجعلها في وضع من لا يستطيع الحسم، وأنها تسعى لفتح جبهة الموصل للتغطية على إخفاقها في سوريا.
* مسرحية حلب
الأكاديمي والمحلل السياسي التركي الدكتور سمير صالحة يرى أن كلاً من موسكو وواشنطن «ما كانتا جادتين في اتفاقية وقف الأعمال القتالية في حلب التي أعلنت في 9 سبتمبر (أيلول) الماضي، وفتح الطريق لوصول المساعدات الإنسانية لسكان حلب المحاصرين، ولم يعد الأمر كونه مسرحية، حيث شابها الغموض وكثير من علامات الاستفهام حول المضمون وطريقة التنفيذ والضمانات القانونية».
وخلال لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال صالحة: «السؤال هنا هو: من يتحمل هذا الإخفاق؟»، مضيفًا: «إن المسؤولية تقع على الطرفين معًا، روسيا وأميركا، لأنه لو كانت هناك رغبة حقيقة لفتح الطريق أمام الحل في حلب، لتقدم النقاش بشكل واضح يتسم بالشفافية، غير أن ما حدث هو محاولة فرض ما تم الاتفاق عليه على الشركاء والحلفاء».
ولفت صالحة إلى أن أميركا «لم تتعاط إيجابيًا مع الخطة التركية في عملية (درع الفرات)، واتضح هذا فيما بعد. وكما نرى الآن، في التنسيق الأميركي مع الحكومة المركزية في العراق، فقد حمّلت أنقرة رؤيتها بالنسبة للعملية العسكرية في الموصل لمساعد وزير الخارجية الأميركي خلال زيارته الأخيرة، ووعد الجانب الأميركي بمناقشتها مع حكومة بغداد. لكن ما حدث هو العكس، إذ فرض الجانب الأميركي على بغداد فرضًا أن ترفض هذه المواد التركية، ثم تحركت واشنطن لتبرّر للعراق أسباب رفض وجود القوات التركية في بعشيقة، ولتذهب أبعد من ذلك للقول إن الوجود التركي ليس في إطار التحالف الدولي، وهو بالتالي عملية غير شرعية».
* أزمة المعادلة الأميركية
وأضاف الدكتور صالحة، خلال اللقاء، أن «الفشل في موضوع الهدنة في حلب، وإخفاق واشنطن في تحقيق ما تريد من عملية (درع الفرات) جعلاها تتوجه إلى منحى آخر، هو إعطاء الأولوية لمعركة الموصل على معركة الرقّة. وهي تريد من خلال تحريك جبهة الموصل أن تحقق أهدافها في العراق، بعدما فشلت في سوريا بسبب التعنّت الروسي، والموقف التركي المتمثّل بالتنسيق مع «الجيش السوري الحر»، والتوجه إلى معركة الباب وحسم مسألة وجود الميليشيات الكردية في منبج. إن ما حدث على الأرض في سوريا لم يطمئن واشنطن إلى أي ظروف سياسية أو عسكرية، ولذلك توجّهت إلى الموصل كي تصحّح المعادلات من منظورها للأمور. ولا بد من ربط هذا التصعيد العراقي ضد تركيا بالرغبة الأميركية في قلب الأمور لصالحها، وتعزيز نقاطها التي تراجعت في الجبهة السورية».
واعتبر الأكاديمي التركي أن الزيارة المرتقبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتركيا، بعد غد (الاثنين)، ستكون «زيارة حاسمة في تحقيق تفاهم تركي - روسي شامل بالنسبة للملف السوري، وليس فقط (درع الفرات)»، وتوقع أن يشمل «مستقبل حلب، وحسابات واشنطن وبغداد بالنسبة للموصل، ومحاولات أميركا استخدامها كورقة لتحقيق معادلتها الخاصة في الملفين السوري والعراقي».
* أهداف تركيا
مما لا شك فيه أن تركيا حدّدت أهدافها بدقة من عملية (درع الفرات)، وهي ترى أن الظروف مهيأة للاستمرار فيها، وهو ما أكدته مصادر دبلوماسية تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، إذ ترى هذه المصادر أن تصعيد أنقرة لهجتها ضد أكراد سوريا، والتصريحات المتشدّدة التي تعاقبت على ألسنة المسؤولين الأتراك، بدءًا من الرئيس رجب طيب إردوغان وصولاً إلى الوزراء في الحكومة التركية، إنما هدفها هو الضغط على واشنطن لضمان وفائها بتعهداتها بانتقال الميليشيات الكردية إلى شرق نهر الفرات، وتحييدهم في عملية الرقة المحتملة، ومنع تسليحهم.
وتؤكد المصادر أن تركيا جادة في ضمان إقامة «المنطقة الآمنة» بطول حدودها مع سوريا، البالغة 911 كيلومترا بعمق 45 كيلومترًا، وعلى المساحة التي تتحدث عنها، وهي 5 آلاف متر مربع. وتضيف أن الحديث عن الوصول بعملية «درع الفرات» إلى مدينة الباب، هو من أجل التلويح بأن لدى تركيا القدرة على دخول حلب، وإن كان من المستبعد أن تقدم على مثل هذه الخطوة كي لا تصطدم مع روسيا التي تتولى راهنًا ملف حلب.
ووفقًا لهذه المصادر، فإن أنقرة تعتقد أن واشنطن وموسكو لن تتمكنا من التوصل إلى اتفاق بشأن سوريا. ولذا، تريد جعل المنطقة الآمنة أمرًا واقعًا في ظل التخبط القائم حاليًا، لا سيما أنه لم تصدر اعتراضات من جانب واشنطن أو موسكو، أو حتى من إيران وسوريا، على إقامة مثل هذه المنطقة.
كذلك ترى المصادر أن تركيا بدأت استعدادات جدية لتوطين اللاجئين السوريين في «المنطقة الآمنة»، بدعم من بعض الأطراف الفاعلة في المنطقة التي تتفق معها في الرؤية والمواقف بشأن الملف السوري.
* التحركات الروسية
من ناحية ثانية، يقول خبيران تركيان إن خطوة موسكو المتمثلة بزيادة تعزيزاتها العسكرية في سوريا خلال الأيام الأخيرة، تأتي رسالة واضحة موجهة لواشنطن الغاية منها دفع الأميركيين إلى استبعاد الخيار العسكري لحل الأزمة السورية، وذلك بعد تداول وسائل إعلام أميركية أنباء بإعادة طرح الخيار العسكري مجددا في أروقة صناعة القرار الأميركية، بعد إعلان واشنطن تعليق مشاركتها في قنوات الاتصال الثنائية مع موسكو.
مسعود حقي جاشين، الأكاديمي التركي المتخصص في العلاقات الدولية، يقول إن «التحركات الروسية الأخيرة تصب في خانة رغبة روسيا بلعب دورها السابق، كقطب في الحرب الباردة».
ويلفت جاشين إلى أن روسيا «حققت تفوقًا عسكريًا في الأجواء السورية على الولايات المتحدة والتحالف الدولي الذي تقوده، بالتوازي مع زيادة نفوذها العسكري في بحر البلطيق ومناطق كثيرة حول العالم، وهي ترد على كل تصعيد لواشنطن بـ7 أو 8 أضعاف»، معتبرًا أن هذا التصعيد الروسي «خطير جدًا».
ومن جانب آخر، يرى مراد يشيل تاش، مدير الأبحاث الأمنية في مركز الأبحاث السياسية والاقتصادية والاجتماعية التركي (سيتا)، أنه «لا يجوز النظر إلى التعزيزات العسكرية الروسية في سوريا على أنها موجهة ضد قوات المعارضة المسلحة هناك بشكل مباشر، بل هي رسالة واضحة موجهة لواشنطن، مفادها استبعاد الحل العسكري كخيار لحل المسألة السورية».
* تركيا والعراق
وفي ظل هذا التشابك في المواقف، وفي ظل التقدم التركي في عملية «درع الفرات»، قفز إلى السطح التوتر بين أنقرة وبغداد الذي فتح مبكرًا، وعلى الصعيد السياسي معركة الموصل قبل أن تبدأ ميدانيًا، وذلك سعيا لإبعاد تركيا عنها بدعم من قوى إقليمية متدخلة في سوريا والعراق، في مقدمتها إيران، وكذلك بدعم من واشنطن، لتثور التساؤلات حول آفاق هذا التعقيد في الموقف، وكيف ستواجهه تركيا.
وفي هذا السياق، يقول أرشد هورموزلو، كبير مستشاري الرئيس التركي السابق عبد الله غل لشؤون الشرق الأوسط، إن «سياسة تركيا تقوم على تأييد وحدة أراضي العراق وسيادته، وليست لديها مطامع إقليمية في أية دولة في المنطقة، وهي ترفض ما يُقال عن العثمانية الجديدة لأن هدفها الأساسي هو التصدي للمنظمات الإرهابية، سواءً كانت متمثلة في (داعش) أو العمال الكردستاني أو امتداده في سوريا (حزب الاتحاد الديمقراطي) وميليشيا (وحدات حماية الشعب) الكردية»، مستطردا: «لتركيا مبررات قوية جدًا، وهي أنه تربطها حدود مع العراق تمتد لنحو 420 كيلومترًا، ومع سوريا لنحو 920 كيلومترًا. وبالتالي، يجب أن تحمي نفسها من التهديدات الإرهابية، وأن تضمن سلامة أراضيها ومواطنيها».
ويضيف هورموزلو، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أنه «عندما نأتي بشكل خاص إلى موضوع العراق، وما أثير حول الوجود العسكري التركي المحدود في معسكر بعشيقة، فإنه تم بموافقة الحكومة المركزية في بغداد، وبموافقة الإدارة الكردية في إقليم كردستان شمال العراق، وفي إطار مهام تدريبية كما تفعل فرنسا أو ألمانيا أو بريطانيا أو عشرات الدول التي توجد قواتها في العراق، بما فيها نيوزيلندا. وكان على الإخوة العراقيين أن يتحمّسوا للوجود التركي لأنهم يعرفون جيدا أن لا مطامع لتركيا في بلادهم، وكل ما يقال عن أطماع في الموصل هي مسألة عفا عليها الزمن. والعراقيون يعرفون أن تركيا تحترم سيادة وحدود الدول الموجودة في المنطقة، صغيرة أم كبيرة، ولذلك يجب أن يكون هناك حوار بين الأطراف المعنية لمعرفة لماذا اتخذ هذا الموقف أو ذاك».
ويتابع المستشار الرئاسي السابق: «لكن للأسف هناك مطالبات معينة من قبل قسم من الميليشيات الموجودة في العراق، على الرغم من أن وجودها محظور بموجب الدستور العراقي الذي وضع عام 2005. وهناك أمر واقع، فثمة قسم من هذه الميليشيات يتعاون مع المنظمات الإرهابية، سواء أجنبية أو محلية. وعليه، فبطبيعة الحال ليس من مصلحتها أن تكون هناك قوة كبيرة ومتمكنة، مثل تركيا، في الحدود جاهزة للتدخل المباشر عندما تكون هناك أخطاء. ولذا، لا بد من الحوار الجاد دون لجوء للتهديدات والتصعيد الإعلامي من جهة أو أخرى».
ويلفت هورموزلو إلى «أن هناك دولا إقليمية لها وجود كبير في العراق، وتركيا لا تعارض ذلك ما دامت الحكومة المركزية في العراق تقبل، غير أن حكومة بغداد يجب أن تعلم، في المقابل، أن تركيا لها أشقاء في العراق، هم التركمان والعرب والأكراد وجميع الإثنيات الأخرى. وبالتالي، يجب أن تسمح لها بمد يد المساعدة لهم».
ومن ناحية ثانية، ينتقد هورموزلو موقف واشنطن مما تقوم به تركيا، سواء في سوريا أو ما تريد عمله من أجل الإخوة في العراق، معتبرًا أنه «لا يتوافق مع القواعد الأخلاقية، ولا مع ما يقتضيه التحالف الاستراتيجي بين واشنطن وأنقرة».
* انزعاج إيراني
وعلى الصعيد المتعلق بإيران، يرى رسول طوسون، النائب السابق عن حزب العدالة والتنمية الحاكم في البرلمان التركي والكاتب في صحيفة «ستار»، أن «أكثر من يتحمل مسؤولية الفوضى في سوريا والعراق هي الولايات المتحدة الأميركية التي لا ترى شيئًا في المنطقة غير المحافظة على أمن إسرائيل. فرغم أنّ أميركا تدعي أنها تواجه الإرهاب، فإن سياستها الحقيقية تدعم المنظمات الإرهابية على الأرض»، مردفا: «لا شك أيضًا أن عملية (درع الفرات) التي قادتها تركيا في سوريا أزعجت وأثارت قلق الإيرانيين حول إمكانية قيام تركيا بعملية مماثلة لتخليص الموصل من يد (داعش)، بعد عجز الحكومة العراقية عن القيام بذلك. ويزداد قلقهم خصوصا مع تصريحات الرئيس رجب طيب إردوغان الأخيرة حول اتفاقية لوزان، خوفا من إمكانية إلحاق الموصل بهذه النقاشات، رغم أنّ الموصل الآن تحت سيطرة (داعش)، ولا تخضع لسيطرة الدولة العراقية». ويلفت طوسون إلى أن تركيا «أكدت مرارًا موقفها الثابت تجاه وحدة الأراضي السورية ووحدة الأراضي العراقية، بينما تتحدث الولايات المتحدة وتتخذ سياسات أقرب لتقسيم الدولتين. ومع هذا، لا تزال الحكومة العراقية تركن إلى الولايات المتحدة أكثر مما تركن إلى تركيا.. إن أصل المشكلة يكمن في الجهة التي تقف خلف الحكومة العراقية، وتنزعج من زيادة نفوذ تركيا في المنطقة». ويعتبر طوسون، أخيرًا، أن «محاولة بعض رجال الدين الشيعة تفضيل التقارب مع الغرب غير المسلم على التقارب مع تركيا لعبة خطرة، وعلى إيران أنْ تكون حذرة جدا تجاه هذا الأمر، كما أن على الدولة العراقية ألا تنشغل أو تخضع للسياسات الطائفية، بل عليها أنْ تعمل جاهدة على حماية ووحدة الأراضي العراقية، وتوحيد العراقيين. لكن إذا فقد العراق وحدة أراضيه، فحينذاك سيحق لتركيا أن تكون لها كلمة.. نحن هنا نتحدث عن حق تاريخي وجغرافي لتركيا».



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».