حزّ الرقاب.. فزّاعة «داعش»

لتأكيد أنه «ما زال باقيًا» رغم الهزائم

مشهد «حزّ الرقاب»، الذي تنتهجه عناصر «داعش» والأكثر دموية بين التنظيمات الإرهابية
مشهد «حزّ الرقاب»، الذي تنتهجه عناصر «داعش» والأكثر دموية بين التنظيمات الإرهابية
TT

حزّ الرقاب.. فزّاعة «داعش»

مشهد «حزّ الرقاب»، الذي تنتهجه عناصر «داعش» والأكثر دموية بين التنظيمات الإرهابية
مشهد «حزّ الرقاب»، الذي تنتهجه عناصر «داعش» والأكثر دموية بين التنظيمات الإرهابية

مشاهد «حزّ الرقاب»، الذي تنتهجه عناصر «داعش» الإرهابية، لا تنتهي، فكل يوم نشاهد مشهدا صادما، والأرجح أنها لن تنتهي لاعتقاد التنظيم الأكثر دموية بين التنظيمات الإرهابية المنتشرة حول العالم، أن هذه المشاهد القاسية هي «فزاعته» لتأكيد سيطرته وإظهار قوته لدى العالم، وأن الهزائم التي مني بها خلال الفترة الماضية لم تؤثر عليه. وكان أحدث المشاهد في سوريا خلال عيد الأضحى عندما نحر التنظيم 19 سوريًا، وفي حينه جرّ عناصر التنظيم الإرهابي ضحاياهم في مشهد مخيف وذبحوهم وعلقوهم كالذبائح. هذا المشهد المقزّز - على ما يبدو - كان مهما لـ«داعش» في هذا التوقيت، بالتحديد، في أعقاب الهزائم المتتالية التي مني بها في العراق وليبيا وسوريا، لتأكيد عبارته القديمة أنه «ما زال باقيًا ويتمدد»، وهي العبارة التي أطلقها التنظيم وقت ظهوره عام 2014.
ارتبطت فظائع تنظيم داعش الإرهابي المتطرف بفيديوهات قطع رؤوس المدنيين والعسكريين على حد سواء. ويشار إلى «داعش»، خلال السنة الأولى من إعلانه «خلافته» المزعومة في سوريا والعراق، قطع رؤوس ما يزيد عن 3 آلاف من المواطنين ومن عناصره بتهم مختلفة منها التجسس لصالح دول أجنبية.
ويقول مراقبون إن «داعش» يستخدم قطع الرؤوس لترهيب السكان في سوريا والعراق وليبيا، حيث أصدر سلسلة من أشرطة الفيديو الدعائية، وبث التنظيم عمليات إعدام علنية وجماعية، واحتوى بعضها على سجناء أجبروا على حفر قبورهم بأيديهم قبل إعدامهم، وكذلك أعدم عشرات المقاتلين السوريين المنتمين إلى المعارضة الثائرة ضد نظام بشار الأسد.
الهدوء واستسلام الضحايا لعناصر التنظيم، كان سمة أساسية في جميع مشاهد «النحر»، وهنا أعرب خبراء في الطب النفسي عن اعتقادهم أن «داعش» يستخدم نوعا من الحرمان الحسي لفترة معينة للضحية، وفي هذه الحالة يجري عزل الأسير عن إثارة كل الحواس، خصوصًا السمع والبصر، ما يجعله في حالة خنوع كاملة ويواجه الموت من دون مقاومة، ويقولون: إنه في هذه الحالة الإنسان يفضل الموت على انتظار مصيره. ورجح خبراء علم النفس أيضًا وجود احتمال آخر هو تخدير الضحايا بدليل أنهم لم يبدوا ردود فعل.
على صعيد آخر، قال معنيون بشؤون الجماعات المتطرفة والإرهاب إن «داعش» يرسل إلى العالم عبر مناظر إعدام الضحايا رسالة مضمونها أن من يخالفونه في الفكر والمعتقد سيكون مصيرهم الذبح. وتابعوا أن التنظيم يعمد لنشر مشاهد حزّ الرقاب نتيجة هروب الكثير من أنصاره في العراق وسوريا بسبب الخسائر والهزائم التي يتلقاها بشكل يومي على يد التحالف الدولي الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأميركية، ولتأكيد أنه لا يزال قويا وأوراق اللعبة في يده. ويذكر أن الأردني أبو مصعب الزرقاوي مؤسس التنظيم في بداياته، كان أول من مارس الإعدام ذبحًا عندما حزّ عنق الرهينة الأميركي يوجين أرمسترونغ في العراق عام 2004. ومن ثم، ذبح «داعش» رهينة يابانيًا وسوريين وعراقيين ولبنانيين، بالإضافة لاثنين من الصحافيين الأميركيين، ومصريين أقباط في ليبيا.

دراسة مصرية
دراسة مصرية أعدتها أخيرًا دار الإفتاء في مصر، ذكرت أن أفعال وجرائم الدواعش تخالف كل القيم والمبادئ الدينية والإنسانية وما جاءت به جميع الأديان السماوية، ولاحظت أن أكثر ضحايا التنظيم هم من المسلمين من سكان المناطق التي يسيطر عليها التنظيم في سوريا والعراق وليبيا، ما يعني أن التنظيم إنما يحمل القتل والذبح أينما وجد.
وأشارت الدراسة إلى أن قادة تنظيم داعش يعتقدون أن القتل بوحشية يساهم في تثبيت سيطرتهم وخضوع الناس لهم خوفا من البطش في مختلف مناطق سيطرتهم، وذلك على الرغم من أن التراث الإسلامي لا يدعو إلى القتل وسفك الدماء أو إرهاب الناس وتخويفهم كي يذعنوا لهم ويعلنوا البيعة والولاء.
وعن عقيدة الذبح لدى «داعش»، قالت الدراسة إن «المرجعية الفكرية التي يستند إليها التنظيم في الذبح ترجع إلى جماعات متطرفة كانت أول من فعلوا هذه الفعلة الشنيعة في الإسلام»، مضيفة «أن قطع الرؤوس ممارسة قديمة عرفتها البشرية بمختلف أجناسها وثقافاتها، وأن هذه العملية اللاإنسانية كانت معروفة لدى بعض العرب في الجاهلية، وبعد أن جاء الإسلام لم يثبت عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه حُمل إليه رأس كافر بعد قطعه، ولا أنه أمر بحزّ الرؤوس؛ بل إن النصوص الشرعية لم تؤسس لمثل تلك العقيدة التي ينتهجها تنظيم داعش في القتل والذبح والتمثيل بالضحايا».
ورأت الدراسة «أن الكارثة الكبرى تكمن في محاولات هذا التنظيم الإرهابي إيجاد مبرّرات من الدين الشريف لشرعنة هذه الانتهاكات»، مع أنها لا تمت للإسلام بصلة.
وعن الأسباب التي تدعو «داعش» لقطع الرؤوس، تقول الدراسة إنها تشمل: إشباع سادية القائمين على التنظيم الذين أدمنوا رؤية الدماء، فأصبحت رؤية هذه الرؤوس المقطوعة عامل نشوة لهم، ومن ثم التأثير على الأهالي في الأراضي الواقعة تحت سيطرتهم، حتى يأتمروا بأمرهم وينضووا تحت سلطانهم. بالإضافة إلى رفع معنويات المقاتلين في صفوف التنظيم بإظهار قوة التنظيم. وإيصال رسالة لأعداء التنظيم بأن هذه هي نهاية من يعاديهم وأن قطع الرؤوس والتمثيل بالجثث جزاء من يحاربهم. وشن حرب أعصاب باستخدام وسائل الإعلام المختلفة كي يصل الخبر بكل مقوماته العنيفة لجميع أنحاء العالم.
حول ما يظهر من استسلام ضحايا «داعش»، تقول عبير مرسي، وهي خبيرة نفسية في مصر: «هناك نوعان من الوعي يسيطران على الإنسان في كل الأوقات: الأول الوعي العادي المتمثل في الفعل ورد الفعل، والآخر هو حالة الذهول التي تسيطر على الشخص، بحيث يكون عاجزًا عن استيعاب الوضع ما يجعله في حالة استسلام شديدة». موضحة أن من يأسرهم «داعش» يسيطر عليهم الوضع الثاني، فضلا عن احتمال أن يتم تخدير الضحايا، وأن يحقنهم بمواد معينة قوية وشديدة التأثير.
من جانبه، يقول الدكتور عبد الحليم منصور، وهو أستاذ للفقه المقارن، إن «من أسوأ أنواع القتل ما يفعله (داعش) ومن على شاكلته من التنظيمات المتطرفة من ذبح البشر، وسفك دمائهم على النحو الذي تظهره وسائل الإعلام المختلفة، وهذا الأمر يدل على وحشية لا نظير لها في عالم البشر اليوم، وأن هذه القلوب هي كالحجارة بل أشد أقسوة، ذلك أن الحجارة ترق وتهبط من خشية الله»، مضيفا: «إنهم بذلك يرسلون رسالة إلى العالم أن من يخالفونهم سيكون مصيرهم إلى الذبح، وأن من لا يؤمن بفكرتهم فهو كالحيوانات لا قيمة له، ولا يستحق إلا القتل على هذه الصفة. وهؤلاء القتلة وسفاكو الدماء ينطلقون في جرائمهم هذه من منطلق تكفيرهم لكل من يخالفهم، واستحلال دمائهم وأموالهم وأعراضهم على النحو الذي تنقله وسائل الإعلام المختلفة في العالم».
وعن استسلام الضحايا في مشاهد الإعدامات، قال منصور «الملاحظ أن قتل الضحايا يتم في هدوء تام، واستكانة كاملة دون مقاومة، وهذا يعود إما لأن هؤلاء الضحايا يخضعون للتعذيب والضرب المبرح في أماكن متفرقة وغير ظاهرة من البدن، الأمر الذي يجعل هؤلاء الضحايا خائفين مستكينين يمشون طوع ما يريده الدواعش خوفا من التعذيب والضرب المبرح لا سيما أنهم يعلمون أن مصيرهم إلى القتل لا محالة، فيكون هذا سببا في الاستكانة والطاعة الكاملة لهم، أو أن الضحايا يمكن أن يكونوا قد خضعوا لتأثير عقاقير مهدئة تجعلهم هادئين مستجيبين للأوامر دون أدنى مقاومة». وتابع منصور «أما فكرة الوعد بالعفو هذه التي يرددها البعض والتي من شأنها أن تجعل الأسير هادئا ولا يقاوم، فأرى أنها غير واردة بالمرة لأنهم من الجبروت بمكان، ولديهم من وسائل التعذيب المختلفة، والوسائل العلمية الحديثة ما يخضعون به ضحاياهم لما يريدون دون وعد بعفو أو غيره».
وفي السياق ذاته، قال الدكتور أحمد علي سليمان، المدير التنفيذي السابق لرابطة الجامعات الإسلامية، إن «جرائم تنظيم داعش لم تتوقف عند قتل وذبح المدنيين والعسكريين في البلاد العربية والمناطق التي يسيطر عليها في العراق وسوريا أو حتى ليبيا؛ بل امتدت لذبح الرعايا الأجانب الذين يعملون في الدول العربية، وكله باسم الدين والدين منه براء». أما عن التصوير الذي يقوم به «داعش»، فلم يستبعد سليمان استخدام «داعش» للخدع السينمائية والصور المركبة والتكنولوجيا البصرية عند ذبح الأجانب، لافتًا إلى أن «داعش» برع في إنتاج دعاية الرعب عبر تصوير عمليات الإعدام المروّعة لمن يقعون تحت قبضته «وهذه الفيديوهات المفبركة أو الحقيقية التي يبثها مع استخدام طريقة تخدير الضحايا تصيب من يشاهدها بالرعب والألم والتوتر، وهذا مقصود ومستهدف وليس اعتباطًا».
من ناحية أخرى، رصدت الدراسة المصرية، أن تنظيم داعش يعتمد في رؤيته القتالية على عدد من الأحاديث والروايات «التي يسيء تأويلها وتفسيرها، ويلوي أعناق نصوصها لتتوافق مع سياسته الإجرامية في القتال والحرب، ليبرّر بها شرعيته المزعومة وادعاءاته التي يزعم من خلالها زورًا وبهتانا تأسيس الخلافة الإسلامية في الأرض، كما يبرر بها ما يرتكبه من فظائع وجرائم في حق الإنسانية». وقالت: إن التنظيم الإرهابي أصدر فتوى تبيح لمقاتلي التنظيم ذبح كل من يخالفهم، ونصّت فتوى «داعش» على أن «الذبح فريضة إسلامية غائبة» واستدل التنظيم بعبارة من حديث نبوي شهير «جئتكم بالذبح» دون الوقوف على مدلولاته وسياقه.
وتابعت الدراسة «استند التنظيم التكفيري إلى جزء من حديث آخر وهو (وجعل رزقي تحت ظل رمحي)، وهو ما نشره التنظيم في مجلة (دابق) أحد أذرعته الإعلامية، حيث أوضح التنظيم أن هذا الحديث إشارة إلى أن الله لم يبعث الرسول (صلى الله عليه وسلّم) بالسعي في طلب الدنيا ولا بجمعها واكتنازها ولا الاجتهاد في السعي في أسبابها، وإنما بعثه داعيا إلى توحيده بالسيف، ومن لازم ذلك أن يقتل أعداءه الممتنعين عن قبول التوحيد، ويستبيح دماءهم وأموالهم، ويسبي نساءهم وذراريهم». وفندت تأويلات تنظيم داعش لمثل هذه الأحاديث.
وأضافت الدراسة أن «داعش» ارتكب جرما كبيرا في حق الكلام النبوي، حيث انتزع عبارة من الحديث الشريف الذي رواه أحمد وغيره، وفيه «استمعوا يا معشر قريش، أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح»، فذهبوا في فهمها مذهبا غريبا لا أساس له، ينسبون به إلى الهدي النبوي ظلمات وجرائم، مشيرة إلى أن التنظيمات الإرهابية زعمت أن النبي (صلى الله عليه وسلم) جعل الذبح والقتل شعارا لهذا الدين وحاشاه صلى الله عليه وسلم من هذا الفهم المنحرف، وسوّغوا به لأنفسهم قطع الرقاب، وذبح الآدميين بصورة مفعمة بالبطش والفتك، لا يرضاها دين الله ولا يقرها؛ بل ينكرها أشد الإنكار.
واختتم الدكتور سليمان أن التمويل الضخم ووسائل التقنية الحديثة الماثلة للعيان في الفيديوهات والمنشورات التي ينشرها «داعش» عبر آلياته الإعلامية تدل دلالة واضحة على أن الدوائر التي تقف خلف التنظيم كبيرة جدا، وهي تمده بأرقى وأحدث ما وصلت إليها من تكنولوجيا الاتصالات وآليات الإعلام الحديث، فضلا عن إمداد التنظيم بالموارد المالية والأسلحة.



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.