الإعلام الروسي مع تدمير المدن السورية لفرض الحوار على واشنطن

وكالة أنباء رسمية روسية تقدم صورة مشوهة.. وتلغي وجود المعارضة السورية

كان لافتًا أن «ريا نوفوستي» تعترف بالمعارضة عندما تتحدث عن معاركها ضد الإرهابيين في منبج («الشرق الأوسط»)
كان لافتًا أن «ريا نوفوستي» تعترف بالمعارضة عندما تتحدث عن معاركها ضد الإرهابيين في منبج («الشرق الأوسط»)
TT

الإعلام الروسي مع تدمير المدن السورية لفرض الحوار على واشنطن

كان لافتًا أن «ريا نوفوستي» تعترف بالمعارضة عندما تتحدث عن معاركها ضد الإرهابيين في منبج («الشرق الأوسط»)
كان لافتًا أن «ريا نوفوستي» تعترف بالمعارضة عندما تتحدث عن معاركها ضد الإرهابيين في منبج («الشرق الأوسط»)

حاولت روسيا مرارا تصوير ما يجري في سوريا على أنه معركة تخوضها قوات النظام ضد «الجماعات الإرهابية التي تريد السيطرة على السلطة بالعنف، وقلب نظام الحكم». وفي سياق تلك المحاولات، تعمدت روسيا تجاهل، ونفي وجود، «الجيش السوري الحر» ومجموعات المعارضة السورية المسلحة. إلا أن تلك المحاولات باءت بالفشل. ورغم ذلك، لا تزال وسائل إعلام رسمية روسية تصر على تجاهل الحقائق، وتنفي بأساليب معينة وجود قوة على الأرض السورية اسمها معارضة، في محاولة لتثبيت فكرة في ذهن المتلقي الروسي البسيط أن ما يجري في سوريا حرب ضد الإرهاب.
وفي غضون ذلك، ذهبت وسائل إعلام أخرى إلى السماح لضيوفها بإطلاق دعوة مباشرة «لقتل كل المسلحين في سوريا، بما في ذلك المعارضة المعتدلة»، وفق التعبير الروسي. ويأتي هذا كله في وقت برز فيه «إفلاس» إعلامي روسي واضح في محاولات عرض «الإنجازات التاريخية» التي حققتها العملية العسكرية الروسية في سوريا في عامها الأول. وخلال متابعة أي خبر أو تقرير تنشره وكالة الأنباء الرسمية الحكومية (ريا نوفوستي) عن سوريا، يلاحظ المتتبع مصورًا دأبت الوكالة خلال الأسبوعين الماضيين على إلحاقه بكل تقاريرها، وتعرض فيه انتشار القوى على الأراضي السورية. وحسب ذلك المصور، فإن القوى التي تتقاسم السيطرة ميدانيا على الأراضي السورية هي: الجماعات الإرهابية (جبهة النصرة)، والقوى الحليفة لها (باللون الأخضر)، و«داعش» (باللون الرمادي)، والأكراد (باللون الأصفر)، وقوات النظام (باللون الوردي)، وتبقى المنطقة المخططة في المصور، وهي مناطق اشتباك (وفق ما تقول الوكالة)، التي أغفلت في الوقت ذاته مسألة غاية في الأهمية تؤكد عليها في مصورها ذاك، ألا وهي أن المناطق التي يسيطر عليها إرهابيو «داعش» لم تتغير عمليًا، باستثناء خسارتهم مواقع محدودة في ريف حمص (مدينة تدمر تابعة لريف حمص)، وهذا بعد عام كامل على التدخل الروسي في روسيا الذي تبرره موسكو بأنه جاء للتصدي للإرهاب، وللقضاء على «داعش».
ويبدو أن الوكالة تصر على ترسيخ المشهد السوري وفق ما عكسته في مصورها (الخريطة الميدانية التي نشرتها) في ذهن المتابعين الروس، ذلك أنها تتعمد نشر المصور مع غالبية تقاريرها حول سوريا. ومعروف أن «ريا نوفوستي» وكالة حكومية كبرى، ومرجعية خبرية للإعلام الروسي، مما يعني أن الصحف الروسية قد تأخذ ذلك المصور، وتعتمده على أنه يحاكي الواقع نظرا لأنه صادر عن مؤسسة إعلامية حكومية.
وفي هذه الأثناء، نشرت صحيفة «غازيتا رو» الإلكترونية المستقلة خريطة أخرى تنفي عمليا ما تحاول «ريا نوفوستي» تمريره من أفكار مشوهة حول الوضع الميداني في سوريا. ويشير المصور الذي نشرته «غازيتا رو» بوضوح إلى أماكن وجود المعارضة السورية باللونين الأصفر (مناطق معارضة) والبني الفاتح (مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة مع وجود لمجموعات إرهابية).
ولما فشلت كل المحاولات في تشويه المشهد السوري، ونفي وجود معارضة تقاتل النظام الديكتاتوري، قرر سياسيون وخبراء روس البوح بكل صراحة عما يجول في خاطرهم، وطالبوا بالقضاء على المعارضة السورية كليًا. ومن ثم، يمكن الحديث عن حوار، إن كان مع الولايات المتحدة أو على المستوى السوري، حسب قولهم. وجاءت تلك الدعوات ضمن حلقة من برنامج «أمسية مع فلاديمير سولوفيوف»، مساء 28 سبتمبر (أيلول)، على قناة «روسيا - 1» الحكومية. ومع أن الحلقة كانت مخصصة للحديث عن نتائج تقرير التحقيق في حادثة سقوط طائرة البوينغ الماليزية في أوكرانيا، إلا أن المشاركين لم يتمكنوا من منع أنفسهم من العودة مرارا إلى الموضوع السوري الذي أصبح «محببا لديهم»، وفق ما أقر به مقدم البرنامج فلاديمير سولوفيوف.
وكان بين المشاركين إيغر موروزوف، عضو لجنة الشؤون الدولية في المجلس الفيدرالي الروسي، الذي توقف عند الوضع في سوريا، خلال حديثه عن رد الفعل الروسي على السياسات الأميركية نحو روسيا، وكيف يجب أن تتعامل روسيا مع ذلك. وقد دعا موروزوف إلى «ضرورة أن يكون الموقف الروسي حازمًا، فلا يجب أن نبرر؛ يجب أن نضرب على كل الاتجاهات»، مردفا أنه «بالنسبة للقافلة، يتهموننا بلا سبب، ليس علينا أن ندافع (ضد تلك الاتهامات)»، داعيًا إلى «ضرب كل المجموعات في سوريا، بغض النظر عما إن كانت تلك المجموعات من المعارضة المعتدلة التي تمولها الولايات المتحدة، أو من (جبهة النصرة)»، واصفا المعارضة بأنها توأم للإرهابيين، ومعربا عن يقينه بأن «مثل هذا الموقف الحازم سيفرض على الأميركيين الحديث معنا من موقع الندية».
وفي تعقيبه على كلام موروزوف، في البرنامج ذاته، قال نيكولاي ستاريكوف، رئيس حزب «الوطن العظيم»: بالنسبة لسوريا، فإن موقفنا سليم؛ نحن هناك بدعوة من الحكومة الشرعية، ونتصدى للإرهاب». وعليه، يرى ستاريكوف أن وضع القوات الروسية هناك قانوني وسليم. أما مسألة من يجب ضربه، فهذا «يجب أن يكون شأن الحكومة السورية، وإذا قالوا يوجد في هذا المكان أو ذاك إرهابيين، لو سمحتم اضربوهم، اقضوا عليهم، فالواجب علينا أن نفعل ذلك»، حسب قوله.
وانضم إليهما في التعبير عن وجهة نظره الخبير الروسي يفغيني ساتانوفسكي، اليهودي اليميني، مدير معهد الاستشراق، الذي دعا إلى «الدفاع عن حلب، وعدم الاكتراث لدموع بان كي مون»، ولم تقتصر دعواته على ضرورة مواصلة العملية العسكرية في حلب، بل دعا إلى «مواصلة ضرب إدلب بعد ذلك»، مطالبا بخلق وضع في سوريا شبيه بالوضع إبان الحرب العالمية الثانية، عندما سيطرت القوات السوفياتية على برلين، وبعدها فقط بدأت المحادثات مع «الشركاء الأميركيين»، أي أن ساتانوفسكي يريد من الروس تدمير المدن السورية قبل أن يعودوا إلى الحوار مع الولايات المتحدة، أو للحوار بين النظام والمعارضة. ومع أن ما قاله المشاركون في البرنامج على الشاشة الروسية الرسمية لم يكن تصريحات «رسمية»، وإنما وجهات نظر شخصية في سياق برنامج حواري، فإن كلامهم يعكس بشكل أو بآخر مزاجية النخب السياسية المشاركة في السلطة، ومزاجية المحللين الذين يريدون الدفع نحو مزيد من القتل والدمار في سوريا.



تساؤلات بشأن اعتماد مقاطع الفيديو الطولية في الأخبار

مقاطع فيديو طولية على صفحات مواقع الأخبار (معهد نيمان لاب)
مقاطع فيديو طولية على صفحات مواقع الأخبار (معهد نيمان لاب)
TT

تساؤلات بشأن اعتماد مقاطع الفيديو الطولية في الأخبار

مقاطع فيديو طولية على صفحات مواقع الأخبار (معهد نيمان لاب)
مقاطع فيديو طولية على صفحات مواقع الأخبار (معهد نيمان لاب)

أثار اعتماد مواقع إخبارية كبرى، أخيراً، على مقاطع الفيديو الطولية تساؤلات بشأن أسباب ذلك، ومدى تأثيره في الترويج للمحتوى الإعلامي وجذب أجيال جديدة من الشباب لمتابعة وسائل الإعلام المؤسسية. وبينما رأى خبراء أن مقاطع الفيديو الطولية أكثر قدرة على جذب الشباب، فإنهم لفتوا إلى أنها «تفتقد لجماليات الفيديوهات العرضية التقليدية».

معهد «نيمان لاب» المتخصص في دراسات الإعلام أشار، في تقرير نشره أخيراً، إلى انتشار مقاطع الفيديو الطولية (الرأسية) في مواقع إخبارية كبرى مثل «الواشنطن بوست» و«النيويورك تايمز». واعتبر أن «مقاطع الفيديو الطولية القصيرة، التي تُعد عنصراً أساسياً في مواقع التواصل الاجتماعي تشق طريقها بشكل كبير».

ولفت معهد «نيمان لاب» إلى أن «مقاطع الفيديو التي تنتشر بكثرة على (إنستغرام) و(تيك توك) و(يوتيوب)، تلقى نجاحاً عند استخدامها في مواقع الأخبار»، مستشهداً باستطلاع نشره «معهد رويترز لدراسات الصحافة»، العام الماضي، أفاد بأن 66 في المائة من عينة الاستطلاع يشاهدون مقاطع فيديو إخبارية قصيرة كل أسبوع، لكن أكثر من ثلثي المشاهدات تتم على منصات التواصل.

رامي الطراونة، مدير إدارة الإعلام الرقمي في «مركز الاتحاد للأخبار» بدولة الإمارات العربية المتحدة، قال في لقاء مع «الشرق الأوسط» إن اتجاه المواقع الإخبارية لاستخدام مقاطع الفيديو الطولية «يعكس تغيراً في طريقة استهلاك الجمهور للمحتوى، ومحاولة للتكيف مع تطور سلوكياته»، وأرجع هذا التطور في سلوكيات الجمهور إلى عوامل عدة، أبرزها «الاعتماد على الهواتف الجوالة في التفاعل الرقمي».

وتابع الطراونة أن «وسائل الإعلام تحاول الاستفادة من النجاح الكبير للفيديوهات القصيرة على منصات التواصل، وقدرة هذا المحتوى على جذب الجمهور»، وأشار إلى أن «استخدام مقاطع الفيديو الطولية غيّر تجربة تلقي الأخبار وجعلها أكثر جاذبية وبساطة وتركيزاً وسهولة في الاستهلاك، نظراً لمحاكاتها التجربة ذاتها التي اعتاد عليها المتابعون في منصات التواصل». ونبه إلى أن المستخدمين يميلون إلى تمضية وقت أطول في مشاهدة الفيديوهات الطولية القصيرة والمتنوعة والتفاعل معها مقارنة بالفيديوهات العرضية التي تتطلب تغيير وضع شاشة الجوال لمتابعتها.

وأضاف الطراونة، من جهة ثانية، أن غالبية الجهات الإعلامية بدأت بتوجيه مواردها نحو هذا النمط من الفيديو، الذي يعزز فرص الانتشار والاستهلاك، وأن «مقاطع الفيديو الطولية تعتبر أداة فعالة لجذب الشباب، الذين يميلون للمحتوى البصري الموجز والمباشر، كما أن الفيديو الطولي يعكس أسلوب حياة الشباب الرقمي الذي يعتمد على الهواتف الجوالة».

هذا، وفي حين أرجع الطراونة التأخر في اعتماد مقاطع الفيديو الطولية - رغم انتشارها على منصات التواصل الاجتماعي منذ سنوات - إلى «القيود التقنية والأساليب التقليدية لإنتاج الفيديو»، قال إن معظم الكاميرات والشاشات والمعدات كانت مصممة لإنتاج الفيديو الأفقي ذي الأبعاد 4:3 أو 16:9، وكان هذا هو الشكل المعياري للإعلام المرئي سابقاً. ثم أوضح أن «إدراك منصات الإعلام التقليدية لأهمية الفيديو الطولي لم يترسخ إلا بعد بزوغ نجم منصات مثل (تيك توك) إبان فترة جائحة كوفيد-19، وبعدها بدأت تتغير أولويات الإنتاج وباشرت بدعم هذا الشكل الجديد من المحتوى تدريجياً».