انطلاق بطيء لعمليات التصويت المبكر في السباق الرئاسي الأميركي

50 ولاية تتيح التصويت عبر البريد أو في مكاتب محلية قبل تاريخ الاقتراع الرسمي

انطلاق بطيء لعمليات التصويت المبكر في السباق الرئاسي الأميركي
TT

انطلاق بطيء لعمليات التصويت المبكر في السباق الرئاسي الأميركي

انطلاق بطيء لعمليات التصويت المبكر في السباق الرئاسي الأميركي

أدلى عشرات آلاف الأميركيين بأصواتهم لهيلاري كلينتون أو دونالد ترامب أو مرشحين آخرين قبل موعد الانتخابات الرئاسية المرتقبة في 8 نوفمبر (تشرين الثاني)، في إطار عمليات التصويت المبكرة، التقليد الذي يلاقي إقبالا متزايدا.
وقبل 35 يوما من موعد الانتخابات، لم يقم عدد كبير من الأشخاص بالإدلاء بأصواتهم. وبحسب مايكل ماكدونالد، الخبير في عمليات التصويت المبكر في جامعة فلوريدا، فإن نحو 130 ألف شخص أدلوا بأصواتهم من نحو 130 مليونا يرتقب أن يقوموا بذلك.
وسيتم فرز الأصوات التي أدلي بها بشكل مبكر في يوم الانتخابات الثلاثاء 8 نوفمبر. والنظام الانتخابي الأميركي يقوم على أساس عملية غير مركزية، حيث تنظم الولايات الـ50 التصويت والفرز كل واحدة على طريقتها.
والخيارات للتصويت المبكر أمام الناخبين، هي إما عبر البريد، وهذه الطريقة متوافرة في الولايات الخمسين حيث يطلب الناخبون عادة التصويت المبكر، وفي عشرين ولاية عليهم تقديم سبب لذلك، وإما شخصيا في مكاتب إدارات محلية.
وتبدأ عمليات التصويت شخصيا عادة في أكتوبر (تشرين الأول). وبدأت ثلاث ولايات هذا التصويت، وبينها أيوا. ويمكن لسكان ولاية أوهايو أن يبدأوا التصويت شخصيا في 12 أكتوبر. ومن المرتقب أن يزور الرئيس الأميركي باراك أوباما أوهايو في 14 أكتوبر المقبل من أجل تشجيع التصويت المبكر لكلينتون في كليفلاند، بحسب إدارة حملة المرشحة الديمقراطية.
ومن غير الممكن الاطلاع على عدد الأصوات، لكن هناك بعض الإشارات على المرشح الذي قد يكون دعمه الناخبون الذين أدلوا بأصواتهم قبل موعد الانتخابات.
ويسجّل الأميركيون أسماءهم بحسب الحزب، ديمقراطيون أو جمهوريون أو مستقلون أو أعضاء في أحزاب أخرى، وتؤمن السلطات الانتخابية في بعض الأحيان إحصاءات حول عدد الناخبين في كل حزب من الذين طلبوا الإدلاء بأصواتهم.
ويلاقي التصويت المبكر إقبالا متزايدا، ففي عام 1996 تم الإدلاء بنحو 10.5 في المائة فقط من الأصوات قبل موعد الانتخابات. فيما ارتفع هذا العدد في عام 2012، إلى ثلث إجمالي الأصوات تقريبا.
على صعيد متصل، أفادت بيانات مبدئية أول من أمس أن نحو 35.6 مليون أميركي تابعوا المناظرة بين الجمهوري مايك بنس والديمقراطي تيم كاين، المرشحين لمنصب نائب الرئيس الأميركي، وهو نحو نصف الرقم الذي تابع أول مناظرة بين المرشح الجمهوري للرئاسة دونالد ترامب والديمقراطية هيلاري كلينتون الأسبوع الماضي.
وذكرت شبكة «سي إن إن» نقلا عن بيانات صادرة عن شركة «نيلسن» أن نحو 21 مليون شخص شاهدوا المناظرة التي استمرت تسعين دقيقة على شبكات البث الأميركية الرئيسية، وأن 14 مليونا آخرين تابعوها على قنوات الاشتراك.
ومن المتوقع صدور الأرقام النهائية التي تتضمن مشاهدي شبكة «بي بي إس» والشبكات الأصغر في وقت لاحق هذا الأسبوع. وعادة ما تجتذب المناظرات بين المرشحين لمنصب نائب الرئيس أعدادا أقل من المشاهدين، باستثناء المناظرة التي حدثت عام 2008 بين الديمقراطي جو بايدن والجمهورية سارة بالين والتي اجتذبت رقما قياسيا بلغ 9.‏69 مليون مشاهد.
واجتذبت المناظرة الأولى التي أجريت بين المرشحين الرئاسيين الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطية هيلاري كلينتون عددا قياسيا من مشاهدي التلفزيون بلغ 84 مليون شخص. ولا تتضمن الأرقام المشاهدات التي جرت عبر الإنترنت أو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أو في المقاهي والمطاعم.
وكانت المناظرة التي جرت بين بنس وكاين قد استغرقت 90 دقيقة، وأذيعت عبر عشر قنوات تلفزيونية أميركية، وهي الوحيدة بين المرشحين لمنصب نائب الرئيس قبل الانتخابات المقررة يوم الثامن من نوفمبر.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟