ابن كيران: علاقتي مع الملك مبنية على الطاعة في المعروف.. والنصح والتعاون

رئيس حكومة المغرب قال لـ«الشرق الأوسط» إن «الأصالة والمعاصرة» المعارض مجرد ظاهرة إعلامية

عبد الإله ابن كيران
عبد الإله ابن كيران
TT

ابن كيران: علاقتي مع الملك مبنية على الطاعة في المعروف.. والنصح والتعاون

عبد الإله ابن كيران
عبد الإله ابن كيران

بدا عبد الإله ابن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية ورئيس الحكومة المغربية، أكثر ارتياحا وهو يتحدث كعادته مع «الشرق الأوسط» بقلب مفتوح، ديدنه قول ما يجول في خاطره بصراحته المعهودة، والتأكيد أن لديه اليقين بأن حزبه سيتصدر المشهد الحزبي في اقتراع 7 أكتوبر (تشرين الأول)، ويرجح أنه سيتجاوز نتائج انتخابات 2011.
وعزا ابن كيران ترشحه للانتخابات في مدينة سلا المجاورة للرباط إلى سبب واحد، هو رغبته في أن يمر بامتحان اختبار شعبيته في البلد كشخص وليس كحزب فقط، مشيرا إلى أن سكان سلا سيتجاوبون مع ترشحه، وهم متأكدون أنه إذا لم ينجح في الاقتراع ستكون حياته السياسية قد انتهت.
ومما يزيد في حالة الارتياح لدى ابن كيران إيمانه بأن الدولة تقوم على الثقة، وعدم اعتقاده بأن المغرب قادر على أن يسمح لنفسه التلاعب بأسس الدولة، مشددا على أن الذي يضمن ألا يكون هناك تزوير في الانتخابات، بعد الله، هو الملك محمد السادس، واعتقاده الراسخ أن «الأصالة والمعاصرة» المعارض حزب غير موجود سياسيا، وأنه مجرد ظاهرة إعلامية، موضحا أن السياسة ليست هي الرياضيات، لكنها تعلم المرء أن يبتلع بعض الأشياء، وأن الدرس الأساسي الذي استخلصته خلال السنوات الخمس الماضية هو أن الإصلاح عملية شاقة وطويلة، بيد أنه يبقى ممكنا. وفيما يلي نص الحوار.
* بعد مرور خمس سنوات من ولايتكم على رأس الحكومة المغربية. ما هي الدروس والعبر التي خرجتم بها من هذه التجربة، خاصة أنكم على أبواب اقتراع يوم 7 أكتوبر؟
- قبل ذلك كنت أتخيل أن المسؤولية صعبة، لكن حينما تبوأتها وجدتها أصعب مما كنت أتخيلها، ولكن في نفس الوقت تمكن من القيام بأشياء مهمة لصالح الوطن والمجتمع. والدرس الأساسي الذي استخلصته هو أن الإصلاح عملية صعبة وشاقة وطويلة، وبالتالي لا يجوز للذين يريدون الإصلاح أن يتخلوا ويتراجعوا عنه، بل يجب عليهم أن يستمروا فيه. الإصلاح دائمًا ممكن، ومنطق الإصلاح يجد دائمًا في النهاية من يستمع إليه. ربما لا يكون الجميع متفقا، لكن شخصا يتحمل مسؤولية مثل التي تحملتها يكون عنده هدف أساسي وأصلي، وهو أن يختم مشواره بطريقة إيجابية.
* حرصتم خلال السنوات الخمس الماضية على جعل علاقتكم بالملك محمد السادس علاقة تعاون وليست علاقة تنازع، وقلتم للمغاربة عقب توليكم رئاسة الحكومة من خلال «الشرق الأوسط» (إذا كُنْتُمْ تبحثون عن رئيس حكومة يتنازع مع الملك فابحثوا عن شخص آخر غيري). هل استطعتم تحقيق مبتغاكم المتمثل في التعاون مع الملك؟
- على كل حال، أنا ما زلت على رأيي. وأقول للمغاربة إنهم إذا كانوا يريدون شخصا يخاصم ملكه وينازعه فليبحثوا عن شخص آخر. فأنا لا أصلح لهذا. وأنا لا يمكنني أن اشتغل مع جلالة الملك إلا في إطار الضوابط الشرعية المبنية على السمع والطاعة في المعروف بطبيعة الحال، ومبنية على النصح والتعاون. وأود القول إنه في اللحظة الأولى من ولايتي الحكومية، لم يكن جلالة الملك يعرفني ولم أكن أعرفه. الآن تعارفنا والحمد لله، ولا أخفي أنه نشأت بيننا علاقة ودية.
* الملاحظ أن حملة حزبكم الانتخابية بدأت بخطاب هادئ غاب عنه ذكر كلمة «التحكم». هل كان لبيان الديوان الملكي الأخير المتعلق بتصريحات حليفكم نبيل بن عبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية (الشيوعي سابقا) بشأن علاقة أحد مستشاري الملك بـ«التحكم»، تأثير على تخفيف حدة لغتكم خلال الحملة الانتخابية؟
- أي سياسي يسمع هذا البيان الذي كان موضوعه الأخ نبيل بن عبد الله المحترم، ويدعي أنه لم يكن له عليه أي تأثير لا يمكن أن يكون إلا كاذبا. وبطبيعة الحال فقد كان لهذا البيان تأثير علي، ولا أخفي أن حدة الكلام عن «التحكم» خففت منها إراديا، واعتبرت أن ما قيل بشأنه في السابق فيه كفاية.
* تقصد أن الرسالة وصلت من الجانبين؟
- نعم الرسالة وصلت من الجانبين. وأجدد القول إنه لا يمكن لشخص يتحمل مسؤولية مثل مسؤوليتي (رئاسة الحكومة) أن ينكر أن مواقف وبلاغات (بيانات) جلالة الملك ليس لها أثر. هذا غير معقول.
* أنتم تترأسون حكومة ائتلافية تختلف فيها القناعات والأفكار السياسية وحتى الأمزجة. فكيف دبرتم هذا الموضوع خلال السنوات الخمس في ظل المتناقضات الموجودة داخلها، رغم حالة الانسجام الظاهري الموجود؟
- لم يكن انسجاما ظاهريا، بل كان انسجاما حقيقيا. بالفعل كان هناك قليل من التوتر مع السيد صلاح الدين مزوار (رئيس التجمع الوطني للأحرار ووزير الخارجية). وما كان يخفف من حدة هذا التوتر هو أن السيد مزوار كان لا يحضر اجتماعات الحكومة إلا قليلا. بيد أن هذا التوتر لم يكن توترا شديدا. ففي بعض الأحيان كان يقع هناك بعض الاحتكاك مع بعض الإخوة الوزراء حول بعض الأمور، لكن في النهاية فإن الطريقة التي دبرت بها تسيير الحكومة كانت مبنية على الثقة في الوزراء وكفاءتهم. كما أنهم كثيرا ما كانوا يرجعون إلى حينما يكونون في حاجة إلي. وكنت دائمًا أحاول أن أسهل لهم الأمور حتى أن عزيز أخنوش (وزير الفلاحة والصيد البحري) كان يسميني «المسهل». وهذا هو ما ساعد على الحفاظ على هدوء الجو العام للحكومة، والحفاظ على التفاهم والانسجام سواء في الحكومة الأولى، التي شارك فيها حزب الاستقلال حتى آخر يوم، أو في الحكومة الثانية التي شارك فيها التجمع الوطني للأحرار. وبطبيعة الحال فحكومة مثل هذه لا بد لها أن تأخذ بعين الاعتبار بعض الخصوصيات، ومثال على ذلك هل يمكن اعتبار وزارة الداخلية وزارة عادية؟ هي وزارة لها وزنها ومكانتها الخاصة. وقد كنا في بعض الأحيان نتدافع قليلا، من جهتي ومن جهتهم، لكن عموما مرت الأمور بسلام.
* على ذكر وزارة الداخلية. كيف كنت تتلقى مثلا قيام الوزارة بإصدار قرار يمنع تجمعا خطابيا لحزبك وأنت رئيس حكومة ورئيس وزير الداخلية. وكيف كنت تتعامل مع هذا النوع من التصرف؟
- السياسة ليست هي الرياضيات. صحيح أنا رئيس وزير الداخلية، لكن ليس لأنني رئيس وزير الداخلية فإن كل قراراته يجب أن أنظر إليها بنفس الطريقة. فهي قرارات مختلفة حسب التقدير الذي أقدر. قد يكون التقدير صحيحا وقد لا يكون كذلك. ولكي أقدر حقيقة الأمور علي أن أعرف ما هو مصدرها الحقيقي، ولماذا وماذا سينتج عنها؟
السياسة تعلم المرء أن يبتلع بعض الأشياء، ذلك أن استمرار الحكومة وصورة المغرب في الخارج يقتضيان تقديم تضحيات، وإذا لم يكن المرء مستعدا لها فمن الأحسن ألا يقرب هذه المسؤولية. واليوم مهما قيل ويمكن أن يقال عن هذه الحكومة فإنها أكملت خمس سنوات كاملة، وهذا شيء جيد جدًا بالنسبة لصورة المغرب في الخارج، ودليل على أنه دولة مستقرة.
* في نظركم ما هو أكبر خطأ ارتكبتموه خلال السنوات الخمس الماضية وندمتم عليه الآن؟
- بكل صراحة الأمر لا يتعلق بخطأ. ربما لم أفهم في بداية ولايتي الحكومية نوعية العلاقة التي يجب أن تربط الحكومة بمستشاري جلالة الملك، وعبرت عن هذا الشعور السلبي بالقول إنني لم أستطع أن أربط مع المستشارين علاقات تعاون، وجاء تنبيه وضع الحدود. آنذاك فهمت ما هي الحدود.
* ما هي؟
- الحدود تكمن في أنه ليس لي علاقة مع مستشاري الملك. المستشار يشتغل مع جلالة الملك، وأنا أشتغل مع جلالة الملك. وحينما يريد جلالة الملك أن يكلف مستشارا للاتصال بي يكلفه بذلك، وأنا بدوري لا يمكنني أن أتصل بأحد مستشاري الملك إلا بعد أخذ الأذن من جلالته. فهذا بينهما برزخ لا يبغيان. وبالتالي يمكن اعتبار ما صرحت به بشأن العلاقة مع المستشارين خطأ كلفني كثيرا لأنني كنت مضطرا لأن أعتذر لجلالة الملك، وأعتذر أيضا لمستشاريه. لكن بغض النظر عن هذا الأمر لا أتذكر أن هناك شيئا أعتبره خطأ. بعض الأشياء يمكن أنها كانت صحيحة وبعضها لم تكن صحيحة، لكنني أنظر على العموم إلى المسار، ولله الحمد، نظرة إيجابية.
* ترأس الملك محمد السادس أخيرا في طنجة اجتماعا لبحث موضوع الطاقة، وهو اجتماع حضرته أنت والمستشار الملكي فؤاد عالي الهمة ووزراء آخرون، وهو اجتماع يأتي بعد صدور بيان الديوان الملكي حول تصريحات نبيل بن عبد الله. فهل تذاكرتم سياسيا على هامش الاجتماع مع المستشار عالي الهمة؟
- بالفعل كان اجتماعا برئاسة جلالة الملك حول موضوع الطاقة. والتواصل بيني وبين السيد فؤاد عالي الهمة لم يتجاوز المصافحة.
* يرى كثير من المراقبين أن السباق الانتخابي الآن يكاد يبدو في الظاهر سباقا بين حزبكم (العدالة والتنمية) وحزب الأصالة والمعاصرة. كيف تنظرون إلى هذا الأخير؟ هل تنظرون إليه كمنافس حقيقي لكم أم مجرد حزب خارج من قمقم التحكم، كما دأبتم على اعتباره؟
- أنا أريد أن أسالك. أين وجدت أنت حزب الأصالة والمعاصرة. هل هو موجود في الساحة؟ في الشارع؟ إن تجمعاته الانتخابية إما فارغة أو يحضرها أشخاص يلبسون جميعا بدلة الحزب. وهذا معناه أنهم مستخدمون عند الحزب بشكل أو بآخر. إن حزب الأصالة والمعاصرة غير موجود سياسيا. هو موجود إعلاميا فقط.
* تقصد أنه ظاهرة إعلامية فقط ؟
- نعم. ينفخ فيه، يزمر ويطبل له. يجمع له رجال الأعمال. يساند من هنا ومن هناك. وبالتالي فهو كما قلت خرج من قمقم التحكم وما زال يستفيد منه. هذه هي قناعتي. فأنا لا أجد أمامي من الناحية العملية والواقعية حزب الأصالة والمعاصرة. كان من المفروض في حزب سياسي طبيعي، بعد أن افتتحت الحملة الانتخابية لحزبي بمهرجان خطابي شارك فيه 20 ألف شخص، أن ينظم هو أيضا مهرجانا خطابيا في مدينة أخرى بمشاركة 20 أو 25 ألف شخص. وهو الأمر الذي لم يقع، ومثل هذه الأشياء غير موجودة، وبالتالي فهو حزب غير موجود. هذا الحزب فرض نفسه من خلال الإعلام والمال والناخبين الكبار. وهذه أشياء أعترف أنه يهزمنا فيها. فنحن في حزبنا نعول على الناخبين الكبار المناضلين، وهم بطريقة معجزة يكون عندهم سبعة أو ثمانية مستشارين فيصوت عليهم بقدرة قادر 40 مستشارا. هل يعطونهم أموالا؟ هل يقومون بتخويفهم؟ لا أدري؟ لكن هذا هو الواقع.
السيد الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة الذي هو أيضا رئيس جهة (جهة طنجة - تطوان - الحسيمة) فاز في انتخابات 2015 بـ171 صوتا حصل عليها في دوار (قرية صغيرة) بمنطقة الريف، كان فيه المرشح الوحيد. فيكف حصل على ما حصل عليه؟ نحن الذين كانت عندنا الأغلبية في الانتخابات الجهوية (32 صوتا)، بينما هو عنده (31 صوتا)، أصبح عنده 40 صوتا ونحن عندنا 20 صوتا. وبنفس الطريقة حصل حزب الأصالة والمعاصرة على رئاسة مجلس المستشارين، وبنفس الطريقة أخذ جهة بني ملال - خنيفرة، حتى إن حزبا متحالفًا معنا رشحناه لرئاسة الجهة، لكن أعضاء هذا الحزب صوتوا على حزب الأصالة والمعاصرة. هم يملكون أساليب في استقطاب الناخبين الكبار ليست عندنا. لكن الآن نحن سننزل إلى الشعب، وأنا بصراحة لا أرى هذا الحزب في الشعب. وكما سبق أن قلت فهو موجود في التلفزيون والإذاعات لكن عمليا هو غير موجود. ثم حتى من الناحية الجغرافية، وبغض النظر عن مدينة الحسيمة التي أعرف جيدا اين توجد، فإن حزب الأصالة والمعاصرة غير معروف أين يوجد. يقال في البوادي ولكننا لا نعرف له عنوانا حقيقيا. هو غير موجود في أي مدينة كبيرة، وحتى مدينة وجدة لم يستطع أن يسيرها رغم أنه فاز فيها بالمرتبة الأولى، حيث كان مضطرا للتحالف مع حزب الاستقلال الذي ما زال يسيرها حتى الآن. إذن ًفلنقلها بصراحة. هذا حزب مدعوم.
* من يدعمه؟
- مدعوم من قبل جهات ما، ويعيش بهذا الدعم. ويوم سيسحب منه هذا الدعم سيسقط على الأرض.
* في انتخابات 2011 أعلنتم عن توقعاتكم بالفوز بـ70 مقعدا وفزتم في الاقتراع بـ107 مقاعد. الآن ما هي توقعاتكم بشأن اقتراع 7 أكتوبر؟
- صحيح في 2011 كنت توقعت في بداية الحملة الانتخابية أننا سننال 70 مقعدا، وأعتقد أن آخر رقم توقفت عنده هو 90 مقعدا أو المائة مقعد، لأنه أثناء الحملة الانتخابية بدأت تظهر لي آنذاك علامات الانتصار. وهذه المرة الأمر مختلف، لأنه في2011 بدأت الحملة الانتخابية وتصاعدت. أما الآن فمنذ بداية الحملة أشعر بحماس منقطع النظير في الحزب والمجتمع. إن الذين حضروا تجمعاتنا، ولا أتكلم هنا عن الـ20 ألفا الذين حجوا إلى المركب الرياضي في الرباط، بل أتكلم عن مراكش التي كنت أترقب أن يحضر مهرجاننا الخطابي فيها ما بين 2000 و3000 شخص. لا أدري كم عدد الذين حضروا في مراكش، لكن عددهم كان من دون شك أكثر من المتوقع بثلاث أو أربع مرات، وفي مكان صعب جدًا وضيق. لذا أتوقع أننا سنتصدر المشهد الحزبي، وسنكون في المراتب الأولى. وفيما يخص العدد فإنه من الصعب الحديث عن رقم، لكن المرجح أننا سنتجاوز نتائج 2011.
* وحدكما أنت وحميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال من بين قادة الأحزاب ترشحتما للانتخابات. إلى ماذا ترجعون عدم ترشح الكثير من قادة الأحزاب للانتخابات، وما هي الأسباب التي دفعتك للترشح؟
- كل واحد له أسبابه في عدم الترشح. لكنني ترشحت لسبب واحد هو أنني أردت أن أمر بامتحان اختبار شعبيتي في البلد كشخص وليس فقط كحزب. فقلت سأتوجه إلى السلاويين (نسبة إلى مدينة سلا المجاورة للرباط) الذين أوصلوني إلى قبة البرلمان في المرة الأولى، وأعيد اقتراح نفسي عليهم، وهذا ما فعلته. وأظن أن السلاويين يتجاوبون مع ترشحي، وهم متأكدون أنني إذا لم أنجح في اقتراع 7 أكتوبر ستكون حياتي السياسية قد انتهت. الأمور واضحة.
* تتوقعون أن يتجاوز حزبكم عدد المقاعد المتحصل عليها في 2011، ألا تخشون أن تؤثر العتبة الانتخابية بعد تخفيضها من 6 في المائة إلى 3 في المائة على نتائجكم؟
- تخفيض العتبة كان مطلبا ملحا لوزارة الداخلية، ومطلبا للأحزاب السياسية كذلك. ورأيت من الناحية السياسية أنه من الأجدى عدم الوقوف ضد تخفيض العتبة الانتخابية فتنازلت. أظن أن النجاح في الانتخابات تؤثر فيه التقنيات، لكن أساسه هو هل التيار قوي أم ضعيف. فإذا كان قويا فهذا كله لا ينفع، فقد نفقد مقعدا أو اثنين أو ثلاثة، وإذا كان التيار ضعيفا فإنه لن يصعد بك كثيرا. وتقديري أن أثر تخفيض العتبة على نتائج الحزب سيكون جد محدود.
* هناك حديث عما يسمى ب» الخط الثالث» و«الطريق الثالث» الذي تجسده «فيدرالية اليسار الديمقراطي». كيف تنظرون إلى هذه الحركية الجديدة في المشهد السياسي المغربي كأمين عام لحزب العدالة والتنمية ورئيس للحكومة؟
- «فيدرالية اليسار الديمقراطي» هم خصوم آيديولوجيون، ولكني أظن أنهم أناس جادون. فعلى الأقل سيكون معنا لاعبون جادون لأننا ضد الإقصاء. الديمقراطية حلبة كلما دخل إليها كل الفاعلين في المجتمع يكون هذا الأخير مؤمنا ضد المجهول. فمن لديه ما يقول فليتفضل لقوله، ومن لديه ما يعمل ويقترح فليتفضل. والديمقراطية هي التي تفرز وتحسم في الأمر. هذا حزب صغير جدًا ليس له أي نائب في البرلمان السابق. قد يدخل الآن إلى البرلمان ويحصل على عدد من المقاعد النيابية. وهذا شيء إيجابي. صحيح لا أتمنى لهم أن يفوزوا بالمرتبة الأولى لأنهم خصوم حزبي، ويعبرون عن هذه الخصومة بشراسة مبالغ فيها رغم أنني لا أرغب في الحديث عنهم بسوء، وبالتالي حينما نكون جميعا تحت قبة البرلمان سنرى كيف نرتب هذا الأمر. ومع ذلك فإن هناك شيئا جادا قادما من المجتمع. إن مشكلة السياسة في بلادنا الآن هي الكراكيز (الدمى المتحركة)، وقد آن الأوان للتخلص منها، لأن هؤلاء يتغيبون، وعندما يحضرون يكونون ضعافا وهزيلين ويضحكون علينا الناس. هذه هي المشكلة. ومن ثم فأنا مع أن لا يظل أي كان خارج قبة البرلمان، وأن تدخل إليه جميع التيارات السياسية، ولهذا السبب رشحنا السيد حماد القباج لأننا نعتبر السلفيين جزءا من المغرب وجزءا من المغاربة. فأن يكونوا حاضرين في البرلمان أحسن من أن يكونوا خارجه. ففي البرلمان سيراهم الناس وسيسمعون ما سيقولون، وبالتالي إما ستصعد شعبيتهم أو ستنزل، وآنذاك سيكونون مضطرين لأن يعتدلوا. ونكون بذلك نقترب من جو ديمقراطي يقطع الطريق أمام كل تشدد، لأنه من أين يأتي التشدد التطرف والإرهاب؟ الجواب هو الإقصاء. فالشخص الذي لا يجد نفسه في مؤسسات الدولة والمجتمع يبحث عن طرق أخرى، ولهذا فإن اندماج هؤلاء في المشهد السياسي، وقيامهم بتغطية عدد كبير من الدوائر الانتخابية شيء إيجابي. وأظن أن نتائجهم ستكون أحسن من المرات الماضية.
* أنت الآن مشرف على تنظيم الانتخابات، ووزارتا الداخلية والعدل تقومان بالإشراف الفعلي والميداني. ألا تتخوفون من التزوير أم أن عهد التزوير ولى إلى غير رجعة؟
- الدولة تقوم على الثقة، والذي يضمن ألا يكون هناك تزوير بعد الله هو جلالة الملك، الذي لديه مواقف رسمية وعلنية في هذا الصدد. لقد تناولنا في الحكومة الحديث بشأن ذلك مع وزير الداخلية، الذي قال إن جلالة الملك يتابعه بشأن نزاهة الانتخابات بقوة. ومن ثم لا يمكن أن نشارك في الحكومة والبرلمان ونظل نردد مثل هذا الكلام. طبعا الكل يرى ماذا يقع. ولم يعد هناك شيء قابل للاختباء. لهذا نحن نعتمد على هذه الثقة التي بنيت عليها البلاد، ولا أعتقد أن بلادنا قادرة على أن تسمح لنفسها بالتلاعب بأسس الدولة. هل تعرف أن أساس الدولة الأول هو الثقة قبل المال والرجال، وهذه مقولة ليست لي بل لكونفوشيوس وعليها إجماع في العالم. يجب أن نكون واضحين ونذهب ونشارك. طبعا أنا كما قال جلالة الملك، يقع الإشراف على الانتخابات تحت سلطتي ومسؤولية وزارتي الداخلية والعدل، لكن الفاعل الأساسي في كل هذا هي وزارة الداخلية. ووزارة العدل هي شريك لكن في حدود. وأنا مسؤول من خلال قيامي بالتحكيم حينما يكون هناك أشكال، ولكن هذا الشيء كله نحن قبلناه، ومن يقبل مسارا يمضي فيه حتى النهاية. فالكل يراقب ويتابع وحينما يكون هناك شيء ليس على ما يرام فإننا نثير الانتباه إلى ذلك.



​المعلمون اليمنيون بين سجون الحوثيين والحرمان من الرواتب

الحوثيون حولوا المدارس العامة إلى مواقع لاستقطاب المراهقين وإرسالهم إلى الجبهات (إعلام محلي)
الحوثيون حولوا المدارس العامة إلى مواقع لاستقطاب المراهقين وإرسالهم إلى الجبهات (إعلام محلي)
TT

​المعلمون اليمنيون بين سجون الحوثيين والحرمان من الرواتب

الحوثيون حولوا المدارس العامة إلى مواقع لاستقطاب المراهقين وإرسالهم إلى الجبهات (إعلام محلي)
الحوثيون حولوا المدارس العامة إلى مواقع لاستقطاب المراهقين وإرسالهم إلى الجبهات (إعلام محلي)

يحتفل العالم في الخامس من أكتوبر (تشرين الأول) باليوم العالمي للمعلم، فيما لا يزال المعلمون في اليمن يعانون من ويلات الحرب التي أشعلها الحوثيون، إذ اعتقلت الجماعة ألف معلم على الأقل، وأجبرت عشرات الآلاف على العمل من دون رواتب منذ ثمانية أعوام، في حين اضطر الآلاف إلى العمل في مجالات أخرى لتوفير لقمة العيش.

وإلى جانب تدني المرتبات في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وتأخر صرفها والنزوح القسري، طال من يعمل في قطاع التعليم الانتهاكات طوال العشر السنوات الأخيرة، سواء من خلال التسريح القسري والاختطافات، أو نتيجة تحويل الحوثيين المدارس والمؤسسات التعليمية إلى معسكرات لتجنيد الطلاب، أو نشر الأفكار الطائفية بهدف تغيير التركيبة المذهبية في البلاد.

انقلاب الحوثيين أدى إلى تدهور أوضاع المعلمين والطلاب على حد سواء (إعلام محلي)

في هذا السياق ذكرت الشبكة اليمنية لروابط الضحايا أن المعلم اليمني يستقبل هذه المناسبة وهو يعاني من انتهاكات جسيمة لحقوقه الأساسية، مما يحوّل هذه الذكرى إلى يوم حزين بدلاً من يوم احتفاء.

وقالت الشبكة إنه منذ ما يقارب عشر سنوات من الحرب التي تسبب بها انقلاب جماعة الحوثي على الدولة ومؤسساتها، يعاني المعلم من أزمة إنسانية متفاقمة، تتمثل في حرمانه من حقوقه المالية والمدنية والسياسية، وتعرضه لمختلف أشكال العنف والانتهاكات، بما في ذلك الاعتقال التعسفي والاختطاف والتهجير القسري.

ووفق ما ذهبت إليه الشبكة، فقد أدت هذه الأوضاع «المأساوية» إلى تدهور حاد في مستوى التعليم، وتفشي الجهل والأمية بين صفوف الشباب. ومع تأكيدها أنها تدرك حجم المعاناة التي يتعرض لها المعلمون في اليمن، أدانت بشدة جميع أشكال الانتهاكات التي يتعرضون لها خاصة في مناطق سيطرة الحوثيين، وطالبت المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان بالتحرك العاجل لإنهاء هذه الانتهاكات، وضمان حصول المعلمين على حقوقهم كاملة غير منقوصة.

وطالبت الشبكة التي تضم روابط ضحايا الانتهاكات في اليمن بصرف مرتبات المعلمين ومستحقاتهم بشكل منتظم، لضمان استقرارهم المعيشي، وتمكينهم من أداء مهامهم التعليمية على أكمل وجه، وتوفير بيئة عمل آمنة للمعلمين، حفاظاً على حياتهم وكرامتهم، ولتشجيعهم على الاستمرار في عملهم، والإفراج الفوري عن جميع المعلمين المعتقلين والمختطفين في سجون الحوثيين، وضمان عدم تكرار مثل هذه الانتهاكات.

معدلات الأمية ارتفعت إلى 70 % في الأرياف اليمنية (إعلام محلي)

كما طالبت الشبكة بتوفير الدعم اللازم لإعادة تأهيل البنية التحتية التعليمية التي تأثرت بسبب الحرب، والعمل على تطوير المناهج الدراسية بما يتناسب مع احتياجات المجتمع اليمني.

ودعت جميع الأطراف وعلى وجهة الخصوص جماعة الحوثي المسلحة التي يتعرض المعلمون في مناطق سيطرتها إلى أشكال متعددة من الانتهاكات الممنهجة، إلى تحمل مسؤولياتها، والعمل الجاد على إنهاء معاناة المعلمين، وصرف رواتبهم، وتوفير الظروف المناسبة لهم لأداء دورهم الحيوي في بناء مجتمع يمني مزدهر.

مأساة التعليم

أكد «مركز ألف لحماية التعليم» أن المعلمين في اليمن واجهوا تحديات بالغة التعقيد خلال العقد الأخير، متجاوزين كل الصعوبات التي فرضتها ظروف النزاع وانعدام الأمن، حيث أثرت الحرب والهجمات المسلحة على قطاع التعليم بشكل كبير مما أدى إلى تدهور أوضاع المعلمين والطلاب على حد سواء.

وبحسب ما أورده المركز بمناسبة اليوم العالمي للمعلم، فإن هناك ما يقارب من ألف معلم مختطف ومحتجز قسراً معظمهم لدى جماعة الحوثي، وذكر أن هذا الأمر انعكس سلباً على روح وواقع العملية التعليمية، ودفع كثيراً من المعلمين للبحث عن وظائف بديلة.

وناشد المركز المعني بحماية التعليم الحوثيين سرعة صرف رواتب المعلمين والتربويين في مناطق سيطرتهم، التي توقفت منذ عام 2016، والإيفاء بالتزاماتهم تجاه عشرات الآلاف من المعلمين والمعلمات، وضمان حمايتهم من الاعتقال والاختطافات والإخفاء القسري والحجز التعسفي.

كما ناشد الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً بتحسين رواتب المعلمات والمعلمين في مناطق سيطرتها، والتي لا تفي بأبسط متطلبات الحياة المعيشية الضرورية في ظل تدهور أسعار الصرف وتفشي البطالة.

الحوثيون أجبروا عشرات الآلاف من المعلمين على العمل دون رواتب منذ 8 أعوام (إعلام محلي)

ودعا المركز الجهات المهتمة بالتعليم إلى تبني مشاريع تضمن استمرارية التعليم وتحسين جودته، وتعمل على دعم المعلمين وتدريبهم وتأهيلهم خاصة في ظل وجود شريحة واسعة من المتطوعات والمتطوعين الذين يعملون في الميدان لتغطية نسب العجز الكبيرة في الطاقم المدرسي، ودون أدنى معايير التأهيل والتدريب.

وتحدّث المركز عما وصفها بـ«مأساة التعليم في اليمن» وقال إن نسبة الأمية تقدر بنحو 70 في المائة في الأرياف، و38 في المائة في المدن، وذكر أن 45 في المائة من المعلمين لا يحملون شهادة الثانوية العامة، وأن 13.8 في المائة فقط لديهم شهادة جامعية، كما أن الخصخصة والافتقار إلى التنظيم أثرا سلباً على جودة التعليم في الوقت الذي يدخل فيه التعليم خارج اليمن مرحلة التحول الرقمي.

وكانت إحصائية حكومية حديثة ذكرت أن 4.5 مليون طفل باتوا خارج التعليم في اليمن، وهو رقم يزيد بمقدار الضعف على الرقم المسجل مع بداية النزاع، حيث لم يتجاوز العدد مليوني طفل.

مدارس طائفية

أفادت مصادر في الحكومة اليمنية لـ«الشرق الأوسط» بأن قطاع التعليم يعاني من نقص شديد في الكوادر البشرية نتيجة وقف التوظيف منذ عام 2011، ومن بعد ذلك الحرب التي أشعلها الحوثيون في نهاية عام 2014.

وقالت المصادر إن كثيراً من المدارس استعانت بمتطوعين للعمل وتغطية العجز، إذ يحصلون على مكافآت شهرية متدنية لا تتجاوز عشرين دولاراً في الشهر يتم توفيرها من التبرعات التي يقدمها التجار أو من عائدات السلطات المحلية.

وأثّر تراجع سعر العملة المحلية، وفق المصادر، بشكل كبير على رواتب الموظفين العموميين وفي طليعتهم المعلمون، حيث أصبح راتب المعلم الواحد خمسين دولاراً بعد أن كان يعادل مائتي دولار.

وأشارت المصادر إلى أن هذا الوضع دفع بمجاميع كبيرة إلى ترك العمل في سلك التعليم والالتحاق بالتشكيلات العسكرية؛ لأنهم يحصلون على رواتب أعلى.

المياه تغمر ساحة إحدى مدارس صنعاء والطلاب ملزمون بالدوام (إعلام محلي)

وفي مناطق سيطرة الحوثيين تحدثت المصادر العاملة في قطاع التعليم عن تدهور مخيف في مستويات الالتحاق بالمدارس مع زيادة الفقر، وعجز الأسر عن توفير متطلبات التحاق أبنائها، والعروض التي يقدمها الحوثيون للمراهقين في سبيل الالتحاق بجبهات القتال والحصول على راتب شهري يساوي 100 دولار، إلى جانب التغذية ووضع أسرهم في صدارة قوائم المستحقين للمساعدات الغذائية التي توزعها المنظمات الإغاثية.

ووفق هذه الرواية، فإن اهتمام الحوثيين بتحويل المدارس إلى مواقع لاستقطاب المراهقين، ونشر الأفكار الطائفية وقطع مرتبات المعلمين وفرار الآلاف منهم خشية الاعتقال دفع بالجماعة إلى إحلال عناصرها بدلا عنهم، واختصار الجدول المدرسي إلى أربع حصص في اليوم بدلاً من سبع.

كما وجهت الجماعة عائدات صندوق دعم المعلم لصالح المدارس الطائفية الموازية التي استحدثوها خلال السنوات الأخيرة، ويتم فيها منح المعلمين رواتب تصل إلى 700 دولار، كما توفر هذه المدارس السكن الداخلي، والتغذية، والكتب المدرسية بشكل مجاني للملتحقين بها.