«داعش» يخترق معقل النظام السوري في حماه ويفجّر مركز «البعث»

معلومات ترجّح دخول الانتحاريين من الريف الشمالي بعد رشوة مسؤولي الحواجز

«داعش» يخترق معقل النظام السوري في حماه ويفجّر مركز «البعث»
TT

«داعش» يخترق معقل النظام السوري في حماه ويفجّر مركز «البعث»

«داعش» يخترق معقل النظام السوري في حماه ويفجّر مركز «البعث»

اخترق تنظيم داعش مجددًا كل الإجراءات الأمنية للنظام السوري، وتمكن من الوصول إلى مقرّ حزب «البعث العربي الاشتراكي» في منطقة الحاضر، قرب ساحة العاصي وسط مدينة حماه، وتفجيره بواسطة انتحاريين كانا يرتديان حزامين ناسفين، أسفرا عن سقوط ثلاثة قتلى وعشرات الجرحى وإلحاق دمار هائل بالمقر الحزبي. وقد سارع «داعش» إلى تبني الهجوم، وزعم أنه «تم عبر ثلاث هجمات لأشخاص يرتدون سترًا ناسفة استهدفت مقر حزب البعث ومركز الشرطة قرب ساحة العاصي».
وعلى أثر وقوع الانفجارين، سارعت قوات النظام إلى إغلاق الطرق المؤدية من ساحة العاصي، وبدأت سيارات الإسعاف بنقل الجرحى إلى المشافي، وسط النار في الهواء لإفساح المجال لها للمرور بسرعة. ونشرت وكالة «سانا» الناطقة باسم النظام صورة لمصورها إبراهيم عجاج الذي أصيب بالتفجيرين. ويأتي هذا الاستهداف لأحد معاقل النظام وسط مدينة حماه، بعد سلسلة تفجيرات مماثلة ضربت المناطق التي تعدّ مربعات أمنية للنظام وحلفائه سواء في منطقة السيدة زينب جنوب العاصمة دمشق، أو التفجيرات التي ضربت مدينتي جبلة وطرطوس أكثر من مرّة وأوقعت مئات القتلى والجرحى.
ومع تبني تنظيم داعش لهذه العملية، بدا أن أهدافها مختلفة، حيث أكد مدير المرصد السوري رامي عبد الرحمن، أن «تبني تنظيم داعش لهذين التفجيرين، يعني أنه لا رابط بينهما وبين معارك ريف حماه الشمالي». ورأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن هذين الانفجارين «يوجهان رسالة بأن التنظيم شريك في الحرب على النظام في كل سوريا»، مذكرًا بأن «داعش قريب إلى حد ما من (جند الأقصى) الذي يخوض معارك ضد قوات الأسد في ريف حماه الشمالي».
وعزا عبد الرحمن هذا الاختراق إلى أن «غالبية العناصر الموجودة على حواجز النظام على مداخل حماه هم من المرتزقة، ومعروف عنهم قبض الرشى، خصوصًا عناصر ميليشيات قوات الدفاع الوطني»، مشيرًا إلى أن «شبيحة النظام الموجودين في مناطق ريف حماه الشرقي وخصوصًا في مدينة السلمية، جمعوا ملايين الدولارات من الرشى».
وقال عبد الرحمن «هذان التفجيران ليسا الوحيدين اللذين استهدفا حماه»، لافتًا إلى أن تفجيرًا وقع في شهر أغسطس (آب) 2013 أدى إلى مقتل محافظ حماه، وآخر وقع في شهر أكتوبر (تشرين الأول) من العام نفسه أدى إلى مقتل 43 شخصًا على أحد حواجز النظام، وتنبتهما جبهة النصرة يومذاك. قراءة مدير المرصد لهذا الهجوم، لم تختلف عن مقاربة الناطق باسم «تجمع ثوار سوريا» مالك الخولي، الذي أوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «أسبابًا عدة قد تكون وراء هذا الاختراق، منها أن تركيبة حواجز النظام لا تتشدد في المراقبة والتفتيش إلا على مداخل المدينة، عدا عن أن إجراءات النظام تشهد تراخيًا أمنيًا باعتبارها بعيدة عن الاستهداف بحسب اعتقاده».
ولم يستبعد الخولي أن «يكون الانتحاريان دخلا من ريف حماه الشرقي، حيث يوجد تنظيم داعش في عدد من البلدات»، مرجحًا في الوقت نفسه، أن يكون التنظيم «دفع رشى لبعض القيمين على هذه الحواجز لتمرير ما يريد تمريره، خصوصا أن الشبيحة معروفون بتقاضيهم الرشى والمنافع المالية، وبالتالي يصبح من السهل على داعش اختراق المناطق التي يتولى أمنها مثل هؤلاء الشبيحة». وأشار الخولي إلى أن «تركيبة حماه الديموغرافية وكونها مدينة ذات غالبية سنية، لا تجعل النظام قلقًا من هكذا اختراقات، لذلك كان متراخيًا في العملية الأمنية إلى حدّ كبير».
وتشهد محافظة حماه وبالأخص ريفها الشمالي معارك عنيفة جدا بين الثوار وقوات الأسد، حيث تمكن فيها الثوار من تحرير الكثير من المدن والقرى أهمها طيبة الإمام ومعردس ومعان والطليسية وغيرها، وباتت قريبة جدا من حدود حماه المدينة القابعة تحت حكم الأسد.
ولا تزال الاشتباكات متواصلة بين قوات النظام والمسلحين الموالين لها من طرف، و«جند الأقصى» والفصائل من طرف آخر في عدة محاور بريف حماه الشمالي الشرقي، حيث تجددت الاشتباكات بين الطرفين في محوري السعثة والطليسية في ريف حماه الشمالي الشرقي.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.