مشهد «مناهضة أسلمة أوروبا» مثقل بالرموز الألمانية

ميركل تتهم بـ«الخيانة» في احتفالات الوحدة

متظاهر من اليمين يحمل لافتة كتب عليها «أوقفوا الإسلام» في دريسدن بألمانيا (غيتي)
متظاهر من اليمين يحمل لافتة كتب عليها «أوقفوا الإسلام» في دريسدن بألمانيا (غيتي)
TT

مشهد «مناهضة أسلمة أوروبا» مثقل بالرموز الألمانية

متظاهر من اليمين يحمل لافتة كتب عليها «أوقفوا الإسلام» في دريسدن بألمانيا (غيتي)
متظاهر من اليمين يحمل لافتة كتب عليها «أوقفوا الإسلام» في دريسدن بألمانيا (غيتي)

أمام كنيسة «فراونكيرشة» في مدينة دريسدن عاصمة ولاية سكسونيا، قرب دار أوبرا «سيمبر» الشهيرة، أقيمت الصلوات بمناسبة الوحدة الألمانية. ومع هذا المشهد الألماني المسيحي المليء بالرمزية، كان الحقد بانتظار المستشارة أنجيلا ميركل ورئيس الجمهورية يواخيم غاوك، في المهرجان الخطابي بهذه المناسبة. فتعالت صيحات: «ميركل ارحلي»، و«ميركل يجب أن تستقيل»، و«لا لديكتاتورية ميركل» و«خونة الشعب»، مع كثير من الشتائم والإشارات المقززة التي عرضتها صور الوكالات.
وكان الحقد على أشده قرب الكنيسة؛ لأن المستشارة دعت ممثلي الجمعيات والمساجد الإسلامية لحضور الصلاة، ومن ضمنهم إمام المسجد الذي تعرض لهجوم بقنبلة قبل يومين من بدء الاحتفالات. وكان الحاقدون يزعقون: «رحّلوهم» خارج كنيسة فراونكيرشة.
وعلى الرغم من انتشار 2600 شرطي لفرض الأمن في أماكن الاحتفالات، فإن الشتائم للسياسيين قد تكررت بعد انتهاء الاحتفالات أيضًا، الأمر الذي عرض وزارة داخلية سكسونيا إلى المساءلة عن جديتها في مواجهة حركة «مواطنون أوروبيون ضد أسلمة أوروبا» العنصرية المعادية للإسلام والديمقراطية. وزاد الطين بلّة حينما بادر شرطي بزيه النظامي لإلقاء كلمة الحركة العنصرية المذكورة، مستخدمًا ميكروفون الشرطة، بدعوى توقف مكبر الصوت الذي جلبه المتظاهرون عن العمل. وقال الشرطي إنه يفعل ذلك «قلبيًا» ثم تمنى للمتظاهرين «يومًا ناجحًا». وردد المتظاهرون هتاف: «شكرًا للشرطة» ثلاث مرات.
تعتبر ولاية سكسونيا، وعاصمتها دريسدن، قلعة لليمين المتطرف الذي يضم في تحالفه غير المعلن حزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، وحركة مناهضة أسلمة أوروبا، يضاف إليهم النازيون الصريحون، وقطعان حليقي الرؤوس الفاشيين. ويقود الحكومة المحلية الحزب الديمقراطي المسيحي بالتحالف مع الحزب الديمقراطي الاشتراكي.على الرغم من ذلك، فإن ماركوس أولبيغ، وزير داخلية الولاية من الحزب الديمقراطي المسيحي، قد دافع عن أداء شرطته، وقال إنهم أدوا عملاً جيدًا. ودعا أولبيغ الحركة المناهضة لأسلمة أوروبا إلى الحوار قائلا إن ذلك ربما يؤدي إلى نتيجة. وعبر عن «أسفه؛ لأنهم لا يريدون الحوار والمحاججة، ويفضلون أن يظهروا أمام الجميع بمظهر عدم الراغب في الحوار.. نحن، وأقصد دوائر الناخبين والكنائس، ندعوهم دائمًا للحوار». وأضاف أولبيغ أن شرطة سكسونيا محايدة وتحفظ القانون والحقوق للجميع. ووصف موقف الشرطي الذي قرأ بيان الحركة بالقول إن ذلك «لا ينطبق مع فلسفتنا ومواقفنا، وسنحقق في الموضوع». وقال: «الوحدة الألمانية جلبت الديمقراطية إلينا (يقصد إلى شرق ألمانيا بحسب رأيه)، وعلينا احترام هذه الديمقراطية، وإن كان ذلك صعبًا جدًا في بعض الأحيان».
وشن مارتن دوليغ، نائب رئيس الوزراء في الولاية من الحزب الديمقراطي الاشتراكي، الهجوم الأول على موقف الشرطة. ووصف دوليغ الحركة المناهضة لأسلمة أوروبا بأنها «طائفة حقد يقودها واعظ بالكراهية». وأضاف أن من المتعذر الحوار مع هؤلاء.
جدير بالذكر أن زوجة دوليغ انفجرت بالبكاء وهي تحاول اختراق حشود العنصريين التي كانت تحاول سد الممر الذي فتحه رجال الشرطة إلى مكان الاحتفال. دانييلا كولبه، سكرتيرة الحزب الديمقراطي الاشتراكي في الولاية، شنت هجومها على أولبيغ مباشرة، وتساءلت: «لماذا يسمح للحركة العنصرية بالتظاهر كيفما تريد وفي أي مكان، ويكبح المظاهرات المضادة؟». وقالت كولبه إن سكسونيا بحاجة إلى وزير داخلية قوي، يدعم ظهر الديمقراطي، ويحرص على فرض القانون، وهذا ما لا أراه في أولبيغ.
وحمّلت وزيرة العائلة مانويلا شفيسغ، من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، رئيس حكومة دريسدن ستانيسلاف تيليش، المسؤولية عما حدث، وقالت إنه و«حزبه الديمقراطي المسيحي» تغافلوا عن مشكلة تصاعد اليمين المتطرف في الولاية طوال السنين المنصرمة.
وعبر ألكسندر غاولاند، نائب رئيس حزب «البديل لألمانيا»، عن تفهمه للشتائم التي تلقتها ميركل من قبل متظاهريه، وقال إن «الشطحات» قضايا إنسانية. وأضاف أن نقد ميركل يجب أن يتاح دائمًا، وطوال 365 يومًا، وخصوصًا في يوم الوحدة الألمانية. وبرأيه أن سبب الحقد على ميركل هو أنها تحولت إلى «صورة لعدو الشعب» بالعلاقة مع سياسة الباب المفتوح للاجئين.
في هذه الأثناء أجرت صحيفة «دي فيلت» الواسعة الانتشار، استفتاء بين قرائها حول موقف الشرطة من المظاهرات. وكانت نسبة من تتهم الشرطة بالتقصير تزيد قليلاً عن نسبة الذين رأوا أن الشرطة أدت واجبها.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟