البيت الأبيض لأعضاء الكونغرس: تصرفتم كتلاميذ ابتدائية

رفض اتهاماتهم بـ«التقصير» في شرح تداعيات قانون {جاستا}

صورة لسجين عراقي في سجن أبو غريب أثناء الاحتلال الأميركي للعراق ({الشرق الأوسط})
صورة لسجين عراقي في سجن أبو غريب أثناء الاحتلال الأميركي للعراق ({الشرق الأوسط})
TT

البيت الأبيض لأعضاء الكونغرس: تصرفتم كتلاميذ ابتدائية

صورة لسجين عراقي في سجن أبو غريب أثناء الاحتلال الأميركي للعراق ({الشرق الأوسط})
صورة لسجين عراقي في سجن أبو غريب أثناء الاحتلال الأميركي للعراق ({الشرق الأوسط})

في حين طلبت افتتاحية رئيسية في صحيفة «نيويورك تايمز» من الكونغرس إلغاء القانون الذي أجازه في الأسبوع الماضي، والذي يسمح لمواطنين أميركيين بمقاضاة الدول التي يزعمون أنها مسؤولة عن خسائر الإرهاب التي لحقت بهم، رد البيت الأبيض على اتهام بعض أعضاء الكونغرس بتقصيره في شرح تداعيات قانون «العدالة ضد رعاة الإرهاب»، قائلا إنهم «لم يدرسوه بما فيه الكفاية».
ونقل تلفزيون «اى بي سي»، أمس، عن جوش إيرنست، المتحدث باسم البيت الأبيض، قوله إن «أعضاء الكونغرس أجازوا القانون من دون أن يدرسوه، وهم الذين يتحملون مسؤولية ذلك»، مضيفا: «يتصرف أعضاء الكونغرس مثلما يتصرف تلاميذ في مدرسة ابتدائية.. لا يوجد عذر لخطأ غير الاعتراف به».
وقال إيرنست إن الرئيس باراك أوباما تحدث «في مرات كثيرة» مع أعضاء الكونغرس عن هذا الموضوع. وفي شهر أبريل (نيسان) الماضي بالتحديد، ناقش مع عدد منهم في المكتب البيضاوي الأخطار التي ستترتب على القانون، إذا أجيز، ثم مثل مسؤولون في وزارة الخارجية أمام لجان في الكونغرس، وأعادوا توضيح التداعيات المحتملة لهذا القانون على المصالح الأميركية عبر العالم، متابعا: «لكن، ها نحن نشاهد الكونغرس يتصرف بعقلية الشخص الذي يشترى أشياء في عجلة، ومن دون تفكير».
من جهتها، ردت وزارة الخارجية على اتهامات الكونغرس، على لسان مارك تونر، المتحدث باسمها، الذي قال: «أعلنا منذ البداية قلقنا حول هذا التشريع.. نحن نتفاهم ونتعاطف، طبعا، مع عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، لكن لا ينتهي الموضوع هنا فقط»، مضيفا: «يجب أن نضع في الاعتبار الجهة المقابلة، المتمثلة في القلق حول أمن وسلامة جنودنا ودبلوماسيينا والموظفين الأميركيين الآخرين في الخارج.. نحن نؤمن بأن هذا القانون يمكن أن يعرّض هؤلاء للخطر، ويثير مصطلح الحصانة السيادية (لهؤلاء الأميركيين) قلقنا نحن، وقلق غيرنا أيضا، بل إن المسؤولين السعوديين عبروا كذلك عن قلقهم حول هذا القانون».
وجاءت هذه التصريحات بعد أن انتقد البيت الأبيض أعضاء في الكونغرس، بينهم زعيمة الديمقراطيين في مجلس النواب، نانسي بيلوسي، التي قالت إن الرئيس باراك أوباما لم يضغط عليها إطلاقا لمنع تجاوز الفيتو. وكانت بيلوسي قد صوتت مع أغلبية أعضاء مجلس النواب لإلغاء فيتو أوباما ضد القانون، رغم أنها أحد أقوى الحلفاء للبيت الأبيض في الكونغرس.
ورفضت بيلوسي تصريحات أوباما بأن التصويت ضد الفيتو كان «تصويتا سياسيا»، وقالت: «جاء توقيت اتخاذ الكونغرس هذه الخطوة بسبب ضغوط عائلات ضحايا الهجمات، وكان هناك اتفاق عام على إصدار القانون مع الذكرى الخامسة عشرة لمقتل أحبائهم».
ورغم أنها انتقدت أوباما، فإن بيلوسي قالت إن خوفه من تأثير القانون على علاقة الولايات المتحدة بحلفائها «خوف مشروع»، لافتة إلى أن القانون «كان يمكن أن يكتب بطريقة مختلفة قليلا لمراعاة بعض هذا الخوف».
كان أوباما قد وصف تصرف الكونغرس، الأسبوع الماضي، بأنه «سابقة خطيرة»، وقال لتلفزيون «سي إن إن»: «يمكن أن يعرض هذا القرار الولايات المتحدة لمواقف سلبية، ويمكن أن نجد أنفسنا، فجأة، عرضة لقضايا يرفعها أفراد أو دول أو منظمات ضدنا».
وفي غضون ذلك، قال قادة من الحزب الجمهوري في الكونغرس إنهم يريدون «إعادة النظر» في القانون. واعترف السناتور ميتش ماكونيل، زعيم الأغلبية الجمهورية في الكونغرس، بأن «الأعضاء لم يدركوا التبعات القانونية المحتملة للقانون»، مضيفا: «كان الجميع يعرف من هم المنتفعون المحتملون من القانون (عائلات الضحايا)، لكن أحدا لم يركز بصورة جدية على التبعات، فيما يتعلق بعلاقاتنا الدولية». في المقابل، قالت تيري سترادا، رئيسة رابطة عائلات الضحايا: «يسعدنا هذا النصر، وننتظر يوم معركتنا القضائية، ويوم الحصول على إجابات عمن وقف حقيقة وراء هذه الهجمات».
كانت الافتتاحية الرئيسية في صحيفة «نيويورك تايمز» قد انتقدت هذا القانون، الخميس الماضي، وقالت: «ليس الحل الأفضل هو تعديل القانون، بل الحل الأفضل هو إلغاؤه».
من جهتهم، عبّر المشرعون الأميركيون، الأسبوع الماضي، بعد تصويت الكونغرس بشبه إجماع لصالح رد «الفيتو» الرئاسي وإقرار «جاستا»، عن شكوكهم، وقالوا إنه من المحتمل تقييد القانون الجديد الذي يتيح إقامة دعاوى قضائية ضد السعودية وغيرها، للحد من المخاوف من تأثيره على الأميركيين في الخارج.
وغداة أول رفض لحق النقض الرئاسي (فيتو)، خلال الفترتين الرئاسيتين لأوباما، فتح قادة الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ ومجلس النواب الباب لتعديل القانون، حيث حمّلوا أوباما (الديمقراطي) مسؤولية عدم توضيح عواقب القانون بشكل كاف.
وقال ميتش ماكونيل، زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، للمراسلين، مقرًا باحتمال حدوث «عواقب» لقانون «العدالة ضد رعاة الإرهاب»: «لا أعتقد أن الأمر يستحق المزيد من المناقشة»، في حين اعتبر بول رايان، رئيس مجلس النواب، أن الكونغرس قد «يعدّل» التشريع من أجل حماية الموظفين الأميركيين بوجه خاص. ولم يذكر رايان إطارا زمنيا لتناول القضية. إلا أن بوب كوركر، العضو الجمهوري في مجلس الشيوخ ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في المجلس، قال إنه يعتقد أنه قد يتم مناقشة تلك الأمور في جلسة الكونغرس التي ستتم بعد انتخاب الكونغرس الجديد، وقبل انعقاد أول جلسة رسمية له، وذلك بعد انتخابات الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
ويقدم القانون استثناء للقاعدة القانونية للحصانة السيادية في حالات الإرهاب على أرض أميركية، مما يفسح الطريق أمام إقامة أسر ضحايا الهجمات لدعاوى قضائية، سعيًا وراء تعويضات من حكومات أجنبية.
وأشار جوش إرنست، المتحدث باسم البيت الأبيض، إلى سرعة تحول المشرعين من التصويت لإبطال حق النقض إلى الرغبة في تعديل القانون، وقال خلال مؤتمر صحافي في البيت الأبيض: «أعتقد أن ما رأيناه في الكونغرس الأميركي قضية كلاسيكية تعبر عن ندم المؤيد السريع»، في حين انتقد كوركر البيت الأبيض، مؤكدا أنه حاول العمل مع الإدارة من أجل التوصل إلى اتفاق وسط قبل إبطال حق النقض، لكن الإدارة رفضت عقد اجتماع. وقال تشاك شومر، عضو مجلس الشيوخ عن الحزب الديمقراطي، الذي دعم القانون في مجلس الشيوخ، إنه كان منفتحًا على تعديل التشريع، وأضاف خلال مؤتمر صحافي: «أعتزم النظر في أي اقتراح يقدمونه شريطة ألا يسبب ضررا للأسر».
من جهته، قال ترنت لوت، الرئيس السابق للأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، الذي يعمل حاليًا في شركة قانونية بواشنطن، إن المحامين سوف ينظرون بحرص في صياغة قانون «العدالة ضد رعاة الإرهاب»، مضيفا: «يمكن تعديل شيء كهذا».
لكن حتى في ظل القانون الجديد، فإن البيت الأبيض لا يزال بمقدوره الرجوع للمحكمة لتعطيله، وتعطيل غيره من القضايا، ويتيح القانون للمحكمة حق تعطيل أو تجميد سريان قضية مقامة ضد دولة أجنبية، حال أفادت الولايات المتحدة بأنها «في مفاوضات حسنة النية» مع تلك الدولة لحل النزاع.
كما جرت إضافة بند إيقاف الدعوى وغيره من التعديلات، للتغلب على المخاوف التي أثارها البيت الأبيض وحلفاؤه وشركات مثل «جنرال إليكتريك» و«داو كيميكال»، ومن المرجح أن يطالب أوباما بتفعيل بند إيقاف الدعوى.
وبهذا الصدد، أفاد ستيفين فيلديك، الأستاذ بكلية الحقوق بجامعة تكساس، بأن تلك المراجعة وغيرها تسببت في حالة من عدم اليقين بخصوص هذا القانون، ومن الممكن أن تتسبب في مرحلة أخرى في المطالبة بتوضيح اللغة المستخدمة في مشروع القانون، مشيرا إلى أن «الخطة المقبلة هي إما تعليق حزمة من القضايا لأجل غير مسمى، أو إقامة عدد من الدعاوى لتحديد ما تعنيه كل تلك العقبات التي وضعها الكونغرس في مشروع القانون في الدقيقة الأخيرة».
وحتى في ظل المراجعة، فإن منتقدي القانون الجديد شعروا بقلق من أنه قد يشكل مصدر إلهام لدول أخرى للانتقام بإقامة دعاوى قضائية مماثلة ضد الولايات المتحدة وشركاتها، وأفاد مشرعون أن الكونغرس قد يعيد النظر في القانون لتضيقه وتحديد بنوده.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟