أميركا: «الذئاب المنفردة» تتغذى من العنصرية

اعتداءات نيويورك ونيوجيرسي ومينيسوتا مثالاً

لقطة من هجمات نيويورك الإرهابية ({الشرق الأوسط})
لقطة من هجمات نيويورك الإرهابية ({الشرق الأوسط})
TT

أميركا: «الذئاب المنفردة» تتغذى من العنصرية

لقطة من هجمات نيويورك الإرهابية ({الشرق الأوسط})
لقطة من هجمات نيويورك الإرهابية ({الشرق الأوسط})

واجهت الولايات المتحدة في عطلة نهاية الأسبوع ثلاث محاولات وهجمات إرهابية في ولايات مينيسوتا ونيويورك ونيو جيرسي. وبدا أن هذه الهجمات مستوحاة من تنظيم داعش الإرهابي المتطرف، وتؤشر إلى تزايد عمليات «الذئاب المنفردة» في ظل الاستقطاب المتزايد والمشاعر المعادية للمسلمين التي يعمل المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب على تأجيجها.
ثلاث هجمات في ظرف 12 ساعة، هي عبارة عن تفجيرات في شوارع مدينة نيويورك وضواحيها بولاية نيوجيرسي المتاخمة لولاية نيويورك، واعتداء بسلاح أبيض طعنًا في مركز للتسوق في ولاية مينيسوتا، كانت كفيلة بنشر البلبلة والرعب في نفوس المواطنين الأميركيين.
عند نحو الساعة التاسعة والنصف صباحًا في بلدة سيسيد بارك، بنيوجيرسي، انفجرت قنبلة أنبوبية من أصل ثلاث قنابل داخل مستوعب للنفايات، مدمّرة المستوعب من دون أن يصاب أحد بأذى، في حين لم تنفجر القنبلتان الأخريان. وعلى الأثر قال مسؤولون أمنيون إن «الانفجار كان ربما يستهدف سباقًا خيريًا من تنظيم قوات مشاة البحرية، ولكن لم يتواجد أحد بالقرب من الانفجار عند وقوعه؛ وذلك بسبب حدوث تأخير غير متوقع».
ونحو الساعة الثامنة والنصف هزّ انفجار آخر الشارع 23 والجادة 6، في حي تشيلسي بمنطقة مانهاتن، التي هي قلب مدينة نيويورك؛ ما أسفر عن إصابة 29 شخصًا. ولقد عثر المحققون على أوجه شبه بين المتفجرات التي استخدمت في المنطقتين، وفقًا لما جاء في تقارير وسائل الإعلام.
أما عند الساعة التاسعة مساءً في مدينة سانت كلاود، بولاية مينيسوتا في شمال وسط البلاد على الحدود مع كندا، دخل رجل يرتدي زيًا أمنيًا المركز التجاري «كروسرود مول»، حيث هاجم وطعن تسعة أشخاص بعدما صرخ «الله أكبر»، وذلك قبل أن يُطلق عليه النار ويقتله شرطي كان خارج دوام عمله. وحسب شهود عيان، فإن منفّذ الاعتداء الدامي سأل شخصًا واحدًا على الأقل ما إذا كان مسلمًا أم لا قبل أن يهاجمه. وبعد اعتداء مينيسوتا، ادّعت قناة «تيليغرام» التابعة لـ«داعش» أن المنفذ الجاني في مينيسوتا أمس كان «أحد جنود الدولة» المزعومة، وقام أنصار التنظيم الإرهابي بتمجيده والثناء على فعلته.
من ناحية ثانية، زعمت قناة «تيليغرام» أن هذا الاعتداء جاء استجابة لدعوة التنظيم الإرهابي المتطرف لاستهداف مواطني البلدان التي تنتمي إلى التحالف الذي تصفه بـ«الصليبي»، وهو مصطلح يشير إلى قوات التحالف التي تنفذ ضربات جوية ضد «داعش» بقيادة الولايات المتحدة.
من ناحية أخرى، ادعى أحمد رحمي، المشتبه به في تنظيم العمليتين الإرهابيتين في مدينة نيويورك وولاية نيوجيرسي، أنه استوحى العمليتين من تنظيمي «القاعدة» و«داعش» كما تبين في دفتر يومياته الملطّخ بالدماء حين عثرت عليه الشرطة بعد إطلاقها النار عليه. وكشفت السلطات عن وجود هذا الدفتر، وقالت إنه مجّد فيه أيضًا نضال حسن، الذي قتل 13 شخصًا في قاعدة فورت هود بولاية تكساس، و«الأخ أسامة بن لادن»، وأنور العولقي، عضو تنظيم «القاعدة الأميركي اليمني» الذي قتل في هجوم طائرة بلا طيار (درون) شنته الولايات المتحدة في عام 2011، كذلك تضمنت صور من دفتر رحمي مراجع تتعلّق مباشرة بـ«أبو محمد العدناني» أحد أبرز قادة «داعش»، ولقد كتب في دفتره «كنت أبحث عن الإرشاد والحمد لله، جاءني الإرشاد من الشيخ أنور (العولقي)، والأخ العدناني- الدولة».
وكما تبين من دفتر رحمي، كان تنظيم داعش مصدر إلهام للاعتداءات التي استهدفت الولايات المتحدة بعد دعوته إلى تنفيذ عمليات من نمط عمليات «الذئاب المنفردة». وهذا الصيف أيضًا، كما تجدر الإشارة، دعا «أبو محمد العدناني» (طه صبحي فلاحة) المتحدث باسم «داعش»، الذي أعلن أخيرًا عن مقتله، أتباعه في الغرب إلى تنفيذ عمليات إرهابية، حيث يقيمون. وقال في إطار التركيز على نمط «الذئاب المنفردة» أنه لم يعد من الضروري الانضمام إلى التنظيم في العراق وسوريا، كما حرض الراديكاليون والمتطرفون من مناصري التنظيم على استخدام كل الوسائل الممكنة للقتل.
ووفقًا للدكتور ماثيو ليفيت، من «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»، كان تنظيم داعش شديد الوضوح في دعوته إلى اعتماد اعتداءات فردية وفق نمط «الذئاب المنفردة» في أي مكان من العالم. وفي كتاب إلكتروني نشر على شبكة الإنترنت ويحمل عنوان «كيفية البقاء على قيد الحياة في الغرب: دليل مجاهد (2015)» يقول: «داعش» إنه «مع تزايد عدد هجمات الذئاب المنفردة سيصعب على وكالات الاستخبارات وقف انتشار العنف المتزايد والفوضى في الغرب».
وهنا يقول أليكس وارد، الخبير الأمني في «مركز برنت سكوكروفت» في «المجلس الأطلسي» خلال مقابلة أجرتها معه «الشرق الأوسط» شارحًا «ما نعرفه هو أنه بات بإمكان الأفراد الآن شن هجمات فردية بنمط (الذئاب المنفردة) أكثر من أي وقت مضى. ومع توفّر المعلومات والتكنولوجيات للجميع، سيتمتع (الذئب المنفرد) دائمًا بالقدرة على محاولة شن اعتداء لأي سبب من الأسباب».
والحقيقة، أن لاعتداءات نيويورك - نيوجيرسي عددًا من الاتجاهات المثيرة للاهتمام، وفق ليفيت الذي يقول: «سنشهد المزيد من هجمات يشنها جانٍ وحيد (أشخاص يتصرفون بشكل مستقل)، وقد ينفذ هذه الهجمات أشخاص لا تربط بينهم أي صلة أو أشخاص على علاقة ببعضهم بعضا».
ومن ناحية ثانية، كما يرى ليفيت، أن تنظيم داعش قد يلجأ أكثر فأكثر إلى شن «هجمات انتهازية» عندما يتبين أنها ناجحة. ويضيف موضحًا «لقد أعلن التنظيم تبنيه هجمات لا علاقة لها به إطلاقًا، مثل عملية إطلاق النار في أورلاندو بولاية فلوريدا». وفعلاً تكرر ذلك في اعتداء نيس في فرنسا. ويختم ليفيت كلامه بالقول «قد يفضل (داعش) تبني العمليات الناجحة فقط، على الرغم من أن التفجيرات في مدينة نيويورك يمكن أن تعتبر ناجحة أيضا، على الأقل بشكل جزئي؛ كونها أثارت الرعب في النفوس لبضعة أيام».
ومن جهة ثالثة، قد يشجع تصاعد مناخ الاستقطاب وتزايد التهجم والتحامل على المجتمعات الإسلامية شن هجمات جديدة على الأراضي الأميركية. وحقًا، لوحظ كيف ضاعف المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب خطاباته العنصرية ضد المسلمين. ففي عام 2015، اقترح ترامب لأول مرة «الإغلاق التام والكامل للحدود لمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة إلى أن يتمكن ممثلو بلدنا من معرفة ماذا يجري». وفي حينه، ساهم تشدد ترامب، وتحديدًا اقتراحه الحظر الذي طلب فرضه على المسلمين، في فوزه بترشيح الحزب الجمهوري، وذلك على الرغم من اتهامه بالتعصب الديني، وكان هذا الاتهام في نظر كثيرين مبرّرًا.
وهذا الأسبوع، أثار دونالد ترامب الابن، أكبر أولاد ترامب، ضجة عارمة في وسائل التواصل الاجتماعي من خلال مقارنته اللاجئين السوريين بحلوى «السكيتلز» بطعم الفاكهة؛ إذ لمّح ترامب الابن إلى أنه يتوجب على الولايات المتحدة ألا تقبل بدخول اللاجئين إلى أراضيها، وذلك عبر مشاركة صورة طرح من خلالها السؤال التالي «إذا كان لدي وعاء من السكيتلز وقلت لكم إن ثلاث حبات فقط ستقتلكم، فهل تأخذون حفنة منها؟ هذه هي مشكلتنا مع اللاجئين السوريين». وأضاف: «هذه الصورة تعبّر عن الوضع بشكل كامل. دعونا نضع حدًا لجدول الأعمال المناسب سياسيا الذي لا يضع مصلحة أميركا أولاً».
ختامًا، إذا كانت مشاعر العداء للولايات المتحدة منتشرة في العالم الإسلامي الآن، تخيّلوا مدى تفاقمها في حال أصبحت خطابات مرشّحين مثل دونالد ترامب هي السائدة. فالمجتمعات المستقطبة تميل إلى توليد رد فعل شديد، ومستويات عنف يكون الإرهاب أحد جوانبها.



تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
TT

تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)

غداة الزيارة المريبة التي قام بها الوالي العثماني المنحول إردوغان إلى تونس، علا صوت الكثير من الأحزاب التونسية والاتحادات العامة للشغل وغيرها من جماعات المجتمع المدني بالرفض لأن تكون تونس ممراً أو مستقراً لنقل «الدواعش» من سوريا إلى ليبيا بواسطة تركيا عبر بلادهم».
المطالب المتقدمة تعني أمراً واحداً، وهو يقين الشرفاء والنبلاء من الشعب التونسي بأن بعض من نوايا إردوغان الحقيقية بالنسبة لليبيا موصول بإعادة إنتاج التنظيم الإرهابي الأشرس في العقود الأخيرة (داعش)، وربما في طبعة جديدة أسوأ مما شهده العالم في العراق وسوريا خلال النصف الثاني من العقد الماضي.
أسئلة كثيرة تطل برأسها من نافذة الأحداث المتسارعة عن أحوال «داعش» وعن الفوضى والارتباك اللذين تتسبب فيهما تركيا في ليبيا، وفي الوسط تسعى لنقل معركتها إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، وإلى العمق الأفريقي لأهداف سنأتي على تفصيلها.
علامة الاستفهام الأولى في هذا الحديث: «ما هو وضع الدواعش في الوقت الحاضر في موطن النشوء الأول ومن حول بلاد الشام التاريخية؟».
الجواب نجده بالتفصيل والأرقام عند هارون ي زيلين، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وعنده أنه في عام 2019 قدر البنتاغون أن ما بين 14 و18 ألف من مقاتلي تنظيم «داعش» لا يزالون في العراق وسوريا، والتساؤل ما الذي يفعلونه هناك؟
بلا شك مواصلة العمل كتنظيم إرهابي متمرد يكرس أعضاؤه جل وقتهم لمحاولة تهريب السجناء، وربما إعادة السيطرة على الأراضي، ومن خلال حرب استنزاف يعتقدون أنهم سيرهقون أعداءهم، كما أنهم يستفيدون من أي مساحات لا تسيطر عليها الحكومة المركزية أو يلعبون على وتر خطوط الصدع السياسية أو العرقية أو الدينية آملين في استغلالها لصالحهم.
> هل لدى التنظيم حتى الساعة مقدرة مالية على إدارة شؤونه بنفسه والإنفاق على عملياته الإرهابية؟
ــــ من الواضح أن الدواعش لا يزالون قابضين على ثروة تقدر بنحو 300 مليون دولار، ووفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في يوليو (تموز) 2019، فإن «داعش» استثمر مجدداً أمواله في أعمال مشروعة، وربما بأسماء وهمية لا علاقة لها بأعضائه الإرهابين، أي من خلال عناصر نائمة، وذلك عبر العقارات، ووكلاء السيارات، ويوجد عدد منها في تركيا وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية التي صنفت أفراداً من تنظيم «داعش» وشركات تحويل وصرافة على لائحة الإرهاب.
> ماذا تعني تلك البيانات المتقدمة؟
ــــ باختصار غير مخل، تشير إلى أن التنظيم لا يزال باقياً وفاعلاً، وأن الأيادي التركية السوداء تقف وراءه في أقصى الشرق، وها هي تجد فرصة غير مسبوقة ليعبر المتوسط جهة الغرب ويحل برحاله في ليبيا.
لم ينس إردوغان للحظة واحدة أنه في الشرق من ليبيا، توجد مصر الكنانة التي أسقطت مشروعه في عام 2013؛ فقد خيل له أنه قد أضحى الخليفة الجديدة بعد سنوات الربيع المغشوش؛ ولهذا فإن ملامح وعلامات الانتقام من مصر لا تغيب عن ناظريه، وقد حاول كثيراً استخدام الطابور الخامس من الإخوان المسلمين في مصر في زعزعة استقرار المحروسة وأخفق؛ ولهذا فقد بدا واضحاً أن الرجل المقهور يود نقل معركته إلى الداخل المصري بالاقتراب الكبير والمؤثر والفاعل؛ الأمر الذي لا يغيب عن أعين صقور المؤسسة العسكرية المصرية التي تقف له بالمرصاد.
وجد إردوغان ضالته المنشودة في جماعة الوفاق المنحلة، التي هي مزيج من الإخوان المسلمين والدواعش و«القاعدة» والجماعات الإرهابية كافة الشاردة والواردة، ومن خلال عمليات لوجيستية تتضح ساعة بعد أخرى، يمضي في إحياء التنظيم القاتل وله في ذلك أيضاً مأربان، أحدهما جهة الشمال والآخر ناحية الجنوب...ماذا عن ذلك؟
أما الشمال، فالمقصود به أوروبا، حيث العداء التاريخي المستحكم من تركيا تجاه أوروبا، وإردوغان يشعر بالغدر والخيانة من جراء رفض الاتحاد الأوروبي قبوله تحت سقفه؛ ولهذا أطلق تصريحات ذات طبيعة دوجمائية أكثر من مرة، حاول بها تفعيل مشاعر ديماجوجية في وسط الأتراك ليكتسب شعبية، رغم أن الأمر ارتد عليه مؤخراً بالسلب.
يسعى إردوغان من تأصيل وجود «الدواعش» على الشاطئ المتوسطي المواجه لأوروبا إلى استخدام الإرهاب الأصولي كأحدى أوراق نفوذه ضد ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والبرتغال، وقبلهما اليونان وقبرص، وهو أمر ليس بجديد عليه، فقد صرح قبل فترة بأنه قادر على فتح بوابات الوصول إلى أوروبا أمام اللاجئين والدواعش لإغراق أوروبا، وربما إحراقها بنيران الدواعش ومن لفّ لفّهم.
إردوغان أيضاً له مأرب آخر يتصل بعمق القارة الأفريقية، وهو يدرك أن ما فقده من أوهام الخلافة في الشرق الأوسط، ربما يجد له صدى في وسط أفريقيا، حيث يغيب الأمن كثيراً عن بعض الدول من جهة، ولا سيما المفككة اجتماعياً، وحيث تنتشر جماعات الإرهاب المشابهة من «حركة الشباب» و«بوكو حرام» وما شابه، وغالبيتها قد أعلنت ولاءها وانضواءها تحت راية تنظيم «داعش» الإرهابية وليس الإسلامية قبل نحو عامين.
والشاهد، أن إردوغان لا ينشئ فرعاً جديداً لـ«داعش» في ليبيا، وإنما يسعى لإيقاظ المؤتلفة قلوبهم، إن جاز التعبير، أولئك الذين هم دواعش في الباطن وإن أبدوا خلاف ذلك في العلن، والمعروف أن الأرضية الأصولية الإخوانية في ليبيا كانت قد انتهزت فرصة الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011، حيث أقام المقاتلون مثل سوريا والعراق حكماً دينياً، غير أنه وفي عام 2016 استطاعت قوات الحكومة ومقاتلون من مصراتة بدعم من القوات الأميركية الخاصة وطائرات «إف 16» إخراج مقاتلي التنظيم من سرت في ديسمبر (كانون الأول) 2016.
في ذلك الهجوم قُتلت أعداد كبيرة من المتشددين، في حين هرب البقية إلى الجنوب بحثاً عن ملاجئ آمنة، وأقاموا معسكرات تدريب استخدموها للسطو على شاحنات النفط، وحصلوا على موارد من خلال التهريب، وهرب بعضهم إلى النيجر، حيث انضموا إلى فرع التنظيم هناك. ورغم عددهم القليل فإنهم استمروا في هجماتهم السريعة.
مؤخراً، وحتى قبل التدخل الإردوغاني المسموم، بدأ القلق يتزايد في سرت مرة أخرى، حيث تم اعتقال عشرة أشخاص يشتبه بتعاطفهم مع التنظيم، منهم مهندسة عثر على جهاز لاسلكي في بيتها، كما قبض على رجل قابل أعضاء في «خلية نائمة»، وأقاموا حاجز تفتيش خارج المدينة لإظهار أنهم لا يزالون فيها.
> هل بدأت مرحلة إحياء «داعش» ليبيا بشكل رسمي الأيام الأخيرة وبدعم علني من تركيا لا يواري ولا يداري أهدافه الآثمة؟
ــــ من الواضح أن ذلك كذلك، ولا سيما في ضوء ما رصده «المرصد السوري لحقوق الإنسان» في سوريا، والذي أشار قبل أيام إلى أن الفصائل السورية الموالية لتركيا قد افتتحت هناك مراكز تسجيل أسماء الأشخاص الراغبين بالذهاب للقتال في ليبيا.
> هل بدأ الحشد «الداعشي» التركي طريقه إلى ليبيا بالفعل؟
ــــ الشاهد، أنه، ومن أسف، قد بدأ عشرات الأشخاص يقصدون تلك المراكز للالتحاق بالمعارك في ليبيا للعمل تحت الحماية التركية هناك، كما نقلت مصادر محلية قولها إن الفصائل الموالية لتركيا تشجع الشباب على الالتحاق بالحرب الليبية، وتقدم مغريات ورواتب مجزية تراوح بين 1800 و2000 دولار أميركي لكل مسلح شهرياً، علاوة عل تقديم خدمات إضافية تتكفل بها الدولة المضيفة.
ولعل الذين تابعوا الأسبوع الماضي تصريحات المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري قد وقر لديهم أن عجلة إحياء تنظيم «داعش» في ليبيا قد دارت بالفعل، وذلك من خلال الأصابع المشبوهة للمخابرات التركية التي تقوم بنقل عناصر التنظيم، عطفاً على القادمين والمنتمين الجدد والذين هم في غالبيتهم مرتزقة ومؤدلجون أصوليون، والنوعان معاً، ولا سيما من أعضاء «جبهة النصرة» من سوريا إلى ليبيا عبر مطار جربة في تونس، الأمر الذي يعود بنا إلى الحديث عن تونس مرة جديدة، ويربط بينها وبين ما يجري في ليبيا.
> هل تعرّض التونسيون إلى خدعة كبرى في اختيارهم الأخير؟
ــــ مهما يكن من أمر ساكن القصر الرئاسي، إلا أن المؤكد أن حزب «النهضة التونسي» ليس إلا وجهاً آخر من أوجه الإخوان المسلمين في تونس، وهو أحد فروع التنظيم الدولي لـ«الإخوان» المسلمين المنتشر حول العالم، يأتمر بأمرهم، ويتوجه كيفما يعنّ لبوصلتهم.
هنا يصبح من الحقيقي التسليم بالمعلومات التي رصدها الجيش الليبي من استخدام مطارات تونس لغرض إنشاء «داعش» جديدة على الأراضي الليبية، ومنها مطار جربة، حيث تم إنزال مجموعات إرهابية في تونس، وتم نقلهم إلى ليبيا عن طريق الجبل الغربي، ومطار مصراتة وزواره، ومعتيقة تحديداً التي استقبلت أعداداً كبيرة من «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش».
في هذا السياق، يبقى من الطبيعي أن تنهض آمال «الدواعش» في تونس في الفترة المقبلة، أولئك الذين سيصبحون الجسر الواصل بين تونس وليبيا؛ الأمر الذي حذر منه البرلمان التونسي السابق قبل عودة النهضة الكارثية مرة أخرى، لكن في ظل السيطرة الإخوانية التونسية الأخيرة يكاد يكون الأمل سراباً في إعادة ضبط وتموضع «الدواعش» التونسيين.
حين نشير إلى أن دواعش ليبيا قد بدأوا مرحلة مغاير آخذة في التصاعد الإرهابي المؤلم، فإننا لا نرجم بالغيب، بل من خلال أدلة ليس آخرها الفيديو الذي أذاعوه نهار الخامس من ديسمبر 2019، وفيه ذبح لمواطنين ليبيين بينهم موظفون حكوميون سقطوا أسرى في أيدي التنظيم، ومشاهد بشعة لعمليات إعدام جماعية بالرصاص، في منطقة الفقهاء جنوب ليبيا.
الفيديو بثته وكالة «أعماق» التابعة لتنظيم «داعش» حمل اسم «وأخرجوهم من حيث أخرجوكم»، استمر نحو 31 دقيقة وأظهر معاملة مشينة من عناصر التنظيم للأسرى الذين وقع اختطافهم، أو المواطنين الذين تم اعتقالهم خلال عملياته الإرهابية على بلدة الفقهاء، حيث وثقت مقاطع عملية إعدام جماعية لأشخاص مكبلين رمياً بالرصاص على رؤوسهم.
الأسئلة الجوهرية في هذا السياق، هل ستبقى أوروبا مكتوفة الأيدي أمام تركيا وهي تعيد سيرة حروب القرون الوسطى من جديد، وهل ستكتفي بدور المشاهد بعد أن أسقطت نظام القذافي ولم يكن لها خطة لليوم التالي؟
ثم فيما يخص أميركا، لماذا يتسم موقفها بالميوعة السياسية، وهل يخشى إردوغان من التورط في الأزمة الليبية عسكرياً وهو في عام الانتخابات ولديه من الإشكاليات الداخلية ما يكفي؟
ألا تعد خطط إردوغان نوعاً من تهديد السلم العالمي، الأمر الذي يستوجب التنادي إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالاتحاد من أجل السلم قبل أن يستفحل الضرر ويتحول المشهد إلى حرب إقليمية؟
ثم ما هو الدور الروسي في ليبيا وهي التي تسعى لاستعادة نفوذها هناك، وهل سيقدر لها قطع الطريق على الآغا العثمانلي بطريق مشابهة لما فعلته مع الدواعش في سوريا؟