«ماثيو» يودي بحياة المئات.. ويقطع الكهرباء عن مئات الآلاف

أول إعصار كبير يهدد الولايات المتحدة منذ عقد

صورة جوية أخذت لمدينة جيريمي في هايتي حيث يبدو الدمار الهائل الذي أحدثه إعصار ماثيو (أ.ف.ب)
صورة جوية أخذت لمدينة جيريمي في هايتي حيث يبدو الدمار الهائل الذي أحدثه إعصار ماثيو (أ.ف.ب)
TT

«ماثيو» يودي بحياة المئات.. ويقطع الكهرباء عن مئات الآلاف

صورة جوية أخذت لمدينة جيريمي في هايتي حيث يبدو الدمار الهائل الذي أحدثه إعصار ماثيو (أ.ف.ب)
صورة جوية أخذت لمدينة جيريمي في هايتي حيث يبدو الدمار الهائل الذي أحدثه إعصار ماثيو (أ.ف.ب)

أودى إعصار «ماثيو» بحياة أكثر من 800 شخص، وتسبب في تشريد عشرات الآلاف، إثر اجتياحه لهايتي، قبل أن يضرب ولاية فلوريدا الأميركية، أمس، مصحوبا بأمطار ورياح عاتية، ثم اتجه شمالا بمحاذاة الساحل الأميركي على المحيط الأطلسي.
وبحسب إحصاء لعدد الضحايا، بناء على تصريحات المسؤولين، فإن عدد القتلى في هايتي، وهي أفقر بلدان الأميركتين، ارتفع إلى 842 شخصا على الأقل، مع ورود معلومات من مناطق نائية تعذر الوصول إليها في وقت سابق بسبب العاصفة.
كما تسبب «ماثيو»، وهو أول إعصار كبير يهدد الولايات المتحدة بشكل مباشر منذ أكثر من عشرة أعوام، في عمليات إجلاء واسعة على طول الساحل من فلوريدا حتى جورجيا وساوث كارولاينا ونورث كارولاينا.
ونجت المناطق الجنوبية من فلوريدا من العاصفة خلال الليل، لكن السلطات دعت السكان، أمس، في المناطق الشمالية إلى توخي الحذر.
من جانبه، قال الرئيس الأميركي باراك أوباما للصحافيين، بعد اجتماعه مع مسؤولي إدارة الطوارئ: «أود أن أؤكد للجميع أن الإعصار لا يزال خطيرا حقا، وأن المخاطر قائمة من ارتفاع الموج بسبب العاصفة، وخسارة أرواح، وحدوث أضرار جسيمة في الممتلكات»، مضيفا: «لا يزال ينبغي للناس اتباع تعليمات المسؤولين المحليين خلال 24 و48 و72 ساعة مقبلة».
وضرب الإعصار غرب هايتي، يوم الثلاثاء، برياح سرعتها 233 كيلومترا في الساعة، وأمطار غزيرة. وقال مسؤولون إن نحو 61500 شخص يقيمون في مراكز إيواء.
إلى ذلك، اجتاح الإعصار فلوريدا، أمس، برياح سرعتها 195 كيلومترا في الساعة. وحذر ريك سكوت، حاكم فلوريدا، من احتمال تعرض مدينة جاكسونفيل الساحلية لسيول عارمة، وقال في مؤتمر صحافي إن العاصفة قطعت الكهرباء عن زهاء 600 ألف منزل.
وقال المركز الوطني الأميركي للأعاصير إن شدة الإعصار هدأت منذ مساء الخميس حتى صباح أمس، وتراجعت قوة «ماثيو» من الفئة الرابعة شديدة الخطورة إلى الفئة الثالثة على مقياس سافير - سمبسون لشدة الأعاصير، المكون من 5 درجات، لكنه لا يزال إعصارا قويا.
وبدورها، قالت هيئة الطقس الوطنية في الولايات المتحدة إن «ماثيو» يمكن أن يصبح أقوى إعصار يضرب شمال شرقي فلوريدا منذ 118 عاما.
ووسع المركز الوطني للأعاصير التحذير على امتداد ساحل المحيط الأطلسي، من جنوب فلوريدا عبر جورجيا إلى ساوث كارولاينا.
يذكر أنه كانت آخر عاصفة كبيرة تضرب السواحل الأميركية هي الإعصار ويلما في عام 2005، برياح سرعتها 177 كيلومترا في الساعة.
وحذر حاكم فلوريدا سكوت من احتمال وقوع أضرار «كارثية»، إذا اجتاح الإعصار «ماثيو» الولاية مباشرة، ودعا نحو 5.1 مليون شخص إلى إخلاء منازلهم.
وأوضح سكوت أنه بحلول صباح الجمعة، دخل نحو 22 ألف شخص في فلوريدا ملاجئ، وانتقل آخرون إلى مناطق أخرى بالساحل الغربي للولاية.
وفتحت فلوريدا وجورجيا وساوث كارولاينا مراكز إيواء لاستقبال من يتم إجلاؤهم.
وأعلنت الولايات الثلاث، بالإضافة إلى نورث كارولاينا، حالة الطوارئ. واتصل الرئيس باراك أوباما بحكام الولايات الأربع، أول من أمس، لبحث الاستعدادات للإعصار، وأعلن حالة الطوارئ في فلوريدا وساوث كارولاينا، وهي خطوة تجيز للوكالات الاتحادية تنسيق جهود الإغاثة من الكوارث. وأعلن أوباما حالة الطوارئ في جورجيا، وأمر بإرسال مساعدات اتحادية للولاية.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟