واقع التشيّع في المغرب

بين تهديد الأمن الروحي والاستيعاب السياسي

جنازة في مدينة طنجة لشيعي مغربي توفي في بلجيكا قبل أشهر
جنازة في مدينة طنجة لشيعي مغربي توفي في بلجيكا قبل أشهر
TT

واقع التشيّع في المغرب

جنازة في مدينة طنجة لشيعي مغربي توفي في بلجيكا قبل أشهر
جنازة في مدينة طنجة لشيعي مغربي توفي في بلجيكا قبل أشهر

كشفت عدة تقارير دولية ووطنية، من ضمنها تقرير الحريات الدينية الذي تصدره وزارة الخارجية الأميركية، وتقرير الحالة الدينية الذي يصدره المركز المغربي للدراسات والأبحاث عام 2015م، أن ظاهرة التشيّع بالمغرب أصبحت تحديًا جديًا يواجه المجتمع والدولة. فلقد كانت منظومة التدين المغربي والمغاربي، مؤطرة منذ قرون طويلة بتصوّرات المذهب المالكي والاعتقاد الأشعري، غير أن إيران وحلفاءها مذهبيًا وطائفيًا، أخذوا يستغلون تحوّلات ما أطلق عليه علماء الاجتماع المعاصر «عصر الأديان»، وموجاته المعقدة، لنشر التشيّع بشمال أفريقيا. وهو ما عرّض النسيج الديني لهذه المنطقة للتفاعلات الطائفية بالشرق الأوسط، وأدمجها قسرًا في عولمة القيم والتدين المتلبس بالتشيّع الإمامي، والمتخذ من المرجعيات العقدية الإيرانية والعراقية واللبنانية، مرجعيته الدينية العليا.
وظاهرة التشيع في المغرب جعلت كثيرًا من المتخصصين والباحثين في هذه الظاهرة بشمال أفريقيا، ينبهون إلى التهديد الذي يشكله مَن يطلقون على أنفسهم اسم «المستبصرين» على وحدة النسيج الديني، والتماسك العقدي. وذلك إذ يصبح الولاء الخارجي للشيعة بشمال أفريقيا قضية تداخل انصهاري بين العقيدة والسياسة في المذهب الجعفري، وهو ما يجعل من الولي الفقيه في إيران سلطة دينية وسياسية، يخضع لها الشيعة في شمال أفريقيا.
من الناحية العملية، يصعب تحديد أرقام محددة للمتشيّعين المغاربة، لسببين: السبب الأول أنهم يخفون نوعية تدينهم ومعتقداتهم، ويمارسون التقية مع محيطهم الاجتماعي، والخاص في كثير من الأحيان. والسبب الثاني، أن مواقفهم السياسية تتعارض والثوابت المغربية التي تجعل من الاستقلالية الدينية والسياسية المغربية مرتبطة بالملك، بصفته أميرًا للمؤمنين، كما ينص على ذلك الفصل 41 من دستور 2011م.
ومع أن تقارير وزارة الخارجية الأميركية تفيد بأن في المغرب نحو 8 آلاف شيعي أو متشيّع، فإن هذا العدد يضم، أساسًا، الشيعة العراقيين والسوريين واللبنانيين الموجودين على أرض المملكة المغربية. في حين يقدر بعض الباحثين في ظاهرة التشيّع بالمغرب عدد الشيعة المغاربة المستقرين بنحو 3 آلاف فقط. ويؤكد الباحثون المشار إليهم أن التشيّع بالبلاد ينقسم إلى قسمين: الأول، تشيّع عقدي وهو الأخطر والأقل عددًا. والثاني، تشيّع سياسي وهو الأكثر والأبرز، ويستفيد أساسًا من الموقف الشعبي المغربي حول القضية الفلسطينية، وضرورة مقاومة الكيان الصهيوني.
في هذا السياق وانطلاقًا من نقاشات أجريناها مع بعض المتشيّعين المغاربة، بخصوص تكاثرهم، وطريقة ممارسة التدين والتحرك العام بالمجتمع المغربي، نسجل إقرارهم بأنهم يواجهون بصدّ مجتمعي وذهنية شعبية رافضة للطائفية وللارتباط بالتدين الخارجي البعيد عن المذهب المالكي والأشعرية السنّيّة المعروفة في العرف والتقاليد الدينية الشعبية. كذلك فإنهم يواجهون برفض سياسي من الدولة، يهم على الخصوص ارتباطهم السياسي بولاية الفقيه، من جهة، وارتباطهم المالي بدوائر مجهولة تموّل بعض الجمعيات والمكتبات، وبعض الشخصيات الشيعية المغربية.
* ارتباط وولاء عقدي
ينقسم الشيعة المغاربة إلى عدة تيارات قليلة العدد، يجمع بينها الارتباط والولاء العقدي والسياسي للخارج. وللعلم، قبل أن تظهر التنظيمات الشيعية الجديدة، كان التعاطي مع المقولات المذهبية الشيعية منحصرًا في الجامعات المغربية. وكان هذا التعامل فكريًا سياسيًا، ومبتعدًا عن التمثل العقدي. غير أن منتصف الألفية الثالثة شهد تغيرًا مهمًا، حين استغل المتشيّعون المغاربة مجموعة من العوامل للظهور بشكل سريع على سطح الساحة السياسية الدينية في المغرب.
أول هذه العوامل، الانفراج الذي شهدته العلاقات المغربية الإيرانية في عهد الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، وكذلك الحرب الأخيرة بين ما يسمى «حزب الله» اللبناني وإسرائيل عام 2006، وما خلفه ذلك من تعاطف عربي شعبي كبير مع ما كان يطلق عليه اسم «جبهة المقاومة». وكان للقنوات الفضائية التابعة والداعمة لإيران، ومنها قنوات عراقية وقناة المنار والعالم وغيرها، في حينه، دور مهم في الترويج للتدين الشيعي. غير أن أهم عاملين ما زالا يتحكّمان في ظهور التشيع بالمغرب على السطح، يتعلقان بالدراسة في الخارج، خصوصًا في سوريا. فأهم الرموز المغربية المعروفة اليوم على الساحة سبق لها أن درست بجمهورية الأسد.
* سفارة إيران في بلجيكا
أما العامل الثاني، فيتمثل في الدور النشط جدًا للسفارة الإيرانية في بلجيكا والجمعيات التابعة لها ماليًا. ولقد أسهمت هذه السفارة، بالذات، بقوة في تشيّع المهاجرين المغاربة. إذ منذ بداية التسعينات من القرن العشرين أقدمت هذه السفارة على تقديم مساعدات مالية شهرية منتظمة للشباب المغربي الوافد إلى بلجيكا، وتشجيعهم على زواج المتعة الذي يمكّنهم من الحصول على أوراق الإقامة. كذلك عملت على ربط جزء من المغاربة بشخصيات دينية تمثل مرجعية الولي الفقيه بالعاصمة البلجيكية بروكسل ونواحيها، ومولت أنشطة وزيارات لإيران استفاد منها هؤلاء الشباب، وهو ما مكّن الإيرانيين من تأسيس جالية شيعية مغربية في بلجيكا تقدر بنحو 20 ألف مغربي.
هذا المسار انعكس على التشيّع داخل المغرب، وقسمه لبعدين؛ خارجي وداخلي: الأول، تتحكم فيه إيران بشكل مباشر وهو يتمثّل بالشيعة المغاربة في أوروبا، خصوصًا الشيعة المغاربة في بلجيكا الذين يقطنون في مدن بروكسل (العاصمة) ولييج وشارلروا وأنتويرب، والذين يكثفون جهودهم لنشر مذهبهم الطائفي بمدن المغرب الشمالية.
والواقع، أن بروكسل وغيرها من المدن البلجيكية غدت قاعدة خلفية لـ«الغزو» الشيعي الطائفي للمغرب. وهذا الاستهداف المنظم له مؤسساته من مثل «جمعية الهدى» بإمامة الشيخ بلوق، و«جمعية الهادي المغربية» المرتبطة بالمراجع العراقية الشيعية، إضافة إلى «مركز أبحاث وحسينية الحسن المجتبى للإخوان العراقيين» التي تجمع الطرفين، كما ينشط الشيعة المغاربة بمدرسة في «مركز الرضا» متخصصة في تعليم أبناء الجالية.
* داخل المغرب
أما البعد الداخلي المتعلق بالشيعة المستقرين داخل المغرب، فتعمل الدولة وأجهزتها الأمنية، على فصله بشكل تام عن إيران وسعيها الحثيث لتقسيم المغرب طائفيًا، وخلق «جيوب» لها في أفريقيا عبر دعم شبكتها المنظمة في غرب القارة، التي تمتد من نيجيريا إلى السودان، ومن السنغال إلى الغابون وساحل العاج، مرورًا بالجزائر ووصولاً إلى المغرب.
أيضًا على المستوى الداخلي، سجل المتخصصون تراجعًا كبيرًا لجمعية «الغدير» في مدينة مكناس التي أسسها شيعة مغاربة تأثروا بالفضاء الجامعي، وما كان يتداول فيه من كتب وأفكار كل من السيد حسين فضل الله والسيد محمد مهدي شمس الدين والدكتور علي شريعتي والسيد محمد باقر الصدر والرئيس الأسبق محمد خاتمي.. في تسعينات القرن العشرين. غير أن «الغدير» وخطها في التشيّع لم يعد لهما أثر يذكر حاليًا. ولكن في المقابل، ظهر تياران متمركزان بشمال المملكة، وبالتحديد في مدينة طنجة، هما:
1 - «هيئة الإمام الشيرازي»، وهي مجموعة متشيّعة كانت تحمل اسم «هيئة شيعة طنجة» قبل عام 2012م، ثم غيّرت اسمها، دون أن تغير من ارتباطها بياسر الحبيب، الطائفي المتطرف المقيم في العاصمة البريطانية لندن راهنًا، الذي سحبت منه الكويت جنسيتها.
2 - المجموعة الثانية تعرف بـ«الخط الرسالي»، ويذكر أنه عام 2013 سمحت السلطات المغربية لأعضاء من هذه المجموعة بتأسيس جمعية «الرساليون التقدميون». كما اعترف بشكل قانوني بمؤسسة «الخط الرسالي للدراسات والنشر» عام 2014، ثم في العام الماضي 2015 أعلن متشيّعو «الخط الرسالي» تأسيس «المرصد الرسالي لحقوق الإنسان».
* التعامل مع الظاهرة
في هذا السياق تحاول السلطة السياسية في المغرب ألا تجعل من ظاهرة التشيع حدثًا إعلاميًا أو حقوقيًا، بل تكتفي بالمراقبة الأمنية، كي تتجنب الانتقادات المتكررة للتقارير الأميركية المدافعة عن التشيع والتنصير في المغرب.
ويبدو أن هذه السياسة الجديدة، غير ثابتة، ذلك أن السلطة واجهت المجموعات الشيعية عام 2009 بحزم، وقطعت العلاقات الدبلوماسية مع إيران، كما أغلقت المدرسة العراقية بالرباط. بل وصل الأمر إلى إقدام وزارة التعليم العالي على إلغاء حصص اللغة الفارسية في الجامعات المغربية، وإغلاق بعض المكتبات الخاصة بالكتب الشيعية، وإخضاع بعض الأفراد لاستجوابات أمنية في كل من مدن الدار البيضاء وطنجة والصويرة وفاس.
غير أن الوضع بدأ يتغير من جديد منذ عام 2012م، إذ لم تكتفِ السلطة السياسية المغربية بالاعتراف القانوني ببعض المؤسسات التي أسسها الشيعة المغاربة، بل سمحت لهم بالاحتفال الجماعي بعاشوراء لأول مرة عام 2014م، حين أقيمت طقوس بحضور نحو 300 فرد في قاعة للحفلات بمدينة طنجة. ويأتي هذا بعد السماح لمجموعة شيعية في المدينة نفسها بتشييع جثمان أحد أفرادها عبد الله الدهدوه، الذي قتل في بلجيكا عام 2012م، وشهدت الجنازة خروجًا واضحًا عن المذهب المالكي، من خلال طريقة الدفن مثل دفن كتاب مع الجثة وحضور النساء.
* الدمج سياسيًا
من جانب آخر، يظهر أن السلطة السياسية في المغرب تسعى لدمج الشيعة المغاربة في الحقل السياسي، بعدما سمحت لهم بمزاولة بعض شعائرهم بشكل جماعي. إذ التحق أبرز الوجوه الشيعية إدريس هاني، بحزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية عام 2015، وكان هاني من المؤسسين لحزب النهضة والفضيلة، والمعدين لورقته المذهبية عام 2005، قبل أن ينسحب منه ويلتحق بحزبه الجديد. وفي السياق ذاته، نسجل أنه عام 2015 سجلت محاولة لبعض الوجوه الشيعية للالتحاق بالحزب الاشتراكي الموحّد، غير أن أطرافًا من داخل الحزب تحفّظت عن اتخاذ هذه الخطوة، خصوصًا مع غموض ارتباطات بعض العناصر الشيعية بإيران، وإيمانها العقدي بولاية الفقيه. في أي حال، يبدو مما سبق أن ظاهرة التشيع في المغرب لها امتدادات خارجية واضحة، تتعلق بالجهود الإيرانية لتشييع الجالية المغربية المقيمة في بلجيكا وكندا وهولندا وإسبانيا، ومن ثم ربط الشيعة المقيمين في المغرب بشيعة غرب أفريقيا، عبر عمل شبكي يلقى دعمًا سياسيًا وماليًا من طهران وشيعة لبنان خاصة. كل هذا من شأنه أن يهدد الأمن الروحي المغربي وتماسك وحدة مذهبه المالكي، الذي قال عنه المؤرخ والمفكر المغربي عبد الله العروي إنه «مذهب مسح الطاولة بشمال أفريقيا»، واستطاع لقرون طويلة جدًا الحفاظ على الوحدة الدينية المذهبية المغاربية، مع الاعتزاز بحب آل البيت.
من الناحية السياسية، تتعارض ولاية الفقيه، مع الاستقلال الديني التاريخي المغربي عن المشرق، إذ تتناقض السلطة الدينية والسياسية التي يتمتع بها مرشد الثورة الإيرانية مع صلاحيات إمارة المؤمنين للملك التي ينص عليها الدستور المغربي. ذلك أن ولاية الفقيه التي تجعل للفقيه المعصوم ولاية على الفرد الشيعي أينما كان، وعلى المجتمع وعلى الدولة الشيعية. وبذلك يتبين أن هذا المفهوم يتناقض والثوابت الدينية والدستورية المغربية، وخصوصًا الفصل 41 من الدستور الحالي.

* أستاذ علوم سياسية في جامعة محمد الخامس - الرباط



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».