تفاهمات بارزاني ـ العبادي تقلب خريطة التحالفات السياسية في العراق

ملامح تحالف جديد يتبلور في مواجهة المالكي والسنة المحسوبين عليه

مقاتلة فرنسية تغادر موقعها من حاملة الطائرات شارل ديغول في اتجاه العراق لمحاربة أتباع داعش (أ.ف.ب)
مقاتلة فرنسية تغادر موقعها من حاملة الطائرات شارل ديغول في اتجاه العراق لمحاربة أتباع داعش (أ.ف.ب)
TT

تفاهمات بارزاني ـ العبادي تقلب خريطة التحالفات السياسية في العراق

مقاتلة فرنسية تغادر موقعها من حاملة الطائرات شارل ديغول في اتجاه العراق لمحاربة أتباع داعش (أ.ف.ب)
مقاتلة فرنسية تغادر موقعها من حاملة الطائرات شارل ديغول في اتجاه العراق لمحاربة أتباع داعش (أ.ف.ب)

لم يمضِ الزعيم الكردي مسعود بارزاني ليلته في بغداد التي انقطع عن زيارتها منذ سنوات بسبب خلافاته الحادة مع رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، رغم أنه كان قد قضى فيها شطرًا من شبابه مطلع الستينات من القرن الماضي، وأتقن اللغة العربية في مدارسها. بارزاني الذي وصل بغداد صباح الخميس بدأ لقاءاته مع رئيس الوزراء حيدر العبادي، الذي تناول على مائدته طعام الغداء ليختتمها على عشاء مع زعيم المجلس الأعلى الإسلامي عمار الحكيم، بحضور قيادات من التحالف الوطني ليس من بينها مقربون من زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي.
وبين غداء العبادي وعشاء الحكيم التقى بارزاني رئيس الجمهورية فؤاد معصوم والهيئة السياسية للتيار الصدري، وممثلين عن ائتلاف الوطنية بزعامة إياد علاوي. في مقابل ذلك تجنب بارزاني لقاء رئيس البرلمان سليم الجبوري، على خلفية إقالة وزير المالية هوشيار زيباري، وزعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي. أما أسامة النجيفي زعيم ائتلاف «متحدون» واستنادًا لما أبلغ به «الشرق الأوسط» مصدر مقرب منه فقد «التقى بارزاني على هامش دعوة الغداء التي أقامها العبادي على شرف بارزاني والوفد المرافق له». وأضاف المصدر المقرب من النجيفي أن «الأخير دعا بارزاني بحضور العبادي إلى أن يتناول طعام العشاء عنده لكن بارزاني أخبر النجيفي بأنه لن يتناول طعام العشاء إلا في منزل أسامة النجيفي في الموصل بعد تحريرها، وهو ما جعل القادة الثلاثة يعاهدون أنفسهم على العمل معًا لتحرير الموصل بأقصى سرعة ممكنة».
وعلى الرغم من الطابع الرسمي للزيارة ظاهرًا، حيث حرص بارزاني على أن تكون لقاءاته مع مختلف الأطراف والقوى السياسية في بغداد بمشاركة جميع أعضاء الوفد الكردي المرافق له الذي يضم خصومًا له داخل إقليم كردستان، فإن التفاهمات التي توصل إليها بارزاني مع العبادي، حتى في سياقها الرسمي الذي يمثل مشتركات مع القوى الكردية الأخرى لا سيما قضية رواتب موظفي الإقليم والاتفاق النفطي وسواها من القضايا الخلافية بين بغداد وأربيل، تصب في النهاية، مثلما يرى القيادي البارز في التيار الصدري أمير الكناني، في تقوية أسس الاتفاقات الجديدة التي تلوح في الأفق.
ففي المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده العبادي وبارزاني بعث الطرفان رسائل إيجابية لكليهما. ففيما أعلن العبادي دعمه لـ«الحكم المركزي في العراق.. ونؤيد الاستقرار السياسي في إقليم كردستان العراق». فإن بارزاني ذهب هذه المرة إلى ما هو أبعد من ذلك حين رهن استقلال إقليم كردستان، وهي القضية المصيرية بالنسبة له شخصيًا وللأكراد، بـ«موافقة بغداد» وهو تحول جديد وحاسم في خطاب بارزاني، الذي كثيرًا ما تنظر إليه بغداد على أنه خطاب متطرف.
وبينما يبدو زعيم ائتلاف الوطنية إياد علاوي أكثر حرصًا على بناء تحالف سياسي جديد يجمعه مع الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة بارزاني والتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر والمجلس الأعلى بزعامة عمار الحكيم، وهو ما تم تكريسه خلال لقاء وفد ائتلافه «الوطنية»، مع رئيس إقليم كردستان ببغداد في غياب علاوي بسبب وجوده خارج العراق فإن كلاً من القياديين في التيار الصدري أمير الكناني والمجلس الأعلى فادي الشمري، ومن خلال حديثيهما لـ«الشرق الأوسط» كلا على انفراد، حرصا على تجنب ذكر التفاهمات أو التحالفات الجديدة بشكل واضح مع اعتراف الجميع بوجود اصطفافات وخريطة جديدة.
الكناني، عضو الهيئة السياسية للتيار الصدري الذي شارك في اللقاء مع بارزاني ضمن وفد الهيئة السياسية، قال إن «التيار الصدري كان منذ البداية يرى أن القطيعة مع الكرد غير صحيحة وهو ما عبر عنه بارزاني بارتياح، حيث أكد لنا أنه يرى دائما أن العلاقة مع الصدريين أكثر سلاسة، وأنه يستطيع التفاهم معهم باستمرار وحريص على هذه العلاقة»، مبينا أن «بارزاني كان يرغب بلقاء قيادات سياسية تأتي من النجف ممثلة للسيد مقتدى الصدر، ولكن تم تشكيل هذه اللجنة من الهيئة السياسية التي التقت به، حيث بحثنا محاور كثيرة تتعلق بالعلاقة بين بغداد وأربيل وكذلك الوضع داخل الإقليم، وطالبناه بحل مشكلاته مع شركائه داخل الإقليم لأنها تؤثر علينا في بغداد، كذلك ناقشنا القضايا العالقة مثل النفط والرواتب ومعركة الموصل التي أخذت حيزا واسعا من النقاش».
وأوضح الكناني أن «بارزاني أوضح لنا أنه يعاني من قضية ازدياد النازحين في ظل عدم تقديم العون له كاشفا عن أنه يتوقع نزوح أكثر من 700 ألف شخص من الموصل إلى كردستان مع بدء المعارك وهذه قضية معقدة ما لم يتم التفاهم فيها مع بغداد».
وحول ما إذا كان تم بحث الخريطة أو الاصطفافات الجديدة، قال الكناني: «في الواقع ما يقال عن ذلك ليس جديدًا إذ إنه منذ سنة تقريبًا يجري الحديث عن خريطة واصطفافات، لا سيما ما طرحه السيد عمار الحكيم لجهة الكتلة العابرة للطائفية، وهي مسألة ممكنة شريطة أن تتضح كثيرًا من جوانبها، التي ما زالت غامضة بالنسبة لنا».
وفيما أشار إلى أنه «لم يتم بحث هذا الأمر مع بارزاني، لأنه من الناحية العملية غير ممكن باعتبار أن جزءًا من تشكيلة الوفد المرافق له لا تنتمي إلى جو التفاهمات الجديدة، خصوصًا الاتحاد الوطني الكردستاني، فإن هناك مسألة مهمة لا بد أن نأخذها بعين الاعتبار، وهي أن المزاج الانتخابي للمواطن العراقي لا يزال مزاجا طائفيا - عرقيا لكن مع ذلك كل شيء جائز بالنسبة لنا مع اتضاح الصورة».
بدوره، بدا القيادي في المجلس الأعلى الإسلامي فادي الشمري متفائلا وهو يشرح لـ«الشرق الأوسط» جو اللقاء الذي جمع بارزاني مع زعيم المجلس الأعلى الإسلامي عمار الحكيم، والذي استمر نحو أربع ساعات بحضور قيادات التحالف الوطني. وبينما كان يدعو الحكيم إلى الكتلة العابرة للطائفية قبل تزعمه التحالف الوطني، فإنه وطبقًا أشار الشمري إلى أهمية اللقاء بين بارزاني والحكيم «الذي كان هو الأطول بين كل اللقاءات في كسر الجمود في العلاقة بين بغداد وأربيل، وهي مسألة في غاية الأهمية بالإضافة إلى أن الطرفين استذكرا التحالف التاريخي الشيعي - الكردي، وأهمية إحيائه من جديد نظرًا للمظلومية المشتركة بين الطرفين على مدى عقود طويلة من الزمن».
وأضاف الشمري أن «معركة الموصل وحدود القوى المشاركة فيها مع رفض أي قوات أجنبية كانت أحد المحاور الأساسية في الحوار بالإضافة إلى أزمة النزوح المحتملة»، مبينًا أن «الذي لفت نظرنا هو أن هناك جوًا جديدًا في العلاقة بين الطرفين، إذ إن الرسائل التي تلقيناها من بارزاني في غاية الأهمية».
إلى ذلك، أكد المصدر المقرب من النجيفي أن «الجو الجديد بات واضحًا ويمثل أوراق ضغط من كل طرف على الطرف الآخر، لكن لا أحد يقول لك إننا تفاهمنا حول هذا التحالف»، مبينًا أن «مجرد حصول اللقاءات بين بارزاني والأطراف التي أشرت إليها، وعدم لقائه مع المالكي وسليم الجبوري يعني أن ملامح المحور المقبل باتت واضحة».
لكن عضو البرلمان العراقي عن ائتلاف دولة القانون والقيادية في جبهة الإصلاح، عواطف نعمة، ترى أن «زيارة بارزاني أُعطيت أهمية أكثر مما تستحق»، مشيرة إلى أن «الحكومة الاتحادية ترحب بمسعود بارزاني بدلاً من أن تقاضيه بسبب سرقات النفط وغيرها، وهو ما يعني أن بارزاني يجب أن يكون تحت طائلة القانون بدلاً من الاعتراف به وهو منتهية ولايته».
المزاج الذي تمثله نعمة هو ما يمثل إرادة الطرف الآخر الرافض لهذه الزيارة، والذي بات يصطف خلف المالكي، وانضم إليه، مثلما يقول المصدر المقرب من النجيفي، رئيس البرلمان سليم الجبوري لكي ينقذ نفسه من الإقالة.



«الرئاسي اليمني» يُطلق حرباً على الفساد في المؤسسات الحكومية

مجلس القيادة الرئاسي في اليمن يبدأ حملة واسعة لمكافحة الفساد وحماية المال العام (سبأ)
مجلس القيادة الرئاسي في اليمن يبدأ حملة واسعة لمكافحة الفساد وحماية المال العام (سبأ)
TT

«الرئاسي اليمني» يُطلق حرباً على الفساد في المؤسسات الحكومية

مجلس القيادة الرئاسي في اليمن يبدأ حملة واسعة لمكافحة الفساد وحماية المال العام (سبأ)
مجلس القيادة الرئاسي في اليمن يبدأ حملة واسعة لمكافحة الفساد وحماية المال العام (سبأ)

في خطوة غير مسبوقة تهدف إلى مواجهة الفساد المستشري في المؤسسات الحكومية وحماية المال العام، أعلن مجلس القيادة الرئاسي في اليمن حزمة من الإجراءات المنسقة لمكافحة الفساد وغسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتعزيز المركز القانوني للدولة، وذلك بعد تلقي المجلس تقارير من الأجهزة الرقابية والقضائية حول قضايا فساد كبرى وقعت في الأعوام الأخيرة.

وأفاد الإعلام الرسمي بأنه، بناءً على توصيات من رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، صدرت توجيهات مستعجلة لاستكمال إجراءات التحقيق في القضايا قيد النظر، مع متابعة الجهات المتخلفة عن التعاون مع الأجهزة الرقابية.

وشدد مجلس الحكم اليمني على إحالة القضايا المتعلقة بالفساد إلى السلطة القضائية، مع توجيهات صريحة بملاحقة المتهمين داخل البلاد وخارجها عبر «الإنتربول» الدولي.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن رشاد العليمي (سبأ)

وأمر العليمي -حسب المصادر الرسمية- بتشكيل فريق لتقييم أداء هيئة أراضي الدولة وعقاراتها، التي تواجه اتهامات بتسهيل الاستيلاء على أراضيها من قِبل شخصيات نافذة. كما شدد على إلغاء جميع التصرفات المخالفة للقانون وملاحقة المتورطين.

وبينما تشير هذه الخطوات الجادة من مجلس القيادة الرئاسي إلى التزام الحكومة اليمنية بمكافحة الفساد، وتحسين الأداء المؤسسي، وتعزيز الشفافية، يتطلّع الشارع اليمني إلى رؤية تأثير ملموس لهذه الإجراءات في بناء دولة القانون، وحماية موارد البلاد من العبث والاستغلال.

النيابة تحرّك 20 قضية

ووفقاً لتقرير النائب العام اليمني، تم تحريك الدعوى الجزائية في أكثر من 20 قضية تشمل جرائم الفساد المالي، وغسل الأموال، وتمويل الإرهاب، والتهرب الضريبي. ومن بين القضايا التي أُحيلت إلى محاكم الأموال العامة، هناك قضايا تتعلّق بعدم التزام بنوك وشركات صرافة بالقوانين المالية؛ مما أدى إلى إدانات قضائية وغرامات بملايين الريالات.

كما تناولت النيابة العامة ملفات فساد في عقود تنفيذ مشروعات حيوية، وعقود إيجار لتوليد الطاقة، والتعدي على أراضي الدولة، وقضايا تتعلق بمحاولة الاستيلاء على مشتقات نفطية بطرق غير مشروعة.

مبنى المجمع القضائي في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن (سبأ)

ومع ذلك، اشتكت النيابة من عدم تجاوب بعض الجهات الحكومية مع طلبات توفير الأدلة والوثائق، مما أدى إلى تعثر التصرف في قضايا مهمة.

وأوردت النيابة العامة مثالاً على ذلك بقضية الإضرار بمصلحة الدولة والتهرب الجمركي من قبل محافظ سابق قالت إنه لا يزال يرفض المثول أمام القضاء حتى اليوم، بعد أن تمّ تجميد نحو 27 مليار ريال يمني من أرصدته مع استمرار ملاحقته لتوريد عشرات المليارات المختلسة من الأموال العامة. (الدولار يساوي نحو 2000 ريال في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية).

وعلى صعيد التعاون الدولي، أوضحت النيابة العامة أنها تلقت طلبات لتجميد أرصدة أشخاص وكيانات متورطين في غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وبينما أصدرت النيابة قرارات تجميد لبعض الحسابات المرتبطة بميليشيات الحوثي، طلبت أدلة إضافية من وزارة الخزانة الأميركية لتعزيز قراراتها.

تجاوزات مالية وإدارية

وكشف الجهاز المركزي اليمني للرقابة والمحاسبة، في تقريره المقدم إلى مجلس القيادة الرئاسي، عن خروقات جسيمة في أداء البنك المركزي منذ نقله إلى عدن في 2016 وحتى نهاية 2021. وتضمنت التجاوزات التلاعب في الموارد المالية، والتحصيل غير القانوني للرسوم القنصلية، وتوريد إيرادات غير مكتملة في القنصلية العامة بجدة وسفارتي اليمن في مصر والأردن.

وأفاد الجهاز الرقابي بأن التجاوزات في القنصلية اليمنية في جدة بلغت 156 مليون ريال سعودي، تم توريد 12 مليون ريال فقط منها إيرادات عامة، في حين استولت جهات أخرى على الفارق. أما في مصر فتم الكشف عن استيلاء موظفين في السفارة على 268 ألف دولار من إيرادات الدخل القنصلي باستخدام وثائق مزورة.

وفي قطاع الكهرباء، كشف تقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة عن مخالفات جسيمة في عقود توفير المشتقات النفطية، تضمّنت تضخيم تكلفة التعاقدات وإهدار المال العام بقيمة تزيد على 285 مليون دولار. كما أشار التقرير إلى اختلالات في عقود السفينة العائمة لتوليد الطاقة التي تضمنت بنوداً مجحفة وإعفاءات ضريبية وجمركية للشركة المتعاقد معها.

وتحدّث الجهاز الرقابي اليمني عن اعتداءات ممنهجة على أراضي الدولة، تشمل مساحة تزيد على 476 مليون متر مربع، وقال إن هذه الاعتداءات نُفّذت بواسطة مجاميع مسلحة وشخصيات نافذة استغلّت ظروف الحرب لنهب ممتلكات الدولة. كما تم تسليم أراضٍ لمستثمرين غير جادين تحت ذرائع قانونية؛ مما تسبّب في إهدار أصول حكومية ضخمة.

وحسب التقارير الرقابية، تواجه شركة «بترومسيلة» التي أُنشئت لتشغيل قطاع 14 النفطي في حضرموت (شرق اليمن)، اتهامات بتجاوز نطاق عملها الأساسي نحو مشروعات أخرى دون شفافية، إلى جانب اتهامها بتحويل أكثر من مليار دولار إلى حساباتها الخارجية، مع غياب الرقابة من وزارة النفط والجهاز المركزي.