حزّ الرقاب.. فزّاعة «داعش»

لتأكيد أنه «ما زال باقيًا» رغم الهزائم

مشهد «حزّ الرقاب»، الذي تنتهجه عناصر «داعش» والأكثر دموية بين التنظيمات الإرهابية
مشهد «حزّ الرقاب»، الذي تنتهجه عناصر «داعش» والأكثر دموية بين التنظيمات الإرهابية
TT

حزّ الرقاب.. فزّاعة «داعش»

مشهد «حزّ الرقاب»، الذي تنتهجه عناصر «داعش» والأكثر دموية بين التنظيمات الإرهابية
مشهد «حزّ الرقاب»، الذي تنتهجه عناصر «داعش» والأكثر دموية بين التنظيمات الإرهابية

مشاهد «حزّ الرقاب»، الذي تنتهجه عناصر «داعش» الإرهابية، لا تنتهي، فكل يوم نشاهد مشهدا صادما، والأرجح أنها لن تنتهي لاعتقاد التنظيم الأكثر دموية بين التنظيمات الإرهابية المنتشرة حول العالم، أن هذه المشاهد القاسية هي «فزاعته» لتأكيد سيطرته وإظهار قوته لدى العالم، وأن الهزائم التي مني بها خلال الفترة الماضية لم تؤثر عليه. وكان أحدث المشاهد في سوريا خلال عيد الأضحى عندما نحر التنظيم 19 سوريًا، وفي حينه جرّ عناصر التنظيم الإرهابي ضحاياهم في مشهد مخيف وذبحوهم وعلقوهم كالذبائح. هذا المشهد المقزّز - على ما يبدو - كان مهما لـ«داعش» في هذا التوقيت، بالتحديد، في أعقاب الهزائم المتتالية التي مني بها في العراق وليبيا وسوريا، لتأكيد عبارته القديمة أنه «ما زال باقيًا ويتمدد»، وهي العبارة التي أطلقها التنظيم وقت ظهوره عام 2014.
ارتبطت فظائع تنظيم داعش الإرهابي المتطرف بفيديوهات قطع رؤوس المدنيين والعسكريين على حد سواء. ويشار إلى «داعش»، خلال السنة الأولى من إعلانه «خلافته» المزعومة في سوريا والعراق، قطع رؤوس ما يزيد عن 3 آلاف من المواطنين ومن عناصره بتهم مختلفة منها التجسس لصالح دول أجنبية.
ويقول مراقبون إن «داعش» يستخدم قطع الرؤوس لترهيب السكان في سوريا والعراق وليبيا، حيث أصدر سلسلة من أشرطة الفيديو الدعائية، وبث التنظيم عمليات إعدام علنية وجماعية، واحتوى بعضها على سجناء أجبروا على حفر قبورهم بأيديهم قبل إعدامهم، وكذلك أعدم عشرات المقاتلين السوريين المنتمين إلى المعارضة الثائرة ضد نظام بشار الأسد.
الهدوء واستسلام الضحايا لعناصر التنظيم، كان سمة أساسية في جميع مشاهد «النحر»، وهنا أعرب خبراء في الطب النفسي عن اعتقادهم أن «داعش» يستخدم نوعا من الحرمان الحسي لفترة معينة للضحية، وفي هذه الحالة يجري عزل الأسير عن إثارة كل الحواس، خصوصًا السمع والبصر، ما يجعله في حالة خنوع كاملة ويواجه الموت من دون مقاومة، ويقولون: إنه في هذه الحالة الإنسان يفضل الموت على انتظار مصيره. ورجح خبراء علم النفس أيضًا وجود احتمال آخر هو تخدير الضحايا بدليل أنهم لم يبدوا ردود فعل.
على صعيد آخر، قال معنيون بشؤون الجماعات المتطرفة والإرهاب إن «داعش» يرسل إلى العالم عبر مناظر إعدام الضحايا رسالة مضمونها أن من يخالفونه في الفكر والمعتقد سيكون مصيرهم الذبح. وتابعوا أن التنظيم يعمد لنشر مشاهد حزّ الرقاب نتيجة هروب الكثير من أنصاره في العراق وسوريا بسبب الخسائر والهزائم التي يتلقاها بشكل يومي على يد التحالف الدولي الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأميركية، ولتأكيد أنه لا يزال قويا وأوراق اللعبة في يده. ويذكر أن الأردني أبو مصعب الزرقاوي مؤسس التنظيم في بداياته، كان أول من مارس الإعدام ذبحًا عندما حزّ عنق الرهينة الأميركي يوجين أرمسترونغ في العراق عام 2004. ومن ثم، ذبح «داعش» رهينة يابانيًا وسوريين وعراقيين ولبنانيين، بالإضافة لاثنين من الصحافيين الأميركيين، ومصريين أقباط في ليبيا.

دراسة مصرية
دراسة مصرية أعدتها أخيرًا دار الإفتاء في مصر، ذكرت أن أفعال وجرائم الدواعش تخالف كل القيم والمبادئ الدينية والإنسانية وما جاءت به جميع الأديان السماوية، ولاحظت أن أكثر ضحايا التنظيم هم من المسلمين من سكان المناطق التي يسيطر عليها التنظيم في سوريا والعراق وليبيا، ما يعني أن التنظيم إنما يحمل القتل والذبح أينما وجد.
وأشارت الدراسة إلى أن قادة تنظيم داعش يعتقدون أن القتل بوحشية يساهم في تثبيت سيطرتهم وخضوع الناس لهم خوفا من البطش في مختلف مناطق سيطرتهم، وذلك على الرغم من أن التراث الإسلامي لا يدعو إلى القتل وسفك الدماء أو إرهاب الناس وتخويفهم كي يذعنوا لهم ويعلنوا البيعة والولاء.
وعن عقيدة الذبح لدى «داعش»، قالت الدراسة إن «المرجعية الفكرية التي يستند إليها التنظيم في الذبح ترجع إلى جماعات متطرفة كانت أول من فعلوا هذه الفعلة الشنيعة في الإسلام»، مضيفة «أن قطع الرؤوس ممارسة قديمة عرفتها البشرية بمختلف أجناسها وثقافاتها، وأن هذه العملية اللاإنسانية كانت معروفة لدى بعض العرب في الجاهلية، وبعد أن جاء الإسلام لم يثبت عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه حُمل إليه رأس كافر بعد قطعه، ولا أنه أمر بحزّ الرؤوس؛ بل إن النصوص الشرعية لم تؤسس لمثل تلك العقيدة التي ينتهجها تنظيم داعش في القتل والذبح والتمثيل بالضحايا».
ورأت الدراسة «أن الكارثة الكبرى تكمن في محاولات هذا التنظيم الإرهابي إيجاد مبرّرات من الدين الشريف لشرعنة هذه الانتهاكات»، مع أنها لا تمت للإسلام بصلة.
وعن الأسباب التي تدعو «داعش» لقطع الرؤوس، تقول الدراسة إنها تشمل: إشباع سادية القائمين على التنظيم الذين أدمنوا رؤية الدماء، فأصبحت رؤية هذه الرؤوس المقطوعة عامل نشوة لهم، ومن ثم التأثير على الأهالي في الأراضي الواقعة تحت سيطرتهم، حتى يأتمروا بأمرهم وينضووا تحت سلطانهم. بالإضافة إلى رفع معنويات المقاتلين في صفوف التنظيم بإظهار قوة التنظيم. وإيصال رسالة لأعداء التنظيم بأن هذه هي نهاية من يعاديهم وأن قطع الرؤوس والتمثيل بالجثث جزاء من يحاربهم. وشن حرب أعصاب باستخدام وسائل الإعلام المختلفة كي يصل الخبر بكل مقوماته العنيفة لجميع أنحاء العالم.
حول ما يظهر من استسلام ضحايا «داعش»، تقول عبير مرسي، وهي خبيرة نفسية في مصر: «هناك نوعان من الوعي يسيطران على الإنسان في كل الأوقات: الأول الوعي العادي المتمثل في الفعل ورد الفعل، والآخر هو حالة الذهول التي تسيطر على الشخص، بحيث يكون عاجزًا عن استيعاب الوضع ما يجعله في حالة استسلام شديدة». موضحة أن من يأسرهم «داعش» يسيطر عليهم الوضع الثاني، فضلا عن احتمال أن يتم تخدير الضحايا، وأن يحقنهم بمواد معينة قوية وشديدة التأثير.
من جانبه، يقول الدكتور عبد الحليم منصور، وهو أستاذ للفقه المقارن، إن «من أسوأ أنواع القتل ما يفعله (داعش) ومن على شاكلته من التنظيمات المتطرفة من ذبح البشر، وسفك دمائهم على النحو الذي تظهره وسائل الإعلام المختلفة، وهذا الأمر يدل على وحشية لا نظير لها في عالم البشر اليوم، وأن هذه القلوب هي كالحجارة بل أشد أقسوة، ذلك أن الحجارة ترق وتهبط من خشية الله»، مضيفا: «إنهم بذلك يرسلون رسالة إلى العالم أن من يخالفونهم سيكون مصيرهم إلى الذبح، وأن من لا يؤمن بفكرتهم فهو كالحيوانات لا قيمة له، ولا يستحق إلا القتل على هذه الصفة. وهؤلاء القتلة وسفاكو الدماء ينطلقون في جرائمهم هذه من منطلق تكفيرهم لكل من يخالفهم، واستحلال دمائهم وأموالهم وأعراضهم على النحو الذي تنقله وسائل الإعلام المختلفة في العالم».
وعن استسلام الضحايا في مشاهد الإعدامات، قال منصور «الملاحظ أن قتل الضحايا يتم في هدوء تام، واستكانة كاملة دون مقاومة، وهذا يعود إما لأن هؤلاء الضحايا يخضعون للتعذيب والضرب المبرح في أماكن متفرقة وغير ظاهرة من البدن، الأمر الذي يجعل هؤلاء الضحايا خائفين مستكينين يمشون طوع ما يريده الدواعش خوفا من التعذيب والضرب المبرح لا سيما أنهم يعلمون أن مصيرهم إلى القتل لا محالة، فيكون هذا سببا في الاستكانة والطاعة الكاملة لهم، أو أن الضحايا يمكن أن يكونوا قد خضعوا لتأثير عقاقير مهدئة تجعلهم هادئين مستجيبين للأوامر دون أدنى مقاومة». وتابع منصور «أما فكرة الوعد بالعفو هذه التي يرددها البعض والتي من شأنها أن تجعل الأسير هادئا ولا يقاوم، فأرى أنها غير واردة بالمرة لأنهم من الجبروت بمكان، ولديهم من وسائل التعذيب المختلفة، والوسائل العلمية الحديثة ما يخضعون به ضحاياهم لما يريدون دون وعد بعفو أو غيره».
وفي السياق ذاته، قال الدكتور أحمد علي سليمان، المدير التنفيذي السابق لرابطة الجامعات الإسلامية، إن «جرائم تنظيم داعش لم تتوقف عند قتل وذبح المدنيين والعسكريين في البلاد العربية والمناطق التي يسيطر عليها في العراق وسوريا أو حتى ليبيا؛ بل امتدت لذبح الرعايا الأجانب الذين يعملون في الدول العربية، وكله باسم الدين والدين منه براء». أما عن التصوير الذي يقوم به «داعش»، فلم يستبعد سليمان استخدام «داعش» للخدع السينمائية والصور المركبة والتكنولوجيا البصرية عند ذبح الأجانب، لافتًا إلى أن «داعش» برع في إنتاج دعاية الرعب عبر تصوير عمليات الإعدام المروّعة لمن يقعون تحت قبضته «وهذه الفيديوهات المفبركة أو الحقيقية التي يبثها مع استخدام طريقة تخدير الضحايا تصيب من يشاهدها بالرعب والألم والتوتر، وهذا مقصود ومستهدف وليس اعتباطًا».
من ناحية أخرى، رصدت الدراسة المصرية، أن تنظيم داعش يعتمد في رؤيته القتالية على عدد من الأحاديث والروايات «التي يسيء تأويلها وتفسيرها، ويلوي أعناق نصوصها لتتوافق مع سياسته الإجرامية في القتال والحرب، ليبرّر بها شرعيته المزعومة وادعاءاته التي يزعم من خلالها زورًا وبهتانا تأسيس الخلافة الإسلامية في الأرض، كما يبرر بها ما يرتكبه من فظائع وجرائم في حق الإنسانية». وقالت: إن التنظيم الإرهابي أصدر فتوى تبيح لمقاتلي التنظيم ذبح كل من يخالفهم، ونصّت فتوى «داعش» على أن «الذبح فريضة إسلامية غائبة» واستدل التنظيم بعبارة من حديث نبوي شهير «جئتكم بالذبح» دون الوقوف على مدلولاته وسياقه.
وتابعت الدراسة «استند التنظيم التكفيري إلى جزء من حديث آخر وهو (وجعل رزقي تحت ظل رمحي)، وهو ما نشره التنظيم في مجلة (دابق) أحد أذرعته الإعلامية، حيث أوضح التنظيم أن هذا الحديث إشارة إلى أن الله لم يبعث الرسول (صلى الله عليه وسلّم) بالسعي في طلب الدنيا ولا بجمعها واكتنازها ولا الاجتهاد في السعي في أسبابها، وإنما بعثه داعيا إلى توحيده بالسيف، ومن لازم ذلك أن يقتل أعداءه الممتنعين عن قبول التوحيد، ويستبيح دماءهم وأموالهم، ويسبي نساءهم وذراريهم». وفندت تأويلات تنظيم داعش لمثل هذه الأحاديث.
وأضافت الدراسة أن «داعش» ارتكب جرما كبيرا في حق الكلام النبوي، حيث انتزع عبارة من الحديث الشريف الذي رواه أحمد وغيره، وفيه «استمعوا يا معشر قريش، أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح»، فذهبوا في فهمها مذهبا غريبا لا أساس له، ينسبون به إلى الهدي النبوي ظلمات وجرائم، مشيرة إلى أن التنظيمات الإرهابية زعمت أن النبي (صلى الله عليه وسلم) جعل الذبح والقتل شعارا لهذا الدين وحاشاه صلى الله عليه وسلم من هذا الفهم المنحرف، وسوّغوا به لأنفسهم قطع الرقاب، وذبح الآدميين بصورة مفعمة بالبطش والفتك، لا يرضاها دين الله ولا يقرها؛ بل ينكرها أشد الإنكار.
واختتم الدكتور سليمان أن التمويل الضخم ووسائل التقنية الحديثة الماثلة للعيان في الفيديوهات والمنشورات التي ينشرها «داعش» عبر آلياته الإعلامية تدل دلالة واضحة على أن الدوائر التي تقف خلف التنظيم كبيرة جدا، وهي تمده بأرقى وأحدث ما وصلت إليها من تكنولوجيا الاتصالات وآليات الإعلام الحديث، فضلا عن إمداد التنظيم بالموارد المالية والأسلحة.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».