أنقرة تهدد بتطهير جرابلس من الأكراد.. وتتحرك لتكريس المنطقة الآمنة في سوريا

مصادر دبلوماسية لـ«الشرق الأوسط»: هدف التصريحات الضغط على واشنطن

أنقرة تهدد بتطهير جرابلس من الأكراد.. وتتحرك لتكريس المنطقة الآمنة في سوريا
TT

أنقرة تهدد بتطهير جرابلس من الأكراد.. وتتحرك لتكريس المنطقة الآمنة في سوريا

أنقرة تهدد بتطهير جرابلس من الأكراد.. وتتحرك لتكريس المنطقة الآمنة في سوريا

واصلت أنقرة تصعيد لهجتها ضد الأكراد في شمال سوريا، وأعلن رئيس الوزراء بن علي يلدريم أن بلاده قادرة على تطهير مدينة جرابلس السورية من حزب الاتحاد الديمقراطي، ووحدات حماية الشعب الكردية، كما طهرتها من فلول تنظيم داعش الإرهابي، في إطار عملية درع الفرات التي أطلقتها في 24 أغسطس (آب) الماضي دعمًا للجيش السوري الحر.
ولفت يلدريم في كلمة أمام الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية الحاكم بمقر البرلمان التركي في أنقرة أمس إلى أهمية عملية درع الفرات، مشددًا على أن إقامة منطقة آمنة في سوريا ضرورة لا بد منها للقضاء على الإرهاب، وللحد من أزمة اللاجئين.
وقال يلدريم: «منذ زمن ونحن نقترح إقامة منطقة آمنة في سوريا، وما من أحد عارض الفكرة، إلا أنه في الوقت نفسه لم نلقَ الدعم الكافي في هذا الصدد، ولذلك وجدنا أنه من الضروري البحث عن حل ذاتي، لحماية حدودنا الجنوبية، فبدأنا بعملية درع الفرات بقيادة الجيش السوري الحر».
وأكد أن تركيا ستستمر بعملية درع الفرات إلى حين تطهير مدينة الباب والمساحة المحيطة بها والتي تبلغ 5 آلاف كيلومتر مربع من جميع التنظيمات الإرهابية، مثل «داعش» وحزب الاتحاد الديمقراطي، ووحدات حماية الشعب الكردية، بحسب تعبيره.
وشدد يلدريم على ضرورة مغادرة التنظيمات الإرهابية مدينة منبج، لافتًا إلى أن المدينة لم تُطهّر إلى الآن بشكل تام من الإرهاب: «حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب الكردية لا يختلفان عن تنظيم داعش، كلهم تنظيمات إرهابية، ولكن بأسماء مختلفة، فكما تمكنّا من تطهير جرابلس بالتعاون مع الجيش الحر من تنظيم داعش، نستطيع تطهيرها من حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب أيضًا».
واعتبر أن أي حل في ما يخص سوريا لا تكون تركيا طرفًا فيه، لن يكتب له النجاح، قائلا: «بعد الآن أي خطوة تتخذ في ما يخص سوريا يجب أن تكون تركيا طرفا فيها، لدى تركيا حدود مع سوريا يبلغ طولها 911 كيلومترًا، ولدينا في تركيا 3 ملايين لاجئ، فتجاهل تركيا في الحلول الخاصة بسوريا خطأ كبير».
ورأت مصادر دبلوماسية تحدثت لـ«الشرق الأوسط» أن تصريحات يلدريم تأتي في إطار التصعيد المكثف للهجوم على أكراد سوريا، والتي تعاقبت على لسان المسؤولين الأتراك، بدءًا بالرئيس رجب طيب إردوغان إلى الوزراء في الحكومة التركية، معتبرة أن الهدف من ذلك هو الضغط على واشنطن لضمان وفائها بتعهداتها بانتقال القوات الكردية إلى شرق الفرات، وتحييدهم في عملية الرقة المحتملة ومنع تسليحهم.
وأكدت المصادر أن تركيا جادة في ضمان إقامة المنطقة الآمنة بطول حدودها مع سوريا البالغة 911 كيلومترًا، وبعمق 45 كيلومترًا وعلى المساحة التي تتحدث عنها وهي 5 آلاف متر مربع، وأن الحديث عن الوصول بعملية درع الفرات إلى مدينة الباب، هو من أجل التلويح بأن تركيا لديها القدرة على دخول حلب، وإن كان من المستبعد أن تقدم على مثل هذه الخطوة حتى لا تصطدم مع روسيا التي تتولى ملف حلب.
وأضافت المصادر أن أنقرة لا ترى أن واشنطن وموسكو يمكنهما التوصل إلى اتفاق بشأن سوريا وأنها تريد من جعل المنطقة الآمنة أمرًا واقعًا في ظل التخبط القائم حاليًا، لا سيما وأنه لم تصدر اعتراضات من جانب واشنطن أو موسكو أو حتى إيران وسوريا على إقامة مثل هذه المنطقة.
وأشارت المصادر إلى أن تركيا بدأت استعدادات جادة لتوطين اللاجئين السوريين في المنطقة الآمنة بدعم من بعض الأطراف الفاعلة في المنطقة، والتي تتفق معها في الرؤية والمواقف بشأن الملف السوري.
وقال يلدريم إن سوريا والعراق يشكلان مصدر الحياة بالنسبة للإرهاب في تركيا، مشددًا على ضرورة إنهاء الصراع في سوريا، وتحقيق الاستقرار فيها للحد من الإرهاب في تركيا.
ولفت في الوقت نفسه إلى أن الخطط التي تقودها الولايات المتحدة لشن هجوم على مدينة الموصل العراقية ليست واضحة، وأن هناك تهديدًا بتحول الموصل إلى ساحة اشتباكات طائفية جديدة بعد أي عملية للقضاء على «داعش» بالمنطقة.
على صعيد عملية درع الفرات، قتل 12 من عناصر تنظيم داعش الإرهابي في 9 غارات جوية شنتها قوات التحالف الدولي خلال الساعات الأربع والعشرين الأخيرة، على مواقع للتنظيم في قرى «أخترين وغزل وتركمان بارح» بريف حلب، بحسب مصادر عسكرية تركية.
وقالت المصادر إن الغارات أسفرت أيضًا عن تدمير مبنيين ومركز عمليات تابعين لـ«داعش»، وأضافت أن عملية تحرير غزل وتركمان بارح الواقعتين غرب وجنوب غرب بلدة الراعي لا تزال مستمرة بمشاركة مجموعة من القوات الخاصة مشكلة من عناصر المعارضة السورية، مدعومة بغطاء جوي كثيف.
وأفادت المصادر أن 10 من عناصر المعارضة السورية، أصيبوا في الاشتباكات في تلك المنطقة حتى صباح أمس الثلاثاء، في ما لم تقع إصابات بين عناصر القوات المسلحة التركية.
وقالت رئاسة هيئة أركان الجيش التركي في بيان إن المدفعية التركية المتمركزة على الحدود التركية السورية قصفت 80 هدفًا لتنظيم داعش الإرهابي داخل الأراضي السورية.
وذكرت في بيان، أمس، أن المدفعية التركية أطلقت 199 قذيفة مدفعية، على هذه الأهداف في إطار عملية درع الفرات.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟